المسلة:
2025-02-01@00:05:56 GMT

المسؤول والجفاف الروحي

تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT

المسؤول والجفاف الروحي

7 سبتمبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث: محمد رضا الساعدي

عندما ملاحظتي لبعض من انشغل بمسؤولية تنفيذية او تشريعية في الدولة او غيرها يعاني من امر مهم وهو عدم التوازن والتوفيق بين حياته العملية وحياته العبادية وعلاقته بالله تعالى وباولياءه.

فيتعرض بذلك إلى جفاف روحي يفقده اواصر العلاقة بالحق المطلق وبتعاليمه مما يودي إلى ابتعاده عن هدفه من المنصب ،وهو إقامة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما إشارة الآية …الذين ان مكناهم في الأرض… فينشغل بالماديات والدنيويات واحيانا بالحسناوات والاكل فيصبح همه بطنه او بطنها وفرجه او فرجها … فيخلد إلى الأرض ويتبع هواه فتزل قدم بعد ثبوتها.

فيذهب بذلك عنصر من عناصر الإصلاح ويحل محله عنصر فساد او إفساد فيتحرك في مسوؤليته وكأن الله غير موجود، فيسرق ويقتل ويبتز ويرتشي ووووالخ .

والحال ان اهم ما يُسهم في الإصلاح الفردي والاجتماعي هو بناء شخصية المؤمن بناءً روحياً ومعنوياً؛ يشعر بهذه الآية ابدا ( هو معكم أين ما كنتم) ليكون مؤهّلاً للقيام بوظيفته الشرعية والعملية تجاه ربّه ونفسه ومجتمعه ووطنه باحسن ما يكون، وهناك آليات عديدة لبناء الشخصية الإسلامية عموماً وشخصيةالمتصدي خصوصا، ولعلّ أهمّ تلك الآليات هو اتخاذ القدوة الحسنة والسير على نهجها كانتهاج نهج النبي وعلي عليهما السلام في الرعية كما بين في خطب الإمام في نهج البلاغه وعهده لمالك الاشتر ، والتزوّد بالعلم والمعرفة والدراسة لسيرتهما، وبناء هكذا شخصية يجعل الإنسان قوياً وصبوراً أمام المصاعب والشدائد، ويُوجِد عنده نفساً عزيزة تأبى الذلّ والمسكنة من جهة وتنأى بنفسها عن الظلم والسرقة للمال العام او الخاص ، فيصبح شجاعاً وصادقاً وأميناً، وغير ذلك من الصفات الحميدة.

ومن الآليات المهمّة أيضاً هو انتهاج السلوك العبادي، واتخاذه وسيلة للتقرّب إلى الله، وبناء الملَكَات والفضائل النفسانية، وكسر الشهوات ومحو الرذائل.

فالصلاة المقبولة ـ مثلاً ـ لها آثار معنوية كبيرة كما صرّحت الآيات والروايات، فهي حصانة للإنسان من الوقوع في الفحشاء والمنكر، قال تعالى: ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) وهي وسيلة يتقرّب بها العبد إلى الساحة الإلهية، ويبتعد بها عن الخطط الشيطانية، كما جاء في الحديث: «الصلاة قربان كلّ تقي»، وهي سبيل للعروج إلى الربّ، فقد ورد: «الصلاة ميزان أُمّتي» إلى غير ذلك من الآثار.

وهكذا الصوم، والحج، والجهاد، وأداء الحقوق الشرعية، وغيرها، كلّ له آثاره في بناء شخصية الإنسان المؤمن وتربيتها تربية إسلامية.

وزيارة الأربعين ـ وبالخصوص مشياً ـ كما نعيش اليوم ذكراها ، تمثّل ممارسة عبادية متنوعة وطويلة الأمد ـ زماناً ومسافة ـ وتشابه إلى حدّ ما موسم الحج، من حيث التنوّع العبادي، والجهد المعنوي، والتعبوي، فتُمارس فيها مجموعة من العبادات كالزيارة، والصلاة ـ خصوصاً صلاة الجماعة ـ والتسبيح، والوعظ والإرشاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء، والمشي ـ بناء على كونه عبادة كما هو الصحيح ـ وغيرها.

وهذه الممارسات العبادية المتنوعة، خصوصاً عند تكرارها، تخلق جوّاً روحياً عالياً من خلال ما يحصده المؤمن من الأجر والثواب، لا سيّما وأنّه يتحمّل متاعب المشي، والحرّ والبرد، وتورّم الأقدام، وغير ذلك من المصاعب، كما كان يتحمّل الجوع والخوف في زمن الطغاة. وهذا يخلق شخصية دينية صلبة الإيمان تكون مؤهّلة لممارسة دورها الشرعي والقيادي والعملي لكي لا تزل قدم بعد ثبوتها والعاقبة للمتقين العاملين المخلصين والخزي والعار والعذاب للسارقين والظالمين والمرتشين والخائنين .

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 53 من سورة الأنفال: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ”.
هذه الآية هي من الآيات التي تبين سنن الله الكونية في تصريف أحوال البشر، وهي سنة عامة تطال المجتمعات المؤمنة والكافرة، ومحددة في تبيان أسباب زوال النعمة التي كان يرفل فيها ذلك القوم، وهي تخصيص للسنة العامة الرئيسة التي جاءت في الآية 11 من سورة الرعد: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ” التي تبين عموم التغيير في حال قوم، في كلتي الحالتين، سواء من الحال الأفضل الى الأسوأ ام العكس، ولكن الله تعالى أراد أن يبين لنا ان الأصل هو استتباب النعمة، والاستثناء هو في زوالها، لذا يكمل في الآية ذاتها: “وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ”.
من فهم هاتين السنتين العامة والتخصيصية، يمكننا فهم لماذا كانت أحوال أمتنا تتغير بين صعود وهبوط عبر العصور المنصرمة، لكن الأمر أعقد من هذا التبسيط، فتتداخل مع هاتين السنتين سنن أخرى خاصة: منها سنتان خاصتان بالمجتمع المؤمن، وأخريان خاصة بالمجتمعات غير المؤمنة.
بداية من المهم ملاحظة أمرين: الأول أن الله تعالى يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، ويصنفها بالصلاح أو الفساد بحسب الصفة الغالبة عليه، والتي تحددها السياسة أو المنهج الذي يتبعه النظام الحاكم، فقد حكم على قوم فرعون جميعهم بدخول جهنم رغم أنه قد يكون منهم صالحون، لكن تقبلهم لأفعاله وطاعتهم له شملتهم معه المعصية، وكذلك قوم لوط أهلكهم جميعا مع أنه قد يكون بينهم كثيرون لم يكونوا يمارسون الفاحشة، لكنهم شملوا معهم بالعذاب لأنهم سكتوا عنهم ولم يتدخلوا بإصلاحهم، ولذلك فرض الله على المجتمعات المؤمنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو فرض كفاية على العموم ولكنه فرض عين على المصلحين، ان اضطلعوا به أجزؤوا عن العموم.
والأمر الثاني: في استخدام صيغة المفرد لوصف المجتمع المؤمن، لأن الله تعالى يعتبر المؤمنين مجتمعا واحدا في العصر الواحد، مهما تباعدت أمصارهم وتعددت قومياتهم واختلفت ألسنتهم: “إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء:92]، وأما غير المؤمنة فمتعددة متباينة، بحسب درجة ظلمها وفسوقها.
السنتان الخاصتان بالمجتمع المؤمن :
الأولى سنة الابتلاء والتمحيص، فبالشدائد تبتلى النفوس، وتنكشف الهمم العالية من الضعيفة، ويفرز المؤمن الحقيقي من المنافق.
لذلك أوجد الله سنة التدافع بين أهل الحق وأهل الباطل، دائمة باقية، ويوجد الأسباب المغرية بذلك: “وَإِذۡ يُرِيكُمُوهُمۡ إِذِ ٱلۡتَقَيۡتُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِكُمۡ قَلِيلٗا وَيُقَلِّلُكُمۡ فِيٓ أَعۡيُنِهِمۡ لِيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا” [الأنفال:44].
الثانية ان الله مع المؤمنين، يدافع عنهم وينصرهم إن صدقوه وأطاعوه، لأنه تعالى يعلم أن قوة الباطل ستبقى متفوقة عبر العصور، ولو ترك الأمر للسنة العامة لتحقق النصر لمن يمتلك القوة الأعظم، لانقرضت الفئة المؤمنة، لكنه لن يسمح بذلك، فما أنزل هديه على البشر ليطفئه الظالمون.
أما السنتان الخاصتان بغير المؤمنين:
فالأولى هي سنة الاستدراج وهي الإمداد لهم زمنيا حتى تبقى سنة التدافع قائمة، وماديا بجعلهم أكثر أموالا ونفيرا وامتلاكا للقوة، وهذا ليس إنعاما من الله عليهم، بل عقوبة، ولأنهم لا يعقلون فهم لن يفهموها أنها لكي يتمادوا في غيهم الى حين فوات أوان التوبة، فلا ينالوا رحمته بل عذابه: “والَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” [الأعراف:182].
أما الثانية فهي معيشة الضنك: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا” [طه:124]، فالمجتمع الكافر رغم توفر كل وسائل الرفاهية ومقومات المعيشة الرغيدة، إلا ان معيشتهم ضنكا، فتجد أفراده يعيشون بلا هدف ولا رسالة، يلهثون وراء متعهم كما الأنعام، لتعويض فقدانهم سكينة النفس بسبب الفراغ الروحي، وقلقين من الكهولة بسبب غياب التراحم والتكافل الأسري، الذي يميز المجتمع المؤمن.
نستخلص مما سبق سبب تغير نعمة الله علينا الى أن أصبحنا في ذيل الأمم، فالله لا ينظر الى ضخامة المساجد وكثرة الغادين إليها، بل الى المجتمع بمحصلة أعماله، والتي يحددها النظام الحاكم، فيتبع منهجه أو يتنكبه.
لذلك لن تقوم لنا قائمة إلا بدولة اسلامية تقيم منهج الله.

مقالات ذات صلة مخاطر التهجير بين التهوين والتهويل 2025/01/30

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: مصر تقدر الدور الروحي المهم لسماحة مفتي لبنان
  • الإيمان وتأثيره العميق في سلوك الإنسان .. رحلة التغيير الداخلي
  • مفتي الجمهورية: الصوم سر بين العبد وربه ويسهم في بناء الإنسان
  • مفتي الجمهورية: الصوم سر بين العبد وربه ويسهم في بناء الإنسان.. فيديو
  • تأملات قرآنية
  • عام المجتمع.. يجسد رؤية قيادية للمستقبل محورها الإنسان ومركزها جودة الحياة
  • عضو اتحاد كتاب مصر: القراءة أساس بناء شخصية الطفل (فيديو)
  • الكرملين يصف اتصالات الوفد الروسي مع السلطات السورية الجديدة بـ”المهمة”
  • ندوة عن الوعي الوطني في مواجهة التحديات الراهنة بالأعلى للثقافة
  • ما الذي دفع بالإسرائيلي إلى تمديد بقائه في الجنوب؟