قال لي بعض الأصدقاء إن حفظ القرآن واجب على الجميع ويأثم الشخص على عدم حفظه للقرآن؛ فهل هذا صحيح؟ وما هو فضل حافظ القرآن. سؤال ورد لدار الإفتاء المصرية.


قالت الدار في فتواها إن حفظ القرآن واجبٌ كفائيٌّ على أهل كل بلدة ليظل القرآن الكريم محفوظًا بينهم، وهو واجب عيني على كل فرد فيما يتأدى به فرض الصلاة، ومن المقرر أن "الوسائل لها أحكام المقاصد"؛ فإذا تعينت وسيلةٌ ما لأداءِ واجبٍ ما فهي واجبةٌ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا ضاق الأمر اتسع.

كيفية التخلص من الوسواس.. دار الإفتاء توضح سماسرة الدين.. أول تعليق من دار الإفتاء على الاستئجار في الحج والعمرة


ومن مقاصد الشرع تيسير حفظ القرآن الكريم؛ فقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].


وقال الإمام الرازي في "تفسيره" (29/ 300، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه وجوه؛ الأول: للحفظ، فيمكن حفظه ويسهل، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يُحفظ على ظهر القلب غير القرآن، وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي: هل مَن يحفظ؟] اهـ.

وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (17/ 134، ط. دار عالم الكتب): [أي: سهَّلناه للحفظ وأعنَّا عليه مَن أراد حفظه، فهل مِن طالبٍ لحفظه فيعان عليه؟.. وقال سعيد بن جبير: ليس مِن كُتُبِ الله كتابٌ يُقرَأُ كلُّه ظاهرًا إلا القرآن] اهـ، فما يسر الله تعالى حفظَه إلا واقتضى ذلك تيسير الوسائل لدرك هذه الغاية الشريفة.

والمسلمون مكلَّفون بما في وسعهم وطاقتهم، ولم يحمِّلهم الشرع إلَّا على قدر ما آتاهم الله من الوسائل لتحقيق المقاصد؛ قال الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن متعلمَ القرآن ومعلِّمَه خيرُ الأمة؛ فقال: «خَيْرُكُمْ -وفي رواية: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ- مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قال الإمام أبو الحسن بن بطال في "شرح البخاري" (10/ 256، ط. مكتبة الرشد): [حديث عثمان يدل أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان مَن تعلم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم دلَّ ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيريةُ والفضلُ مِن أجل القرآن، وكان له فضلُ التعليم جاريًا ما دام كلُّ مَن علَّمه تاليًا] اهـ.
وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أن حافظ القرآن وقارئَه مع الملائكة في المنزلة؛ فقال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وأكدت دار الإفتاء أن حافظ القرآن لا تمسه النار؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده" والدارمي في "سننه" عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ»، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: [«في إهابٍ» يعني: في قلب رجل، هذا يُرْجَى لمَن القرآنُ في قلبه أن لا تمسه النار] اهـ. نقلًا عن "الآداب الشرعية" للعلامة ابن مفلح (2/ 33، ط. عالم الكتب).  

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: حفظ القرآن حفظ القرآن الكريم دار الإفتاء

إقرأ أيضاً:

خالد الجندي: هذه الكلمة من أحب الألفاظ إلى الله

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أن كلمة "الكتاب" من أكثر الألفاظ التي استخدمها القرآن الكريم بمعانٍ متعددة، مما يدل على أهميتها ومكانتها العظيمة في النصوص الشرعية.


وأوضح عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الجمعة، أن القرآن أشار إليها في مواضع مختلفة، منها قوله تعالى: "ذلك الكتاب لا ريب فيه" في سورة البقرة، مشيرًا إلى أن "الكتاب" لا يقتصر على القرآن فقط، بل يشمل معاني أخرى، مثل: الصلاة في قوله “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا”.

وتابع: واللوح المحفوظ كما في "في كتاب مكنون"، والخطاب المكتوب كما في قصة سليمان عليه السلام: "اذهب بكتابي هذا"، وأعمال العباد يوم القيامة كما في "ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا"، وعدة المرأة بعد الطلاق في "ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله"، والأجل المكتوب لكل إنسان في "لكل أجل كتاب". 


وأضاف أن قوله تعالى: "وإذ علمتك الكتاب والحكمة" لا يقصد به القرآن وحده، بل يشير إلى الحفظ في العقل والقلب، أي أن الله حفظ لنبيه عيسى عليه السلام العلوم والمعرفة.

حكم تأخير غسل الجنابة في رمضان وهل الملائكة تعلن الجُنب؟ اعرف آراء الفقهاءهل يجب غسل الملابس والفرش بعد الجنابة ؟ .. أمين الفتوى يجيب

التفريق بين "النِّعَم" و"النَّعَم"

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أهمية التفريق بين "النِّعَم" و"النَّعَم" في اللغة القرآنية، موضحًا أن "النَّعَم" تشير إلى الأنعام، مثل الإبل والبقر، بينما "النِّعَم" تشمل جميع النعم التي أنعم الله بها على الإنسان.  

وأضاف أن القرآن الكريم لا يعترف إلا بنعمة واحدة على أنها الأعظم، وهي نعمة الدين، مستشهدًا بقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"، موضحًا أن هذه الآية تدل على أن الإسلام هو النعمة الكبرى التي يجب أن يعتز بها المسلم، قائلًا: "الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى".  

وفي سياق تفسيره لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ"، أشار الجندي إلى أن اختيار كلمة "تقتلوا" بدلًا من "تصيدوا" له دلالة عظيمة، موضحا أن الصيد الذي يصطاده المحرم يعتبر ميتة لا يجوز أكلها، تمامًا كالموقوذة والمتردية والنطيحة، لأن المحرم إذا قتل الصيد فإنه يصبح محرمًا أكله، حتى لو لم يكن قد أُكل بالفعل، مشددًا على أن هذه الأحكام تأتي لحفظ قدسية الإحرام واحترام شريعة الله.


 

مقالات مشابهة

  • ميثاق غليظ
  • شيخ الأزهر يوضح الدلالات اللغوية والشرعية لـ اسم الله «المقيت»
  • شيخ الأزهر يوضح الدلالات اللغوية والشرعية لاسم الله «المقيت»
  • شيخ الأزهر: تعلم اللغة العربية عبادة لأنها تُعين على فهم كتاب الله تعالى
  • شيخ الأزهر: الله حفظ القرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة
  • الإمام الطيب : حفظ الله يشمل كل الناس المطيعين والعصاة
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة
  • داعية إسلامي: علاج الزوجة ودواؤها فرض على الزوج
  • خالد الجندي: هذه الكلمة من أحب الألفاظ إلى الله