الغابون.. انقلاب على السلطة أم تمرد؟
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
ما بين أطماع في السلطة وحركات تغيير صادقة، ومحاولات تغيير في واقع الشعوب، مرة بالإيجاب ومرات بالسلب، لاتزال إفريقيا تتصدر قارات العالم بعدد الانقلابات العسكرية الذي وصل إلى 206 انقلابات في سبعين عاماً. ولعل معيار التفرقة الوحيد بين الانقلاب الهادف إلى السلطة عن الهادف إلى تصحيح المسار، هو مدى نجاح الانقلاب في تحسين أوضاع الشعوب.
وتحقق ما ذهبنا إليه في كتابات سابقة، أن الانقلابات العسكرية خاصة في الغرب الإفريقي، تجري وفق نظرية المحاكاة، في ظل تشابه الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول تلك المنطقة، وتشابه أنظمتها السياسية وهشاشة أوضاعها. وسجلت الغابون رقماً جديداً في سجل الانقلابات العسكرية في الوسط والغرب الإفريقي بثمانية انقلابات منذ عام 2020، بعد سويعات قليلة من إعلان نجاح الرئيس الغابوني علي بونغو، لمرحلة رئاسية ثالثة، لتستمر رئاسة أسرة بونغو للجابون لمدة تعدت خمساً وخمسين سنة متصلة، بعد أن توارثها عن أبيه عمر بونغو الذي تولى الحكم منذ عام 1967 وحتى وفاته عام 2009.
علل العقيد بريس كلوتير أولوجي، في بيانه الذي تلاه للشعب الغابوني متوسطاً اثني عشر جنرالاً أطلقوا على أنفسهم «لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات» – ربما يكون هذا الاسم يحمل رسالة للفاعلين الدوليين مفادها بأنهم لا يستهدفون السلطة وإنما تغيير واقع البلاد السياسي المتردي – إنهاء النظام القائم بوصفه نظاماً مستبداً توارث السلطة بتزوير الانتخابات، مستخدماً أساليب قد تدفع الغابون إلى الفوضى، فضلاً عن التردي الاقتصادي الذي تفشّى بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتراجع عائدات النفط في بلد يعدّ رابع مخزون نفطي في القارة وأحد أعضاء «أوبك»، إلا أن الأمر، مع ما سبق قد سار في مسار الدول التي تمردت على التبعية للغرب، خاصة فرنسا التي عملت على رعاية مصالح أسرة بونغو، وأفشلت أكثر من انقلاب عسكري على تلك الأسرة. كذلك كانت الغابون إحدى الدول التي كانت تستعد للتدخل عسكرياً في النيجر، ضد العسكريين هناك، ولعل ذلك من أسباب ضيق قادة الجيش الغابوني، برئيس يجرّهم إلى نزاعات ترهق البلاد، لا ناقة لها فيها ولا جمل، انصياعاً لتعليمات باريس ليس إلا.
لا تزال المواقف الإقليمية، خاصة في القارة غامضة، فيما عدا ما أذاعه البيان الرئاسي لنيجيريا، وجاء فيه أن «عدوى الاستبداد تنتشر في مناطق واسعة من قارتنا، ونيجيريا تعمل عن كثب مع رؤساء دول الاتحاد الإفريقي، للتوافق على خطوات التصرف مع ما يتم في الغرب والوسط الإفريقي الذي بات يستشري في ربوع القارة استشراء النار في الهشيم». أما في الاتحاد الإفريقي، فقد قرر مجلس السلم والأمن الإفريقي، عقد اجتماع عاجل لترويكا بوروندي والسنغال والكاميرون، لبحث التطورات المتسارعة في الغابون. لكن هذا التطور على الساحة الغابونية، قوبل بترحيب الدول التي سبقته إلى التمرد على التبعية للغرب، بقدر ما قوبل بقلق من دول مجاورة عدّة تخشى أن يكون دورها غداً.
من البديهي أن تصدر بيانات دولية تدين الانقلاب، وحظرت أغلب الدول رعاياها من السفر إلى الغابون، ونصحت المقيمين بضرورة الخروج منها، إلا الموقف الفرنسي فله حيثياته الخاصة، بحكم أن الغابون إحدى مستعمراته السابقة وإحدى أهم مناطق نفوذه ومصالحه في الغرب الإفريقي، لذلك أعلنت الحكومة الفرنسية إدانتها الشديدة لذلك، وضرورة احترام نتائج الانتخابات، لكن الأهم والأخطر، تعليق شركة «توتال إنرجيز» الفرنسية أعمالها في الغابون، وهي الموزع الرئيسي للمنتجات البترولية في البلاد. كذلك أعلنت شركة «إراميت» للتعدين الفرنسية التي توظف نحو 8 آلاف عامل غابوني، تعليق أعمالها أيضاً، وهو ما يمثل ضغطاً بالضرورة على قادة الانقلاب.
إلا أننا نتوقع أن يكون رد الفعل الدولي أخف حدة مما حدث مع غيره من الانقلابات السابقة، لأسباب عدة، لعل أهمها أن الجيش الغابوني يحظى بتأييد أغلبية الشعب، وهذا سيؤدي إلى تخفيف الضغوط عن الإدارة الجديدة، وكذلك اختلاف ديناميكيات انقلاب الغابون عن الانقلابات الأخرى التي تمت أخيراً في المنطقة، مثل النيجر ومالي، حيث إن قادة انقلاب الغابون قد أطاحوا زعيم لا يحظى بشعبية تذكر، وأكدوا منذ اللحظة الأولى إعادة المؤسسات، لذلك نتوقع أن تكون الاستجابة الدولية لانقلاب الغابون أكثر اعتدالاً.
كذلك اعتماد خزينة الدولة في الغابون على عائدات النفط سيؤدي بالضرورة إلى كبح جماح أي تطلعات متطرفة لقادة ذلك الانقلاب، حيث إن مصير البلاد اقتصادياً يقع في يد شركات النفط الدولية، ومن ثمّ ليس من مصلحة هؤلاء القادة أن يناصبوهم العداء. إلا أن الأصداء الإقليمية ستستمر في مناهضة ذلك، حتى لو أعيدت المؤسسات، وذلك خشية تحفيز عدوى الانقلابات في منطقة ترزح أغلب دولها تحت حكام مستبدين من سلالات تفتقر إلى خلفاء ديمقراطيين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني
إقرأ أيضاً:
خريج منحة ناصر نائبًا لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالاتحاد الإفريقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
انتخب المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للاتحاد الإفريقي، خلال اجتماعه الأخير المنعقد في كينيا خلال ديسمبر الجاري ٢٠٢٤، الناشط الشاب محمد هارون آدم، خريج منحة ناصر للقيادة الدولية من تشاد، نائبًا لرئيس المجلس.
ويُعد هذا الانتخاب تأكيدًا على الثقة الكبيرة التي يحظى بها محمد هارون آدم في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالقارة الإفريقية.
ومن جانبه أكد هارون أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي يُعد أحد الأطر الأساسية للاتحاد الإفريقي، حيث يقدم المشورة بشأن القضايا التنموية والاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة، مشيرًا إلي ما يُشكله هذا المنصب من إضافة مهمة لدولة تشاد وتعزيزًا لجهود التعاون الإفريقي المشترك.
وفي تصريح له عقب انتخابه، أعرب محمد هارون آدم عن شكره للدول الأعضاء على ثقتهم به، مؤكدًا التزامه بالعمل على دعم الأهداف التنموية للاتحاد الإفريقي وتعزيز التعاون بين الدول الإفريقية لتحقيق النمو والازدهار في مختلف المجالات.
ويُذكر أن محمد هارون آدم يمتلك خبرات واسعة من خلال المناصب العديدة التي شغلها سابقًا في المجلس، ما يجعله إضافة قيّمة ومؤثرة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الإفريقي.
من جانبه، صرّح الباحث الأنثروبولوجي حسن غزالي، مؤسس منتدى ناصر الدولي، مؤكدًا أن انتخاب محمد هارون آدم لهذا المنصب القيادي البارز يُعد تجسيدًا حقيقيًا لرؤية منحة ناصر في تمكين الشباب الإفريقي وتأهيلهم لتولي أدوار ريادية على المستوى القاري.
وأضاف أن خريجو المنحة، ومن بينهم محمد هارون، أثبتوا أنهم قادرون على تحقيق تأثير حقيقي وملموس في منظومة صنع القرار الإفريقي، مما يساهم في دفع مسيرة التنمية وتعزيز التكامل بين دول القارة.
وأشار غزالي إلي أن منتدي ناصر الدولي يضم حركة ناصر الشبابية الدولية والتي تعمل علي تنمية العلاقات الثنائية بين مصر ودول العالم بالأخص أفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية ومتواجدة في عدد ٦٧ دولة حتي الآن وهي حركة شبابية مستقلة، بالإضافة إلي منحة ناصر للقيادة الدولية التي تعمل علي بناء القدرات للقيادات الشبابية من خلال نقل التجربة المؤسسية المصرية لدول الجنوب العالمي وبلغ عدد خريجيها نحو ٥٩٠ قيادة شابة، كما لفت أيضًا أن المنتدي يشمل قسم التدريب الذي يستهدف طلاب الجامعات المصرية من خريجي الاعلام والعلوم السياسية واللغات والترجمة والذي تخرج منه حتي الآن نحو ٦٢٠ كادر طلابي متميز.