ينتشر المذهب الإباضي في عدة دول عربية وأفريقية، ولا يختلف -كما كشف أساتذة تحدثوا لبرنامج "موازين"- عن بقية المذاهب الإسلامية الأخرى سوى في قضايا عقدية بسيطة، فكيف نشأ هذا المذهب؟ وما حقيقة ربط بعض الناس له بالخوارج.

في خضم إجابته على هذه التساؤلات ركز أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الشرقية بسلطنة عمان، الدكتور ناصر الندابي على نشأة المذهب الإباضي، مشيرا إلى أنه ظهر بشكل واضح بعد الفتن التي تعرضت لها الأمة الإسلامية في زمن الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وكانت أبرز شخصياته أبي بلال مرداس بن حدير التميمي و مؤسس المذهب جابر بن زيد الأزدي العماني الذي بلور الفكر الذي نادى به بلال مرداس.

ودحض الندابي -في حديثه لحلقة (2023/9/6) من برنامج "موازين"- مسألة الربط بين المذهب الإباضي والخوارج،  حيث أوضح  أنه كانت هناك مجموعة تدعى " أهل الحق والاستقامة" أو "جماعة المسلمين" كانت تدعو إلى السلام ودرء الفتن، واستمرت هذا المجموعة تدعو لهذه المبادئ والأفكار حتى عام 64 هجريا عندما حصل انقسام في جسمها، ونتج عن هذا الانقسام 4 فئات، الأولى "الأزارقة" التي ترأسها نافع بن الأزرق، والثانية "الصفرية" ونسبت إلى عبد الله بن الصفار، و"النجدات" ونسبت لنجدة بن عامر الحنفي، كما ظهرت مجموعة أخرى نسبت لعبد الله بن إباض.

ونظرت الفئات الثلاث الأولى إلى المسلمين على أنهم خارجون عن الملة، وأجازوا استباحة أموالهم ودمائهم وأعراضهم، لكن الإباضية الذين أطلق عليهم اسم "القعَدة" رفضوا محاربة المسلمين وهم يشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله.

وأطلقت الفئات الثلاث (الأزارقة والصفرية والنجدات) اسم "القعَدة" على الإباضيين لأنهم -في نظرهم- قعدوا عن الجهاد، مبرزا أن الإباضية لم يعترفوا بالفئات الثلاث وتبرؤوا من أفكارهم، لأنهم انحرفوا عن الجادة التي بناها رواد المذهب الإباضي.

وكما يقول أستاذ التاريخ المساعد بجامعة الشرقية بسلطنة عمان، لم يؤمن المذهب الإباضي منذ نشأته بـ "القرشية" ولا يشترط أن يكون الحاكم من قريش بل أجاز أن يكون الحاكم من أي جنس أو عرق، حيث اعتبر أن المهم أن تتوافر فيه الصفات المؤهلة ليكون حاكما، بالإضافة إلى أن الإمام عند الإباضية يصل إلى الإمامة بالترشيح من طرف أهل الحل والعقد، كما هو الحال في سلطنة عمان.

وشدد على قضية التعايش عند المذهب الإباضي، مبرزا أن المذاهب عاشت في سلام وطمأنينة في ظل الدول التي أسسها الإباضيون سواء في المشرق أو في المغرب، لأنهم يؤمنون بعدم جواز التعرض للمسلمين في دمائهم وأعراضهم.

بدوره أشار أستاذ الحضارة الإسلامية بالجامعة التونسية، الدكتور فرحات الجعبيري  إلى أن المجموعة الإباضية كانت قد ناصرت الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، لكن حيث وقع  ما عرف بالفتنة الكبرى ورأى الإباضيون أن الإمام علي قبل التحكيم، فيما يرون هم أن التحكيم خدعة، فقرروا الانفصال عنه وكونوا لأنفسهم تيارا سموه "المحكّمة"، ويعني تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وترأسهم في تلك الفترة الإمام عبد الله بن وهب الراسبي.

ثم جاء الإمام جابر بن زيد و الإمام عبد الله بن إباض وآخرون، وكونت هذه المجموعة في مدينة البصرة نظاما وترتيبا خاصا بهم، كما كونت إمامات، في سلطنة عمان و في خراسان وفي شمال أفريقيا، وكشف الجعبيري أن الإباضية كانت تحت الإمامة الرستمية، وعندما غلبت الأخيرة من قبل الشيعة الفاطمية تخلت الإباضية عما يسمى إمامة الظهور، وتعني أن الحكم والنظام والاقتصاد بيد الإباضية والفئات الأخرى تتعايش داخل هذه المنظومة.

الاختلاف العقائدي

وبشأن الأصول الدينية للمذهب الإباضي، قال الدكتور الجعبيري إن الإباضية يختلفون عن "الأشعرية" و"الماتريدية" في نقطة أساسية تتعلق بالأصول العقدية، إذ يرون أن" الصفات الإلهية هي عين الذات" بخلاف "الأشعرية" و"الماتريدية" اللذين يقولان إن "الصفات هي غير الذات"، مشيرا إلى أن المسلمين يختلفون في نصوصهم في هذه القضايا اختلافا فكريا.

ومن جهة أخرى، كشف الأستاذ التونسي أن الإباضية يعتمدون على كتاب واحد في الحديث يسمونه " الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب" ويختلفون مع الإمام البخاري وغيره في قضايا عقدية، لكنهم يتقاربون ويتلاقون مع غيرهم في القضايا الفقهية، وأكد أن الإباضيين يحترمون بقية كتب السنة ويعتمدونها سوى في بعض الاستثناءات، فمثلا يعتبرون أن البخاري هو إمام المحدثين وكذلك مسلم وغيرهم.

أما بخصوص الإجماع الذي يعتبر المصدر الثالث لدى علماء السنة، فقال إنه في حال توافرت شروط الإجماع فهو عند الإباضية "مصدرا أساسيا من مصادر التشريع خاصة في القضايا المتجددة عبر الزمان والمكان".

وتحدث الدكتور الجعبيري عن مسألة التكفير واعتبرها من القضايا الشائكة، وأوضح أن الإباضية ترى أن الكفر يكون "كفر شرك"، ويجمع المسلمون على أن صاحبه يخرج من الملة، و "كفر نعمة"، وهو العاصي الذي لا يعتبر عند الإباضية خارجا عن الملة وتطبق عليه أحكام العاصي و يصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويورّث.

كما شدد الدكتور الجعبيري على مسألة الشورى في رده على سؤال بشأن ملامح النظام السياسي للدولة التي تنشدها الميزابية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الله بن إلى أن

إقرأ أيضاً:

شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا عن وسطية الإسلام: الحوار مفتاح التعايش السلمي

افتتح أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، وداتؤ سري أنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا، مجلسًا خاصًّا لعلماء وشباب الباحثين الماليزيين؛ للتناقش والحوار حول وسطية الإسلام وسماحته، والمنهج الإسلامي في تعزيز الأخوَّة والوئام في المجتمعات.

وأكَّد شيخ الأزهر أنَّ أكثر ما يميز المجتمع الماليزي تعدُّدُ الأعراق والأديان، محذرًا من خطورة استغلال بعض التَّيارات المتطرفة والمتشددة للتعددية، وتصويرها جهلًا على أنها خطر على الإسلام والمجتمعات، مفنِّدًا زيف هذه الادِّعاءات؛ واستشهد بتعاليم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين أنفسهم، الَّتي لخصها في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتَنا، وأكل ذبيحتَنا، فذلك المسلمُ الذي له ذمَّة الله وذمة رسوله، فلا تَخفِرُوا الله في ذمته» أي: لا تخونوا.

وأوضح أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أرسى قواعد العلاقة التي تربط المسلم بغيره من أتباع الديانات الأخرى وحدودها، وهي العلاقة المبنيَّة على الاحترام والتَّعايش المشترك، والتَّحلِّي بأخلاق الإسلام الذي لم يكتف بتحريم الاعتداء على الإنسان أيًّا كان دينه أو جنسه أو لونه، وإنَّما حرَّم الاعتداء على الحيوان والنبات والجماد، إلا فيما بيَّنَتْه الشريعة مما لا يعد اعتداء كذبح الحيوان لغرض الأكل وسد الجوع وبمقدار محدَّد، وأنَّ الإسلام وضع قواعد لحماية البيئة والمناخ، بما لا يسمح له من الاستجابة لشهواته ورغباته المادية، بما يؤثِّر سلبًا على البيئة، وأنَّه إذا كان الإسلام قد عُنِيَ بكل هذه الجوانب فكيف تكون عنايته بالإنسان حتى ولو كان غير مسلم!

وأكَّد أن مسؤولية إقرار وتعزيز التَّعايش السِّلمي بين أتباع الديانات المختلفة، تقع على عاتق كل فردٍ في المجتمع، ولا يمكن تحقيقُها إلا من خلال الفهم الصحيح لرسالة الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، التي جاءت لإسعاد الإنسان وانتشاله من مخاطر تأليه المادة والسعي لإشباع الغرائز دون التنبه لما قد ينتج عن ذلك من حروب وصراعات، وأنَّ الدين هو السبيل الأوحد للتحكم في غرائز الإنسان وتوجيهها بما فيه مصلحته ومصلحة المجتمع.

الصِّراعات المذهبية

وحذَّر شيخ الأزهر من بعض التيارات التي تحاول تغذية التعصُّب والكراهية بين المسلمين، وتزكية الصِّراعات المذهبية وتوجيه اهتمامات الشباب المسلم لبعض القضايا التي تشغلهم عن النظر والاهتمام بقضايا أهم، وإعادة إحياء لصراعات وقضايا تؤرِّق المجتمع المسلم وتعمل على إضعافه وتشتته، وبث الفرقة والشقاق فيما بين أبنائه، مشددًا على أن الأولى في هذا الوقت الحرج أن تتجه الجهود لما فيه وحدة الأمَّة وتماسكها لتحقيق نهضتها المنشودة.

وحرص شيخ الأزهر على الاستماع لآراء بعض الشباب الماليزي ومناقشتهم فيها، والإجابة على تساؤلاتهم فيما يتعلق بالعلاقة بين مدارس الفكر الإسلامي، وكيفية استثمار التعدديَّة لما فيه صالح الأمة، كما ناقش فضيلته بعض الفتيات عن حقوق المرأة في الإسلام، وكيف كفل الإسلام للمرأة حقَّها في التعليم والمشاركة الإيجابيَّة في الحياة الاجتماعية، وغير ذلك من الموضوعات التي كانت محل نقاش من الشباب الماليزي المشارك.

ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف

من جهته، أعرب رئيس الوزراء الماليزي، عن سعادته بمشاركة شيخ الأزهر في هذا اللقاء المهم، وتقديره لحرص فضيلته على مناقشة الشباب الماليزي في أفكارهم ومحاورتهم دون قيود، مؤكّدًا أن بلاده ممتنة لشيخ الأزهر ولفكر الأزهر الوسطي الذي صدَّرَ للعالم -ولا يزال- علوم الدين والدنيا، وأن ماليزيا حريصة على تعزيز علاقاتها مع الأزهر الشريف، والاستفادة من برامج تدريب الأئمة التي تستضيفها أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وتمنياته بأن تكون زيارة شيخ الأزهر لماليزيا بداية لعدد غير محدود من المشروعات والمبادرة المشتركة مع الأزهر الشريف.

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا وشبابها حول وسطية الإسلام
  • شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء وشباب الباحثين الماليزيين
  • شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا MADANI
  • شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا «MADANI»
  • شيخ الأزهر يحاضر علماء ماليزيا عن وسطية الإسلام: الحوار مفتاح التعايش السلمي
  • في جلسته رقم 100.. ملف المذهب الإباضي يتصدر أعمال مجلس الدولة
  • ” نعيمة الحامي ” تكشف بنود جلسة مجلس الدولة المقبلة
  • أمين رابطة الجامعات الإسلامية يثمن جهود الإمام الأكبر لنصرة الشعب الفلسطيني
  • بعد ذهاب الإمام الأكبر لماليزيا.. كيف عزز الأزهر علاقة مصر بها؟
  • الأرز البني يسرع عملية فقدان الوزن.. علماء يوضحون