مثقف استثنائي لا يمكن تعويضه.. «البوابة نيوز» تودع أسامة خليل في باريس
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
غيب الثرى الفرنسي الفيلسوف والمثقف المصري أسامة خليل، يوم الأحد الماضي 27 أغسطس 2023، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلاده الرابع والسبعون، حيث ولد في 30 أغسطس 1949 بالقاهرة، وغادرنا في نومه إثر نوبة قلبية هي الرابعة خلال سنواته الأخيرة، حيث عانى ثلاثة جلطات دماغية أيضا.
تم تشييع جثمان الراحل البارز عصر أمس 6 سبتمبر 2023 في مقبرة المشاهير بمنطقة فيتري سور سين، وسط دموع جموع الأسرة الفرنسية والمصرية، وكانت زوجته الأولى فرنسية له منها ولد وبنت ثم كانت له زوجة مصرية رباب أم ابنه وليد آخر العنقود، ومحبيه من مفكري ومثقفي فرنسا ومصر والدول العربية.
شغل أسامة خليل عدة مناصب منها في الملحقية العسكرية المصرية بباريس ثم في المركز الثقافي المصري كما عمل أستاذا للغة العربية للفرنسيين ثم مديراً للمركز الثقافي (Le Scribe l'Harmattan ) في العاصمة الفرنسية باريس، وهو الذي أسسه في دار النشر الفرنسية الشهيرة لارماتان، والذي يُعنى بالتنوع الثقافي والفكري حيث فتح أبوابه للعديد من الفنانيين والموسيقيين والمثقفين والكتاب من قارات العالم الخمس.
أطلق أسامة خليل على مركزه اسم (le Scribe) أي الجعران الفرعوني الذي كان له شأن لدى قدماء المصريين حتى أنهم كانوا يضعونه كشعار على اختامهم..
لقد أثرى أسامة خليل أمسيات باريس الثقافية على امتداد ربع قرن بألوان شعرية وأدبية وبالإضافة الى الحلقات الفكرية والندوات والعروض الفنية المسرحية والسينما والأغاني والموسيقى العالمية.
شارك في وداعه ثلة من الشخصيات الفكرية والثقافية والأدبية الفرنسية والعربية وعددا كبيرا من الأكاديميين والأستاذة..
"البوابة نيوز" كانت حاضرة وشهدت مراسم الدفن التي أقيمت في أجواء حزينة وصحبته حتى مثواه الأخير، كما ساهمت مع الكثيرين في وضع اكليل من الزهور على قبره، فبالاضافة لكونه مثقفا ثقافة راقية، كان صديقا محبوبا من الجميع، كما عمل في مركز سيمو للدراسات الشرق الأوسط بباريس وكان آخر عمل مساهمته في ندوة سيمو عن كنوز مصر الفرعونية التي حضرها صفوة من وزراء وأمراء ومفكري فرنسا ومصر.
خلال مراسم الجنازة، شكر رئيس دار النشر لارماتان أسامة خليل على عطائه العلمي والجهود الثقافية والإنسانية، التي اثرى بها دار النشر سيما القسم العربي الذي ابتكره وتمكن من خلاله دار لارماتان الفرنسية من غزو مكتبات الشرق الأوسط والمغرب العربي الكبير
فيما ثمنت نخبة من المفكريين والأكادميين جهوده الثقافية والإنسانية التي اثرى بها الساحة الثقافية العربية في فرنسا، وألقى البعض من الشخصيات الفكرية الفرنسية والعربية كلمات مؤثرة في رثائه قالوا فيها بأن رحيله يعتبر خسارة فادحة لمثقف استثنائي لا يمكن تعويضه، فهو كان بالنسبة للكثيرين الصديق، ورفيق حياة، والعالم الغني بثقافة الأديان والحضارات الشرقية. كما تحدث بعض تلاميذه من الفرنسيين تسبق كلماتهم بعض الدموع والبكاء.
كان أسامة خليل قامة فكرية وثقافية راقية تحدث وكتب ونشر كثيرا عن الحضارات والأديان وعن الشرق في كتاباته شبه اليومية، نقل لتلاميذه شغفه وحبه وغضبه أيضا في مواجهة مصائب العالم العربي واضطرابات التاريخ ، وكان يحب مصر بلده الأصلي ويدافع عن للإسلام ضد موجات العداء التي ضربت الدين الحنيف في أوروبا في السنوات الأخيرة، حتى أنه كان يلقي محاضرات في منظمة اليونسكو عن الإسلام والنزعة الإنسانية له وكان يدافع عن الفكر التقدمي للإسلام والحضارة العربية وطالما كان يدخل في صراعات للدفاع عن القيم الإسلامية والتسامح. لقظ كان أسامة خليل فيلسوفا منفتحا على الثقافات الاخرى.. كان يقود التنوع الثقافي في المركز الثقافي لدار لارماتان لنحو نصف قرن في فرنسا
اهتم بتقريب وجهات النظر مابين الثقافة الفرنسية والاطراف الأجنبية وعمل على إعادة قراءة المادية التاريخية في سياقاتها المعاصرة وعلاقتها بأنماط الإنتاج المختلفة، واتجه في كتاباته وبحوثه إلى وضع تصورات عقلانية من أجل إيجاد حلولا موضوعية للأزمات الثقافية والصراعات الفقهية والفكرية والاجتماعية التي يمر بها الإنسان العربي المعاصر عبر رؤية حداثية متعددة الأبعاد، مؤكدا نشوء الجوهر الإنساني في الحداثة عندما يتخلى الفكر الفلسفي عن الميتافيزيقي ليدخل البشر في فلك الحرية دون قلق عبر الانفتاح من بعض الأفكار المتحجرة فكان يرى أن الإنسان هو صانع تاريخه ومجده.
ولهذا كان يعتبر القطيعة مع بعض الثوابت الفلسفة هي لحدة تبلور الوعي والتقدم في مجال انماء قوى الإنتاج المعاصرة، وكان يحرص على مفهوم التقدم وثيق الصلة بالمشروع التحرري مستندا على العقل مؤكدا ضرورة أن يتجاوز العقل الغربي ازماته وتحديث الفكر الاجتماعي والفقهي وفق القرن الـ21.
373398276_1019370699099497_4436432753790554904_n 373458339_839936597848715_1726768859079218166_n 373472366_1659833794521237_6236755910555084875_n 373473190_653076940290470_7484123019552816741_n 375017936_837955591321268_522215596528652025_n 375019162_1859652161120467_8832951784571907363_n 375021161_266689482946871_434335869494650391_n 375022971_1003564320791110_2807455416612035549_n 375024782_149747864850423_4958848705655834868_n 375210917_164617486674838_537371985717578872_n 375476340_1956950838017408_7572010333953438820_n 375765167_631272399189617_1948486426215524143_n 376355285_341465618206834_3606414105177032231_nالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: اسامة خليل أسامة خلیل
إقرأ أيضاً:
هل حزن أسامة حمدان على سقوط بشار؟!
في منتدى الجزيرة المنعقد منذ أيام قليلة، جال وصال الأستاذ أسامة حمدان، في أكثر من مداخلة، وكانت إحدى هذه المداخلات موضع انتشار هائل، ثم فجأة خرجت جملة له من مداخلة أخرى، وظفت وفهمت على أنها تحسر على سقوط بشار، وأن المقاومة قد خسرت سوريا، فكانت عبارته بإيجاز كالتالي: (على صعيد محور المقاومة، لا شك أن محور المقاومة أصيب بأضرار وهذه الأضرار توزعت بين ساحات عديدة، لا سيما خسارة سوريا، وما تعرض له حزب الله في لبنان، لكن أعتقد أن نتيجة الحرب بشكل عام، وانتصار غزة، أعطى نتيجة إجمالية أن فلسفة المقاومة في المنطقة فلسفة تنتصر، وقادرة على الانتصار).
سرعان ما خرجت هذه الجمل، مختصرة في كلمة واحدة: خسرنا سوريا، وأن ذلك كان تعبيرا عاما من حمدان، عن التحول الكبير والمهم في سوريا، على أنه خسارة وليس مكسبا. والحقيقة أن أحدا ينتمي للمقاومة الفلسطينية، والحركة الإسلامية تحديدا، لا يمكن أن يعتبر ما جرى في سوريا خسارة بالمجمل، فما من سقوط نظام نكل بشعبه، وكان نموذجا بشعا في إجرام السلطة نحو الشعب، من تعذيب بأشكال لا يتصورها عقل، لا يمكن اعتبار سقوط نظام بهذا الشكل خسارة، بل هو مكسب لسوريا، ومكسب للأمة الإسلامية، والبشرية على حد سواء.
عن كلمة حمدان: خسارة سوريا، ما أفهمه، أن المقصود بذلك ما كان من إسناد ودعم، وأن خسارة جهد مؤقت، وليس خسارة دائمة، وهي خسارة جهد ملحوظ لا ينكره متابع أو راصد، فمنذ سقوط بشار، لم يصدر عن القيادة الجديدة فعل أو قول يصب في صالح المقاومة..ولا أتصور عاقلا يمكن أن يفهم غير ذلك، من حيث شعور حركة المقاومة قيادة وجماهير نحو سقوط أنظمة مجرمة في حق شعوبها، مهما كان موقفها من المقاومة، لكن ما أفهمه أن فهم مثل هذا الكلام ينبغي أن يفهم من سياقه، فلو قصد بذلك أسامة حمدان البكاء والحسرة على سقوط بشار، فهو مخطئ بلا شك، ولا يمكن لعاقل إلا أن يخطئه، وليس لدينا مشكلة من نقد حمدان أو أي قيادة من المقاومة، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وواجبنا تصويب الخطأ إن صدر، مع الإعذار، والمراجعة، وكثيرا ما انتقدوا، وقابلوا ذلك من أبناء أمتهم بصدر رحب، وشهدت مواقف عديدة من ذلك، سواء جاء النقد من أبناء المقاومة، أو من أبناء الحركة الإسلامية بكل أطيافها.
فماذا إذن عن كلمة حمدان: خسارة سوريا، ما أفهمه، أن المقصود بذلك ما كان من إسناد ودعم، وأن خسارة جهد مؤقت، وليس خسارة دائمة، وهي خسارة جهد ملحوظ لا ينكره متابع أو راصد، فمنذ سقوط بشار، لم يصدر عن القيادة الجديدة فعل أو قول يصب في صالح المقاومة، وهم معذورون في ذلك، فهم قد تسلموا بلدا لا يوجد فيها من مقومات الدولة شيء، لا سلطة، ولا موارد، ولا مقدرات، وأمامهم سنوات طويلة، كان الله في عونهم في رأب كل هذه الصدوع الخطيرة في سوريا.
والقيادة الجديدة في سوريا، تسير على حد سيف دقيق حاد وملتهب، والعبور منه صعب، يحتاج إلى صبر وأناة، وحسن ظن، وإعذار، وهذا حقهم علينا، فانتظار أن يخرج من سوريا في هذه الحالة أفعال أو أقوال داعمة بكل صراحة للمقاومة، أو لأي مشروع آخر، أمر لا نجد الوقت مناسبا له، وأي مطالبة بفعل أو قول خلاف ذلك أمر صعب، وتعجل على قيادة أمامها ملفات لا آخر لها، من الملفات الصعبة، داخليا وخارجيا.
فحتى على مستوى التصريحات، قام السيد أحمد الشرع بتهنئة ترامب بتوليه، وفي نفس التوقيت كان قرار إيقاف الحرب في غزة قارب الصدور والتنفيذ، ولم يصدر عنه حرف واحد عن غزة، وعن الموقف من تهجير أهل غزة، فما صدر عن القيادة السورية، كلمات عامة، مثل: لا يملك أحد أن يهجر شعبا من أرضه، وهو كلام عام، مقبول في مثل هذه الحالات التي ربما يرى المنتقدون أنه مبالغة في الحرص، ومبالغة في التحسس.
ينبغي أن تكون السياسة الحاكمة هنا في إعذار وتفهم مواقف وتصريحات القيادة السورية الجديدة، نحو عدد من الملفات، هي نفس القدر من تفهم كلام حمدان، حيث ينظر إلى العبارات التي ترد مختصرة، أو معبرة عن موقف جزئي، في إطار الموقف الكلي والعام لحمدان وللمقاومة، دون انتزاع الكلام من سياقه الخاص أو العام.نعود لتصريح حمدان، ففي هذا السياق، يمكن فهم كلامه، في أنه يوصف حالة، ولا يوصف حزنا أو حسرة على سقوط بشار، بل يوصف حال محور المقاومة، وواقع هذا المحور، والذي توقع أن حال سوريا لن يطول كثيرا، لأن المقاومة ليست مرتبطة بنظام، بل مرتبطة بالشعب السوري نفسه، وهو ما انتهى إليه في كلامه، وآماله، وتطلعاته، أو توقعاته، حيث إن سوريا ذاتها لديها أرض محتلة، وتوغل الاحتلال الإسرائيلي في أراضيها ليحتل أربعمائة كيلو جديدة، وهو ما تأخرت القيادة السورية الجديدة طويلا في استنكاره، وأيضا تفهم الناس هذا الموقف.
إذن ينبغي أن تكون السياسة الحاكمة هنا في إعذار وتفهم مواقف وتصريحات القيادة السورية الجديدة، نحو عدد من الملفات، هي نفس القدر من تفهم كلام حمدان، حيث ينظر إلى العبارات التي ترد مختصرة، أو معبرة عن موقف جزئي، في إطار الموقف الكلي والعام لحمدان وللمقاومة، دون انتزاع الكلام من سياقه الخاص أو العام.
ما جعلني أشعر بريبة في الأمر، من ترويج التصريح، ليس صواب أو خطأ حمدان فيه، فهذا أمر متروك للعقول والأفهام، كل حسب تصوره، لكنه جاء على بعض منصات لا تطمئن النفس إليها، دأبت على فبركة تصريحات على ألسنة أشخاص في مربع المقاومة، وتأييدها، وجاءت بعد تصريح ملأ الدنيا، حين قال حمدان: إن من سيأتي إلى غزة وكيلا عن الاحتلال، سوف نعامله معاملة الاحتلال. فقد نال هذا التصريح زخما إعلاميا هائلا، وبعد يوم من تناوله، جاء التصريح الآخر موضع المقال، ولذا لا أذهب بعيدا إذا نظرت للأمر بريبة، لا من حيث تفسير التصريح، بل من حيث الترويج الهائل له، بشكل لافت للنظر.
إلى الآن لم يصدر عن حمدان توضيح، ولا عن المقاومة، وهو ما يعني وضوح الأمر لديهم، وشعورهم بعدم الحاجة لذلك، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من تفسير أو تأويل لكلامه، ورده إلى الموقف الثابت والراسخ لديها من حقوق وتطلعات الشعوب.
[email protected]