تعانى مصر حاليا من أزمة كهرباء أدت إلى لجوء الحكومة لتنفيذ خطة لتخفيف الأحمال على مستوى محافظات الجمهورية كلها.
أثارت هذه الأزمة الكثير من التساؤلات حول إمكانيات مصر للاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والفرص والموارد البديلة التى يمكن الاعتماد عليها فى توفير الطاقة وتوليد الكهرباء، دون اللجوء إلى الوقود الأحفورى سواء كان مازوت أو غازا.
وبدأت الأوساط المجتمعية والاقتصادية تتحدث عن ضرورة استفادة مصر من المصادر الطبيعية للطاقة التى هباها الله إياها مثل الشمس والرياح، وانتشر الحديث عن ضرورة التوسع فى استخدام الألواح الشمسية فى إنتاج الطاقة بالمنازل والأحياء السكنية، فضلا عن استغلال طاقة الرياح فى توليد الكهرباء للمصانع فى منطقة البحر الأحمر وقناة السويس التى تتمتع بقوة كبيرة فى سرعة الرياح.
يأتى ذلك فى ظل تنفيذ مصر استراتيجية وطنية للطاقة المتجددة تستهدف رفع إنتاج الطاقة المتجددة من مختلف المصادر إلى أكثر من 42% بحلول عام 2035.
وكشف تقرير لمجلس الوزراء أن إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة أدى إلى تحقيق احتياطى تجاوز 13 ألف ميجاوات فى 2022، مقارنة بعجز نحو 6 آلاف ميجاوات فى عام 2014.
وتنتج مصر حاليا أكثر من 6 آلاف ميجاوات من الطاقة المتجددة تشكل نحو 20% من الاستخدام اليومى للقدرات المركبة للطاقة الكهربائية فى مصر، ومن المخطط الوصول بهذه النسبة إلى 42% بحلول عام 2035.
ونظراً للأهمية القصوى لمصادر الطاقة المتجددة أصبح التوسع فيها أمرا حتميا، خاصة مع أزمة الطاقة التى يمر بها العالم خلال السنوات الماضية، وجعلت أسعار البترول والغاز فى ارتفاع مستمر، مع عدم توافرها بشكل دائم والتحكم فيها من خلال بعض المنظمات الدولية، بهدف رفع الأسعار والبقاء عليها مرتفعة دائما.
فى هذا الملف نتحدث عن أسباب أزمة الكهرباء فى مصر والفرص البديلة المتاحة لإنتاجها دون اللجوء إلى الوقود الأحفورى، وأهمها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلاً عن إعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى طاقة كهربائية.
الشمس.. مصدر دخل للفرد والدولة
محطات الطاقة الشمسية في المنازل.. بديل للكهرباء
مصر هى أول دولة فى العالم أنشأت محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، حيث أنشأ المهندس الأمريكى فرانك شومان المتخصص فى مجال الطاقة الشمسية عام 1911، محطة طاقة شمسية بمنطقة المعادى، لكن تشغيلها لم يستمر أكثر من عام واحد.
والآن مع أزمة الطاقة العالمية وتحول العالم إلى الطاقة المتجددة، بدأت مصر التوسع فى إنشاء محطات الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، حتى أصبحت تحتل المركز الرابع عالميا فى هذا المجال.
وتؤكد مصر دائماً أنها تنفذ مشروعات الطاقة الشمسية فى مناطق تتميز بقوة السطوع الشمسى طوال أيام العام، دون الارتباط بفصل معين، وهو ما يستبعد توقف أى من محطات الطاقة الشمسية فى البلاد، تزامناً مع انخفاض درجات الحرارة، ولذلك تقتنص منطقة كوم أمبو فى محافظة أسوان أغلب مشروعات الطاقة الشمسية وكذلك الغردقة ومنطقة الزعفرانة.
وعقب تشغيل محطة بنبان فى أسوان بقدرة 2000 ميجاوات، احتلت مصر المركز الرابع عالميا من حيث أكبر محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، بعد 3 محطات فى الهند والصين، ولذلك أطلق على مجمع بنبان عاصمة العالم للطاقة الشمسية.
ويضم المجمع 32 محطة شمسية، تبلغ قدرة كل محطة منها 50 ميجاوات، ويعد رابع أكبر تجمع لمحطات طاقة شمسية بنظام الخلايا الفوتوفلطية بدون تخزين على مستوى العالم، وحصل على جائزة التميز الحكومى العربية بدورتها الأولى كأفضل مشروع تطوير بنية تحتية.
أما محطة كوم أمبو فقد بدأت مصر التشغيل التجارى لها فى فبراير 2020، بنظام الخلايا الفوتوفلطية التى تعتمد على تحويل الطاقة الحرارية الساقطة من الشمس إلى طاقة كهربائية، وتُجمَع فى مجموعة من الخطوط لتوصيلها على الشبكة.
وتبلغ قدرة محطة الخلايا الفوتوفلطية فى كوم أمبو نحو 26 ميغاوات، وبتكلفة استثمارية وصلت إلى 19 مليون يورو، وتوفر نحو 12 ألف طن نفط مكافئ كان يتم استخدامه فى محطات الكهرباء العادية.
وخلال أزمة الكهرباء الحالية، بدأ الكثيرون الاهتمام بمحطات الطاقة الشمسية سواء للمصانع أو المنازل، وإن كان التفكير فيها للقطاع المنزلى أكبر من الصناعى، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وحاجة المواطنين إلى تشغيل الأجهزة الكهربائية الخاصة بهم.
وكانت الحكومة قد أعلنت من قبل عن الإجراءات الواجب اتباعها لتركيب الألواح الشمسية أعلى المنازل، تضمنت مخاطبة شركة الكهرباء للإشراف على أعمال التركيب، والتوجه للحى لاستخراج تصريح بأعمال التركيب أعلى السطح، وفى حالة وجود سكان بالعقار يتقدم رئيس اتحاد الشاغلين بالعقار بطلب التصريح، أما فى حالة أن العقار ملكية خاصة يتقدم مالك العقار بطلب التصريح بتركيب الألواح، ويصدر الحى تصريح إشغال لعدم مصادرة الألواح الشمسية والمعدات خلال توريدها للعقار، كما يصدر الحى قرارا بموافقة إدارة التنظيم على الأعمال وإدراجها بملف العقار الموجود بالحى.
ويقول المهندس هانى بشرى خبير الطاقة الشمسية، إن مصر بدأت منذ سنوات تنفيذ فكرة استخدام الطاقة الشمسية فى المبانى السكنية.
وأوضح أن هناك تجارب متعددة لمبانٍ سكنية وفيلات ومستشفيات قامت ببناء محطات طاقة شمسية عندها، والكهرباء المنتجة منها تكفى احتياجاتهم ويبيعوا الفائض لوزارة وشركات الكهرباء.
وأشار إلى أن محطات الطاقة الشمسية قد تكون مصدر دخل وربح للمواطنين، لأن شركة الكهرباء تقوم بتركيب عدادين للمحطات الشمسية فى المنازل، الأول يوضح حجم الاستهلاك والثانى يوضح كمية الطاقة الشمسية التى حصلت عليها الشركة من المحطة الخاصة بك يوميا، وفى نهاية الشهر تقوم بعملية مقاصة لحساب الاستهلاك وحساب الكميات التى حصلت عليها، ولو كان الاستهلاك أقل فإنك تحصل على أموال مقابل الطاقة التى حصلت عليها الشركة منك.
وأضاف: الأمر مناسب جدا للمواطنين وهناك تجارب عديدة نفذت فى هذا الاتجاه خلال الفترات الماضية، وبالإضافة إلى ذلك فإن المواطن الذى يستخدم الطاقة الشمسية لا يشعر بانقطاع الكهرباء، لأن المحطة الداخلية تبدأ فى العمل بمجرد انقطاع التيار الكهربى أوتوماتيك عن طريق البطاريات، ولذلك لا يشعر بمشكلة انقطاع الكهرباء، عدا تشغيل التكييفات التى يتم استبعادها لأنها تحتاج إلى بطاريات كثيرة وخدمة أكبر من الأجهزة الأخرى، ولكن المواطن لا يهتم كثيرا بهذا الأمر طالما أن باقى الأجهزة تعمل فى المنزل عند انقطاع الكهرباء.
وقال: «كذلك فإن كل الأجهزة داخل المستشفيات تعمل أيضاً بانتظام إذا كانت تعتمد على الطاقة الشمسية، وبالتالى يجب التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية فى مصر خلال الفترة القادمة، لكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدعم والتوعية للمواطنين بأهميته».
وأكد خبير الطاقة الشمسية أننا نحتاج من الدولة تقديم تسهيلات للمواطنين على غرار تسهيلات توصيل خدمات الغاز الطبيعى للمنازل عندما أرادت الاعتماد عليه خلال السنوات الماضية، بحيث يتم تقديم مبادرات من البنوك وتسهيلات مالية لتقسيط أصحاب كل وحدة سكنية ثمن الألواح الشمسية على سنوات بفوائد بسيطة.
وعن تكلفة تركيب المحطات الشمسية، قال «بشرى» إن احتياجات كل شقة لا تتعدى 3 كيلو وات، وتكلفة الكيلووات خلايا بالبطاريات حاليا 1000 دولار، أى إن متوسط تكلفة إنشاء محطة شمسية لكل شقة 3000 دولار فقط، وهذه التكلفة يسترجعها المواطن بعد 5 سنوات من بنائها، إذا كان استهلاكه أقل من إنتاجه ويبيع الفائض لشركة الكهرباء، أى أن التكلفة تعود إليه كاملة خلال 5 سنوات وبعدها يبدأ الربح منها.
وأشار إلى أن مصر تمتاز بمناخ مناسب لاستخدام الطاقة الشمسية والتوسع فيها، لأن الشمس ساطعة طوال العام، فلماذا لا نستغلها، ولذلك يجب على الحكومة طرح مبادرات وحوافز وتسهيلات للمواطنين، مع الدعاية والتوعية بأهميتها من وسائل الإعلام حتى نتوسع فيها.
وأضاف «إذا أرادت الدولة التوسع فى استخدام الطاقة الشمسية، فإن الإنتاج المحلى من الألواح الشمسية حاليا لا يكفى بشكل كامل لهذا التوسع وسنحتاج إلى الاستيراد، ولكن فيما بعد سوف نحقق الاكتفاء المحلى لأننا نمتلك شركات قوية فى هذا المجال، ولكن الاستفادة الأكبر هى تشغيل العمالة وفتح مصانع جديدة وحل مشكلة انقطاع الكهرباء وتوفير الوقود المستخدم فيها، بجانب إنها ستكون مصدر رزق للمواطنين».
وحول الوقت المستغرق لتركيب المحطات الشمسية فى المنازل، لفت «بشرى» إلى أنه لا يتعدى أياما، والأمر كله يتعلق بإنهاء الإجراءات الخاصة بالمحليات والمواصفات والاستشارى والحصول على الموافقات الحكومية.
الرياح.. إمكانيات هائلة وفرص واعدة
تعتبر مصر من أهم الدول المؤهلة لصدارة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، لأنها تمتلك أفضل مناطق فى العالم بها سرعات رياح عالية مثل البحر الأحمر وخليج السويس وشرق وغرب النيل، تصل إلى 9 و10 أمتار فى الثانية.
ووفقا لتقرير مجلس طاقة الرياح العالمى الصادر فى مارس 2023، تأتى مصر والمغرب على رأس الدول النامية التى تمتلك إمكانات كبيرة من طاقة الرياح تؤهلها لتحقيق الطموحات المناخية، فضلا عن دعم النمو الاقتصادى والوظائف.
وأوضح التقرير أن الاستغلال الأمثل لإمكانات الرياح الهائلة فى 5 دول نامية «مصر والمغرب والأرجنتين وكولومبيا وإندونيسيا» يمكن أن يضيف إجمالى 3.5 جيجاوات، ويوفر 12.5 مليار دولار و130 ألف وظيفة للاقتصادات المحلية فى غضون 5 سنوات فقط، مشيراً إلى أنه يمكن أن يكون تسريع نشر طاقة الرياح أداة رئيسة للبلدان النامية التى تتطلع إلى تنمية اقتصادها وتحقيق أهداف المناخ، مع جذب استثمارات بمليارات الدولارات وتوفير فرص عمل.
وبالفعل بدأت مصر فى استغلال إمكانياتها الطبيعية التى حباها الله إياها، ونفذت مشروعات عديدة لطاقة الرياح فى منطقة خليج السويس والبحر الأحمر، جعلت مساهمة الرياح فى توليد الكهرباء نحو 1.7 جيجا، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة خلال السنوات القادمة بشكل كبير.
ومن المتوقع أن تحتضن مصر أكبر محطة طاقة رياح فى العالم بقدرة حوالى 10 جيجاوات، من خلال شراكة إماراتية، بمشروع غرب سوهاج وبتكلفة استثمارية 10 مليارات دولار، حيث سيسهم مشروع المحطة فى تفادى إطلاق حوالى 23.8 مليون طن من الانبعاثات سنويا، تشكل حوالى 9% من مجموع انبعاثات الكربون فى مصر، وستوفر نحو 5 مليارات دولار من تكاليف الغاز الطبيعى السنوية لمصر، إضافة إلى توفير ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل.
سيد الطاهروقال المهندس سيد الطاهر عضو المجلس العربى للطاقة المستدامة والبيئة، إن مصر لديها إمكانيات هائلة لتوليد الكهرباء من الطاقة المتجددة ويجب عليها التوسع فى استخدام الطاقة الهجينة على المدى القصير والبعيد، لحل المشكلات الخاصة بالطاقة بشكل نهائى والحفاظ على البيئة.
وأضاف «الطاهر» أن مصر تستطيع بالطاقة المتجددة أن تغطى ثلاث مرات احتياجاتها الاستهلاكية، وأن الحل الأمثل والجذرى لمشكلة انقطاع الكهرباء هو استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة لعدم الوقوع فى تلك الأزمة مرة أخرى، ولذلك وضعت وزارة الكهرباء والطاقة خطة للوصول إلى ٤٢٪ من إنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الجديدة والمتجددة بنهاية عام ٢٠٣٥.
وأوضح أن إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وصل حاليا إلى ٦٠٠٠ ميجاوات، ومن أهم المشروعات التى حققت ذلك محطة الزعفرانة وجبل الزيت لطاقة الرياح بجانب السد العالى وقناطر أسيوط للطاقة الكهرومائية، ومحطة بنبان للطاقة الشمسية.
وأشار «الطاهر» إلى أن مصر تمتلك أكبر قدرات كهربائية من طاقة الرياح فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أن محطة جبل الزيت والتى تقع بمنطقة البحر الأحمر تعتبر أكبر محطة طاقة رياح فى الشرق الأوسط وواحدة من أكبر محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة فى العالم، سواء من حيث المساحة أو القدرات، حيث تقع المحطة على مساحة ١٠٠ كيلومتر مربع فى مدينة رأس غارب، وتبلغ قدراتها ٥٨٠ ميجاوات.
وتابع «سرعة الرياح فى بعض المناطق تصل إلى 10 أمتار فى الثانية، وهو ما يعزز أهمية استغلال هذه الطبيعة فى إنتاج الطاقة المتجددة»، مؤكداً أن اهتمام الدولة بالطاقة النظيفة لم يأتِ من فراغ وإنما مبنى على أسس علمية فى إطار خطة شاملة لزيادة قدرات مصر من الطاقة.
وطالب عضو المجلس العربى للطاقة المستدامة والبيئة، بزيادة العمل خلال الفترة القادمة على تنفيذ محطات الطاقة المتجددة والوصول إلى أحدث التقنيات للطاقة النظيفة، سواء رياح أو شمس أو غيرها من المصادر المختلفة.
من جانبه، قال الدكتور سامح نعمان استشارى الطاقة الجديدة والمتجددة، إن بداية مشروعات طاقة الرياح فى مصر كانت فى الزعفرانة عام 2001 لإنتاج 455 ميجاوات، ثم إنشاء مزرعة رياح جبل الزيت بإجمالى إنتاج 580 ميجاوات.
وأضاف أن هذه المشروعات أعطت قوة للطاقة المتجددة وخاصة الرياح، أدت إلى جذب مزيد من الاستثمارات فى هذا المجال، وبدأ القطاع الخاص يتعاقد على إنشاء أكبر مشروع لطاقة الرياح فى أفريقيا برأس غارب فى منطقة خليج السويس لإنتاج 500 ميجا باستثمارات 680 مليون دولار، ويعتبر ذلك أول مشروع للرياح ينشئه القطاع الخاص ويمتلكه ويديره بنظام poo، ويعمل مع المستهلك مباشرة.
وأوضح استشارى الطاقة الجديدة والمتجددة، أن مزايا هذا النظام أنه يعطى الحرية فى البيع والشراء بين القطاع الخاص والمستهلك وديناميكية فى العملية الإنتاجية، عكس نظام ppa الذى ينفذ فيه القطاع الخاص المشروع ويسلمه للدولة التى تبيع الإنتاج فيما بعد للمستهلك، مشيرا إلى أنه بعد اكتمال هذا المشروع سيكون لدينا 1375 ميجاوات من طاقة الرياح.
وأشار إلى أنه بعد الانتهاء من مشروعات الرياح المخطط لها فى مصر سنكون أكبر دولة لإنتاج الطاقة من الرياح فى منطقة الشرق الأوسط، موضحاً أن إضافة محطات طاقة الرياح والشمس يعتبر ثروة كبيرة فى إنتاج الهيدروجين الأخضر الذى تسعى مصر إلى التوسع فيه خلال الفترة المقبلة، لأن مصانع الهيدروجين الأخضر تعمل بالطاقة المتجددة، ولذلك فإن إنشاء مصانع الهيدروجين فى محيط محور قناة السويس بجوار محطات طاقة الرياح سيكون أمراً جيداً جداً ومفيداً للطرفين.
وأكد أن موقع مصر الاستراتيجى والإجراءات والتسهيلات الحكومية التى تم اتخاذها لإنشاء مشروعات الطاقة المتجددة خلال السنوات الماضية ساهم فى جذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية فى هذا المجال، وآخرها المشروع الإماراتى المشترك لإنتاج 10 جيجا من طاقة الرياح غرب سوهاج.
المخلفات.. كنز الطاقة المفقودمحطات تدوير المخلفات.. أحد مجالات الطاقة الحديثة
تحويل المخلفات إلى طاقة كهربائية من المجالات الحديثة التى بدأت مصر التوجه نحوها، وتحقيق الاستغلال الأمثل لإمكانياتها فيه، خاصة مع أزمة الطاقة التى تطل علينا بين الحين والآخر، مع البحث المستمر عن مصادر بديلة لتوليد الكهرباء، بعيداً عن محطات الوقود الأحفورى سواء الغاز أو المازوت.
وتتعدد فوائد تحويل المخلفات إلى طاقة، ما بين حل مشكلة التخلص من المخلفات المتراكمة، ومن ثم تقليل الانبعاثات والمساهمة فى توفير مزيد من الخيارات أمام توليد الكهرباء والنقل وغيرها من الاستعمالات، عبر استبدال الوقود الأحفورى بطاقة أخرى نظيفة.
كما أن تراكم المخلفات يتسبب فى إطلاق انبعاثات ضارة بالبيئة، فى الوقت الذى يمكن استغلالها كمصدر للطاقة، عن طريق التقاط الغاز الحيوى الناتج عن التحلل البكتيرى للمواد العضوية فى مدافن النفايات بتكلفة منخفضة، ومعالجته إلى غاز طبيعى متجدد يعتمد عليه وقودا نظيفا للنقل، أو توليد الكهرباء من حرق النفايات الصلبة، واستعمال الرماد فى صناعة البناء.
ووفقا لتقرير صادر عن شركة الأبحاث وود ماكنزى، فإن هناك زيادة مطردة سنويا فى تراكم النفايات العالمية، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.4 مليار طن بحلول عام 2050، مقابل 2.4 مليار طن فى 2022.
ومن المنتظر أن تصبح محطات تحويل المخلفات إلى طاقة أكثر أهمية خلال العقود المقبلة، لأن 70% من النفايات العالمية مناسبة لتدويرها وتحويلها لهذا الغرض، وبحلول عام 2050 سيتم تحويل 50% من المخلفات إلى طاقة تعادل 63.5 مليون طن نفط مكافئ.
وتنفذ مصر حاليا برنامجا لتحويل المخلفات إلى طاقة كهربائية، يهدف إلى خلق بيئة صحية ونظيفة وتحقيق عائد اقتصادى وإنتاج طاقة كهربائية صالحة للاستخدام، لأن هذه المشروعات تساهم فى تقليل كمية المخلفات التى يتم دفنها فى المدافن الصحية، وتوفير مساحات الأراضى التى يتم تخصيصها لإنشاء مدافن صحية، وتجنب وجود تراكمات داخل المحافظات التى تؤدى إلى أضرار بيئية وصدور انبعاثات.
كما تم فتح المجال أمام المستثمرين من القطاع الخاص للاستثمار فى هذا المجال، وبالفعل وقعت الدولة عقود تنفيذ عدد من المشروعات أهمها مشروع محطة تحويل المخلفات إلى طاقة كهربائية بأبو رواش، والذى يندرج تحت مشروعات الرخصة الذهبية باستثمارات تصل إلى ١٢٠ مليون دولار، ويسهم فى تقليل كمية المخلفات التى يتم التخلص النهائى منها بإنتاج طاقة كهربائية صالحة للاستخدام الذاتى بالمحطة وللربط على الشبكة، ومن المتوقع أن ينتج طاقة كهربائية ٣٠ ميجاوات/ساعة.
وبالإضافة إلى ذلك تم توقيع عقد إنشاء أول مصنع فى مصر لتوليد الكهرباء الكهرباء من البيوجاز وروث الحيوانات، بهدف معالجة 85 ألف طن سنويا من روث الماشية، وإنتاج 1 ميجاوات لكل ساعة من الكهرباء التى سيتم ربطها على الشبكة الوطنية للكهرباء، كما سيتم إنتاج أكثر من 80 ألف طن من السماد العضوى عالى الجودة، الذى أثبت فاعليته فى استعادة خصوبة التربة الزراعية ومضاعفة الإنتاجية.
ويشمل أهم أنواع المخلفات القابلة لإنتاج الطاقة، المخلفات البلدية الصلبة، والمخلفات الناتجة عن محطات معالجة مياه الصرف الصحى، والمخلفات التى يتم دفنها فى المدافن الصحية، فضلا عن المخلفات الزراعية، مثل قش الأرز أو سفير القصب والموز، وروث الماشية أو البيوجاز.
مجدي علامفى هذا السياق، قال الدكتور مجدى علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، إن مصر تعتبر من أوائل الدولة التى استخدمت ما يطلق عليه إعادة تدوير المخلفات.
وأضاف أن التدوير له عدة طرق منها تقليل حجم القمامة أساسا، بحيث أنه بدلاً من أن يكون نصيب الفرد من المخلفات يوميا كيلو يصبح نصف أو ربع كيلو، وبالتالى تخفيض الحجم يساعد فى إعادة التدوير والتخلص منها.
وأوضح أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، أننا لدينا فى مصر نحو 40 مليون طن مخلفات زراعية ونحو 30 مليون طن مخلفات منزلية بكل أنواعها، بداية من مخلفات الهدم وانتهاء بمخلفات الصرف الصحى والأتربة والمخلفات الصلبة، وبالتالى بدأت مصر مع توجه العالم نحو إعادة التدوير واستخدام هذه المخلفات فى إنتاج الطاقة والمواد الخام.
وأشار إلى أنه بعدما كنا نستورد طن بودرة البلاستيك بـ7 آلاف جنيه، أصبح جامعو القمامة الآن يبيعون طن البلاستيك المجروش الذى يجمعونه من مخلفات النظافة بـ2000 جنيه، وهنا يأتى دور إعادة تدوير المخلفات بعد تنظيفها واستخدامها فى إنتاج الطاقة فيما بعد.
وأوضح أن مصر تنفذ حاليا محطة فى وسط الدلتا لتوليد الكهرباء من إعادة تدوير المخلفات الزراعية عن طريق التخمر بواسطة سكب المياه على المخلفات الزراعية المختلفة التى تم تجميعها سواء قش الأرز أو مخلفات القصب والمحاصيل الأخرى، وبعدها يخرج منها غاز الميثان الذى يشتعل عندما يتلاقى مع الهواء، وبالتالى أصبحنا بالفعل نستخدم المخلفات الزراعية فى استخدامات متعددة بدلاً من حرقها فى الماضى، مع استخدامها فى إنتاج السماد والغذاء الحيوانى مع مربى الماشية والدواجن والأسماك.
وأكد «علام» أننا نحتاج إلى التوسع فى استخدام المخلفات فى إنتاج الكهرباء فى مختلف المناطق خلال الفترة القادمة وليس الدلتا فقط، بالإضافة إلى استخدام طاقة الرياح والمساقط المائية بشكل أكبر، لتحقيق أكبر استفادة من الإمكانيات التى تتمتع بها مصر.
تقارير دولية: الأزمة العالمية مستمرة لسنوات
منذ جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، يعانى العالم من أزمة طاقة طاحنة لم يشهدها منذ سبعينيات القرن الماضى، عندما حدثت أزمة النفط، ولكن وقتها الأزمة كانت فى النفط فقط وليس مصادر الطاقة كلها.
ويواجه قطاع الطاقة العالمى حاليا مجموعة من التحديات التى تجعل من أزمة الطاقة التى تعيشها معظم دول العالم مستمرة لسنوات ليست بالقليلة، بسبب نقص الاستثمارات الدولية فى توسيع طاقة إنتاج النفط والغاز وفى الاستكشافات النفطية، ما أدى إلى اضمحلال الكثير من مصادر الطاقة والذى سيتسبب بنقص الإمدادات فى العالم.
ووفقا لدراسات حديثة، فإنه على الرغم من إدراك العالم لحقيقة أن تراجع الاستثمارات طويلة الأجل فى النفط والغاز زاد من تحديات قطاع الطاقة، فإن ما عمّق الأزمة هو توجه البنوك المركزية وفى مقدمتها المجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وبنك إنجلترا والبنك المركزى الأوروبى منذ أكثر من عام إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة قوية وسريعة للسيطرة على معدلات ارتفاع الأسعار، الأمر الذى يخفف من انفتاح الشركات على الاستثمارات النفطية.
وكانت شركات قطاع الطاقة تعتقد منذ جائحة كورونا أن ذروة الطلب على النفط كانت فى 2019، ولهذا السبب كانت الاستثمارات النفطية أقل من المعدلات المعهودة ما قبل العام 2014، حيث بدأت الاستثمارات النفطية تنخفض بعد أن كانت تصل فى سنوات ماضية إلى أكثر من 600 مليار دولار، فى حين أنها تصل فى 2023 إلى 450 مليار دولار فقط، طبقا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك.
وحذرت وكالة الطاقة الدولية من أن أزمة الغاز التى يعيشها العالم والقارة الأوروبية بشكل خاص منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لم تنته.
وشهدت أسواق الغاز أكبر قدر من البلبلة خلال الفترة الماضية مع تسجيلها أسعاراً قياسية تاريخية وضغطاً غير مسبوق على الأسواق العالمية للطاقة، بعدما خفضت روسيا إمداداتها من الغاز للاتحاد الأوروبى فى 2022 إلى أقل من النصف، وأصبحت خطوط أنابيب الغاز شبه مغلقة فى 2023.
وبالرغم من أن أسعار الغاز تراجعت عن المستويات القصوى المسجلة فى 2022 وأن دول الاتحاد الأوروبى رفعت مستويات مخزونها منذ ذلك الحين، إلا أن وكالة الطاقة الدولية ترى أن الأزمة لم تنته وما زال يتعين القيام بالكثير وخصوصا للاستعداد للشتاء المقبل الذى سيكون أصعب من الشتاء الماضى.
إلا أن هذه الأزمة فى مصادر الوقود الأحفورى كانت لها نتائج إيجابية على مصادر الطاقة النظيفة والاستثمارات الخاصة بها، والذى من المتوقع أن يفوق الاستثمار فيها بشكل كبير الإنفاق على الوقود الأحفورى، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ومن المقرر استثمار حوالى 2.8 تريليون دولار على مستوى العالم فى الطاقة عام 2023، ومن المتوقع أن يذهب أكثر من 1.7 تريليون دولار إلى المصادر النظيفة بما فى ذلك مصادر الطاقة المتجددة، والمركبات الكهربائية، والطاقة النووية، وتحسين كفاءة الشبكات والتخزين، والوقود منخفض الانبعاثات، وتحسين كفاءة المضخات الحرارية، فيما سيذهب الباقى إلى الفحم والغاز والنفط.
كما توقع التقرير أن يرتفع الاستثمار فى الطاقة النظيفة على أساس سنوى بنسبة 24٪ بين عامى 2021 و2023، مدفوعًا بتزايد الاستثمارات فى مجال مصادر الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، مقارنة بزيادة قدرها 15٪ فى الاستثمار فى الوقود الأحفورى خلال نفس الفترة، ولكن أكثر من 90٪ من هذه الزيادة تأتى من الاقتصادات المتقدمة والصين، ما يمثل خطرًا جديًا يتمثل فى ظهور خطوط فاصلة جديدة فى الطاقة العالمية إذا لم تنتقل التحولات فى مجال الطاقة النظيفة فى أى مكان آخر.
وأوضح التقرير أنه مقابل كل دولار يستثمر فى الوقود الأحفورى، يذهب 1.7 دولار الآن إلى الطاقة النظيفة، أما قبل خمس سنوات، فكانت هذه النسبة من واحد إلى واحد.
وذكر التقرير أن هناك مجموعة من العوامل عززت من الاستثمارات فى مجال الطاقة النظيفة فى السنوات الأخيرة، أهمها فترات النمو الاقتصادى القوى وأسعار الوقود الأحفورى المتقلبة التى أثارت مخاوف بشأن أمن الطاقة، خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، كما تعزز السياسات والإجراءات الرئيسية مثل قانون خفض التضخم الأمريكى ومبادرات الحد من الانبعاثات الكربونية فى أوروبا واليابان والصين وأماكن أخرى من الاستثمار فى مجال الطاقة النظيفة.
وكشف التقرير أن إجمالى نمو الطاقة المتجددة سيتضاعف تقريباً بحلول 2027، وأن مصادر الطاقة المتجددة ستتفوق على الفحم باعتباره المصدر الأول للطاقة فى العالم، لأن المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة التى عززها غزو روسيا لأوكرانيا، حفزت الدول بشكل متزايد على تقليل اعتمادها على الوقود الأحفورى المستورد نتيجة الارتفاع الهائل فى الأسعار، والعمل بدلاً من ذلك على التحول نحو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ومن المتوقع أن تنمو القدرة العالمية على إنتاج الطاقة المتجددة بنحو 2.400 جيجاوات خلال الفترة من 2022 و2027، وهذه الزيادة الكبيرة هى أعلى بنسبة 30% من توقعات النمو قبل عام.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الطاقة المتجددة البحر الاحمر قناة السويس اسعار البترول الطاقة الشمسية طاقة الرياح الطاقة الجدیدة والمتجددة استخدام الطاقة الشمسیة مصادر الطاقة المتجددة محطات الطاقة الشمسیة من الطاقة المتجددة الکهرباء من الطاقة المخلفات الزراعیة إنتاج الکهرباء من تولید الکهرباء من انقطاع الکهرباء الألواح الشمسیة لتولید الکهرباء الطاقة الدولیة الطاقة النظیفة من طاقة الریاح من المتوقع أن القطاع الخاص خلال السنوات من الاستثمار الطاقة التى خلال الفترة أزمة الطاقة التقریر أن الشمسیة فى محطات طاقة بحلول عام فى العالم التى یتم ملیون طن فى منطقة بدأت مصر عن طریق تصل إلى إلى أنه أکثر من أن مصر فى مصر
إقرأ أيضاً:
الازدحامات المرورية في بغداد: أزمة خانقة أم فشل حكومي في توفير حلول مستدامة؟
ديسمبر 22, 2024آخر تحديث: ديسمبر 22, 2024
المستقلة /-تعيش العاصمة العراقية بغداد منذ صباح اليوم الأحد، 22 كانون الأول 2024، حالة من الازدحام المروري الخانق على مختلف شوارعها الرئيسية، ما يشكل تحدياً جديداً للسكان والسلطات المحلية. ازدحام الطرق السريعة، الجسور، والتقاطعات المختلفة بات يشكل جزءاً من حياة يومية للمواطنين، دون أفق قريب لحل هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات.
خارطة الازدحامات لهذا اليوم تكشف عن أزمة خانقة في مناطق متعددة من بغداد، أبرزها جسر الرستمية، شارع المشتل، جسر الطابقين، وسريع بغداد الجنوبي. فالشوارع الرئيسية من شارع موسى بن نصير إلى جسر السنك، مروراً بشوارع الكيلاني والرشيد، باتت مناطق غير صالحة للحركة المرورية السريعة. كما سجلت تقارير المرور ازدحامات على الطرق السريعة مثل طريق بغداد – كربلاء، وتقاطعات حيوية مثل ساحة النسور، التي لم تكن لتشهد هذه الحالة لولا غياب التنسيق بين الهيئات الحكومية المختلفة.
المواطنون يتساءلون عن السبب وراء تكرار هذه الازدحامات على الرغم من الوعود المتكررة بتطوير البنية التحتية. فقد أصبحت هذه الأزمة مؤشراً على ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، وأحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى تدهور الحياة اليومية للمدينة. الأزمات المرورية تؤثر بشكل مباشر على حياة الناس، حيث يعاني الموظفون من تأخيرات في الوصول إلى أماكن عملهم، بينما يضطر الطلاب للتأخر عن مدارسهم وجامعاتهم.
هل فشل المسؤولون في حل الأزمة؟
في الوقت الذي ينشغل فيه الكثير من المواطنين في المعاناة من الازدحامات، تزداد التساؤلات حول قدرة الحكومة المحلية على تقديم حلول حقيقية لهذه الأزمة المتفاقمة. على الرغم من المشاريع التي أعلنت عنها الحكومة لتحسين حركة المرور وإنشاء جسور جديدة، فإن النتائج على الأرض تتحدث عن فشل حكومي في تطبيق هذه الحلول بشكل فعال. الاستثمارات في مشاريع النقل العام والمرافق الحضرية لا تزال في مراحلها الأولية، بينما يواصل المواطنون يومياً قضاء ساعات طويلة في الاختناقات المرورية.
من جهة أخرى، يرى بعض الخبراء أن الحلول تحتاج إلى تدخل جاد، يشمل زيادة تعزيز وسائل النقل العامة وتوسيع شبكة الطرق لتشمل طرقاً بديلة تساهم في تخفيف الأعباء عن الجسور الحالية. ورغم الوعود بتطوير قطاع النقل، فإن الواقع يؤكد أن المسافات بين الخطط والمشاريع التي يتم إطلاقها على الورق وبين التنفيذ الفعلي تبقى واسعة جداً.
في ظل هذه الازدحامات المستمرة، تتجدد دعوات المواطنين للمسؤولين بضرورة الإسراع في حل مشكلة المرور التي أصبحت أكثر من مجرد أزمة يومية، بل قضية تؤثر في مستوى حياة الناس، وصورة بغداد في نظر العالم الخارجي.