مات دون أن يحصل على الجنسية البريطانية
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
في حوار له مع جريدة «نيويورك تايمز» سنة 1995، تعجب رجل الأعمال المصرى الراحل محمد الفايد من نظرة البريطانيين له، قال نصًا: «يعتقدون أن كل من يأتى من مستعمرة (يقصد مصر) هو نكرة، وعندما تثبت أنك أفضل منهم، وتقوم بأمور تجعل منك حديث البلد، يسألون أنفسهم كيف أمكنه القيام بذلك، هو مجرد مصرى!».
هذه الجملة تلخص الكثير من حياة محمد الفايد، الذي رحل عن عالمنا في صباح الأول من سبتمبر الجارى، تلخص كيف كانت حياته، وكيف كوّن ثروته، وكيف تحدى الأسرة المالكة في بريطانيا العظمى، وكيف مات بهدوء عن عمر ناهز 94 عامًا بعد حياة مديدة مليئة بالتقلبات والمعارك.
ولكن، مخطئ من يظن أن «الفايد»، أو «محمد فايد» بالأحرى، المصرى، المولود بالإسكندرية سنة 1929، كوَّن إمبراطوريته بسهولة ويسر، ومخطئ من يظن أنه اعتمد على ضربة حظ، بل إن تلك الإمبراطورية تكونت من عرق رجل ذى شخصية مركبة للغاية، تلك الشخصية التي حولته من «مجرد مصرى»، بوصف البريطانيين، فقير يعمل «حمالًا» على أرصفة ميناء الإسكندرية، إلى أحد أهم أغنياء العالم في سنوات التسعينيات من القرن الماضى، والسنوات الأولى من الألفية الجديدة، وإلى وقت قريب.
من بائع في ميناء الإسكندرية.. إلى صاحب متجر مهم بلندن.
نعم، بدأ محمد فايد (بدون «ال» التعريف) حياته في الميناء القريب إلى محل سكنه ومسقط رأسه، يحمل حقائب المسافرين، ويبيع المشروبات الغازية لهم، وانتقل بعد ذلك إلى العمل في بيع ماكينات الخياطة، لم يكن يأبى أي عمل، طالما أنه يحقق له ربحًا ماديًا يعينه على الاستقلال المادى عن أسرته الفقيرة.
ساعدته شخصيته الطامحة إلى التعرف بالكاتبة سميرة خاشقجى، شقيقة الملياردير عدنان خاشقجى، والتى تزوجها فيما بعد، فقد منحه هذا الزواج عملًا مكّنه من دخول دوائر المجتمع في الخليج، ثم في بريطانيا. كالنمل المجتهد ظل المصرى محمد فايد يجمع ثروته بنفسه، بعد أعمال صغيرة تحولت بمرور الوقت إلى صفقات كبيرة مع الكثير من أثرياء العالم.
صار «فايد» مليونيرًا في ستينيات القرن الماضى، بعد أن تعرف إلى دوك دوفالييه، حاكم هاييتى الشهير، كما صار المستشار المالى لسلطان بروناى، فيما أسس شركة شحن خاصة به في مصر، باختصار تحول هذا الرجل المصرى الثلاثينى إلى واحد من أهم وأشهر رجال الأعمال في العالم.
هذا بالتأكيد منحه الضوء الأخضر للإقامة بشكل كامل في بريطانيا سنة 1974، وعندما أضاف «ال» التعريف لاسمه، فأصبح «محمد الفايد» بدلًا من محمد فايد.
وتبقى للحكاية بقايا وليس بقية واحدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني محمد فاید
إقرأ أيضاً:
نسرين مالك- قلم سوداني في الصحافة البريطانية
زهير عثمان
في نسيج الصحافة البريطانية المعقد، يبرز اسم نسرين مالك كدليل على الصمود والذكاء وقوة الهوية. الصحفية السودانية-البريطانية التي شقت طريقها كواحدة من أبرز الكتّاب، تكتب ببراعة عن العرق والجنس والطبقة والإسلام في بريطانيا. يعكس عملها، الذي يتميز بتحليله العميق وصدقه الجريء، ليس فقط رحلتها الشخصية ولكن أيضًا النضالات والانتصارات الأوسع للمجتمعات المهاجرة.
جسر بين الثقافات من خلال الصحافة
وُلدت نسرين مالك في السودان، وتجسد رحلتها إلى أن أصبحت واحدة من أبرز المعلقين في بريطانيا تقاطعًا بين المنظورين الإفريقي والغربي. من خلال كتاباتها في صحيفة The Guardian، تناولت بعضًا من أكثر القضايا الاجتماعية والسياسية إثارة للجدل في عصرنا، بما في ذلك الهجرة وعدم المساواة المنهجية ومعاملة الأقليات. صوتها يجمع بين التعاطف والسلطة، ويقدم رؤى دقيقة تتحدى السرديات السائدة.
مساهمة أدبية: نحن بحاجة إلى قصص جديدة
في عام 2019، نشرت مالك كتابها المشهود له نحن بحاجة إلى قصص جديدة، الذي ينتقد ستة من الخرافات المقبولة على نطاق واسع التي تدعم الخطاب الاجتماعي الحديث، مثل وهم حرية التعبير المطلقة وحياد الإعلام. وقد وُصف الكتاب، الذي أشيد به لوضوحه ودقته الفكرية، بأنه تدخل ضروري في عالم يزداد استقطابًا بسبب المعلومات المضللة والحروب الثقافية. تؤكد الطبعة الثانية، التي صدرت في عام 2021، على أهمية الكتاب ودوره في تشكيل الفكر التقدمي.
التكريم والاعتراف
لم تمر مساهمات مالك دون أن تُلاحظ. فقد تم اختيارها في القائمة الطويلة لجائزة أورويل عام 2019 لعملها في كشف "البيئة المعادية" في بريطانيا. كما حصلت على جائزة "المعلق الاجتماعي لهذا العام" في حفل جوائز الذكاء التحريري لعام 2017، وتم ترشيحها لجائزة "الصحفي/الكاتب لهذا العام" في جوائز التنوع في الإعلام. تؤكد هذه الجوائز على تأثيرها كصحفية لا تخشى مناقشة المواضيع الشائكة.
دور النساء السودانيات-البريطانيات في الفضاء الثقافي
مالك جزء من مجموعة متزايدة من النساء السودانيات-البريطانيات اللواتي يتركن بصماتهن في الفضاءات الثقافية والفكرية في المملكة المتحدة. هؤلاء النساء، اللاتي يوازين بين هوياتهن المزدوجة، يقدمن وجهات نظر فريدة على المسرح العالمي. من خلال أعمالهن، يتحدين الصور النمطية، ويضفن أصواتًا للمهمشين، ويُلهمن أجيالًا جديدة من الأفراد المغتربين ليعتنقوا تراثهم بينما يتفاعلون مع العالم.
إرث قيد التقدم
بالنسبة للعديد من النساء السودانيات والإفريقيات، تُعد إنجازات مالك مصدر فخر وإلهام. قدرتها على التعبير عن قضايا معقدة بوضوح وتعاطف تظهر الدور الحاسم للصحافة في تعزيز الفهم وتحفيز التغيير الاجتماعي. ومع استمرار مالك في الكتابة والتحدث، يذكرنا عملها بقوة السرد وأهمية التمثيل في الإعلام.
ونسرين مالك ليست مجرد صحفية؛ بل هي جسر بين الثقافات، وصوت للمهمشين، ومنارة أمل لأولئك الذين يسعون لترك بصمتهم في عالم غالبًا ما يتجاهلهم. ومع تقدم مسيرتها المهنية، سيستمر تأثيرها في الصحافة البريطانية ومساهماتها في الحوار العالمي حول العرق والهوية والعدالة في النمو بلا شك. بالنسبة للمجتمع السوداني-البريطاني، وخاصة نسائه، فهي تمثل الإمكانيات غير المحدودة للمثابرة والموهبة والشجاعة في قول الحقيقة للسلطة.
zuhair.osman@aol.com