عربي21:
2025-04-18@21:36:24 GMT

أهمية التفكير السليم والنظر الصحيح

تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT

جاء في معاجم اللغة أن الفكر هو إعمال النظر في الشيء، أو بمعنى آخر أن الفكر هو حركة الذهن، وكما أورد الجرجاني (ت 816ه) في تعريفاته: "الفكر ترتيب أمور معلومة للتأدّي إلى المجهول"، أي أنه الطريقة أو المنهجية التي يسلكها العقل في البحث والنظر للوصول إلى المجهول من الحقائق، ويمكن القول بأنه التصور الإجمالي والتفصيلي لواقع ما من حيث كنهه، وعوامل تكوينه، ومآلاته، وطرق تحسينه، وعلاج آفاته.



وقد ورد في كتاب الله تعالى قوله، عز وجل: (وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ) (آل عمران: 191).

قال ابن كثير: أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته، وعلمه وحكمته، واختياره ورحمته، وقال أبو سليمان الداراني: إني لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة، أو لي فيه عبرة، وعن الحسن البصري أنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة، وقال سفيان بن عيينة: الفكرة نور يدخل قلبك.

وعليه يمكن القول إن منهجية التفكير تعني تحرر العقل في بحثه ونظره من المؤثرات العاطفية، بأن يعطي الإنسان لعقله حرية العمل والحركة، ولا يقيده برغباته العاطفية والمصلحية، ليقوم العقل بدوره خير قيام، وليؤدي وظيفته على أحسن وجه، ويستطيع الإنسان بعد ذلك أن يعتمد على حكم عقله، وأن يثق بحصيلة فكره.

لذا نجد أن للفكر والتفكير أهمية كبيرة في نمو الحياة أو ارتكاسها، كما ذكر الدكتور عبد المجيد النجار، فبقدر ما يكون الفكر سليمًا في التزامه بقواعد النظر الصحيح بقدر ما يكون موصلاً إلى الحق الذي يُنمّي الحياة، ويحدث العكس بالعكس. وهو ما نبه إليه القرآن الكريم بطرق شتى، وبيانات مباشرة، وغير مباشرة في طرفي السداد والفساد، كما قال تعالى في الطرف الأول: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: 137)، إشارة إلى منهج التقصّي الواقعي للآثار للوصول إلى العبرة بمآلات المعاندين المكذبين، وكما قال تعالى في الطرف الثاني: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنْ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنُ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أَوْلَيْكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُم أَضَلُّ أُولَيكَ هُمُ الْغَفِلُونَ) (الأعراف: 179).

وإنّما شابه هؤلاء الأنعام لعدم توجيه عقولهم في المنهج الصحيح من التفكير، فهم مثلها في أنها لا تقيس الأشياء على أمثالها، ولا تنتفع ببعض الدلائل العقلية، فلا تعرف كثيرًا مما يُفضي بها إلى سوء العاقبة.

وإذا تأملنا الحضارة الإسلامية في دورتها الأولى نجد أنها كانت ثمرة في وجه من وجوهها لثورة منهجية في الفكر الإنساني أحدثها في العقول التوجيه القرآني بأسس جديدة للتفكير أسسها في تلك العقول، لعل من أبرزها قاعدة الواقعية التي بها يسلك العقل في البحث عن الحقيقة مسلك التقصي للواقع الكوني والإنساني، ومن ثم نشأت العلوم التجريبية والاجتماعية التي نهضت بالتحضّر الإسلامي إلى الذروة، بل وكانت سببًا في التحضر الغربي القائم اليوم، وقد كان الفكر الإنساني من قبل غارقًا في مسلك اليونان المتنكّب عن الواقع والموغل في التجريد، أو في المسلك الغنوصي المتنكب عن الواقع أيضًا والموغل في التروحن، كما قال محمد إقبال.

والمتأمل في الوضع الإسلامي اليوم من حيث منهجية التفكير التي عليها المسلمون يدرك بحق أن الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية هي في قدر كبير منها أزمة فكرية تتمثل في عطالة الفكر الإسلامي عن إنتاج سبل التنمية، وعطالته بالتالي عن إحداث النهضة؛ ذلك أن هذا الفكر أصابه من الانحراف عن خصائصه الأصيلة التي تكونت بالدفع القرآني ما عطّل فيه القدرة على تبين المسالك الصحيحة سواء في مستوى الفهم لإدراك الحقيقة النظرية، أو في مستوى التخطيط لرسم المشاريع العملية.

المتأمل في الوضع الإسلامي اليوم من حيث منهجية التفكير التي عليها المسلمون يدرك بحق أن الأزمة التي تعانيها الأمة الإسلامية هي في قدر كبير منها أزمة فكرية تتمثل في عطالة الفكر الإسلامي عن إنتاج سبل التنمية، وعطالته بالتالي عن إحداث النهضة إذا كان الأمر كذلك فإن جسم هذه الأمة لا تدبّ فيه الحياة الحضارية إلا بتسديد الفكر الذي يرسم طريق حياتها، ويوجه سيرها، وكيف لسفينة أن تقلع بأمان وربّانها لا يملك من خصال الخبرة ما يقدر به على أن يوجهها الوجهة الصحيحة للإقلاع؟!

وتسديد الفكر الإسلامي يتمثل بصفة عامة في صياغته مجددًا على خصال منهجية يمارس من خلالها البحث والتوجيه والمعالجة لشؤون الأمة، بحيث تكون تلك الخصال أُسسًا ثابتة فيه يصدر عنها صدورًا أصليًا لا صدورًا عارضًا يثبُت حينًا ويتخلّف حينًا آخر.

ولا شك أن ذلك يستلزم تربية للعقل طويلة الأمد حتى تصير تلك الخصال مطبوعة فيه فيكون الفكر إذن متكيفًا، بحسبها، ولكن هذه التربية لیست بعسيرة المنال في الوقت القصير لو وجهت همم المربين والدعاة والمفكرين لتنشئة العقول عليها، ألا ترى كيف أن التربية القرآنية صاغت عقول المسلمين في بضع سنين على تلك الخصال، فتوجّه الفكر وجهته التي قلب بها الحياة إلى ما نعلم من الشهود الحضاري.

وإذا كانت الخصائص التي من شأنها أن تسدّد الفكر ليصل إلى الحق، ويرسم طرق النجاح متعدّدة المظاهر ومتنوعة في طبيعتها، فإنها في معرض تعدّدها وتنوعها ترجع إلى جملة من الخصائص الأساسية التي إذا تحققت مجتمعة ضمن الفكر بها أن يسلك المسلك الصحيح المثمر في علاج واقع الأمة، فتكون وصفاته العلاجية قادرة على أن تشيع العافية في هذا الواقع، فتدب الحركة الحضارية فيه من جديد. وهذا ما سنتناوله في المقال القادم بحول الله.

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تراجع عرب رأي أوضاع مقالات مقالات مقالات رياضة رياضة سياسة رياضة مقالات رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ر الإسلامی

إقرأ أيضاً:

تواصل الإدانات المحلية لجريمة العدو الأمريكي في ميناء راس عيسى

الثورة نت/متابعات تواصلت، اليوم الجمعة، الإدانات من الجهات الرسمية والمكونات السياسية والاجتماعية، لجريمة العدوان الأمريكي التي استهدفت مساء أمس ميناء رأس عيسى وخلفت عشرات الشهداء والجرحى. مكون الحراك الجنوبي بدوره قال مكون الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني الموقع على اتفاق السلم والشراكة: إن العدوان الأمريكي على الشعب اليمني دليلاً واضحاً على حنق أعداء الأمة وغيظهم من المواقف التاريخية المشرفة والشجاعة للجمهورية اليمنية المناصرة والمساندة للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة. كما بارك المكون، في بيان، عمليات الردع النوعية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية سواء في عمق أو ضد مصالح أعداء الأمة الصهاينة والأمريكيين ومن دار فلكهم نصرة للشعب الفلسطيني. وحذر البيان أعداء الأمة بقيادة العدو الأمريكي وحلفائهم ومرتزقتهم المطبعين معهم من تجاهل وعدم استيعاب أن الأمة الإسلامية انتقلت من مرحلة (الصبر الاستراتيجي) تجاه أعداءها إلى مرحلة (الرد والردع المباشر) وهي رسالة أيضاً للعملاء المندسين والمربكين والمرجفين في أوساط شعوب الأمة للعودة لصوابهم. ودعا الشعب اليمني إلى مواصلة الخروج الاسبوعي والاحتشاد المليوني المشرف في جمعة ومسيرة “ثابتون مع غزة…في مواجهة التصعيد الأمريكي الإسرائيلي” في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء وعموم الساحات في بقية المحافظات. الحزب القومي الاجتماعي بدوره، أدان الحزب القومي الاجتماعي، في بيان، الجريمة البشعة التي ارتكبها العدوان الأمريكي باستهدافه ميناء رأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة، وأدت إلى استشهاد وإصابة العشرات من المدنيين. وأكد الحزب أن هذه الجريمة، كسابقاتها، لن تسقط بالتقادم، وأن مرتكبيها يجب أن يُحاكموا دولياً، وسيحاسبون أمام عدالة الشعب اليمني وأمام التاريخ، ورأى أن هذا العمل الهمجي ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة الجرائم التي ترتكبها أمريكا بحق الشعب اليمني الصامد، واعتبر أن هذا الاستهداف يمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي الذي يؤكد أن استهداف بنية تحتية حيوية يعتمد عليها السكان المدنيون شكلًا من أشكال العقوبات الجماعية المحظورة بموجبه، وكذلك انتهاكاً لأركان جرائم الحرب التي تضمنها نظام روما الأساسي، وانتهاكًا لاتفاقيات جنيف الرابعة (خاصة المادة 53)، وتعديًا سافرًا على مبدأي التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني، الذي يجرم الهجمات العشوائية التي تؤدي إلى قتل المدنيين لأنها تمثل انتهاكًا للحق الأساسي في الحياة، وهو حق مكفول في كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية. وشدد على أن الشعب اليمني لن ينتظر عدالة زائفة من مؤسسات دولية تخضع للهيمنة الأمريكية، وهو من سيقتص لدماء شهدائه، وسيجعل قوى الاستكبار تدفع الثمن باهظاً. تنظيم التصحيح فيما، أدان تنظيم التصحيح العدوان الأمريكي الجريمة الأمريكية، موضحا أن استهداف منشأة خدمية واقتصادية كميناء رأس عيسى، يندرج ضمن سلسلة من الجرائم الأمريكية المتواصلة بهدف معاقبة الشعب اليمني على مواقفه المشرفة في إسناد الشعب الفلسطيني. وأكد البيان أن هذا العدوان يأتي في سياق الشراكة الأمريكية الصهيونية الرامية إلى ضرب كل من يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أن التبريرات التي تسوقها واشنطن لتغطية هذا الاستهداف كاذبة ومضللة، ولن تنطلي على أحد. وقال “هذا الاعتداء يثبت مجدداً أن العدو الأمريكي يتعمد استهداف الأعيان المدنية والبنية التحتية اليمنية، بعدما فشل في التأثير على القدرات العسكرية ووقف عمليات الإسناد لغزة”. وجدد التنظيم موقفه الداعم والثابت تجاه إسناد ودعم الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن مثل هذه الاعتداءات لن تثني اليمن عن مواصلة دعمه للشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني. وحمّل الإدارة الأمريكية كامل المسؤولية عن هذا التصعيد وتداعياته، مؤكداً حق الجمهورية اليمنية في الرد والدفاع المشروع عن أراضيها ومقدراتها.

مقالات مشابهة

  • رئيس النواب الأردني: يجب دعم الخطة المصرية التي تبنتها القمة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لإعمار غزة
  • هل كثرة التفكير أثناء الصلاة يفسدها؟.. دار الإفتاء تكشف
  • توصيات المؤتمر الدولي السادس لكلية الدراسات الإسلامية والعربية
  • تواصل الإدانات المحلية لجريمة العدو الأمريكي في ميناء راس عيسى
  • لجان المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الأمريكي المتواصل على اليمن
  • OpenAI تطلق جيلا جديدا من الذكاء الاصطناعي يعتمد على التفكير قبل الإجابة
  • عمرو الليثي: الدراما التلفزيونية سلاحًا ذو حدين إما أن تساهم فى بناء جيلٍ سوى قادر على التفكير، أو تزرع فيه بذور السلوكيات السلبية
  • سياحة وفنادق السادات تنظم دورة تدريبية حول منهجية البحث العلمي بالتعاون مع المعهد الفرنسي (IFAO)
  • جامعة سوهاج تواصل توعية 4000 طالب بـ "مودة" حول أسس الزواج الصحيح والحياة الأسرية
  • هل الأحزاب السودانية ظالمة ام مظلومة؟