فى كل أزمة رابحون وخاسرون، وأزمة السجائر الأخيرة فى مصر حققت مكاسب لكثيرين، مثلما نتجت عنها خسائر ضخمة للبعض، وربما كان الخاسر الأكبر دائما هو المستهلك المصرى الذى يواجه غلاء هو الأعلى.

وقبل استقراء الحكاية، فإن هناك مؤشرات عديدة مهمة توضح لنا أهمية سوق التبغ فى مصر وأهمية كعكة التدخين أولها أن عدد المدخنين وفق بيانات إحصائية جرت فى 2021 تقترب من نحو 19 مليون شخص.

ومن بين كل 40٪ من الأسر المصرية هناك أفراد مدخنون. 

والمثير فى الأمر أن أعلى نسبة مدخنين فى المجتمع المصرى تقع فى الفئة العمرية بين 35 و44 سنة وتبلغ 22٪ من المدخنين، أما الفئة من 45 إلى 55 سنة فتبلغ نسبتها 21٪ من المدخنين.

وثانى المؤشرات تخص حجم الانفاق العام على السجائر فى مصر، فوفقا لبيانات العام المالى 2022 يبلغ ها الانفاق 17 مليار جنيه، وبسهولة يمكن احتسابها بقيمة مضاعفة فى العام الحالى نتيجة تحرك الأسعار.

ثالث مؤشر مهم هو أن جميع أصناف التبغ الداخل فى صناعة السجائر والمعسلات والأنواع الأخرى من وسائل التدخين مستوردة من الخارج بالعملة الصعبة.

والمثير فى الأمر أن الأزمة حدثت قبل وقت قصير من إتمام أكبر صفقة استحواذ فى مجال السجائر فى مصر، وهى استحواذ شركة «جلوبال للاستثمار المحدودة»، المملوكة لرجلى الأعمال الإماراتيين محمد العبار وأبوبكر عبدالله الحسيني، على 30% من أسهم الشركة الشرقية للدخان «إيسترن كومبانى» بقيمة 625 مليون دولار مع قيام المشترى بالتعهد بتوفير مبلغ 150 مليون دولار لشراء المواد التبغية اللازمة للتصنيع.

وبموجب الاتفاقية تحتفظ الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بحصة قدرها 20.9% من رأسمال الشركة الشرقية، وهى شراكة استراتيجية تسهم فى تطوير هذه الصناعة وتحقيق الاستقرار للسوق والمحافظة على حقوق العاملين.

وعودة للأزمة فإن الواضح حتى الآن أن أسبابها مجهولة رغم تصريحات المهندس هانى أمان رئيس الشركة الشرقية للدخان التى حاول فيها نفى أى نقص فى الانتاج مكررا بأن هناك تجارا قاموا بافتعال الأزمة وتخزين كميات من السجائر تحت تصور تحريك أسعارها بسبب تبدلات سعر صرف الدولار.

ففى تصور هؤلاء أن كل ارتفاع فى سعر صرف الدولار فى السوق الموازية يؤدى بالضرورة إلى ارتفاع سعر السجائر لأن كافة مستلزماتها مستوردة بالعملة الصعبة من الخارج.

لكن على الجانب الآخر هناك من يشير إلى أن وجود نقص بالفعل فى سوق السجائر نتيجة عدم تدبير الدولار لاستيراد كميات من التبغ وهو ما أدى بالضرورة إلى نقص انتاج السجائر اليومى لدى الشركة والبالغ 270 مليون سيجارة يوميا. ونتيجة هذا النقص ارتفع السعر الخاص بالسجائر الكليوباترا، والسجائر الشعبية الأكثر شيوعا، وبدأ هذا الارتفاع تدريجيا من 24 جنيها إلى 30 جنيها ثم 35 جنيها ثم تواصل الارتفاع يوما بعد الآخر حتى بلغ نحو 58 جنيها للعلبة منتصف شهر أغسطس الحالي.

وبشكل واضح فإن تراجع الانتاج المحلى أدى إلى دخول وسطاء وتجار غرباء قاموا بادخال كميات كبيرة ونوعيات غريبة ومجهولة المصدر من السجائر المهربة إلى مصر، والتى لا تخضع منتجاتها لأى رقابة أو تفتيش صحى مما يشير إلى استخدام نوعيات متدنية جدا فى الجودة للتبغ، فضلا عن دخول كميات من التبغ السائب للفه فى سجائر يدوية وهو ما حمل تغيرا كبيرا فى أنماط الاستهلاك لدى المدخنين.

ويمكن القول بأن هناك فئتين من الرابحين من الأزمة الأخيرة أولهما التجار والوسطاء الذين يقومون بتخزين سجائر الشركة الشرقية ويمارسون تعطيشا للسوق لرفع أسعار مختلف النوعيات وبيعها بشكل سري، وهؤلاء حققوا خلال الأزمة مكاسب وهمية خاصة وأن نسبة الربح الفعلية تجاوزت مئة في المئة.

والفئة الثانية هم هؤلاء المهربون الذين يقومون بادخال سجائر مهربة من الخارج ومعظمها نوعيات يونانية وقبرصية وصينية، فضلا عن سجائر مصنوعة عشوائيا فى مصانع بئر السلم حيث يتم لف التبغ الرديء المهرب بأوراق لف مستعملة، وطرحها بأسماء غريبة، مثل وينستون، ماليبو، كابيتال،كاريليا. وتوجد شبكات لهؤلاء المهربين خاصة فى الأقاليم، ويتم التعامل معهم تجاريا عبر قنوات ووسائل غير قانونية، لكنهم متواجدون فى السوق ومؤثرون.

وتشير دراسة اقتصادية حديثة إلى أن تكلفة تصنيع عبلة السجائر التى تباع بخمسة وعشرين جنيها لا تتجاوز سبعة جنيهات، وهو ما يعنى تحقيق أرباح تتجاوز الـ300٪، وهى أعلى من أرباح تجارة المخدرات، وأسرع دورنا لرأس المال، خاصة فى ظل الأزمة.

وثمة مكسب وحيد فى الأزمة يتمثل فى تصور البعض أن تؤدى الارتفاعات القياسية فى الأسعار إلى اقلاع بعض المدخنين عن التدخين.

وإذا كانت الأزمة قد بدأت فى الانحسار النسبى، نتيجة ضخ كميات أكبر من المعتاد فى الأسواق وتحرك بعض الجهات الرقابية فى محاولة السيطرة على الأسواق، فإن احتمالية تكرارها مرة أخرى أمر وارد خاصة أن الطلب على العملة الصعبة مازال قائما، وأن الفجوة بين الوارد من الدولار والمنصرف مازالت كبيرة، وهو تحدى صعب وكبير أمام الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها خلال الشهور القادمة.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: ازمة السجائر صناعة السجائر الشركة الشرقية للدخان إيسترن كومباني القابضة للصناعات الكيماوية الشرکة الشرقیة فى مصر

إقرأ أيضاً:

وزارة الصحة ووقاية المجتمع تطلق الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ

 

أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ، بالتعاون مع مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، ودائرة الصحة – أبوظبي، وهيئة الصحة بدبي، و”دبي الصحية”، وذلك بهدف تعزيز مهارات الكوادر الصحية والمختصين لزيادة الوقاية من استهلاك منتجات التبغ، وحماية أفراد المجتمع من التعرض السلبي للتدخين، وتقديم الدعم والتحفيز للمدخنين للتوقف عنه، وذلك في إطار جهود الوزارة لتحسين نتائج المؤشر الوطني لاستهلاك التبغ في الدولة، مما يسهم في تعزيز جودة الحياة وتحسين الصحة العامة لأفراد المجتمع.
جاء ذلك خلال ورشة نظمتها الوزارة بدبي، بحضور سعادة الدكتور حسين عبد الرحمن الرند، الوكيل المساعد لقطاع الصحة العامة، والدكتورة بثينة بن بليلة؛ رئيسة قسم الأمراض غير السارية والصحة النفسية، ومسؤولين من الإدارات والأقسام المعنية بالوزارة وممثلي الجهات الصحية بالدولة.
إطار ومرجعية مُحدثة
ويشكل الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ إطاراً شاملاً متعدد المستويات ومرجعية مُحدثة للمهنيين الصحيين وترسيخ ثقافة الوقاية من منتجات التبغ من خلال التوعية، وتقديم الاستشارات الفعالة، والدعم النفسي للراغبين في الإقلاع عن التدخين بكافة أنواعه ومشتقاته، ومتابعتهم بعد الإقلاع لمنع الانتكاسة، من خلال تضافر جهود الكوادر الصحية والمتخصصين عبر إدارة البرامج الصحية الوقائية، مما يقلل من التحديات الصحية الناجمة عن استهلاك التبغ وتعزيز نمط الحياة الصحي.
ويعتمد الدليل على منهجية علمية متكاملة تجمع بين أفضل الممارسات العالمية والخبرات المحلية، مع التركيز على تحقيق الاستدامة في النتائج والأثر المجتمعي. حيث يستند الدليل إلى ركائز استراتيجية رئيسية، تشمل منظومة التشريعات والسياسات المتكاملة، من خلال تحديث الإطار التشريعي وفق أحدث المعايير العالمية، وتطوير آليات الرقابة والامتثال للمعايير الوطنية، وتعزيز التكامل مع السياسات الصحية الوطنية. بالإضافة إلى التمكين المجتمعي والوعي الصحي، من خلال إطلاق حملات توعوية مبتكرة.
استراتيجيات متكاملة لعلاج إدمان التدخين
ويتضمن الدليل المتوافق مع المؤشرات الوطنية للصحة المجتمعية ومستهدفات منظمة الصحة العالمية للحد من الأمراض غير السارية، استراتيجيات متكاملة وخطوات تفصيلية للتعامل مع جميع المراحل التي يمر بها المدخنون من خلال التدخلات السلوكية والأدوية المعتمدة من الجهات الصحية، حيث تم تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام رئيسية تضم: الراغبون وغير الراغبين في الإقلاع عن التدخين، بالإضافة إلى المدخنين السابقين المعرضين لاحتمالية الانتكاسة. ويعتمد الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ أحدث الاختبارات العالمية في قياس نسبة النيكوتين لدى كل مدخن، إلى جانب استخدام التقنيات الناشئة في تحليل استعداد المريض للإقلاع عن التدخين واحتمالات العودة له مرة أخرى.
مواكبة المستجدات العلمية
وأكد سعادة الدكتور حسين عبد الرحمن الرند، الوكيل المساعد لقطاع الصحة العامة بوزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن هذا الدليل يأتي ضمن جهود الوزارة للحد من استهلاك منتجات التبغ والوقاية من آثاره على صحة أفراد المجتمع، مشيراً إلى حرص الوزارة على مواكبة الأدلة العلمية، من خلال توفير معلومات مُحدثة وموثوقة وشاملة للمهنيين الصحيين، تتماشى مع أحدث المعايير العالمية من أجل دعم جهود تعزيز الصحة العامة وتحسين جودة الحياة.
وقال سعادته:” أن الإمارات من الدول السبّاقة في هذا المجال حيث صدَرَ القانون الاتحادي بشأن مكافحة التبغ عام 2009، كما أن الدولة ملتزمة بالاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ والتي صدقت عليها في عام 2005، لاعتماد تدابير فعالة لتوفير الحماية من التعرض لدخان التبغ في أماكن العمل ووسائل النقل والأماكن العامة”.
وأضاف سعادته: تعمل الوزارة بالتعاون مع الجهات الصحية المحلية والدولية من أجل تحسين نتائج المؤشر الوطني لمستخدمي التبغ في الدولة، وتعزيز الحملات الصحية التوعوية الوطنية، وتخطيط وإدارة السياسات والتشريعات وزيادة الرقابة للحد من تدخين التبغ، وذلك تجسيداً للتوجهات الحكومية في بناء منظومة صحية متكاملة لمجتمع وقائي ملتزم صحياً.

نتائج إيجابية
بدورها أكدت الدكتورة بثينة بن بليلة رئيسة قسم الأمراض غير السارية والصحة النفسية في الوزارة، أن إصدار الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ يأتي في إطار الجهود المتواصلة للوزارة لتعزيز كفاءة الكوادر الصحية المتخصصة. ويعزز هذا الدليل مسيرة تطوير الخدمات الصحية المقدمة في عيادات الإقلاع عن التدخين، حيث تم إعداده وفق أحدث المعايير العالمية وبالتعاون بين البرنامج الوطني لمكافحة التبغ والجهات الصحية ونخبة من الخبراء والمختصين.
وأوضحت أن مكافحة التبغ تعد واحدة من أهم أولويات الوزارة التي وضعت استراتيجية متكاملة، كما تم إدراج خفض استهلاك التبغ بجميع أنواعه ومشتقاته بما يشمل السيجارة الإلكترونية ضمن المؤشرات الصحية الوطنية. وأكدت على التبعات الصحية للتدخين وتسببه في الإصابة بأمراض القلب والشرايين والسرطان والاعتلالات النفسية وما ينتج عنها من آثار صحية ومجتمعية.


مقالات مشابهة

  • رجب: عملية حماية وطن تتقدم وتحقق نجاحات وإنجازات في جنين
  • إيرادات خيالية.. ماذا جنى فيلم الحريفة 2 ليلة أمس؟
  • فيلم Venom: The Last Dance يحقق إيرادات خيالية في مصر
  • بلجيكا أول دولة أوروبية تحظر بيع السجائر الإلكترونية أحادية الاستخدام
  • إطلاق الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ
  • عاجل - وزير الصحة: مصر تعد خريطة صحية شاملة وتحقق الإشهاد الذهبي للخلو من "فيروس سي"
  • أمن السليمانية يطيح بتاجري مخدرات ويضبط كميات من الأسيد
  • أزمة زيت الزيتون في تونس: الشعبوية المدمّرة
  • في الشمال.. ضبط كمية من التبغ المهرّب
  • وزارة الصحة ووقاية المجتمع تطلق الدليل الإرشادي لعلاج الاعتماد على التبغ