خالية من ضجيج السيارات..هذه الجزيرة في اليونان ملاذ الباحثين عن الهدوء
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- للوهلة الأولى، لا تختلف هذه الجزيرة اليونانية عن جاراتها، إذ مثل غيرها من الجزر في بحر إيجه، تتميز بشوارعها البيضاء، والهواء المعطر برائحة الياسمين، ومناظرها الخلابة التي تنعكس على المياه الزرقاء المتلألئة من حولها.
مع ذلك، تتميز جزيرة هيدرا عن غيرها بوسيلة النقل المفضلة لديها.
وبدلا من ضجيج أبواق السيرات، اعتنق السكان المحليون في الجزيرة الصوت الإيقاعي لحوافر الخيول.
وهنا لا يغيب مشهد السيارات فحسب، بل إنه محظور عن عمد، إذ نصت التشريعات المحلية على حظر المركبات الآلية (باستثناء شاحنات الإطفاء، والنفايات، وسيارات الإسعاف).
وبدلاً من ذلك، يتنقل سكان الجزيرة اليونانية البالغ عددهم حوالي 2،500 نسمة على ظهر البغال، والحمير، والأمهار.
وعند النزول من العبارة إلى ميناء هيدرا، أي في قلب الجزيرة، تستقبل الزوار أمهار تشق طريقها برشاقة عبر الشوارع المرصوفة بالحصى، لتمنحهم لمحة عن إيقاع الحياة في الجزيرة .
وأثناء تجولك عبر ممرات الجزيرة الجذابة، من الشائع أن ترى السكان المحليين يمارسون أشغالهم اليومية، برفقة هذه الخيول الصغيرة المحبوبة.
ومن قرية كامينيا الهادئة، الواقعة على الساحل الجنوبي والمزينة بمنازل حجرية تقليدية، إلى قرية ماندراكي على الشواطئ الغربية للجزيرة، والتي تشتهر بمياهها النقية وهالة الاسترخاء، تتشابك الجزيرة مع وجودهم.
تقول هارييت جارمان، مالكة شركة "Harriet's Hydra Horses" لرحلات الخيول إن "هيدرا هي جزيرة تعيدك حقًا إلى الزمن الماضي".
وتضيف: "جميع وسائل النقل على هذه الجزيرة تتمثل في امتطاء الخيول أو البغال. ونظرًا لعدم وجود سيارات، أصبحت الحياة أكثر هدوءًا بعض الشيء للجميع".
وبدأت علاقة جارمان مع جزيرة هيدرا منذ 24 عامًا، عندما زارتها برفقة والدتها لقضاء إجازة، ما أدى إلى قرار غير حياتها، بأن جعلت هيدرا موطنها الدائم.
وبعد عقد من الزمن، خلال الأزمة الاقتصادية في اليونان، واجهت جارمان ضغوطًا لبيع حصانها العزيز، كلوي.
عاقدة العزم على إبقاء رفيقها المحبوب، قررت جارمان إنشاء مشروعها التجاري الخاص برحلات الخيول، وهو مشروع لم يدعم كلوي فحسب، بل سمح لها أيضًا بمشاركة حبها للمناظر الطبيعية في الجزيرة.
ولعل قرار تبني وسائل النقل التقليدية، والمعروفة باسم "كايكيس"، يعود إلى تراث الجزيرة الغني والتزامها بالحياة المستدامة.
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ازدهرت هيدرا كمركز بحري صاخب. ولكن مع حلول القرن العشرين، الذي جلب وسائل النقل الآلية إلى بقية أنحاء اليونان، كانت شوارع الجزيرة الضيقة والمنحدرة غير ملائمة للقيادة.
ولذلك تمسك السكان بوسائل النقل التي تعتمد على الخيول، والتي يمكنها اجتياز المناظر الطبيعية الوعرة بكفاءة أكبر.
ومع مرور الوقت، أصبح هذا الاعتماد على الخيول متأصلًا في ثقافة الجزيرة وأسلوب حياتها.
أصبحت الحمير والبغال جزءًا لا يتجزأ من هوية الجزيرة، وكانت تُستخدم لنقل البضائع ومواد البناء وحتى الأشخاص في جميع أنحاء الجزيرة - وهو تقليد لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا.
وتضيف جارمان: "الجميع هنا يعتمدون عليها (الخيول). إنها بمثابة سياراتنا، إذ تحمل على ظهورها كل شيء من مواد البناء والأثاث إلى الأمتعة وأكياس التسوّق".
وقد ساهم غياب السيارات في تحقيق الهدوء الذي لا يمكن إنكاره على الجزيرة، ما استقطب المبدعين من كل أنحاء العالم، بما في ذلك الممثلة الإيطالية الشهيرة صوفيا لورين، التي وقعت في حب هيدرا أثناء تصويرها فيلم "Boy on a Dolphin"، في عام 1957.
من جهتها، تقول إيلينا فوتسي، مصممة المجوهرات وأحد سكان هيدرا الأصليين: "تقدم هيدرا ألوانًا رائعة وإضاءة جميلة وأجواء فريدة ألهمت الكثير من الناس".
وتستمد فوتسي الإلهام من تراثها اليوناني بالإضافة إلى الطبيعة والهندسة، وتتميز أعمالها بمزيج بين الحرف اليدوية التقليدية والجماليات الحديثة.
ورغم أنها ولدت في أثينا، تقول فوتسي إنها أمضت الصيف والعطلات على هيدرا لزيارة والدها. وتؤكد أن غياب السيارات يجعلها مكانًا سحريًا للعمل، وقد ألهمتها تصميماتها منذ بداية حياتها المهنية.
وتتابع: "لقد ألهمتني الشمس، والصخور، وأنماط الأمواج. كان لجمال طبيعة الجزيرة وتفردها تأثيرًا كبيرًا على إبداعي".
وقد جذب سحر الجزيرة المميز العديد من الرسامين بالإضافة إلى المؤلف هنري ميلر إلى شواطئها، حيث وجد كل منهم الإلهام وسط مناظرها الطبيعية الهادئة.
وتضيف فوتسي: "هيدرا جنة على الأرض، إنها مكان ساحر للعمل، وأنا ممتنة أن أتمكن من المجيء إلى هنا كفنانة، كما فعل كثيرون قبلي، وسيستمرون في القيام بذلك"
المصدر: CNN Arabic
إقرأ أيضاً:
جزيرة سقطرى اليمنية تواجه خطرا يهدد كنوزها الطبيعية الفريدة
يمن مونيتور/قسم الأخبار
تعد جزيرة سقطرى، الواقعة في المحيط الهندي قبالة السواحل الصومالية، واحدة من أكثر الأماكن عزلةً على وجه الأرض، حيث حافظت على نظامها البيئي الاستثنائي لقرون طويلة، بفضل موقعها النائي الذي حمى تنوعها الفريد من التدخل البشري.
وأشار تقرير لموقع “إن بي سي نيوز” إلى أن هذه الجزيرة، التي تُقارن غالبًا بجزر غالاباغوس، تواجه اليوم تحديات وجودية تهدد ملايين السنين من التطور البيولوجي، حيث حذر خبراء الحفاظ على البيئة من أن تغير المناخ والأنشطة البشرية قد تقضي على تراثها الطبيعي النادر.
وأوضح التقرير أن الجزيرة، التي تبلغ مساحتها ما يعادل جزيرة لونغ آيلاند في نيويورك، تضم 825 نوعًا نباتيًا، ثلثها لا يوجد في أي مكان آخر بالعالم، بما في ذلك أشجار اللبان العطري ودم التنين التي تميز المشهد الطبيعي للسقطرى.
ولفت عالم البيئة كاي فان دام، الذي عمل في سقطرى لأكثر من 20 عامًا، إلى أن التغيرات المناخية تمثل التهديد الأكبر، حيث تؤدي موجات الجفاف الطويلة إلى تفاقم آثار الأعاصير التي ضربت الجزيرة في 2015 و2018، مما أدى إلى تدمير الشعاب المرجانية وتآكل التربة وانهيار الموائل الطبيعية.
وأضاف فان دام أن الأشجار المتوطنة، مثل اللبان، تواجه خطر الانقراض، حيث صنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في مارس الماضي أربعة أنواع منها على أنها مهددة بشكل حرج، بينما صنف خمسة أخرى بأنها معرضة للخطر، مشيرًا إلى أن الرعي الجائر، خاصة من قبل الماعز، يساهم في تفاقم الأزمة.
من جهة أخرى، تُواجه الجزيرة ضغوطًا متزايدة من السياحة، حيث تجذب شواطئها البكر ونباتاتها النادرة آلاف الزوار سنويًا، مما يزيد العبء على النظام البيئي الهش. وأفاد ناشطون محليون بأن بعض السياح يتسببون في أضرار بيئية، مثل إشعال النيران تحت الأشجار النادرة، أو إزعاج الحياة البرية بالطائرات المسيرة.
وبينما حددت السلطات عدد الزوار سنويًا بـ 4500 سائح، فإن الانتهاكات لا تزال قائمة، وفقًا لمرشدين محليين، الذين أشاروا إلى أن بعض الزوار لا يلتزمون بالضوابط البيئية، مما يهدد الموائل الحساسة.
ورأى الخبراء أن سقطرى قد تسير على خطى جزر غالاباغوس، التي فقدت العديد من أنواعها الفريدة بسبب السياحة المفرطة، داعين إلى تطبيق إجراءات حماية صارمة قبل فوات الأوان.
وعلى الصعيد الاجتماعي، لاحظ ناشطون تحولًا ثقافيًا بين سكان الجزيرة، حيث تؤثر السلوكيات الوافدة على التقاليد المحافظة للسكان، الذين ما زالوا يتحدثون اللغة السقطرية القديمة.
ورغم التحديات، يرى فان دام أن هناك أملا في إنقاذ الجزيرة، مشيدا بالمبادرات المحلية والتعاون مع السلطات، مؤكدًا أن استمرار جهود الحفظ قد يحافظ على هذا الكنز الطبيعي للأجيال القادمة.