بعد 11 يوما من المواجهات في محافظة دير الزور السورية أعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) السيطرة على ذيبان آخر بلدة تمركز فيها مقاتلو العشائر العربية، وشيخ قبيلة العكيدات الذي كان يقودهم، إبراهيم الهفل. وفي حين قالت إنها نفذت عمليات "تمشيط" وأخرجت المسلحين منها، اعتبر مقربون من الأخير ومراقبون أن الوقائع على الأرض تذهب بخلاف ذلك.

وذكر الناطق باسم "قسد"، فرهاد شامي، عبر "فيسبوك"، ليلة الأربعاء، أن "إبراهيم الهفل فر باتجاه مناطق النظام السوري"، بينما قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إنه "متخف".

في المقابل قال، محمود الشبل الجار الله، أحد شيوخ قبيلة العكيدات إن "قسد لم تسيطر على ذيبان، وإن سيطرت على جزء منها لا يعني ذلك أنها سيطرت على كل الناحية"، مضيفا: "أؤكد أنهم لم يسيطرون عليها". 

واعتبر الجار الله في حديث لموقع "الحرة" أنه "وفي حال سيطرت قسد لاحقا على كامل الناحية لن تنته المعارك. المعركة ليست من أجل ذيبان أو للدفاع عن شخص بل هي للدفاع عن الأرض وإخراج المحتلين منها"، وفق تعبيره.

وكانت شرارة المواجهات في دير الزور قد اندلعت، الأسبوع الماضي، في أعقاب اعتقال "قسد" لقائد "مجلس دير الزور العسكري"، أحمد الخبيل، الملقب بـ"أبو خولة"، واتجاهها بعد ذلك لإطلاق حملة أمنية في المحافظة تحت عنوان "تعزيز الأمن". 

الاشتباكات اندلعت على خلفية اعتقال قسد قائد مجلس دير الزور العسكري - صورة أرشيفية.

ويعتبر "مجلس دير الزور" أحد أبرز المكونات العسكرية في "قسد". ورغم أن حادثة الاعتقال لقائده وقادة آخرين في الصف الأول فتحت أولى أبواب المواجهات، أعلن الشيخ الهفل ومقاتلو العشائر الذين قادهم في بيانات أن القرار الذي بدأوه جاء "ردا على انتهاكات نفذتها قسد شملت مقتل مدنيين بينهم أطفال".

وعلى مدى سنوات برزت خلافات كبيرة بين، إبراهيم الهفل، والقيادي "أبو خولة"، وحتى أن الأخير وجه له سلسلة إهانات في تسجيلات صوتية نشرتها شبكات محلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ونشر الناطق باسم "قسد" بعد إعلان السيطرة على ذيبان تسجيلا مصورا من مضافة، الشيخ إبراهيم الهفل، وقال: "احتراما لمكانة المشيخة، قواتنا تنظم زيارة لشيوخ ووجهاء الذيبان".

وتداولت شبكات محلية تغطي أخبار دير الزور ذات التسجيل، لكنها أشارت إلى أن أنه خاص بقبيلة العكيدات، وظهر فيه عدد من وجهائها وهم يعلنون تعيين راغب الهفل شيخا بالإنابة "لحين عودة الشيخ إبراهيم".

ماذا حصل؟

وعلى مدى الأيام الماضية من المواجهات المسلحة التي راح ضحيتها العديد من المدنيين قالت "قسد" إن حملتها الأمنية في دير الزور تستهدف "خلايا تتبع للنظام السوري"، ومقاتلين متمردين ومرتبطين بالقيادي "أبو خولة"، والذي اعتقلته بتهم "فساد" وتواصل مع جهات خارجية "معادية للثورة"، وفق ما جاء في بيان رسمي.

ولم تقتصر اتهاماتها على ما سبق، إذ وسعّت الدائرة مشيرة إلى وجود "خلايا تتبع لإيران وتركيا"، وأن الهفل ومسلحيه ينسقون معها، وخلايا أخرى تتبع لتنظيم "داعش".

في المقابل نفت عشائر عربية في سلسلة بيانات ومسلحون خاضوا المواجهة ضد "قسد" الرواية والاتهامات التي وجهتها، واعتبروا أن الأخيرة تحاول "إقصاء المسلحين العشائريين الرافضين لسياساتها".

كما أشارت البيانات إلى أن "قسد" سبق وأن أعلنت عن تفاهمات مع النظام السوري، أتاحت انتشار قواته في معظم المناطق التي تسيطر عليها، في وقت كان "أبو خولة" أحد أبرز القياديين فيها لسنوات طويلة، وخرجت عدة مظاهرات شعبية سابقة تطالب بإقالته وإبعاده عن إدارة دير الزور عسكريا.

قوات من سوريا الديمقراطية

لكن قائد "قسد" قال في تصريحات، الثلاثاء، إن "أطرافا استخبارتية تابعة لحكومة دمشق تقف خلف هذه الأوضاع"، مضيفا أن "أموالا وأسلحة أرسلت إلى شرق الفرات من قبل النظام السوري، دعما للمجموعات التي هاجمتنا في المنطقة".
 وبحسب عبدي فإن "مشروعا مشتركا بين النظام وتركيا استهدف المنطقة"، وأن "قسد ستعلن عن تفاصيله لاحقا".

 وقال الباحث السوري في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، سامر الأحمد، إن ما حصل في دير الزور "انتفاضة مدنيين، ورغم أن سببها اعتقال أبو خولة تطور مسرح الأحداث، بعدما ارتكبت قسد انتهاكات وقتل بحق مدنيين بينهم أطفال".

وتؤكد تسجيلات صوتية للشيخ، إبراهيم الهفل، أنهم "غير تابعين لأي جهة ويرفضون دعوات النظام للانخراط أو استغلال الموقف"، وهو ما يخالف الاتهامات التي ترددها "قسد"، منذ أيام، حسب الأحمد.

هل انتهت المواجهة؟

ويوضح الأحمد في حديث لموقع "الحرة" أن "الأمور لم تنته بعد في ذيبان، لأن مناطق شرق دير الزور ما يزال فيها مقاتلون مثل أبو حمام وهجين والشعفة وغيرها..".

"هناك مقاتلون في أجزاء من ذيبان من اتجاه بلدة الطيانة"، حيث يرى الباحث السوري أن "الأمر عسكريا لا يمكن قياسه بالسيطرة الجغرافية في هذه الحالة".

ويتابع: "لأن ماحصل لن ينته ما دام التحالف الدولي لم يتدخل ويحقق مطالب الأهالي". 

لكن "قسد" أعلنت في بيان رسمي أنها انتهت من عمليات "التمشيط" في كافة المناطق التي شهدت مواجهات، وآخرها ذيبان، فيما نشرت سلسلة صور وتسجيلات لمقاتليها بعد دخولهم قرى وبلدات.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الثلاثاء، إنها دعت الأطراف المتقاتلة في شمال شرقي سوريا إلى التوقف عن القتال والتركيز على هزيمة "داعش". 

قوات سوريا الديمقراطية "قسد" قاتل داعش في شمالي سوريا

وأكد، فيدانت باتل، نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أن مسؤولين أميركيين كبارا،على رأسهم نائب مساعد وزير الخارجية، غولدريتش والجنرال فويل،التقوا في شمالي سوريا قادة من "قسد" و"مجلس سوريا الديمقراطي" وزعماء القبائل في دير الزور.  وأضاف أنهم اتفقوا على أهمية معالجة مظالم سكان مدينة دير الزور، ومخاطر التدخل الخارجي في المدينة، وتجنب سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، وضرورة وقف التصعيد والعنف في أسرع وقت ممكن.  كما أكد نائب مساعد وزير الخارجية والجنرال فويل على أهمية الشراكة الأميركية القوية مع "قسد" في جهود دحر مقاتلي "داعش".

ويعتقد الباحث السوري، سعد الشارع، أن "قسد يبدو أنها سارعت في إعلان السيطرة على ذيبان لأنها لا تريد مزيدا من الإحراج مع الولايات المتحدة، وذلك لأن تطور الملف قد يفتح الأبواب أمام سيناريوهات لا تريدها الأخيرة".

ويقول الشارع لموقع "الحرة": "الوقائع الأرض تخالف ما تروجه قسد. ما زالت هناك جيوب تسيطر عليها مجموعات من أبناء القبائل في ذيبان والحوايج والطريق الواصل بين ذيبان والطيانة، والتي ما تزال معظمها تحت سيطرة أبناء العشائر".

ويضيف أن "القتال الذي حصل غير تقليدي وبقاء مجموعة وإن كانت صغيرة في بقعة جغرافية قد يمكنها من قلب الموازين وهو ما حدث في الأيام الماضية".

ويوضح الشارع أنه "لا يمكن في السياق العسكري القول إن قسد سيطرت بشكل كامل طالما بقيت جيوب تقاوم، وقد تعاود السيطرة وقلب الموازين".

"النظام على الخط"

وكان لافتا خلال أيام الموجهات الماضية اتجاه النظام السوري لتأييد المواجهات التي بدأها مسلحو العشائر العربية ضد "قسد"، عبر وسائل إعلامه الرسمية ومسؤوليه، رغم أن المقاتلون نفوا تبعيتهم لأي جهة خارجية.

وأبدى وزير خارجية النظام، فيصل المقداد الأربعاء دعم النظام للعشائر العربية في ريف دير الزور، وقال إن "ما يجري في الشرق السوري لا يحتاج إلى بيانات رسمية".

وأضاف أن "المواطنين السوريين يخوضون نضالا وطنيا باسم جميع السوريين، في معركتهم ضد الاحتلال والمسلحين الموالين له".

وأشار الباحث الأحمد إلى أن "النظام السوري يحاول منذ عامين كسر عشائر دير الزور في المنطقة مستغلا حالة الرفض الشعبي لوجود قسد أو تحكم قيادات قنديل وحزب العمال الكردستاني".

والآن "يحاول استغلال الحراك العشائري، باعتبار أنه هدد لأكثر من مرة بضرب قوات التحالف وقسد"، وفق حديثه.

وخرجت مظاهرات شعبية، الأربعاء، بالتزامن مع بدء "قسد" دخول ذيبان، واعتبر الباحث السوري أنها "أبطلت نظرية الأخيرة بإنهاء مقاومة إبراهيم الهفل وأن الأمور ستستقر لها".

جنود اميركيون وعناصر في قسد خلال مشاركتهم في دورية قرب الحدود السورية التركية

"إن لم يتدخل التحالف ويدير مفاوضات جدية بين أبناء دير الزور وقسد ويقوم بتشكيل مجلس مدني ومجلس عسكري يمثل الأهالي بشكل فعلي ويعمل على تنمية المنطقة وإعطاء أهالي المنطقة حقوقهم ويكف يد قيادات قنديل عن التحكم بالمنطقة ومقدراتها لن تستقر الأمور"، حسب ما يرى الأحمد.

ويتابع قوله: "غير ذلك يعني إدخال المنطقة في فوضى أمنية لا نهاية لها، ويمكن استغلال الأمر من النظام أو إيران أو حتى خلايا داعش".

من جانبه يوضح الباحث سعد الشارع أن "المواجهات فتحت بابا جديدا ونقلت حالة الصراع بين أبناء دير الزور وقسد إلى مستوى آخر".

ويقول  إن "الجدار الذي بنته قسد خلال الفترة الماضية بأنها تنظيم عسكري منظم ولديها قدرات تم هدمه خلال الأيام الماضية. الأمور مفتوحة الآن لعملية مواجهة مفتوحة".

وقد تدخل مجموعات أخرى على الخط، ولا يستبعد الشارع أن "ينتقل الحراك إلى بلدات في الحسكة والرقة، في حال بقيت قسد على ذات السياسة الإقصائية لباقي المكونات".

ويضيف، محمود الشبل الجار الل،ه أحد شيوخ قبيلة العكيدات، أن "الحراك وإن توقف في مكان سيشتعل في آخر"، مشيرا إلى "تواصلات مع قوات التحالف الدولي الموجودة في حقل العمر من قبل وجهاء عشيرة البكير في ريف دير الزور"، و"هناك حديث عن تدخل للضغط على قسد لسحب قواتها".

وكان قائد "قسد"، مظلوم عبدي، قال في مقابلة مع قناة "روناهي"، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة "ضد التدخل الخارجي، ولن تتحالف مع جهة أخرى غير قوات سوريا الديمقراطية"، مشيرا إلى أن "العلاقات الأميركية في شمالي سوريا تجري تحت إشرافنا"، وأنهم "تواصلوا مع شيوخ عشائر ويرغبون بحل الأزمة سلميا".  

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: النظام السوری فی دیر الزور على ذیبان أبو خولة إلى أن

إقرأ أيضاً:

من أين يحصل فلول النظام على السلاح في الساحل السوري؟

رغم إعلان وزارة الدفاع السورية عن انتهاء العملية العسكرية في الساحل السوري، بعد القضاء على مجموعات من فلول النظام، يستبعد مراقبون سوريون تحدثوا لـ"عربي21" أن يستمر الهدوء "الحذر" الذي يسود المنطقة طويلاً، وذلك بسبب امتلاك الفلول كميات ضخمة من السلاح والذخائر، إلى جانب صعوبة ملاحقتهم بشكل تام، في ظل الجغرافية المعقدة للمنطقة.

وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد حسن عبد الغني، قد أكد أن القوات الأمنية والعسكرية نجحت في تحقيق جميع الأهداف المحددة للمرحلة الثانية من ملاحقة فلول النظام، مضيفاً "لقد تمكنا من امتصاص هجمات فلول النظام المخلوع وضباطه، وحطمنا عنصر المفاجأة لديهم، وتمكنا من إبعادهم عن المراكز الحيوية، كما أمّنا غالبية الطرق العامة التي اتخذتها الفلول منطلقاً لاستهداف أهلنا المدنيين والأبرياء".


من أين يحصل الفلول على السلاح؟
وأظهرت بعض المقاطع المصورة من بلدة تعنيتا بريف بانياس، كميات ضخمة من السلاح، جرى تسليمها لوزارة الدفاع السورية، بعد الاتفاق مع الأهالي على تسليم السلاح.

وبحسب خبراء فإن كميات السلاح الضخمة التي وجدت في هذه القرية رغم صغرها، تُثير تساؤلات عن الجهات التي تحصل الفلول منها على السلاح.

وفي هذا الإطار، أكد الباحث المختص بالشأن العسكري النقيب رشيد حوراني، أن الفلول تؤمن السلاح من مصدرين، الأول من الكميات التي خزنتها قبل سقوط النظام، منها الخفيفة والمتوسطة والذخائر، موضحاً لـ"عربي21" أن "الفلول من الطائفة العلوية كانوا في صفوف قوات النظام البائد".

أما المصدر الثاني للسلاح، بحسب حوراني، فغالباً من قاعدة حميميم الروسية، بالتعاون والتنسيق مع إيران، مؤكداً أن "روسيا تدعم الفلول بشكل غير معلن".

وتابع حوراني بالإشارة إلى معرفة إيران بالأرض السورية، ووجود ارتباط لديها مع ميليشيات كانت مدعومة منها في سوريا، وقال: "يمكن لإيران تمرير أسلحة وذخائر للفلول في سوريا في ظل الضعف الأمني للقيادة السورية الجديدة".

في السياق ذاته، أشار الكاتب وعميد كلية العلوم السياسية بالجامعة الأهلية، عبد الله الأسعد، إلى سهولة تهريب الأسلحة في الساحل السوري، من لبنان، ومن الموانئ.

وتابع في حديثه لـ"عربي21" بالتأكيد على استحواذ الفلول على كميات كبيرة من الأسلحة في الفترة التي سبقت سقوط النظام، وقال: "قطاعات عسكرية بكامل عتادها فرت في يوم سقوط النظام، وغالبيتها ذهبت نحو جبال الساحل".


هل تنجح الدولة في القضاء على الفلول؟
ويبدو أن عمليات ملاحقة الفلول لن تُحسم سريعاً، كما يؤكد مصدر عسكري من الساحل السوري لـ"عربي21"، مشيراً إلى أن آلاف المطلوبين لا زالوا يحتمون بالجبال والغابات الكثيفة.

وفي هذا الجانب، يعتقد رشيد حوراني أن ملاحقة الفلول تحتاج عمليات إدارية، مثل إعداد قوائم بأسماء كل المطلوبين، ومن ثم إلقاء القبض عليهم من خلال تتبع تحركاتهم، ويختم بقوله: "الواضح أن ملاحقة الفلول تتطلب وقتاً".

بدوره، لفت عبد الله الأسعد إلى صعوبة القتال في المناطق الجبلية، وقال: "لكن إرادة القتال لدى قوات الجيش والأمن تجعل هذه المهمة ممكنة".

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان  قد وثقت في تقرير الثلاثاء، مقتل 803 أشخاص، بينهم نساء وأطفال، خلال الهجمات التي شهدتها مناطق الساحل السوري، مؤكدة أن نحو نصف الضحايا سقطوا على يد فلول النظام المخلوع، بينما قُتل الباقون في عمليات أمنية وعسكرية نفذتها قوات تابعة للحكومة.

مقالات مشابهة

  • ماذا بعد اتفاق الرئيس السوري وقائد قسد؟
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • سوريا.. إعلان دستوري يحدد المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات
  • الرئيس السوري أحمد الشرع يوقع على مسودة الإعلان الدستوري في البلاد
  • لماذا منحت إدارة ترامب الضوء الأخضر لاتفاق الشرع وقسد؟
  • مسيرة الدستور السوري من 1920 إلى 2025
  • من أين يحصل فلول النظام على السلاح في الساحل السوري؟
  • ترقب صدور إعلان دستوري في سوريا
  • بعد إعلان جدول الثانوية العامة 2025 |مواصفات امتحان العربي لطلاب النظام الجديد