"لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام"، هكذا نص الميثاق التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" التي تأسست منذ سنة 1945، بوضع إشكالية التعليم والنزاعات في إطارها الحقيقي، وهي رسالة تهم كل العالم، ومفادها أن تعزيز السلام وبالتالي تحقيق الاستقرار والتنمية، لا يتأتيان إلا من خلال التعليم، مما يؤكد أهميته القصوى في كل الأوقات، عند السلام وقبل وأثناء وبعد النزاعات والحروب أيضا، لتعزيز الوعي والتفاهم الدولي، ونشر التسامح والعمل والاعتراف بحقوق الإنسان ومنها التعليم.


ومن خلال التعليم يمكن التعافي وتجاوز كل المخاطر والتدمير والتهديدات التي تحدث في غيابه، لاسيما وأن الكثير من دول ومناطق العالم، تشهد اليوم حالات عدم استقرار ونزاعات وتحديات يتعين معها إدراك ضرورة حماية التعليم من الهجمات، والتي بسببها يتم إغلاق المدارس وتعليق الدراسة والاعتداء على الطلبة والمعلمين وتشريدهم، بل تجاوز الأمر كل ذلك بتدمير هذه المؤسسات وصيرورتها كذلك سكنا ومأوى للفارين من النزاعات، وهو ما تشهده للأسف أجزاء من منطقتنا العربية.
من هنا يعد التعليم وكذا استمراريته وحمايته أثناء النزاعات، واحدا من أهم اهداف وأجندة التنمية العالمية المستدامة 2030، لاسيما وأن نحو 50 بالمائة من الأطفال المحرومين من التعليم حول العالم يعيشون في مناطق نزاع واضطرابات مسلحة.
لذلك كله، فإن حماية التعليم من الهجمات تشكل أهمية قصوى لدولة قطر، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى "حفظه الله ورعاه" وتوجيهات سموه السديدة، لاسيما وأن قطر تعمل كوسيط محايد وموثوق به في نزاعات مختلفة، فضلا عن أنها جعلت الاستثمار في التعليم الجيد دائما إحدى أولوياتها القصوى، على المستويين الوطني والدولي.
ولأن حماية التعليم من الهجمات وفي مناطق النزاع تعد قضية بالغة الأهمية لدولة قطر، فقد أولتها منذ وقت مبكر، جل عنايتها وجعلتها في صدر أولوياتها، وقدمت عام 2010، بدعم وتوجيه من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر،رئيس مجلس إدارة مؤسسة "التعليم فوق الجميع"، قرارا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "الحق في التعليم في حالات الطوارئ"، لتقود قطر بذلك الجهود الرامية إلى استصدار قرار الأمم المتحدة الرائد بشأن الحق في التعليم في حالات الطوارئ، حيث أن نسبة كبيرة من أطفال العالم غير الملتحقين بالمدارس يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاع.
ويؤكد القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة بالإجماع، على حق الإنسان في التعليم والوصول إليه خلال الأزمات والصراعات، ويحث الدول على دعم هذا الحق باعتباره عنصرا لا يتجزأ من المساعدة الإنسانية والاستجابة لها، وعلى الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي باحترام المدنيين والأهداف المدنية وعدم مهاجمة المعلمين والطلاب ومرافق التعليم.
ويجيء احتفال العالم في التاسع من شهر سبتمبر كل عام باليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، بناء على مسودة قرار قدمته دولة قطر للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ74، وتم اعتماده والموافقة عليه بالإجماع في مايو 2020 بعنوان" اليوم العالمي لحماية المؤسسات التعليمية من الهجمات"، ويقضي باعتبار يوم 9 سبتمبر من كل عام يوما عالميا لحماية التعليم من الهجمات، ويحث المجتمع الدولي على تخفيف المحنة التي يتعرض لها الطلاب المتضررون من النزاعات المسلحة .
ولايزال العالم يتذكر بكل فخر وإعزاز إعلان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في سبتمبر 2018، عن تعهد دولة قطر بتوفير تعليم ذي جودة لمليون فتاة بحلول عام 2021، وهو ما يعد علامة فارقة في تاريخ المبادرات الأممية التنموية، بشأن توفير التعليم الجيد للفتيات والنساء في البلدان النامية.
كما اضطلعت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة "التعليم فوق الجميع" بدور بارز وطليعي في إقرار"الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم العالمي لحماية التعليم"، وهو ما يثبت التزام دولة قطر نحو تأكيد حق التعليم الجيد للجميع، والعمل على ضمان الرفاه لملايين الأطفال، ووضع التعليم ضمن أهم الأولويات لتأمين السلامة وحماية المؤسسات التعليمية، وضمان وصول التعليم الجيد لمناطق النزاعات.
ويمثل اعتماد مشروع القرار القطري الذي يحتفل العالم به هذا العام للمرة الرابعة على التوالي، إقرارا بأهمية ضمان التعليم الجيد على جميع المستويات، وضمان بيئات التعلم الآمنة في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة.
ويؤكد سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي وكيل وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في تصريحه لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ على الاهتمام الذي توليه دولة قطر للتعليم الجيد ليس فقط على المستوى الوطني وإنما أيضا على الصعيد الدولي، مشيرا إلى أن مبادرات قطر العديدة التي ظلت تطلقها في هذا السياق وبالأخص فيما يعنى بحماية التعليم من الهجمات، وفي مناطق النزاعات تجد كل القبول والإشادة على صعيد العالم.
وثمن النعيمي جهود ومبادرات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وصاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر في مجال التعليم وحمايته من الهجمات على نطاق العالم وبالأخص في مناطق النزاع، والتي حظيت بترحيب وإشادة دولية واسعة، كونها تستجيب لحاجات وتطلعات ملايين الأطفال والشباب التعليمية حول العالم والتي حرمتهم منها النزاعات المسلحة، وهو ما يساهم بدوره في الوفاء بأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.
ونوه سعادته إلى أن مؤسسة "التعليم فوق الجميع" وبرامجها المختلفة، ومنها على سبيل المثال "علم طفلا" تعتبر نموذجا يحتذى به على الصعيد الدولي، لدورها المشهود في نشر التعلم والمعرفة والوصول للفئات المحرومة منه والمهمشة، بسبب النزاعات، وهو ما يعد كذلك استثمارا في العنصر البشري وزيادة الوعي، مما يؤدي بدوره الى تجنب النزاعات والتوترات والفقر والإسهام في التنمية.
وأشاد بالتعاون القائم بين قطر ومنظمة "اليونسكو" في هذه المجالات والشراكة بينهما، من أجل دعم التعليم وكل ما يتعلق باختصاصات وعمل المنظمة.  

ومن بين المبادرات التعليمية القطرية التي تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة تبرز مؤسسات عالمية، على رأسها مؤسسة "التعليم فوق الجميع" التي أطلقتها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر عام 2012، لتنضوي تحت مظلتها عدة برامج دولية مثل /علم طفلا والفاخورة وحماية التعليم في ظروف النزاع وانعدام الأمن وأيادي الخير نحو آسيا/ "روتا".
وتعمل هذه البرامج على ضمان استفادة جميع الأطفال في العالم النامي من حقهم في التعليم خاصة أولئك غير الملتحقين بالمدارس، وتعالج قضايا التعليم بالتزام خاص تجاه أكثر الفئات حرمانا في العالم، من خلال بناء القدرات وتعبئة الموارد وإقامة التحالفات والشراكات المتعددة القطاعات.
ولابد من الإشارة في سياق متصل إلى توقيع صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر رئيس مجلس إدارة مؤسسة "التعليم فوق الجميع" في فبراير 2018 بباريس، اتفاقية مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /اليونسكو/ لتوفير التعليم لأكثر من 150 ألف طفل من غير الملتحقين بالمدارس في الشرق الأوسط وآسيا، وغير ذلك من الاتفاقيات المهمة ذات الصلة، من أجل تعليم ملايين الأطفال، لتتوسع بذلك شراكة دولة قطر مع المنظمة لتغطي الكثير من الدول، فضلا عن العديد من المبادرات والشراكات الحيوية والاستراتيجية التي أطلقتها دولة قطر في هذا السياق.
ولقد تجاوزت مؤسسة "التعليم فوق الجميع "هدف تعليم 10 ملايين طفل في عام 2018، بتعليم 15 مليون طفل حتى تاريخه، فضلا عن التأكيد المستمر بضرورة الاستجابة لوضع حلول مبتكرة لمواجهة أزمة الهجمات على التعليم.
وتتعاون مؤسسة "التعليم فوق الجميع " مع شركائها لتحقيق أهدافها مع وجود 67 مليون طفل خارج أسوار المدرسة، مما يعني أن سدس الأطفال في سن الدراسة الابتدائية في جميع أنحاء العالم محرومون من حقهم في التعليم، بسبب الفقر والصراع والنزوح والتمييز والإعاقة وغيرها من العوائق.
ويدرك الجميع في أنحاء شتى من العالم الدور الريادي للمؤسسة في الحركة العالمية لوقف الهجمات على التعليم وحمايته في أوقات النزاع باعتباره حقا من حقوق الإنسان، مع التركيز على المجتمعات المتضررة من النزاع والمهمشة.
وتعمل المؤسسة مع حوالي 100 شريك، من خلال برامجها الأربعة المذكورة، بالإضافة الى إدارة برنامج الابتكار العالمي، ومشروع "سويا" في قطر مع تطويرها منهج طوارئ مصمم خصيصا للأطفال الذين تعطلت حياتهم بسبب الصراع والنزوح، ودعمهم كذلك، وضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، لاسيما للمجتمعات التي تشهد نزاعات مسلحة وينعدم فيها الأمان، وذلك من خلال المناصرة لضمان المساءلة ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب ضد الهجمات على التعليم، وتمكين أصحاب الحقوق من المعرفة والمهارات اللازمة للدفاع عن حقهم في التعليم، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر سلاما ونزاهة وازدهارا بالإضافة إلى مهارات القراءة نفسيا واجتماعيا.
وفيما يتعلق ببرنامج "علم طفلا"، يمثل هذا البرنامج نموذجا للنجاح والشراكة المميزة بين المؤسسة والأمم المتحدة، حيث تم إنشاؤه في عام 2012 لتقليل أعداد الأطفال الذين يفتقرون إلى التعليم الأساسي حول العالم. وبعد مرور عشر سنوات، أصبح البرنامج يدعم أكثر من 15 مليون طفل عالميا، مسهما في تحقيق تحولات كبيرة وفعلية تسهم في تعزيز المجتمعات وبناء عالم أكثر استدامة للأطفال الذين منعوا من الالتحاق بالتعليم الابتدائي.
وتتمثل استراتيجية البرنامج في تطوير شراكات استراتيجية وابتكار حلول مبتكرة تنطلق لإزالة العقبات التي تحول دون وصولهم إلى التعليم النوعي، بالإضافة إلى تقديم الاحتياجات الأساسية للطلاب، مثل برامج التطعيم المتكاملة وتوفير الوجبات الغذائية والمياه، وذلك بالتعاون مع التحالف العالمي للقاحات وبرنامج الأمن الغذائي.
وقد شجعت هذه النجاحات التي حققها مؤسسة التعليم فوق الجميع عبر برنامج علم طفلا إلى إطلاق استراتيجية جديدة أطلق عليها "صفر أطفال خارج المدارس" تهدف الى تصفير نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في عدة بلدان، ويعمل البرنامج حاليا مع عدد من الحكومات للوصول إلى هذه الغاية.
إن التعليم بحد ذاته حق أساسي من حقوق الإنسان، ويجب أن يتمتع به جميع الناس في جميع الأوقات، وأن ينظر إليه في حالات الطوارئ بشكل خاص على أنه شريان حياة لأولئك العالقين في مناطق الصراعات أو المشردين في مخيمات النزوح واللجوء البعيدة.
وتأكيدا على هذا المبدأ الأساسي، فإن دولة قطر كانت ولا تزال واحدة من الداعمين والمؤيدين الرئيسيين لإعلان المدارس الآمنة منذ إطلاقه في عام 2015، علما أن الحماية المثلى للتعليم من الهجوم لن تتحقق إلا بوضع حد للصراعات المسلحة، ولتحقيق هذا الهدف يتعين على الجميع اتخاذ خطوات ملموسة نحو تأمين سلامة الطلاب والمعلمين وتوفير كل دعم لتحويل التعليم في عالم متغير، وغير مستقر في الكثير من أنحائه، فضلا عن اعتماد نهج متعدد الأبعاد يضع التعليم في قمة الأولويات، من حيث صنع السياسات والتمويل والتخصيص وتقديم المساعدة، وحماية المدارس والجامعات وجميع المرافق التعليمية من الهجمات والاعتراف بطبيعتها المدنية، لضمان أن تظل دائما ملاذات آمنة لتعزيز السلام والتنمية والاستقرار.
لقد أقامت دولة قطر في هذا السياق شراكات مع منظمات إقليمية والعديد من الشركاء الدوليين لتعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاعات ومنع أي انتهاكات بحقهم، وغير ذلك من المبادرات ذات الصلة، وذلك إدراكا من قطر والمجتمع الدولي أن النزاعات المسلحة تتسبب في العديد من العوائق المدمرة أمام التعلم، حيث تؤثر طبيعة النزاعات التي تستمر لوقت طويل خاصة في يومنا هذا سلبا في مستقبل أجيال كاملة، لاسيما في مستقبل الأطفال وأكثر الفئات ضعفا، مما يتعين معه احترام الجميع للحق في التعليم، ودعمه والتمتع به، ولاسيما في حالات النزاع المسلح وانعدام الأمن.
لكل ذلك تتضح بجلاء مدى الأهمية القصوى لليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات في 9 سبتمبر كل عام، والذي هو ثمرة جهود قطرية من أجل رفع مستوى الوعي بمعاناة ملايين الأطفال المتضررين في مناطق النزاعات، وحاجتهم الملحة إلى الدعم في مجال التعليم، وليؤكد في نفس الوقت الالتزام تجاه حماية الحق في التعليم في أوقات النزاعات، وكذلك حماية التعليم من الهجمات المستمرة والمتعمدة والعنف المسلح المنتشر الذي يعاني منه الأطفال في مناطق مختلفة من العالم، الأمر الذي يتعين معه أيضا تعزيز العمل المشترك من أجل مستقبل أكثر استدامة وعدلا، لأجيال مسلحة بالعلم والمعرفة بدون تمييز في أوقات السلم والنزاع.  

 

 

المصدر: العرب القطرية

إقرأ أيضاً:

100 ألف طلب لجوء سنويا.. كيف يؤثر اقتراح ميرتس على السوريين في ألمانيا؟

مع تصاعد الخطاب السياسي المناهض للهجرة في ألمانيا، يشتد الخناق على اللاجئين العرب، وفي القلب منهم السوريون، إذ يواجهون تحديات متزايدة تهدد استقرارهم ومستقبلهم في بلد من أكبر الدول التي تستضيف طالبي اللجوء.

وأعلن زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي (CDU) والمستشار الألماني القادم فريدريش ميرتس عن خطة لتحديد سقف طلبات اللجوء السنوية عند 100 ألف طلب، مشيرًا إلى أن "الضغط على مؤسسات البلاد والمدن والقرى قد بلغ ذروته".

هذه التصريحات أثارت قلقًا واسعًا بين اللاجئين، خاصة السوريين الذين يشكلون أكبر جالية لاجئة في ألمانيا، حيث دعا ميرتس إلى تصنيف دول مثل تونس والمغرب والجزائر والهند كـ "دول منشأ آمنة"، مما يسهل تسريع عمليات الترحيل.

واقترح ميرتس إعادة العمل باتفاقية دبلن، التي تنص على أن أول دولة أوروبية يدخلها طالب اللجوء هي المسؤولة عن معالجة طلبه، مما قد يؤدي إلى رفض العديد من الطلبات على الحدود الألمانية.


بالنسبة للسوريين، تأتي هذه السياسات في وقت صعب، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث يرى بعض السياسيين في ذلك فرصة لإعادة اللاجئين، إلا أن العديد من السوريين في ألمانيا أعربوا عن مخاوفهم من العودة إلى بلد لا يزال يفتقر إلى الاستقرار والأمان. فالعديد منهم اندمجوا في المجتمع الألماني، ويعملون في قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية، مما يجعلهم جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد الألماني.

إلغاء إقامات السوريين
ومن جانبها، فتحت السلطات الألمانية ملفات أكثر من 2000 لاجئ، بينهم مئات السوريين، تمهيدًا لسحب إقاماتهم، بعدما تبين أنهم زاروا بلدانهم خلال الأشهر الأخيرة. وتعتبر الحكومة الألمانية هذه الزيارات دليلاً على عدم الحاجة للحماية.

وبحسب القوانين الحالية في ألمانيا، يفقد اللاجئ حقه في الحماية إذا سافر إلى وطنه، باستثناء الحالات الطارئة مثل مرض خطير لأحد أفراد الأسرة أو وفاته.

ويتعين على اللاجئ إبلاغ سلطات الهجرة عن سفره قبل تنفيذه. في أعقاب هجوم الطعن الذي نفذه لاجئ سوري في مدينة زولينغن العام الماضي وأسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، تم الاتفاق في إطار "حزمة الأمان" على أن الحاصلين على حق اللجوء سيفقدون وضع الحماية إذا سافروا إلى بلدانهم الأصلية.

وأكد المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) الخميس الماضي، أنه فتح 2157 إجراء لمراجعة حالات سحب الحماية من لاجئين سافروا إلى بلدانهم الأصلية خلال الفترة بين 1 تشرين الثاني 2024 و31 آذار 2025.

وحسب متحدث باسم المكتب الاتحادي، فإن العراق تصدر قائمة الجنسيات التي سافر أفرادها إلى بلدانهم الأصلية، حيث بلغ عددهم 762 شخصًا، تليه سوريا بـ 734 حالة، ثم أفغانستان بـ 240، إيران بـ 115، وتركيا بـ 31.

#عاجل | المتحدث باسم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين:
????البدء بإلغاء 2157 إقامة للاجئين في #ألمانيا بسبب رحلات مؤقتة إلى البلد الأصلي
????من بين الحالات 734 سوريا#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/dLmEcdpaKy — تلفزيون سوريا (@syr_television) April 25, 2025


يزيد من أعباء اللاجئين
أكدت الناشطة الحقوقية السورية والمقيمة في ألمانيا مها زيدان في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن اقتراح فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، بتحديد عدد اللاجئين في ألمانيا إلى 100 ألف سنويًا يعكس تحولًا متزايدًا في السياسة الألمانية تجاه اللجوء.

وأضافت زيدان أن هذا المقترح رغم كونه غير مُطبق بعد، يثير قلقًا واسعًا بين اللاجئين السوريين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من طالبي اللجوء في ألمانيا، خاصة في ظل الظروف الحالية في سوريا التي تجعل العودة مستحيلة.

وتابعت زيدان: "اللاجئون السوريون لا يفرون فقط من ضائقة اقتصادية، بل من حرب وانهيار مؤسساتي"، مؤكدة أن تطبيق مثل هذا القرار سيؤدي إلى تأخير أو حرمان العديد منهم من فرص اللجوء أو لم الشمل، مما يزيد من معاناتهم، وأن السوريين يواجهون صعوبات كبيرة في الاندماج بسبب نقص الدعم اللغوي والاقتصادي.

وأشارت إلى أن أهم مشكلات السوريين في هذا السياق تتمثل في بطء إجراءات اللجوء، وصعوبات لم الشمل، وارتفاع معدلات العنصرية التي قد تتغذى من الخطابات السياسية المتشددة. لمواجهة ذلك، يحتاج السوريون إلى تعزيز تواصلهم مع منظمات المجتمع المدني، والدفاع عن حقوقهم القانونية، والمشاركة في الحياة العامة لإبراز قصص نجاحهم وإنسانيتهم، ما يساعد في تغيير الصورة النمطية عنهم.


واختتمت، زيدان بأن الحل لا يكمن في إغلاق الأبواب أمام اللاجئين، بل في تطوير سياسات عادلة تحترم الكرامة الإنسانية وتدعم المجتمعات المستقبلة، قائلة: "من حق الدول تنظيم الهجرة، لكن من واجبها أيضًا احترام الالتزامات الإنسانية التي تدعي أوروبا أنها تضمنها، ومن أهمها حق الإنسان في تقرير مصيره بطلب اللجوء إلى أي دولة يختارها".

بلش ترحيل السوريين من ألمانيا
شي أكيد راح يرحلكم بالأول كنتم ترفضون الترحيل بحجة سورية غير أمنة بوجود بشار الأسد وهلا راح بشار وأنتم كنتم تصفوق لثورة الجولاني يلا هلا تقدروا تروحوا تعيشوا في ظل شريعة الجولاني وتتمتعون به نتمنى لكم كل التوفيق pic.twitter.com/c7RqPIAoui — Mohammed Al-Jajeh ???????? (@mohammed_jajeh) February 24, 2025

مخالف للقانون والدستور
من جانبه، أكد المحامي والباحث السوري ياسر العمر في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن اقتراح فريدريش ميرتس بتحديد عدد اللاجئين في ألمانيا إلى 100 ألف سنويًا يحتاج إلى مراجعة دقيقة من الناحية القانونية.

وأوضح العمر أن القوانين الألمانية، بما في ذلك المادة 16a من الدستور الألماني وقوانين اللجوء والإقامة، التي أبرزها القوانين الفيدرالية الخاصة باللجوء (Asylgesetz) والإقامة (Aufenthaltsgesetz)، والاتفاقيات الأوروبية المتعلقة باللجوء وحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، وهذا ينطبق على اللاجئين الموجودين في ألمانيا. وهو ما يسمح لألمانيا باستقبال أكثر من مليون لاجئ سوري منذ اندلاع الأزمة في سوريا.

رقم لا يستهان به في الاقتصاد الألماني
وأضاف العمر أن اللاجئين السوريين قد اندمجوا بشكل كبير في المجتمع الألماني، معربين عن الأثر الإيجابي الذي أضافوه للاقتصاد الألماني، وشكلوا رقمًا لا يستهان به في عجلة الاقتصاد، لا سيما في القطاع الصحي والطبي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن عددهم قد يصل إلى عشرة آلاف طبيب باختصاصات متعددة، مما غطى جزءًا كبيرًا من الجانب الصحي في ألمانيا.

وتابع العمر بالقول: "إذا نظرنا إلى الجوانب السلبية لهذا الاقتراح، فإن تحديد عدد اللاجئين قد يؤدي إلى نقص في العمالة في ألمانيا، خاصة مع تقدم السكان في السن وزيادة الحاجة للعمالة في السوق".

وأضاف: "في حال استمرت ألمانيا في تقييد أعداد اللاجئين، فقد يؤثر ذلك سلبًا على اقتصادها، حيث يتبين أن هناك مصلحة متبادلة بين الطرفين اللاجئين والدولة الألمانية، فاللاجئون أمن لهم الأمان والعيش الكريم، والدولة الألمانية استفادت دون أن تنفق عليهم إلا القليل للانخراط في سوق العمل، مع ملاحظة أن هؤلاء أصبحوا يشكلون رقمًا لإيرادات الدولة الألمانية من جهة الضرائب وتحريك عجلة الشركات، لا سيما شركات التأمين".

عدد الأطباء السوريين في ألمانيا وحدها يقارب ٦ آلاف طبيب وعودتهم إلى #سوريا يهدد النظام الصحي في أوروبا بالانهيار.
تخيل النهضة التي ستشهدها سوريا بعودة أبنائها الأكفاء اللاجئين الذين طردهم #بشار_الأسد بإجرامه.
الطغاة في بلادنا العربية يطردون أفضل الكفاءات ليحتفظوا فقط بالمنافقين… pic.twitter.com/WMzEslSIwC — Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) December 11, 2024


وفيما يتعلق بتأثير القرار على اللاجئين، أكد العمر أن قوانين اللجوء الدولية، بما في ذلك اتفاقية جنيف، لا تتضمن أي تقييد لعدد اللاجئين الذين يحق لهم طلب اللجوء.

وأضاف: "من غير المقبول أن يتم تحديد هذا العدد بشكل تعسفي، ويجب أن يتم التعامل مع كل حالة على حدة، ما يشكل جوانب سلبية قد تنجم عن حيث ينحسر تدفق العمالة اللازمة لسوق العمل، خاصة في ظل تزايد عدد كبار السن في المجتمع الألماني".

وتابع قائلًا: "مع مرور الوقت، سيواجه السوق الألماني نقصًا في اليد العاملة نتيجة إحالة جزء كبير من القوى العاملة إلى التقاعد، وهو أمر سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد، إضافة إلى ذلك، فالأسر الألمانية في الغالب لا تتجاوز ولادتها مولودًا أو اثنين، مما يعزز هذا النقص في القوى العاملة".

تجربة شخصية
وقال العمر، وهو صاحب تجربة لجوء في ألمانيا، إنه "من خلال تجربتي الشخصية في ألمانيا، أستطيع أن أقول أن وجودي هنا منحني استقرارًا اقتصاديًا وأمنيًا، مقارنة بالوضع في بلدي الذي فقد فيه المواطنون معظم حقوقهم، وهو ما يعزز قناعتي بأن تقييد حق اللجوء يعد كابوسًا بالنسبة للاجئين، خاصة إذا كان مهددًا بالترحيل القسري".

ومع ذلك، يؤيد العمر الحكومة الألمانية في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد الأشخاص الذين يشكلون تهديدًا للأمن أو يرتكبون الجرائم، معتقدا أن بعض الإجراءات التي يدعو إليها المستشار القادم، مثل تقنين عدد اللاجئين، تعود إلى المخاوف من الجرائم التي قد يرتكبها بعض اللاجئين.

مقالات مشابهة

  • السيسي: السلام بين مصر وإسرائيل نموذج لإنهاء النزاعات
  • 100 ألف طلب لجوء سنويا.. كيف يؤثر اقتراح ميرتس على السوريين في ألمانيا؟
  • 100 ألف سائح يزورون ليبيا سنوياً
  • مركز تنمية إقليم الدلتا بطنطا يحتفي بيوم اليتيم ويستقبل زيارات طلابية ضمن برامج الثقافة العلمية
  • فلكي يمني يكشف أسرار الهالة الشمسية القوسية التي أثارت دهشة الجميع
  • إطلاق سياسة حماية الطفل في الحضانات بالتنيق بين وزارة الصحة واليونيسف
  • الكشف عن الأهداف التي طالها القصف الأمريكي في صنعاء اليوم
  • وزير خارجية فرنسا يدعو العراق للنأي بنفسه عن النزاعات الإقليمية
  • يهدد حياة الأطفال.. مقترح برلماني يقضي بحظر «الإندومي» في مصر
  • قوة التعليم المبكر تساعد الأطفال على النجاح في مرحلة البلوغ