في غياب مثير لمصر الشريك التجاري والاقتصادي والاستراتيجي والأمني لكل من دولة الاحتلال واليونان وقبرص، وقعت الدول الثلاث، اتفاقية شراكة بمجال الطاقة الأهم عالميا لتصدير الغاز من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أوروبا، وللربط بين شبكات الطاقة الخاصة بهم، وفق ما نقلته وكالة "رويترز".

وأشارت الوكالة، إلى أهمية ملف الغاز في إقليم شرق المتوسط ولأوروبا، موضحة أنه جرت اكتشافات غازية كبيرة بشرق البحر المتوسط بالعقد الماضي، معظمها قبالة إسرائيل ومصر، لافتة إلى ارتفاع الاهتمام الأوروبي بملف الغاز منذ أن أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى التأثير على التدفقات إلى القارة العجوز.



"مشروعات منافسة لمصر"
وعقد زعماء الدول الثلاث القبرصي نيكوس خريستودوليدس، واليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قمة بالعاصمة القبرصية نيقوسيا، الإثنين، وسط حديث جديد عن مقترح إنشاء خط أنابيب للغاز يربط بين إسرائيل وأوروبا، ما يثير التساؤلات حول غياب مصر عن تلك الاتفاقيات المليارية الهامة.

وفي وقت سابق من هذا العام، اقترحت قبرص تسريع وصول الغاز بإنشاء خط أنابيب بطول ألفي كيلومتر يربط حقول الغاز الإسرائيلية بالبحر المتوسط بمنشأة تسييل قبرص، وشحنها إلى أوروبا، ما يعد مشروعا على الرغم من تكلفته ومخاطره منافسا لخطط مصر لتسييل الغاز الإسرائيلي في محطاتها على البحر المتوسط، وفق مراقبين.

وفي كانون الثاني/ يناير 2020، اتفقت تل أبيب ونيقوسيا وأثينا على مشروع "إيست-ميد"، بمد خط أنابيب من إسرائيل إلى جزيرة كريت اليونانية وصولا لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا ينقل 10 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

ووفق نشرة "انتربرايز"، الثلاثاء، تعد اليونان وإسرائيل وقبرص شركاء ومنافسين لمصر في ذات الوقت، حول صادرات الطاقة إلى أوروبا، لافتة لوجود عدة مشروعات متنافسة مخطط لها.

وفي إشارة لاستمرار حظوظ مصر في هذا الملف الهم، أكدت النشرة الاقتصادية اليومية أن مصر تعد حاليا الطريق الوحيد الذي يمكن لإسرائيل من خلاله إرسال شحنات الغاز لخارج المنطقة، مع عدم امتلاكها لخطوط أنابيب أو محطات إسالة خاصة بها في الوقت الحالي.

ويظل ملف الغاز في مصر ملفا غامضا وشائكا وتغيب عن تفاصيله المعلومات الدقيقة، خاصة لما حدث فيه من تضارب مثير للجدل بين إعلان القاهرة الاكتفاء الذاتي من الغاز خاصة منذ اكتشاف حقل "ظُهر" للغاز الطبيعي، شرق البحر المتوسط، عام 2015، وتحقيق وفرة يتم تصديرها للخارج، ثم تراجع إنتاج الغاز وعمليات التصدير العام الجاري.

وهو ما أكدته وكالة "بلومبرغ"، الأمريكية، مشيرة إلى أن عمليات تسليم الغاز من مصر توقفت فعليا في صيف 2023، وأن محطتي الغاز الطبيعي المسال في "إدكو" و"دمياط" لم يصدرا الوقود في حزيران/ يونيو الماضي، باستثناء شحنات محدودة في تموز/ يوليو الماضي.



"اتفاقيات وشراكات.. ولكن"
ووفق مراقبين، فإن غياب مصر عن تلك الاتفاقية يظل أمر مستغربا خاصة مع اتفاقياتها لاستيراد الغاز الإسرائيلي وتسييله عبر محطات الإسالة في "إدكو" و"دمياط" وتصديره إلى أوروبا، بعقد اتفاق جرى عام 2018، والعام الجاري.

وفي 24 آب/ أغسطس الماضي، عقدت مصر مع الكيان الإسرائيلي المحتل اتفاقية جديدة لاستيراد مزيد من الغاز الطبيعي، من حقل "تمارا" بالبحر المتوسط، بنحو 3.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 11 عاما تقريبا، بإجمالي 38.7 مليار متر مكعب.

وهي الاتفاقية التي تأتي بعد 5 أعوام ونصف من اتفاقية شباط/ فبراير 2018، بين شركة "دولفينوس" المصرية للطاقة ومجموعة "دلك" الإسرائيلية للطاقة لتصدير الغاز الطبيعي لمصر بقيمة 15 مليار دولار لبيع 7.2 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، مدة 15 عاما، بقيمة مالية أعلى من السوق العالمية.

وتبيع إسرائيل حاليا نحو 4.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا إلى مصر، التي تصدر بعد ذلك جزءا منه إلى أوروبا من خلال منشآت إسالة الغاز الطبيعي وتستخدم الجزء المتبقي للاستهلاك المحلي.

كما أن تلك القرارات المهمة بين إسرائيل واليونان وقبرص حول كيفية إيصال الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، دون مصر تأتي برغم عقد مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي اتفاقية منتصف 2022، لتصدير الغاز لأوروبا الغربية.

كما أن تلك الاتفاقية الثلاثية تأتي برغم ما عقده السيسي من لقاءات مكوكية لا تنقطع مع قادة اليونان وقبرص بخصوص ترسيم الحدود البحرية وتقسيم مناطق الغاز بالمنطقة الاقتصادية في شرق المتوسط.

وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، رحب السيسي بالاتفاقية البحرية بين مصر واليونان وقبرص، معلنا تضامنه مع اليونان ضد ما أسماه "السياسات الاستفزازية والتصعيدية" بشرق البحر المتوسط، ملمحا إلى تركيا، وهي الاتفاقية التي تنازلت بموجبها مصر عن نحو 7 آلاف كلم² من حدودها المائية.

وفي إطار حالة العداء المصرية التركية منذ انقلاب السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي، منتصف 2013، حاول السيسي، صناعة تحالف مع قبرص واليونان جارتا أنقرة، مستغلا ما بينهم من خلافات سياسية، وذلك إلى جانب التحالف مع إسرائيل.

"بنية تنسف أي اتفاق"
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الباحث المصري المتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الأوسط خالد فؤاد، إن "القمة الثلاثية بين إسرائيل وقبرص واليونان لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، ولا يوجد اتفاقية على بناء أو إنشاء أو تصدير غاز من إسرائيل إلى قبرص، ولا أي شكل من أشكال الاتفاقيات الواضحة".

وتحدث فؤاد، عن عقبات إنشاء خط أنابيب بحري يربط إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا لتصدير الغاز إلى أوروبا، موضحا أنه "حديث قديم منذ اكتشاف تل أبيب حقلي الغاز العملاقين تمار ولفياتان، وهي تسعى لإنشاء خط إيست ميد".

ولفت الخبير المصري إلى أن ذلك الخط "يواجه صعوبات التكلفة العالية وصعوبات ثانية تقنية خاصة وأنه مقرر إنشاؤه بأعماق البحر المتوسط، بجانب تحديات سياسية كون مسار الخط يتقاطع مع مساحات بالحدود البحرية محل خلاف تركي يوناني".

وعن أسباب إعادة الحديث مرة أخرى عن ذلك الخط، أكد فؤاد، أن "الأمر مرتبط بما حدث على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث أصبحت مسألة إيجاد أوروبا البديل للغاز الروسي هامة، ما فتح الباب أما مشاريع غير ذات جدوى من قبل، وهنا تم طرح مشروع الخط البحري مرة أخرى".

ولفت إلى صعوبة أخرى تعيق تنفيذ هذا الخط، مبينا أن "الولايات المتحدة أعلنت مطلع 2022، عدم استعدادها دعم هذا الخط، لتكلفته العالية جدا، وذلك بجانب وجود مخاطر جيوسياسية"، مضيفا: "ولكن بعد أزمة أوكرانيا أصبحت أوربا بحاجة ماسة للغاز وتبحث في جميع المسارات للتزود منه".

وتحدث الخبير في ملف الطاقة المصري، كذلك عن أزمات قبرص كمنتج منافس للغاز مع مصر، وأوضح أن "قرص لديها مشاكل في تطوير حقل (أفروديت)، المكتشف منذ سنوات والمفترض أن المشغل له عملاق الطاقة الأمريكي (شيفرون)".

وبين أنه "وحتى الآن لم يصل الطرفان لاتفاق واضح، فقبرص متمسكة بتطوير الحقل وإنشاء محطة تسييل على سواحلها مثل مصر، بحيث تصبح منصة تصدير الغاز لأوروبا وتقوم بنفس الدور المصري".

ولفت إلى أن "(شيفرون)، ترى أن هذا الشكل مكلف، والأفضل تطوير الحقل، وإنشاء خط يربط أفروديت بمحطتي التسييل المصرية في إدكو ودمياط، وهنا التكلفة أقل، ويصل الغاز القبرصي لمحطات التسييل كالغاز الإسرائيلي".

وخلص فؤاد، للقول إن "معنى هذا الحديث أن دول الشرق الأوسط بطبيعة الحال وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا تسعى جميعها لتعزيز فرصها لتصدير الغاز الطبيعي، والدول التي تمتلك حقول غاز مثل مصر وقبرص وإسرائيل تسعى لعقد صفقات وتزيد إنتاجها ومشاريع بنية تحتية تساهم في تصدير غازها لأوروبا".

"كذلك الدول الأخرى التي لا تمتلك حقول غاز في شرق المتوسط مثل تركيا اليونان لديها طموحات في التنقيب عن الغاز، وأن تصبح محطة أو ناقل للغاز إلى أوروبا، وتستفيد من الناحية الاقتصادية والجيوسياسية للقيام بهذا الدور".

ولفت إلى أنه "في نفس الإطار فإن الاستثمار في الغاز والنفط طويلة المدى، ولذلك ففكرة إنشاء خط (ايست ميد)، أو محطة تسييل عائمة في قبرص فإن هذا النوع من البنية التحتية مكلف جدا، غير أنه يحتاج من 3 إلى 5 سنوات".

وأوضح أن "معنى هذا أن تظل مصر في الوقت الراهن وعلى المدى القصير منصة تصدير الغاز الرئيسية بشرق المتوسط، لامتلاكها محطتي التسييل في إدكو، ودمياط، وإذا كان هناك منافس لمصر في المشاريع المحتملة -حتى الآن محتملة وليس هناك ما يؤكد أن المشاريع القبرصية الإسرائيلية ستتم- فتكون بعد 5 سنوات".

وختم بالقول: "النقطة الأهم بالنسبة لمصر الراغبة في زيادة إنتاجها وبالطبع تصديرها لاستغلال حاجة أوروبا للغاز هي معاناتها حاليا من انخفاض الإنتاج وزيادة معدلات الاستهلاك المحلي وبالتالي تناقص صادرات الغاز المسال".

"ولكن تبقى مصر هي منصة تسييل وتصدير الغاز لأوروبا والتي تستقبل الغاز الإسرائيلي لتسييله وتصدير جزء منه والباقي للاستهلاك المحلي"، بحسب الخبير المصري.



"تجاهل بديهي"
وفي وجهة نظر الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكرالله، خلال حديثه لـ"عربي21"، فقد "ظهر في الفترة الأخيرة أن مصر أسرفت في استخدام احتياطيات الغاز لديها".

أستاذ الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الأزهر أضاف أن "التقارير التي تأتي من جهات متعددة تشير إلى تراجع الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي بنسب ضخمة للغاية خلال العام الحالي نتيجة تآكل احتياطاتها من الغاز بسبب الإسراف في عملية الاستخراج والتصدير خلال العام الماضي".

 وأكد أن "مشكلة الكهرباء التي ظهرت في مصر منذ أشهر، واضطرار الحكومة لقطع الكهرباء عن المواطنين في المنازل يوميا لفترة أو فترتين في عملية عشوائية ثم تحويلها لعملية أكثر تنظيما يدل بوضوح على أن مشكلة مصر مشكلة إنتاج غاز طبيعي".

خبير واستشاري التدريب ودراسات الجدوى المصري، قال إنه "وبناء على ذلك فإن الحديث عن تجاهل مصر في اتفاقية شراكة ثلاثية مثل هذه لتصدير الغاز لأوروبا هو تجاهل بديهي وطبيعي، ومنطقي نتيجة أن مصر لا تمتلك من الاحتياطيات ما يمكن تصديره حتى الآن، إلا إذا تمت اكتشافات جديدة".

وحول مراهنة السيسي، على عقد شراكات اقتصادية مع إسرائيل وقبرص واليونان وأن هذا كان خيارا خاطئا لم تستفيد منه مصر شيئا، أكد ذكر الله، أن "الدول تبحث عن مصالحها الخاصة".

وأوضح أنه "لا يوجد ما يمكن أن نسميه مراهنات اقتصادية؛ فهي حسابات، ويجب أن تكون حسابات دقيقة"، مشيرا إلى أن "مصر تركت الامتداد الطبيعي لها نتيجة خلافات سياسية واهية مع تركيا وهذا كان الأقرب لها والأجدى، ولكنها اتخذت مسارا موازيا نكاية في تركيا".

ويعتقد الخبير المصري، أن الحسابات الاقتصادية المصرية "مع فرنسا كدولة استعمارية ومع اليونان كجزء من الاتحاد الأوروبي ومع إسرائيل ككيان استعماري حسابات خاطئة من الناحية الاقتصادية".

وأضاف: "رأينا ذلك في الأزمة الأخيرة للكهرباء، عندما احتاجت القاهرة الغاز الطبيعي، ورغم وجود اتفاقية استيراد غاز مع إسرائيل لم تقدم تل أبيب مبادرة لإعطاء مصر الغاز، وإنما انتظرت كثيرا حتى تدبر مصادر مالية حتى تشتري الغاز وتدفع ما عليها".

وختم ذكرالله بالقول: "إذا الرهان يكون دائما على مصادر يمكن الوثوق بها والاستناد عليها في أوقات الأزمات".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الاحتلال الغاز أوروبا القبرصي مصر مصر أوروبا الاحتلال غاز قبرص سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الغاز الإسرائیلی من الغاز الطبیعی ملیار متر مکعب البحر المتوسط الیونان وقبرص إسرائیل وقبرص لتصدیر الغاز شرق المتوسط مع إسرائیل إلى أوروبا خط أنابیب إنشاء خط غاز من إلى أن مصر فی

إقرأ أيضاً:

لماذا فعل ترامب ذلك مع زيلينسكي؟

في مشهد غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية العالمية، وأمام عدسات الكاميرات، وقع حدث أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. ما حدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم يكن مجرد تصرف عفوي من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونائبه، بل كان رسالة واضحة تحمل دلالات استراتيجية كبرى، تشير إلى تغيرات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه أوروبا والعالم.

على عكس ما يراه البعض من أن هذا التصرف كان مجرد زلة أو موقف فردي، فإن ما حدث يعكس تحولًا استراتيجيًا مدروسًا في السياسة الأمريكية. فالولايات المتحدة ليست دولة تتخذ قراراتها اعتباطيًا، بل تعتمد على مؤسسات عميقة تخطط لكل خطوة بعناية وفق أهداف محددة.

ترامب ونائبه، من خلال هذا التصرف، وجها رسالة واضحة لأوروبا بأن الدعم الأمريكي لم يعد مضمونًا كما كان في السابق، وأن المرحلة القادمة ستشهد تغيرًا في التحالفات والتوجهات. هذا الموقف لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتيجة لمخطط طويل بدأ منذ دفع أوروبا إلى مواجهة مباشرة مع روسيا من خلال الأزمة الأوكرانية، وهو ما أدى إلى استنزاف القارة العجوز اقتصاديًا وعسكريًا.

عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى إضعاف كل من روسيا وأوروبا عبر إطالة أمد النزاع. كان الرهان الأمريكي أن روسيا ستنزف في المستنقع الأوكراني، مما يؤدي إلى إضعافها اقتصاديًا وعسكريًا. لكن المفاجأة الكبرى كانت أن روسيا كانت مستعدة لهذا السيناريو، واستطاعت امتصاص أكثر من 16، 500 عقوبة اقتصادية دون أن تتأثر بشكل جوهري.

على الجانب الآخر، أوروبا وجدت نفسها في وضع صعب، حيث استُنزفت مواردها العسكرية والاقتصادية، وأصبحت غير قادرة على مواصلة الحرب بنفس الوتيرة. ومع تراجع الدعم الأمريكي، باتت الدول الأوروبية تواجه خطر الانكماش الاستراتيجي، وهو ما جعلها تدرك أن واشنطن لم تكن صادقة في تحالفها، بل كانت تسعى لاستخدامها كأداة في صراع أكبر.

المشهد هو إعلان رسمي بأن النظام العالمي يتغير، وأن أمريكا بدأت في إعادة ترتيب تحالفاتها بما يتناسب مع هذا التحول. فالعالم يتجه نحو تعددية الأقطاب، ولم تعد الهيمنة الأمريكية المطلقة كما كانت بعد الحرب الباردة.

في هذا السياق، ترى الولايات المتحدة أن أوروبا لم تعد شريكها الاستراتيجي الأساسي، بل أصبحت منافسًا حقيقيًا لها في النظام العالمي القادم. من جهة أخرى، هناك قوة صاعدة تمثل التهديد الأكبر للهيمنة الأمريكية، وهي الصين، التي باتت تشكل تحديًا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا ضخمًا.

من هنا، تبرز تساؤلات مهمة: هل يمكن أن تتخلى الولايات المتحدة عن عدائها لروسيا وتسعى إلى تحالف تكتيكي معها ضد الصين؟ من المعروف أن روسيا تمتلك موارد طبيعية هائلة، واقتصادًا متنوعًا، وقوة عسكرية ضاربة، وهي عوامل تجعلها لاعبًا رئيسيًا في أي نظام عالمي جديد.

الهدف الأمريكي قد يكون فك الارتباط بين موسكو وبكين، وهو ما يمنح واشنطن فرصة لتقليل النفوذ الصيني العالمي. أحد السيناريوهات المطروحة هو محاولة إقناع روسيا إما بتفكيك مجموعة "بريكس" أو انضمام أمريكا إليها بشروط محددة.

في ظل هذه التغيرات، ستصبح منطقة الشرق الأوسط إحدى ساحات التفاوض الرئيسية بين أمريكا وروسيا. فقد سبق أن شهدنا تفاهمات بين الطرفين في سوريا، لكن المتغير الجديد هو صعود مصر كقوة إقليمية مؤثرة. الدور المصري لم يعد هامشيًا كما كان في الماضي، بل أصبح فاعلًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه أو استخدامه كورقة مساومة، بل سيكون شريكًا في أي ترتيبات إقليمية مقبلة.

كما أن مستقبل إسرائيل في النظام العالمي الجديد سيكون محل تفاوض، حيث تحاول أمريكا ضمان أمنها واستمرار تفوقها الاستراتيجي في منطقة تشهد تغيرات كبرى.

الخلاصة: ما حدث مع زيلينسكي ليس مجرد موقف عابر، بل هو مؤشر على تحول استراتيجي في العلاقات الدولية.

أمريكا تعيد ترتيب أولوياتها، وتبحث عن تحالفات جديدة تضمن لها موقعًا مؤثرًا في النظام العالمي القادم. أوروبا تدفع ثمن اعتمادها على واشنطن، وروسيا تثبت أنها لاعب لا يمكن إسقاطه بسهولة، بينما الصين تظل الهدف الأكبر للسياسة الأمريكية.

أما الشرق الأوسط، فهو لم يعد ساحة لتنفيذ المخططات الخارجية فقط، بل أصبح جزءًا من معادلة القوى الدولية، حيث تلعب مصر دورًا متزايد الأهمية.

العالم يتغير، والخريطة السياسية يعاد رسمها من جديد، فهل نحن مستعدون لهذا التحول؟

اقرأ أيضاًمركز "فنار" يصدر العدد 28 من مجلته مستعرضًا ريادة الجمعيات الخيرية الكويتية محلياً وعالميًا

داعية إسلامية تروي قصة «المكيدة التاريخية لإبليس.. أول جريمة قتل في التاريخ» |فيديو

مقالات مشابهة

  • مغردون بشأن وقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا: ترامب نصب الفخ لأوروبا
  • تعرف على إجراءات وتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل
  • مصر تطرح 13 منطقة جديدة للاستكشاف وتنمية حقول النفط والغاز
  • وزير البترول يبحث مع رئيس شل العالمية زيادة إنتاج الغاز الطبيعي
  • شركة الغاز المتكاملة العُمانية تطرح أول مزايدة لبيع الغاز الطبيعي الفوري في 2025
  • أردوغان يجدد رغبة بلاده بالانضمام للاتحاد الأوروبي.. لا يُتصور أمن لأوروبا دون تركيا
  • كيف يمكن لأوروبا إنقاذ أوكرانيا؟
  • وزيرا البترول والإسكان يبحثان تسريع توصيل الغاز الطبيعي للإسكان الاجتماعي والمدن الجديدة
  • الغاز الطبيعي التركي يصل ناختشيفان هذا الأسبوع
  • لماذا فعل ترامب ذلك مع زيلينسكي؟