جنود الرب.. ما بعد قتل السياسة في لبنان
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
"جنود الرب".. ما بعد قتل السياسة في لبنان
أجهزة الدولة تريحها ظاهرة "جنود الرب" طالما أن لا فكرة سياسية واحدة مفيدة في تفكيرهم ولأنهم يتناغمون كلياً مع التخلّف العام السائد!
حزب الله قتل السياسة كصراع حر وسلمي للأفكار والبرامج والمشاريع. وبقتلها، ترك فراغاً هائلاً يملأه فيضان الكراهيات بين الطوائف والأديان والمناطق.
الحسد الذي يثيره حزب الله يتّخذ أشكالاً، أحدها يستفحل منذ أربع سنوات في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية من بيروت، تحت مسمّى "جنود الرب".
"جنود الرب" يتداخل في ظاهرتهم كل التخلف الديني للكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، مع الشكل التنظيمي لما قد يتحوّل إلى نازية لبنانية مسيحية جديدة.
تكسير عظام مشجعي منتخب المغرب السعداء بفوزه على البرتغال بكأس العالم في ديسمبر الماضي وسط الأشرفية لأنهم أتوا من الطريق الجديدة بالجزء السُني من بيروت.
إن كانت البابوية الكاثوليكية أعادت النظر بمحاكم التفتيش ومواقفها السابقة المحرّضة على إبادة المثليين، فإن "جنود الرب" قادرون على تلقينها دروساً في الدين واللاهوت وما أدراهم بالمسيحية هناك في الفاتيكان؟
* * *
من بين الكوارث الكثيرة التي يتسبّب بها حزب الله في لبنان، أنه يثير حسد البعض. وهذا البعض متعدّد الانتماءات دينياً وطائفياً، وكلاهما، الدين والطائفة، يتجسّدان في الحزب الوحيد في العالم ربما (ما عدا "جيش الرب" في أوغندا) الذي لا ينسب نفسه في اسمه إلا لله مباشرة.
هو حزبه وجيشه وقوته الضاربة الحصرية، فمن هو الذي لا يحسُده عندما يدرك أن "حزب الله هم الغالبون"، لا بالمعنى الذي تذهب إليه الآية القرآنية، بل كما أرادته إيران المؤسِّسة والمموِّلة والمدرِّبة وولية أمر كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالحزب؟
والحسد الذي يثيره حزب الله يتّخذ أشكالاً مختلفة، أحدها يستفحل منذ أربع سنوات في منطقة الأشرفية ذات الغالبية المسيحية من بيروت، تحت مسمّى "جنود الرب".
"جنود الرب" يتداخل في ظاهرتهم كل التخلف الديني للكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، مع الشكل التنظيمي لما قد يتحوّل نازية لبنانية مسيحية جديدة بقمصانهم السوداء الموحدة وخطابهم الرجعي وتحرّكاتهم العسكرية الحريصة على عدم إظهار السلاح.
وتفرّغهم لحماية المصارف في "المناطق المسيحية" من المنتفضين خلال "ثورة تشرين" 2019، وشعارهم الصليب المحاط بالأجنحة، وتمجيدهم "المقاومة المسيحية" وصليبها المشطوب في الحرب الأهلية، ودورياتهم الأمنية على مدار الساعة لرصد الألوان واختلاطها.
لكي لا توحي بأي شيء قد يفهمه عقلٌ على أنه يذكّر بقوس قزح، حتى ولو كان ينقصُه الكثير من الألوان في حملة توعية من سرطان الثدي مثلاً، وحتى ولو كان لوناً واحداً زهرياً لإعلان فيلم "باربي" التي تعلّم على المثلية كما نوّرنا أحد جنودهم على موقعهم الإلكتروني.
وإن كانت البابوية الكاثوليكية في روما قد أعادت النظر بمحاكم التفتيش وبكل مواقفها الدموية السابقة المحرّضة على إبادة المثليين واعتذرت عنها، فإن "جنود الرب" قادرون على تلقينها دروساً في الدين واللاهوت، وما أدراهم بالمسيحية هناك في الفاتيكان؟
قد يكونون تأثروا بمعاشرة العلمانيين والملحدين والمثليين لذلك صار كلام حبرهم الأعظم فيه تسامح وتقبل للاختلاف الديني والسياسي والجنسي والثقافي، فأخرجوه بفرماناتهم من ملكوت كنيستهم وأحلّوا مكانه كاهن ما من رَبْعهم من آخر حي في أبعد قرية لبنانية تقع على "أرض الرب" وفق معجم خرافاتهم.
"جنود الرب"، أو "أولاد الرب يسوع" مثلما يعرّفون عن أنفسهم بكل تواضع على موقعهم الإلكتروني، قرأوا السياق العام جيداً: في زمن انهيار الدولة، كل شيء مباح. الأمن الذاتي يأتي بشعبية، والبطالة تستدعي العضلات المفتولة القابلة للتوظيف.
المزايدة بالتخلف كلها فائدة. تجاوز الصواب السياسي وصفة للشعبوية ولخطابها. تكسير عظام مشجعي المنتخب المغربي السعداء بفوزه على البرتغال في كأس العالم ذات ليلة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي عند ساحة ساسين وسط الأشرفية، لأنهم أتوا من الطريق الجديدة في الجزء المسلم السني من بيروت، قد يجلب مئات المتطوّعين الإضافيين.
أجهزة الدولة تريحها ظاهرة مثل "جنود الرب" طالما أن لا فكرة سياسية واحدة مفيدة تجدها في أدبياتهم. هم يريحون أجهزة الدولة كذلك لأنهم يتناغمون كلياً مع التخلّف العام السائد في كل ما يتعلق بالقيم الأخلاقية المطلوب أن يكون كل المقيمين في لبنان صورة عنها. لهم موقع إلكتروني هارب من مفردات القرون الوسطى ومحاكم التفتيش.
ولأن لا شيء ينافس الجنون العام الذي يتملك اللبنانيين هذه الأيام ضد شبح المثلية، فإنك تجد في موقعهم أخباراً هي أقرب ما تكون إلى طلقات الرصاص في عناوينها وصياغاتها ومفرداتها (وكثير منها بالعامية) ضد "نسل إبليس" و"معالجة الشاذين" و"دعارتهم" و"طرد الشياطين" و"أنصار الشيطان في الكتب المدرسية" و"نواب الشيطان" (عن نواب وقعوا مشروع قانون لإلغاء تجريم المثلية) و"تهويل الإعلام الشيطاني" (عن أي خبر ينتقد "جنود الرب").
حزب الله قتل السياسة بما هي صراع حر وسلمي للأفكار والبرامج والمشاريع. وبقتلها، ترك فراغاً هائلاً يملأه فيضان الكراهيات بين الطوائف والأديان والمناطق، ومسابقة على البشاعة يتنافس فيها هؤلاء جميعاً لنيل لقب المستقوي الأول على أضعف الفئات، أكانوا لاجئين أو مثليين مثلاً. لقب يليق ببائعي صكوك غفران عائدين من ماضٍ يرفض أن يمضي، أكان اسمهم جنود للربّ أو حزب لله.
*أرنست خوري كاتب صحفي لبناني
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: لبنان الأشرفية المثلية الكراهية جنود الرب حزب الله جنود الرب فی لبنان حزب الله من بیروت
إقرأ أيضاً:
هل يؤثر القصف الأمريكي الذي استهدف صنعاء على قدرات أنصار الله؟
أثار قصف الولايات المتحدة السبت، مواقع ومنشآت يسيطر عليها الحوثيون في العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم، أسئلة عدة حول مدى تأثير هذه العمليات على قدرات الجماعة العسكرية.
ويوم السبت، أعلنت القيادة الوسطى الأمريكية، إنها نفذت ضربات جوية دقيقة ضد منشأة لتخزين الصواريخ ومنشأة قيادة وتحكم للحوثيين في صنعاء.
وبينت القيادة أن القصف يهدف إلى تعطيل وتقليص عمليات الحوثيين، كالهجمات ضد السفن الحربية في البحر الأحمر، لافتة إلى أن الضربة تعكس التزامها بحماية القوات الأمريكية والشركاء الإقليميين والشحن الدولي، وفق زعمها.
وزعمت أنها أسقطت خلال العملية مسيرات تابعة للحوثيين وصاروخ كروز مضادا للسفن فوق البحر الأحمر.
القصف يتصاعد
وفي السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي أن القصف الأمريكي على أهداف عسكرية للحوثيين يبدو أنه يتصاعد ويتوخى أهدافاً لها علاقة بنقاط الارتكاز الرئيسة لقوة الحوثيين العسكرية ومصادر الإمداد ومخازن السلاح والأهم غرف العمليات العسكرية ومراكز تواجد الخبراء الإيرانيين واللبنانيين في العاصمة صنعاء".
وقال التميمي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هذا التطور في العمليات الأمريكية "بات يهدد أيضاً القيادات الحوثية ويصل بالعلاقات بين الجانبين إلى مرحلة خطيرة قد يشعر معها الحوثيون بتهديد وجودي حقيقي".
وأشار "لطالما وفر الغطاء الأمريكي فرصاً ثمينة لتمدد الحوثيين وإقامة سلطتهم في صنعاء وأجزاء واسعة من شمال اليمن، وكان الأمر مرتبط بالعقيدة السياسية للديموقراطيين الذين رأوا أهمية في ترجيح المعسكر الشيعي في المنطقة".
أما اليوم وفق الكاتب اليمني فإن "تنفيذ سيناريو إنهاء سلطة الحوثيين في اليمن ربما يبدو قريبا"، متابعا بالقول :"وفي الحد الأدنى ربما يفقد الحوثيون ميزة المفاوض القوي لإنفاذ خارطة طريق السلام في اليمن التي لم تعد بصيغتها السابقة متاحة أمام الحوثيين بسبب الموقف الأمريكي"، على حد قوله
تأثير محدود
من جانبه، قال الباحث والصحفي اليمني، كمال السلامي إن الهجمات الأمريكية وأيضا الإسرائيلية ضد جماعة الحوثي، "لا يزال هدفها دعائي أكثر من كونها ضربات حقيقية تهدف لتدمير قدرات الجماعة".
وأضاف السلامي في حديثه لـ"عربي21" أن لاشك أن الضربات الأمريكية لها تأثير، لكن لا يزال محدودا، والدليل قدرة الجماعة على تنفيذ مزيد من الهجمات، وإطلاق المزيد من الصواريخ والمسيرات".
وبحسب الصحفي السلامي فإن الضربات الأمريكية، منذ يناير/كانون الثاني من العام الجاري وحتى اليوم، استهدفت مواقع سبق وتعرضت لهجمات طيلة سنوات الحرب، خصوصا في الحديدة وصنعاء ومحافظات أخرى.
وبالتالي غالبا هي مواقع خالية وغير مستخدمة، بينما الضربات الإسرائيلية استهدفت منشئات مدنية، لاعلاقة لها بالقدرات العسكرية للجماعة، بحسب المتحدث ذاته.
وتابع الصحفي والباحث اليمني بأن سياق الأحداث، والتصعيد، ينبئ عن توجه لتوجيه ضربات أكثر دقة ضد الجماعة، وبلا شك واشنطن تملك المعلومات الكافية حول قدرات الحوثيين، من خلال الرصد الجوي والفضائي وربما الرصد الميداني أيضا، وهذا يعني مستوى جديد من الاستهداف".
وأوضح أن قدرات الجماعة العسكرية متناثرة في مناطق وعرة ومستحدثة بعد سبتمبر 2014، باستثناء بعض المواقع الحصينة في محيط العاصمة صنعاء.
ويعتقد الصحفي السلامي أن "المرحلة القادمة قد تشهد استهدافا لقادة الجماعة، للحد من تحركاتهم، وبث الرعب في صفوفهم"، فيما لم يستبعد أن يتم دعم معركة جديدة تخوضها "قوات يمنية لإسقاط سلطة الحوثيين، وهذا ما تذهب إليه بعض التقديرات الغربية حاليا، باعتباره الحل الأنسب لإضعاف الجماعة، وربما إسقاطها".
والأحد، جددت جماعة الحوثي اليمنية التأكيد على استمرارها في جبهة الإسناد لقطاع غزة، واصفة الهجمات الأمريكية التي شنتها طائرات مساء السبت على مواقع داخل البلاد، بالإرهابية.
وقال القيادي في جماعة أنصار الله، محمد علي الحوثي، إن الهجمات الأمريكية على بلاده "إرهابية ومدانه وغير مشروعة، وتساند إرهاب الكيان الإسرائيلي المؤقت لاستمر الإبادة وحصار غزة".