في غرب ووسط إفريقيا.. عدوى الانقلابات تهدد عروش حلفاء فرنسا فى السنغال وساحل العاج وبنين.. فرنسا تخسر..وروسيا تتمدد
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
في نهاية أغسطس2023، وقع انقلاب جديد في دولة الجابون، غرب إفريقيا، ضد الرئيس علي بونجو، ليطيح بأحد حلفاء فرنسا الرئيسين في المنطقة، ويقلل من حلفاء باريس في المنطقة التي تشكل امتدادا للنفوذ الفرنسي ومصدرا مهما للعديد من الموارد التي يعتمد عليها الاقتصاد الفرنسي. ورغم أن توجهات الانقلابيون الجدد في الجابون تجاه فرنسا لم تتحدد بعد، لكن سلسلة الانقلابات العسكرية التي تضرب غرب إفريقيا، وكذلك رهانات شعوب هذه الدولة، تجعل من فرنسا هي الخاسر الأكبر، مع تمدد سري للنفوذ الروسي في المنطقة.
بعد 5 أسابيع من الإطاحة برئيس النيجر، محمد بازوم، من قبل عسكريين مناوئين لباريس، أعلن عسكريون في جارتها الجابون، الإطاحة بالرئيس علي بونجو في 30 أغسطس بعد حصوله على ولاية رئاسية ثالثة عبر تعديل دستوري مثير للجدل. على مدار أعوام قليلة، تتكرر السيناريوهات في القارة الأفريقية لاسيما في الوسط والغرب، صعد عسكريون جدد في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، بالإضافة إلى إفريقيا الوسطى، مناوئين للوجود الفرنسي في بلدانهم، بينما يميلوا إلى شريك جديد طامح في وضع قدما في القارة السمراء، روسيا.
فرنسا وانحسار نفوذها
يشكل فشل الاداء الاقتصادي وفساد السلطات الحاكمة، المدعومة في فرنسا وتمسكها بالحكم دون تداول، الأسباب الرئيسية لتحرك العسكريين في هذه الدول، بل وحصولهم على الدعم الشعبي للقيام بالانقلاب على السلطات القائمة. جاء زعزعة الاستقرار الأمني مع تصاعد الجماعات المسلحة وفشل السلطات في التعامل مع التهديد الجديد حتى بالدعم الفرنسي، ليؤكد عجز السلطات الحالية عن القيام بدورها.
يوضح الباحث "فرانسيس لالوبو" الباحث المشارك بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا، “يجب الاعتراف بأن تسارع وتوقيت كل هذه الانقلابات منذ عام 2020 تشكل نقطة تحول في السياق السياسي للقارة الأفريقية”.
هذا التحول يتمثل في مزيد من الابتعاد عن فرنسا. في الوقت الحالي، تعيش باريس على واقع مر في القارة الأفريقية، عاما بعد آخر، تفقد حليف جديد لها في القارة، ومعه موارد كثيرة كانت تحصل عليها بأفضلية مقارنة بالدول الأخرى. من بوركينا فاسو إلى النيجر ومالي وغينيا، أوقفت هذه السلطات العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتفضيلية مع فرنسا، كان آخر هذه القرارت في النيجر، التي أعلنت وقف السماح لفرنسا الاستفادة من اليورانيوم.
يضيف "لالوبو “ هناك حالة من الغضب المرتبط بعدم تلبية المطالب الاجتماعية وتراجع سلطة الدولة ومسؤوليتها، إضافة إلى الأزمة الأمنية في منطقة الساحل”، متابعا، “هناك شكل من أشكال اليأس من جانب الشباب الذين يشيدون اليوم بالانقلابات العسكرية كوسيلة لحل استيائهم، لقد شعر هؤلاء الشباب بيأس من الوعود بالديمقراطية التي لم تتحقق”.
هذا الاستياء موجه أكبر إلى فرنسا، الحليف الرئيسي والداعم لهذه القوى التي تمت إزاحتها، وفقا للباحث.
عدوى الانقلابات تهدد عروش باقي حلفاء فرنسا
تتشابه الظروف في باقي الدول الخاضعة لنفوذ فرنسا في المنطقة، فمن السنغال وساحل العاج وبنين، تواجه السلطات اتهامات بالفساد وعدم مراعاة مصالح المواطنين، وتصاعد أصوات المعارضة، ليضع نفوذ فرنسا في هذه الدول الثلاثة على المحك وتمثل هذه الدول الرئة السياسة لفرنسا فى افريقيا وفى حالة خسارتها يتلاشي نفوذها نهائيا من القارة.
يؤكد الباحث المالي، فاهيرامان رودريج كونيه، في المعهد من أجل دراسات الأمن بمنطقة الساحل أن هناك انقسامات كبيرة في الرأي العام في دول الساحل بشأن فرنسا، وأن هذه الدولة الأوروبية أصبحت نقاشا في السياسة الداخلية”.
في دولة بنين، تتشابه الظروف مع باقي الدول التي شهدت انقلاب، أصبحت البلد مؤخرا على خريطة الجماعات الإرهابية لاسيما شمال البلاد الملاصق لبوركينا فاسو والنيجر، بينما يتصاعد الغضب ضد السلطات الموالية لفرنسا بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وسوء الإدارة والفساد وقمع الحريات وحبس المعارضيين للرئيس باتريس تالون الذى يتولي الحكم منذ عام 2016. وأصبح هناك تخوف من تكرار سيناريو النيجر والجابون في بنين فى ظل السخط الشعبي من فرنسا
دولة السنغال الأكثر استقرارا سياسيا واقتصاديا على موعد مع تغير كبير أيضا، فمع انسحاب الرئيس ماكي سال، المدعوم من فرنسا من سباق الانتخابات المقبلة، وتصاعد أصوات المعارضة بشكل كبير، أصبح استمرار النفوذ الفرنسي مهددا أيضا.
تحمل التصريحات المتتالية لعثمان سونكو، المعارض الهام والمنافس للرئيس ماكي سال، إدانات لفرنسا ودورها في دولته، إذ دائما ما يؤكد على رغبته في تخليص داكار من هذا النفوذ. ويشير المحللين فى السنغال أن الانقلابات فى دول غرب افريقيا التى ترحب بها الشعوب للخلاص من النفوذ الاستعماري الفرنسي، يلقي بظلله على المشهد فى السنغال وهناك مخاوف من تكراره
وعلى صعيد ساحل العاج، يخشى الرئيس الحسن وتارا من امتداد عدوى الانقلابات من جارته النيجر إلى بلاده وباقي المنطقة. منذ انقلاب النيجر، أصبح أوتارا صاحب الموقف الصلب داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) المنادين بضرورة التدخل المسلح لإزاحة الانقلابيين، ومعلنا عن توفير بين 850 و1100 جندي من قواته لدعم قوات الإيكوس.
ورغم تحقيق حزب وتارا انتصار كاسحا في الانتخابات البلدية والإقليمية التي جرت السبت الماضي، إلا أن مرشحين من المعارضة نددوا بما وصفوه بـ “حشو صناديق الاقتراع على نطاق واسع” بأوراق التصويت غير الصحيحة و”الانتخابات المزيفة”.مما يعكس سيناريو انتخابات الجابون وبازوم ولكن على مستوي الانتخابات البلدية.
وعلى مدار الفترة الأخيرة، كررت المعارضة في ساحل العاج من حملاتها الداعية لعصيان مدني في البلاد والإطاحة بالرئيس أوتارا وتشكيل مجلس انتقالي وطني.
تمدد روسي
مقابل هذه الإزاحة للدور القديم لفرنسا، فتح أبواب من قبل القادة العسكريين الجدد، للاعب غير تقليدي في القارة السمراء، روسيا. على مدار السنوات الأخيرة، غيرت جماعة “فاجنر” التي كان يقودها قائدها الراحل يغني بريغوزين تمددت الحركة في العديد من الدول الإفريقية بشكل سري، ووفرت الدعم العسكري للعديد من الدول في مواجهة الجماعات الإرهابية، لاسيما مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى.
إلى جانب فاجنر، يأخذ الكرملين نفسه اتجاهات مقاربة تجاه الدول الأفريقية. فخلال القمة الروسية الأفريقية التي استضافتها سانت بطرسبرغ نهاية يوليو الماضي، أعلن الرئيس الروسي توفير القمح مجانا للعديد من الدول الأفريقية.
يتزامن ذلك مع توقيع فرنسا لاتفاقيات عسكرية وتسليح واسعة للدول الأفريقية، وهو ما يلقى الاستحسان من القيادات العسكرية الجديدة في بلاد القارة. وتشكل نسبة إفريقيا من صادرات السلاح الروسية بين 30 إلى 40٪ من مجمل صادرات موسكو، وفق تصريحات لمدير وكالة التعاون العسكري والتقني الروسية، دميتري شوجايف.
يظهر هذا القبول من قبل القيادات الجدد وحتى القبول الشعبي يظهر جليا في المظاهرات التي ينظمها المواطنين، ففي الوقت الذي يحتشد المواطنون للاحتجاج على النفوذ الفرنسي، يرحب البعض بالدور الجديد لموسكو.
وفي تصريحات لموقع معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني الفرنسي، أوضحت المحللة لو أوسبورن أن الدور الروسي في القارة الأفريقية يستند على 3 محاور: أمنى وعسكري، إلى جانب الاقتصاد والنفوذ، مشيرة إلى أن موسكو وقعت العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والتدريب مع العديد من الدول الأفريقية. وكذلك الشراكات الاقتصادية في مجالات مختلفة.
ويري المحللون الروس أن روسيا تطور علاقاتها الأمنية والاقتصاديه مع دول افريقيا وتعمل على استقرارها ومكافحة الإرهاب الذى يهددها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حلفاء فرنسا غرب إفريقيا عدوى الانقلابات فی المنطقة فی القارة هذه الدول العدید من من الدول
إقرأ أيضاً:
غياب حلفاء حزب الله: تحوّلات في المشهد السياسي اللبناني
شهد "حزب الله" في السنوات الأخيرة تراجعاً حادّاً في تحالفاته السياسية الداخلية، ما دفعه الى عزلة نسبية، باستثناء تحالفه التقليدي مع "حركة أمل". هذه العزلة تعكس تحوّلاتٍ عميقةً في الخريطة اللبنانية، مرتبطةً بعوامل داخلية كالضغوط الاقتصادية والعقوبات الدولية، وأخرى خارجية كتغيّر موازين القوى الإقليمية، إضافةً إلى تراجع الشرعية الشعبية الوطنية للحزب بعد فشله في تقديم حلول للأزمات المتفاقمة.كان التحالف مع "التيار الوطني الحر" (بقيادة جبران باسيل) أحد أهم الركائز السابقة، لكنه بدأ بالتصدّع مع تصاعد العقوبات الأميركية على الحزب وحلفائه، وخصوصاً تلك المُوجَّهة ضد باسيل شخصياً. خشية الأخير من تبعات الاستمرار في التحالف دفعته إلى التوجه نحو خطاب معادٍ، بل ومُجاراة خصوم الحزب، رغم كل الدعم السابق الذي قدّمه له. تحوّل باسيل إلى جزء من المعسكر "المُعارض" في لبنان، سعياً لتحسين صورته الدولية، ما أضعف قدرة الحزب على الاحتفاظ بحلفاء خارج إطار طائفته.
من ناحية أخرى، لم يُفلح الحزب في تعويض هذا الفقدان عبر التقارب مع القوى السنيّة، رغم محاولاته المبكّرة خلال الحرب وبعدها . فاندلاع الأزمة السورية عام 2011، ودعم الحزب للنظام السوري ضد المعارضة - التي تضمّنت فصائل سنيّة - أعاد إحياء هواجس الطائفة السنيّة، خاصةً مع دخول الحزب عسكرياً خارج الحدود. اليوم، تُفاقم التبعات الأمنية والاقتصادية للأزمة السورية من انقسام المشهد السني، وتُشلّ قدرة زعاماته على المناورة سياسياً، ما يحوّل العلاقة مع الحزب إلى جدار عدم ثقة متبادل.
أما تحالف الحزب مع وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية، فلم يكن أكثر من هُدنة هشّة سرعان ما انهارت. فبعد سنوات من التعاون في البرلمان والحكومة، عاد جنبلاط إلى خطابه التاريخي المُنتقد لـ"هيمنة الحزب".
هذا التحوّل حوّل الجنبلاط من شريكٍ في اللعبة السياسية إلى خصمٍ علني، مُضعفاً فرص الحزب في كسر عزلته الطائفية.
يُعزى هذا التراجع إلى أسبابٍ متشابكة، أبرزها تآكل شعبية الحزب الوطنية بسبب الأزمات الداخلية، وفشله في تحقيق انتصارات سياسية تُبرّر تحالفاته السابقة، إضافةً إلى تحوّله إلى عبءٍ على حلفائه المحتملين بفعل العقوبات الدولية. اليوم، لم يعد الحزب قادراً على تشكيل كتلة نيابية أو حكومية فاعلة خارج الواقع الشيعي، ما يدفعه للاعتماد على حركة أمل كشريك وحيد. هذه العزلة تُعيد طرح أسئلةٍ مصيرية عن مستقبله كقوة سياسية، في ظلّ تحوّله من لاعبٍ قادر على جمع تحالفات متنوّعة، إلى كيانٍ فاقد للإجماع الوطني، في مشهدٍ يزداد انقساماً.
المصدر: خاص لبنان24