كيف أدى نقض العهود والمواثيق إلى الحرب؟
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
كيف أدى نقض العهود والمواثيق إلى الحرب؟
تاج السر عثمان بابو
أوضحنا سابقاً أن الحرب الدائرة رحاها الآن في السودان هي نتاج الأزمة الوطنية العامة التي نشأت بعد الاستقلال جراء الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى نقض العهود والمواثيق التي أبرمتها القوى الحاكمة مدنية وعسكرية مع الحركات في الجنوب ودارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، كما حدث في الآتي:
أ- بعد الاستقلال في عدم الوفاء بتحقيق الحكم الفدرالي للجنوب، مما أدى لانفجار التمرد عام 1955 وتعميق المشكلة.
ب- وكما حدث في اتفاقية أديس أبابا 1972، فقد كفل دستور 1973م الذي جاء بعد اتفاقية أديس أبابا الحقوق والحريات الأساسية فيما يختص بالمسألة الإثنية والدينية في المواد 38، 47، 52، 56 والتي أشارت إلى الآتي:ـ
– المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب اللغة أو الدين أو العرق أو المركز الاقتصادي أو الاجتماعي.
– حرية العقيدة والضمير وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
– حظر السخرة والعمل الإجباري.
– حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
– حق استعمال الأقليات للغاتها وتطوير ثقافاتها.
لكن نظام مايو الديكتاتوري الشمولي أو حكم الفرد الذي كان سائداً في الفترة (1969- 1985م) أجهض اتفاقية أديس أبابا، واندلعت نيران التمرد والحرب من جديد بشكل أكبر، وازداد الأمر تعقيداً بعد صدور قوانين سبتمبر 1983م.
2بعد انتفاضة مارس- أبريل 1985م، تواصلت الجهود لحل المسألة الإثنية، فكان إعلان كوكادام الذي وقعة وفد التجمع الوطني لإنقاذ البلاد ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في 24/ مارس/ 1986م، والذي أشار إلى إلغاء قوانين سبتمبر 1983م وجميع القوانين المقيدة للحريات، واعتمد دستور 1956م المعدل في 1964م، مع تضمين الحكم الإقليمي وكافة القضايا الأخرى التي تجمع عليها القوي السياسية، وكان من ضمن الأجندة التي اتفق عليها في إعلان كوكادام للمؤتمر الدستوري: مسألة القوميات، المسالة الدينية، الحقوق الأساسية للإنسان، التنمية والتنمية غير المتوازنة…. إلخ
بعد ذلك جاءت مبادرة السلام السودانية (الميرغني- قرنق) في 16/ نوفمبر 1988م والتي تم فيها الاتفاق على تهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر الدستوري، والذي يتلخص في الآتي: ـ
– تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م، وأن لا تصدر أي قوانين تحتوي على مثل تلك المواد وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري والفصل نهائياً في مسألة القوانين.
– كما اتفق الطرفان على ضرورة عقد المؤتمر الدستوري.
ولكن انقلاب 30/ يونيو/ 1989م الإسلاموي قطع مسار ذلك الحل، وتم الرجوع للمربع الأول، وتصاعدت الحرب الأهلية بشكل أوسع بعد أن اتخذت طابعاً دينياً..
3تواصلت الجهود بعد انقلاب الإسلامويين للحل السلمي الديمقراطي لقضايا التعدد الإثني والديني في السودان، فنجد إعلان نيروبي 1993م الذي أشار إلى أن تضمن القوانين المساواة الكاملة للمواطنين على أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد ودون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، وإعلان المبادئ لمجموعة الإيقاد يوليو 1994م، ومؤتمر القضايا المصيرية في أسمرا 1995، وفي ابريل 1997م تمت اتفاقية السلام بين حكومة السودان وبعض الفصائل المقاتلة في جنوب السودان، أشارت الاتفاقية إلى: حرية الاعتقاد، والمواطنة على أساس الحقوق والواجبات. إلخ، لكن لم يتم التنفيذ، وتحولت الاتفاقية لمحاصصات ومناصب، وكانت النتيجة عودة للحرب، وفي 25/ نوفمبر/ 1999م، ثم توقيع نداء الوطن بين السيد الصادق المهدي والرئيس عمر البشير، الذي أشار إلى أن: تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية، ولا تنال أي مجموعة وطنية امتيازاً بسبب انتمائها الديني والثقافي أو الإثنى، وتراعي المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتكون ملزمة، والاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والإثنية في السودان. إلخ، ولكن النداء ظل حبراً على ورق، لم يجد طريقة إلى الواقع.
4بعد ذلك تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي كان جوهرها:
– تغليب خيار الوحدة على أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خياراً جاذباً وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلاً (بروتكول مشاكوس).
– التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدى شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت على أن يكون جهاز الأمن القومي جهازاً مهنياً ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز على جمع المعلومات وتحليلها (المادة: 2-7-2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، على أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت إشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة (المادة:2-1-1-1)، واستفتاء على تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
– إيجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضاً بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الإنسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.
لكن لم يتم تنفيذ الاتفاقية وتحولت لمحاصصات ووظائف، وكانت النتيجة فصل الجنوب
كما وقع النظام أيضاً اتفاقيات مع حركات دارفور مثل: اتفاقية أبوجا مع حركة مناوي، وتحولت لمحاصصات ولم يتم تنفيذ الاتفاقية، وكذلك اتفاقية الدوحة التي لم يتم تنفيذها.
5بعد ثورة ديسمبر 2018 كما فصلنا سابقاً، تم الانقلاب على الثورة، وتمت مجزرة فض الاعتصام في القيادة العامة والولايات رغم تصريح العسكر بعدم فضها، وتم التوقيع على اتفاق جوبا (3 أكتوبر 2020) مع الجبهة الثورية الذي تحول لمحاصصات ومناصب ولم يتم التنفيذ فضلاً عن الفشل في وقف الحرب، كما تم الانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021 بعد قرب استحقاق تسليم المدنيين قيادة الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية، إضافة للتوقيع على الاتفاق الإطارى، لكن لم يلتزم العسكر به، وكانت الحرب الدائرة الآن حول السلطة والثروة.
مما يتطلب في المستقبل الالتزام بالعهود والمواثيق كشرط لاستدامة الديمقراطية والسلام، وحتى لا يتم المزيد من تمزيق وحدة البلاد..
alsirbabo@yahoo.co.uk
الوسوماتفاقية أديس أبابا اتفاقية الميرغني- قرنق الجيش الحرب السودان الصادق المهدي انتفاضة مارس أبريل تاج السر عثمان بابو جعفر نميري جنوب السودان عمر البشير قوانين سبتمبرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحرب السودان الصادق المهدي جنوب السودان عمر البشير جنوب السودان فی السودان لم یتم
إقرأ أيضاً:
السودان يشكو تشاد ويطالبها بتعويضات
أعلن وزير العدل السوداني معاوية عثمان أن بلاده تقدّمت بشكوى ضد تشاد لدى الاتحاد الأفريقي، واتهمتها بالتورط في نقل أسلحة وذخائر إلى "مليشيات متمردة"، في إشارة محتملة لقوات الدعم السريع التي تخوض مواجهات ضد الجيش السوداني منذ أكثر من عام ونصف.
وأوضح عثمان -للصحفيين في بورتسودان أمس الثلاثاء- أن شكوى بلاده تتضمن مطالبة تشاد بتعويضات لاتهامها بالتورط في نقل أسلحة وذخائر، وأن ذلك "أدى إلى وقوع أضرار على المواطنين السودانيين"، مضيفا "سنقدم الأدلة والإثباتات للجهة صاحبة الاختصاص".
أعلنت حكومة السودان، الثلاثاء، تقديم شكوى ضد تشاد لدى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب واتهام انجمينا بتوفير الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع بالسلاح والذخائر والمرتزقة.
واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR) مقرها في العاصمة الغامبية بانجول هي جهاز شبه قضائي… pic.twitter.com/8TJvMPHlRt
— سودان تربيون (@SudanTribune_AR) November 6, 2024
وكانت تشاد نفت الشهر الماضي على لسان وزير خارجيتها "تأجيج الحرب في السودان" من خلال تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة.
وقال المتحدث باسم الحكومة التشادية "عبد الرحمن كلام الله"، في مقابلة إذاعية، إن بلاده "ليست لديها أي مصلحة في تأجيج الحرب في السودان من خلال توريد أسلحة، فنحن من الدول القليلة التي امتدت إليها تداعيات كبيرة بسبب هذه الحرب".
وسبق ذلك أن قالت الخارجية التشادية في أواخر أبريل/نيسان الماضي -في تصريحات للجزيرة مباشر- إنها "تتحدى أي مسؤول سوداني يثبت تورطها في الاقتتال بين الجيش والدعم السريع"، لافتة إلى أن تشاد لا تؤمن بالحل العسكري للأزمة في السودان بل بجلوس طرفي القتال للحوار.
ويتشارك السودان وتشاد حدودا تمتد على قرابة 1300 كيلومتر مع ولايات دارفور في غرب السودان التي تسيطر على أغلبها قوات الدعم السريع.
وتستخدم الأمم المتحدة معبر أدري الحدودي بين البلدين لإيصال المساعدات الإنسانية إلى دارفور المهددة بالمجاعة، في حين وافقت الحكومة السودانية في أغسطس/آب الماضي على فتح هذا المعبر لمدة 3 أشهر تنتهي في 15نوفمبر/تشرين الثاني.
واندلعت المعارك في السودان في منتصف نيسان/أبريل 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقد خلفت الحرب عشرات آلاف القتلى، وشرّدت أكثر من 10 ملايين سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.