القمرية.. ألق العمارة اليمنية وزينتها
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
يمانيون – متابعات
تشتهر البيوت اليمنية باستخدام القمرية منذ الآلف السنين وهي تمثل جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في إي منزل، فنقوشها الملونة وتشكيلاتها الزاهية تجعل منها لوحة آسرة تضفي جمالاً على الفن الهندسي المعماري المتفرد بجمال نقوشه وتشكيلاته البديعة.
وتشكل القمرية واجهة جمالية مزدوجة في المنزل غاية في الروعة والجمال، وهي تبدو كأقواس ملونة وخصوصًا عند تنساب الإضاءة من فتحاتها ذات الألوان المتعددة ما يجعل الجلوس في الداخل متعة تسر الناظر، كما هو الحال للمشهد من الخارج.
وقد أطلق عليها اسم (القمرية) نظرًا لشفافيتها وصفائها اللذين يسمحان بدخول ضوء القمر إلى فراغ المبني الداخلي، ويري بعض الباحثين أن سبب التسمية يرجع لبياضها الناصع الذي تتميز به لأن النور الذي ينفذ منها يكون ابيضًا صافيًا أشبه بضوء القمر، كما أن ألواح بعض النوافذ دائرية شبيهة بالقمر ليلة تمامه.
تاريــخ..
ويرجع تاريخ استخدام القمرية إلى ما قبل 4000عام، كما يقول الباحث المهندس البريطاني تيم ماكنتوش سميث، في دراسة علمية بعنوان (مباني صنعاء وموادها، وثيقة من القرن الثامن عشر الميلادي)، فيذكر (أن استخدام الرخام الشفاف كمادة تسمح بنفاذ ضوء الشمس إلى داخل المبني يرجع لعصر ملوك سبأ)، مستدلاً بتطابق وصف المؤرخين لقصر غمدان الملكي بصنعاء، وغرفته العليا الشبيهة بما يعرف اليوم (المنظر أو المفرج) أعلى منازل صنعاء، حيث كانت الغرفة العليا لقصر غمدان كما يقول (سميث): مطبقة بقبة كأنها البيضة من الرخام المنضد بعضه إلى بعض، حتى يمكن للجالس في الغرفة تمييز الصقر من الحدأة لدقة نقائها وشفافيتها.
تطـــور..
وقد كانت القمرية في بداياتها الأولى عبارة عن عقد مقوس يمتد رأسيًا بطول اكبر من الامتداد الأفقي، وكان هذا الطوق يلف حول قطعة مرمرية أو رخامية بلورية تسمح بنفاذ أشعة الشمس والقمر إلى الداخل، ونظرًا لمواكبة التطور العمراني فقد جري الاستعاضة عن هذه المادة اليوم بالزجاج الملون دون أن يقضي ذلك على الطابع التقليدي للعمارة اليمنية الذي لا يمكن تصوره بغير القمرية ولو بهيئتها الحالية اليوم التي تعطيه رونقًا وبعدًا جماليًا يميز المعمار اليمني بخصوصيته الفريدة.
والقمرية تصنع اليوم كما في الماضي من الجص على شكل رسوم وأشكال متعددة مطرزة ومطعمة غالبًا بالزجاج الملون وبالرغم من تطور صناعة القمرية في الشكل والحجم والأغراض، الا انها لم تستغن عن الطراز العام والنقوش الداخلية للقمرية، وهي مادة الجص الأبيض الناتج عن حرق الحجر الجيري في محارق خاصة أعدت لهذا الغرض.
يقول محمد شوعي الذي ورث حرفة صنع القمريات عن والده: (منذ أن عرفت نفسي لم احد بيتًا يمنيًا واحدًا بدون قمرية، وتختلف نوعيتها من غرفة إلى أخرى، وعادة ما تكون الغرفة الأخيرة التي يطلق عليها أسم (المفرج) وغرفة استقبال الضيوف الأوفر حظًا في اختيار النوعية الجيدة للقمرية وحجمها، ويضيف: حتى البيوت الحديثة لم تستغن عن القمريات، بل ان أصحابها أكثر حرصًا على انتقائها).
تـــزاوج..
وقد رافق تطور صناعة القمرية ظهور المزدوجة التي تصنع من قمريتين داخلية مطعمة بزجاج ملون وخارجية بالزجاج الأبيض وتفصلهما مسافة تتراوح بين (10-15)سم، مع حجب الرؤية إلى الداخل من الخارج.
ويقول خبير العمارة الإسلامية الدكتور السوري عفيف بهنسي: (القمرية تسهم في تحقيق ميزة التلاحم بين العناصر الإبداعية الخارجية والداخلية في العمارة اليمنية)، فالقمرية والفتحات والنوافذ توزع جمالها خارج وداخل المنزل، فيتمتع الساكن –أيضًا- بالنور المتسرب من الفتحات عبر القمريات الزجاجية الملونة فيزداد داخل الغرف فتنة ويتمتع ساكن المدينة بسعادة التعايش مع نور الطبيعة الذي لامسته يد الفنان الصانع.
وتعتمد هذه الصنعة على الموهبة والخيال أو الحس المرهف في إنتاج عمل فني دقيق يلبي حاجة الزبون ورغبته من ناحية النقوش والأشكال الزخرفية المتنوعة.
مراحـــل..
وتمر صناعة القمرية بعدة مراحل منها الحفر “وهي أدق مرحلة في صنع القمرية” وتستغرق وقتًا لإتمامها بالشكل والتصميم الهندسي المطلوب.
ومن أشكال التصميم الهندسي المستخدمة في صناعة القمريات كما يقول شايف الصغير صاحب أحد محلات القمريات: (هناك العديد من الأشكال الهندسية لتصميم القمريات ومنها النجمة الثمانية والنجمة السداسية التي انتشرت لفترة من الزمن إثر اشتغال اليمنيين اليهود في صنع القمريات، وسنبلة القمع، وورقة البن والعنب، والريحان، وحبوب الرمان، وغيرها من النباتات).
وعن طريقة تصنيع القمرية يقول: (يبدأ صنع القمرية بتشكل عجينة نصف دائرية متماسكة من الجص بعد خلطه بالماء ثم نتركه حتى يتجمد، لنقوم بصبه بعد ذلك على لوح خشبي يحوي مساحة القمرية، ثم نقوم برسم القمرية وتحديد شكلها الخارجي بالة (الفرجار)، وتأتي بعد ذلك عملية رسم الزخارف والنقوش باستخدام السكاكين والفرجار أيضًا، ثم نقوم بعملية الحفر بواسطة المثقب الكهربائي لإظهار الزخارف، وبعد يومين إلى ثلاثة أيام نقوم بإبعاد القمرية عن اللوحة الخشبي ونضعها على أرضية ناعمة، وتبدأ مرحلة تثبيت الزجاج، وتأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة وهي مرحلة النظافة وهي تنظيف بقايا طبقة الجس المثبت للزجاج لإظهار زخرفة القمرية في شكلها النهائي.
وتتفاوت أسعار القمرية بحسب الحجم وشكل النقش ونوعية الزجاج المستخدم، محمد صالح الروني احد العاملين في هذه الصنعة التي اكتسبها من والده: (يتوقف سعر القمرية على نوع النقش والحجم والزجاج المستخدم والذي منه الهندي والألماني وهو أغلى أنواع الزجاج المستخدم في تزيين القمريات، كما أنه يتميز بدوام ألوانه مدى الحياة على عكس الزجاج الهندي الذي يفقد بريقة وتبهت ألوانه بالتدريج مع مضي الوقت.
* المصدر: موقع عرب جورنال
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
«تاج مَحلّ» وكنوز العمارة الإسلامية حاضرة في «كفر الشيخ».. حدوتة «هندية»
روابط كثيرة تجمع الشعبين المصري والهندي على مدار عقود طويلة مضت، ولتعزيز تلك الروابط، انطلقت المسابقة الفنية «لمحات من الهند»، للطلاب بجميع المراحل التعليمية «الابتدائي، والإعدادي، والثانوي»، الذين أبدعوا في رسم صور مختلفة لانطباعاتهم عن دولة الهند.
حديقة العائلات المطلة بمركز فوه تستقبل مسابقة «لمحات من الهند»استقبلت حديقة العائلات المطلة على نهر النيل فرع رشيد بنطاق مركز فوه بمحافظة كفر الشيخ، المسابقة الفنية «لمحات من الهند»، بمشاركة 1200 طالب، منهم 880 من كفر الشيخ و320 من البحيرة، ضمن التعاون بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني الممثل في مكتب مستشار التربية الفنية بالوزارة، وسفارة دولة الهند الممثل في مركز مولانا آزاد الجناح الثقافي لدولة الهند على مدار 28 عاماً.
«أول مرة أشارك في مسابقة لمحات من الهند، وحقيقي هي مسابقة جميلة، وأبرزت موهبة كل واحد فينا، وكان بيتوفر لنا أدوات الرسم وكل المستلزمات اللي ممكن نحتاجها في المسابقة»، كلمات قالها يوسف أحمد، طالب بالمرحلة الابتدائية بمحافظة كفر الشيخ وأحد المشاركين في المسابقة.
«شعيشع»: فرحان إني شاركت في المسابقةيتّفق معه محمد شعيشع، الطالب بالمرحلة الإعدادية بمحافظة كفر الشيخ، الذي شارك في المسابقة بعد علمه بها من خلال مدرسته: «أنا باحب الرسم من صُغري، ولما عرفت إنّ فيه مسابقة عن الرسم اشتركت على طول، وفرحان إني شاركت في مسابقة كبيرة زي لمحات من الهند».
«تاج مَحلّ» أبرز المعالم السياحية التي تتميز بها دولة الهند، وأكدت حبيبة السعيد، طالبة بالمرحلة الثانوية بمحافظة البحيرة: «رسمت تاج مَحلّ، لأنه أبرز المعالم السياحية اللي بتتميز بها الهند، بناه الشاه جاهان في عام 1653، علشان يضم رُفات زوجته الثالثة ممتاز مَحلّ، كمان ضمّ قبره بعد وفاته، وكمان رسمت شخصيات للمرأة الهندية، ولوحات عن الثقافة المصرية الهندية، والرسومات عجبت القائمين على المسابقة».
الفعاليات تعمل على تقوية أواصر الصداقة والثقافة المصرية والهنديةتُقام مسابقة «لمحات من الهند» في مصر بشكل سنوي للاحتفال بالروابط العميقة بين شعبي الهند ومصر، وتقوية الروابط الثقافية، وتعزيز التواصل مع الشباب، حسب الدكتور علاء جودة، وكيل وزارة التربية والتعليم بكفر الشيخ، مشيراً إلى أنّ الفعاليات تعمل على تقوية أواصر الصداقة والثقافة المصرية والهندية، وكذا لدعم التواصل مع الشباب في مصر، بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني وسفارة دولة الهند ومديرية التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ.
تم اختيار مدينة فوه لتنظيم المسابقة الفنية «لمحات من الهند»، لما تمتلكه المدينة من مهارات إبداعية وفنية مكتسبة من الطبيعة الخلابة لها، فضلاً عن الصناعات الحرفية واليدوية المتوارثة من تراث المدينة ذات الطابع الخاص، والتي تعتمد على الرسم والنقش والتلوين، مما أثر في وجدان وفكر وخاطر أبناء المدينة، وفقاً لما ذكره الدكتور وائل عبدالباري هراس، مدير إدارة فوه التعليمية: «المدينة تمتلك كنوزاً من فنون العمارة الإسلامية، فمساجدها تُعبّر عن مختلف العصور الإسلامية، فضلاً عن الصناعات الحرفية اليدوية التي ما زالت تحتفظ بها المدينة من سجاد وكليم، وكثير من المشغولات الخشبية والمعدنية التي تتميز باللمسات الفنية، وهو ما كان له بالغ الأثر في دعم المسابقة، وتعزيز موهبة الطلاب المشاركين».