عُمْرة البدل.. بين رفض الدعوة وحبس صاحبها
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية، تطبيق قام صاحبه بنشره، عما يسمى بعمرة البدل، أن يقوم هذا الشخص وهو الداعية أمير منير، بالقيام بعمرة نيابة عنك، أو عن قريب لك، مقابل مبلغ مالي، ولم تهدأ وسائل التواصل وعقبت بشكل كثيف، وكانت معظم التعليقات تميل إلى الجانب السلبي برفض التطبيق، ورفض الفكرة من أساسها، ثم في يوم الأربعاء السادس من سبتمبر، تم إلقاء القبض على أمير.
وبين دعوته أو تطبيقه لما يسمى بعمرة البدل، وبين حبسه، جرى في النهر مياه أخرى، فمع رفض الكثيرين على التواصل الاجتماعي، وصدور تعليقات على الميديا، وقبيل إلقاء القبض عليه، خرجت بعض الفتاوى ضده، منها: فتوى عن دار الإفتاء، وفتوى عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وكلتاهما ضد التطبيق.
أما عن الجانب الفقهي في الموضوع، فهو موجود ومنصوص عليه في الكتب، من حيث الرأي والتوجه الديني، فهنا قضيتان: قضية النيابة في العبادة، وأخذ الأجر عن النيابة في العبادة، أما عن الأولى، فقد تحدثت فيها كتب الفقه، بناء على نصوص نبوية وردت في الموضوع، وبخاصة قضية الحج والعمرة، فأما عن النيابة عن القريب، فورد فيها المرأة التي سألت عن حجها عن أبيها، وأفتاها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأما عن النيابة عن غير الأقارب، فورد فيه حديث الصحابي الذي لبى في الحج، فقال: لبيك اللهم عن شبرمة، فسأله صلى الله عليه وسلم: من شبرمة؟ فقال: أخ لي، فقال صلى الله عليه وسلم: هل حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: فحج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة. فأخذ من أجاز النيابة عن القريب أو عموم المسلمين بهذا الحديث.
وأما عن الأجر عن العبادة، فهي أيضا قضية مختلف فيها، وبخاصة في إهداء الأجر لغيره، فالجائز هو أن يقوم الإنسان بالعمل الصالح، ثم يهديه لإنسان، قريب أو غيره، لكن أن يقوم إنسان بالطاعة بمقابل مادي، ثم يهديه لأحد، فمعظم الفقهاء يمنعه، والبعض يجيزه إن كان من باب الجعالة، أي: العطاء غير المشروط.
هذا هو الجانب الفقهي في الموضوع، ويمكن توضيحه ببساطة كما رأينا، لكن للموضوع جوانب أخرى، تتعلق بلماذا توجد مثل هذه الظاهرة؟ وهي ظاهرة تتبع ما يحدث في الحياة من تنميط وتسليع لكل ما في حياة الناس، فإذا كان البعض يلوم على أمير منير اليوم هذا التطبيق، فإن الذي جعل من الدعوة والعبادة نمطا اقتصاديا، هو ما أدخله أهل المال للربح في عبادة روحية كالحج والعمرة، بأن ينظم رحلة للحج والعمرة، ولكي يرغب الناس، ويزيد في سعره، يعلن أن الداعية فلان، أو الشيخ فلان المشهور، سيكون في الحملة، واعظا لها أو مفتيا، وتتنافس الحملات على جلب المشايخ والدعاة.
من المنطقي والطبيعي أن يقارن الناس بين مواقف المشايخ إفتاء أو تصريحا، في موضوع يتعلق بفرد، في عبادة فردية، بينما تلوذ هذه الجهة بالصمت التام عن ممارسات تتعلق بالمجتمع، وتهدر حقه، سواء فيما يتعلق بالأموات أو الأحياء.وكذلك كثير من الفضائيات التي ظهرت، كي تشاهد، كانت تجلب مشاهير الدعاة، ويكون فيها برنامج ديني، ولا بد من البحث عن رعاة للبرنامج، ثم بعد ذلك تحولت هناك فتاوى على الهاتف بالمقابل المادي، وأول من قام بذلك كان الشيخ خالد الجندي، ثم دخلت شركات الهواتف على الخط، بأن جعلت رنات الموبايل أدعية، بمقابل مادي، فالحياة تحولت من حولنا لهذا النمط في التعامل مع التدين والطاعة، ومن هذا المجتمع وهذه الانماط خرجت فكرة عمرة البدل، وستخرج أفكار أخرى.
المرفوض في الفكرة، هو تحويل العبادة التي أساسها ترقيق القلوب، والارتقاء الأرواح، إلى نمط وشكل، وفقدان ما فيها من قيمة سلوكية وتعبدية، تقرب القائم بها من الله تعالى، إلى أشياء روتينية، رغم حسن نوايا بعض القائمين على هذه الأمور، أو دافعهم إن كانت مقبولة أو مرفوضة.
إننا نرفض دعوة صاحب عمرة البدل، لأسباب علمية وموضوعية، والرفض أشد لإلقاء القبض عليه، فالرجل لم يقترف جرما، بل فعل ما اعتقد صحته، وعندما غضب الناس، قام بالاعتذار عن فعله، فالعجيب سرعة تحرك الأجهزة الأمنية في موضوعه، بينما الصمت والتباطؤ في قضايا أخرى تتعلق بالمواطنين.
بين دعوة عمرة البدل، وإلقاء القبض على صاحبها، خرجت الفتوى سريعة من دار الإفتاء، وهو ما جعل الناس تتعجب، إن على مسافة قصيرة من الدار مقابر تاريخية تهدم، والناس منذ شهور تصرخ فيما يفعل، ولا صوت للدار، ولها فتوى سابقة في الموضوع، حكم فيها مفتي مصر الدكتور شوقي علام، يتوعد من يقوم بذلك بحرب من الله، وكانت فتوى علام عن أشخاص عاديين يهدمون مقابر صالحين، فلما قام النظام بالهدم، سرعان ما سحبوا فتواه، رغم وجودها في سلسلة الكتب التي صدرت عن الدار فيها فتاوى دار الإفتاء المصرية.
وإذا كان الأزهر قد أصدر فتوى في موضوع عمرة البدل، إلا أن اللوم عليه في عدم تعرضه لهدم المقابر التاريخية، قد نجا منها، فإن تصريحا على لسان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عن أهمية مثل هذه المقابر والواجب نحوها، قد رفع عنه الحرج، في هذه المسألة تحديدا.
من المنطقي والطبيعي أن يقارن الناس بين مواقف المشايخ إفتاء أو تصريحا، في موضوع يتعلق بفرد، في عبادة فردية، بينما تلوذ هذه الجهة بالصمت التام عن ممارسات تتعلق بالمجتمع، وتهدر حقه، سواء فيما يتعلق بالأموات أو الأحياء.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الديني دين موقف عبادات الحج البدل رياضة رياضة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الموضوع عمرة البدل
إقرأ أيضاً:
هل المسلم على ملة إبراهيم عليه السلام.. الشيخ خالد الجندي يجيب (فيديو)
قال الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن قول المسلم "أنا على ملة إبراهيم"، جائز وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.
وأشار عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الثلاثاء، إلى أن قول المسلم "أنا على ملة إبراهيم" هو من أصول الدين وأصول الإسلام، مستندًا إلى قول الله تعالى في سورة البقرة: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" (الآية 130)، وأيضًا إلى قول الله تعالى في سورة آل عمران: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" (الآية 95).
خالد الجندي: مرصد الأزهر له فضل كبير في مواجهة التطرف خالد الجندي: التطرف يرتبط بالتربية وليس له علاقة بالفقر والجهلوأضاف الجندي أن القرآن الكريم يوضح أن ملة إبراهيم هي ملة الإسلام الحنيف، وذلك في قوله تعالى: "ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا" (سورة النساء، الآية 125)، كما ذكر حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أصبحنا قلنا: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلمًا وما كان من المشركين".
وأكد أن الشيخ الشنقيطي رحمه الله بيّن في تفسيره أن ملة إبراهيم هي دين الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن القول "أنا على ملة إبراهيم" يعكس الانتماء إلى هذا الدين القيم.
وفي حلقة سابقة، أشاد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بدور "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف"، مشيرا إلى البرامج التثقيفية التي يقدمها المركز والتي تهدف إلى نشر الفكر الوسطي والاعتدال بين الشباب.
وقالت: "الدولة تبذل جهودًا كبيرة في محاربة الفكر المتطرف، ومرصد الأزهر يعد من أهم الجهات التي تسهم بشكل فعّال في ذلك، من خلال مراكز تدريبية وبرامج وحلقات تعليمية، يقوم المرصد بتعريف الشباب بأسس التطرف وكيفية تجنب الانزلاق إلى مثل هذه الأفكار".
وتحدث، عن أهمية البرامج الإعلامية التي تقوم بها الدولة، قائلا: "الدولة تعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة عبر حملات إعلامية توعوية، والمرصد من خلال هذه الحملات يتصدى للشبهات والأفكار المتطرفة، ويقوم بالحوار مع الشباب في الجامعات على مستوى الجمهورية، سواء كانت حكومية أو خاصة."
واختتم حديثه بالقول: "مرصد الأزهر يعد من الأماكن الرائدة التي تسهم في نشر الوعي، وهو أمر بالغ الأهمية في تشكيل جيل قادر على مواجهة الفكر المتطرف".
ولفت إلى أن المشكلة الأساسية التي تؤدي إلى السلوك العنيف أو الفكر المتطرف لا تكمن في الفقر أو الجهل كما يعتقد البعض، بل في عوامل نفسية وتربوية عميقة.
وأضاف: “قد يعتقد البعض أن الفقر أو الجهل هما السبب الرئيسيان وراء التطرف، ولكن الحقيقة أن هناك أشخاصًا أغنياء وأصحاب تعليم عالٍ ومع ذلك انحرفوا وأصبحوا متطرفين، وهذا يطرح تساؤلات مهمة حول الأسباب الحقيقية وراء ذلك”.