لجريدة عمان:
2025-02-22@04:39:59 GMT

حقيقة علمية لا تقبل النقاش!

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

ثمة الكثير مما يستحق النقاش ضمن سلسلة المقالات التي ينشرها أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي في جريدة الرؤية، والتي تُحاول الإجابة عما إذا كانت العلوم الطبيعية مؤلفة من حقائق لا شك فيها، أم أنها مجرد نظريات خاضعة للتغيير؟ إلا أنني سأُركز نقاشي اليوم على السؤال الجوهري للسلسلة، وأتساءل بدوري: هل ثمة فعلا ما يُمكن أن يُطلق عليه حقيقة علمية لا تقبل الشك؟

يبدو أن اللواتي يؤمن بأن ثمة بالفعل حقائق علمية لا تقبل النقاش، فهو يقول مثلا: «فقبل اكتشاف المجهر مثلًا كان الإيمان بوجود كائنات دقيقة لا نراها بالعين المجردة مجرد فرضية ولا يوجد ما يُثبت صحتها، لكن ومع اكتشاف المجهر والذي يعد امتدادًا لحاسة الإبصار، استطعنا أن نحوِّل هذه الفرضية إلى حقيقة علمية، فلا يُمكن في يوم من الأيام القادمة أن يثبت خطأ هذه الحقيقة العلمية».

اللواتي لا يأخذ أمر الحقائق بخفة، فهو يضع شروطا لما يُمكن أن يُعد حقيقة، يُمكن تلخيصها في الآتي:

1. طبيعة الحقائق: الظواهر المتعلقة بالحقائق العلمية قابلة للرصد عبر الحواس، أو ما يُعد امتدادا لها مثل المايكروسكوب أو التلسكوب.

2. المنهج: يتم التوصل إلى الحقائق العلمية عبر المنهج التجريبي.

يقول اللواتي في افتتاح مقالته الثانية: «إن الظاهرة الطبيعية التي نرصدها بحواسنا أو بامتداداتها هي حقائق علمية لا يُشك في صحتها». والآن لنُحلل هذه المقولة، مع وضع مثال ما في أذهاننا، لنقل البرق. تُخبرنا أبصارنا أن ثمة شيئا ما يحدث (ظاهرة)، نُسمي هذا الشيء برقا. والآن يُمكن المجادلة بسهولة بأن البرق «حقيقي» بمعنى أنه قابل للإدراك بالحواس. لكني أحسب أن الكاتب يعني أن تفسيرنا للبرق (النظرية وليس الظاهرة) هي الحقيقة العلمية، أي القول إن ظاهرة البرق تنشأ عن تفريغ كهربائي في مناطق الغلاف الجوّي المشحونة. لأن النقاش حول حقيقة الأشياء المحسوسة يقع في بُعدٍ مختلف تماما (الأنطولوجيا رُبما) عن البعد الذي نحن فيه، أي فلسفة العلم. فالظاهرة هي مجموعة الملاحظات المنظمة، بينما النظرية هي ما يلي هذه الملاحظات من شرح أو تفسير للظاهرة المُلاحظة، والنظرية هي ما يصيب أو يخطئ، يُقبل أو يُرفض، يدلل عليه أو يُدحض. البرق مثلا هو ظاهرة يُمكننا إدراكها بحواسنا، أما كيف ينشأ البرق وفي أي ظروف فهذه هي النظرية. والنظرية هي ما أحسب الكاتب مهتما ببحثه. والآن -وقد أوضحنا هذا- صار بإمكاننا دفع النقاش للخطوة التالية والتساؤل هل يُمكن أن يُعد تفسيرنا هذا (حول نشوء ظاهرة البرق) حقيقة علمية لا تقبل الشك؟

نعرف أن تفسيرنا (نظريتنا) لظاهرة البرق قد يكون صحيحا، لأننا قادرون على بناء نماذج تفريغ كهربائي تُحاكي هذه الظاهرة في المختبر. لكن -مجددا- هل يعني هذا أننا وجدنا «الحقيقة» أو أننا قاربناها فحسب؟

قبل الإجابة، دعونا نتحدث قليلا عن المنطلقات، لما تمنحه من فهم ضروري لسياق الأشياء. أفهم أن الدفاع عن «الحقائق العلمية» قادم من رغبة في صناعة التقدم (في أن نكون عمليين)، فنحن متى ما سلمنا بنظرية حول البرق، سعينا لبناء مانعات الصواعق لحماية البشر، أو العمل على استغلالها كمصدر للطاقة البديلة، وغير ذلك من التطبيقات، عوضا عن هدر الموارد في مُساءلة الأُسس. وكما أتساءل عما يدفع اللواتي للدفاع بعناد عن فكرة وجود حقائق علمية، أتساءل بالمثل عن مُحرك التشكيك. فنوع التشكيك الذي يأتي من تسليمٍ بمحدوديتنا ومحدودية أدواتنا، يختلف عن التشكيك الذي يأتي ضمن سردية بديلة، خصوصا إذا ما انطوت على عناصر تآمرية كأن تقول إن ثمة مستفيدين من إقناع الناس بأن الأرض كروية. أقول إنني أفهم أهمية التسليم كجزء مهم للمؤسسة العلمية، لكن النقد، التشكيك، والمُساءلة لا تقل أهمية عنها.

العلم له ميزة خاصة تتمثل في أنه لا يُسائل الأشياء. لمارتن هيدجر اقتباس شائع يبدو مثاليا لهذه المناسبة، يقول إن «العلم لا يُفكر». بعض المعلقين على هذه المقولة يرون أن هيدجر لا يقصد وضع العلم في مكانة أدنى من الفلسفة، بل إنه يكشف عن ميزة العلم التي تجعله حاسما مقارنة بحقول معرفية أخرى، فالعلماء عمليون لأنهم ينشغلون ضمن نطاق عمل محدد، يتحاشى غالبا الخوض في نقاشات جذرية. (للمزيد: يُمكن الرجوع إلى مقال «Martin Heidegger: Die Wissenschaft denkt nicht» المنشور على «Philosophy Magazin» بتاريخ: 12 /09 / 2013).

مع هذا فبرغم الجانب المفيد لعدم نقاش الأُسس، والشروع في إيجاد تطبيقات جديدة للمعرفة المكتسبة عوضا عن ذلك، إلا أن هذا لا يُغير في جوهر الموضوع: نظريتنا حول البرق معضدة بجسد من الأدلة كافٍ لتبرير قبولها، لكني لا أجرؤ على القول إنها حقيقة لا نقاش فيها.

يميل المُعجم العلمي اليوم إلى الإقرار بالقصور، وتحاشي الحديث عن الحقيقة، البراهين، واستبدالها بمصطلحات أقل يقينا فنقول إننا نجد أدلة تدعم أو تُعاضد نظرية ما عوضا عن أن نقول إن الأدلة تثبتها، ونقول إننا نُقارب الحقيقة في أحسن الأحوال. يعني هذا أن كل مقولة علمية قابلة للنقاش وبالتالي قابلة للدحض. وهذا في الواقع ما يجعلها ذات طبيعية علمية. فهي إن خرجت من هذا النطاق، ودخلت للتصديق الكامل تُصبح شيئا آخر: مُعتقد.

يختم اللواتي مقالته الأولى بالقول: «إنَّ علوم الطبيعة تكشف عن حقائق علمية لن تتغير- كما أوضحنا- ومن يرفضها فهو يرفض حقائق ثابتة لن تتغير ويعيش في وَهْمٍ لا واقعَ ولا حقيقةَ له!» وأختم مقالتي هذه بالقول إنه إن كان ثمة ما يُعلمنا إياه العلم فهو التواضع، والاعتراف بمحدوديتنا ومحدودية أدواتنا، وخطاب الحقائق هذه وإن كان «مُفيدا» من الناحية العملية، إلا أنه لا يُقربنا أكثر من فهم الظواهر الطبيعية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حقیقة علمیة

إقرأ أيضاً:

جامعة القاهرة تستضيف مؤتمر دور المرأة العلمية في توطين التكنولوجيا

شهدت قاعة المؤتمرات بالمدينة الجامعية بجامعة القاهرة، افتتاح فعاليات مؤتمر "دور المرأة العلمية والتعاون الدولي في نقل وتوطين التكنولوجيا"، والذي أُقيم تحت رعاية الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وبالتعاون بين جامعة القاهرة واكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمجلس القومي للمرأة.

حضر فعاليات المؤتمر، الدكتور محمود السعيد نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتورة نادية زخاري رئيس اللجنة الوطنية للمرأة في العلوم ووزيرة البحث العلمي الأسبق، والدكتور سعد نصار محافظ الفيوم الأسبق، والدكتورة جيهان صفوت مقرر اللجنة الوطنية للعلوم، وممثلو صندوق تمويل العلوم والتكنولوجيا، و هيئة فولبرايت، ومنظمة الصحة العالمية،  والقنصلية البريطانية، والجامعات الحكومية والخاصة ومراكز البحوث، ولفيف من أعضاء هيئة التدريس والطلاب.


وفي كلمته فى افتتاح المؤتمر، أكد الدكتور محمود السعيد، أهمية انعقاد  المؤتمر "لمناقشة دور المرأة المصرية في دعم الابتكار العلمي والتكنولوجيا"، وهو الدور الذي  يؤثر بفاعلية في مسيرة التنمية والتقدم، وأن تمكين المرأة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا وإتاحة الفرص لها للمشاركة في التعاون الدولي سوف يساهم بشكل مباشر في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة مصر في الساحة العلمية العالمية، مؤكدًا أن دعم المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع يمثل التزاما راسخا تجسده الدولة المصرية في مختلف قطاعاتها، إيمانًا بأن المرأة هي ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة، ومُحرك رئيسي للابتكار والتطور العلمي.

ومن جانبها، أشارت الدكتورة نادية زخاري إلى أن الدولة المصرية اتخذت عدة خطوات لتمكين المرأة من بينها إطلاق فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2017 عاما للمرأة المصرية وتم تعيين أول محافظ من السيدات، إلى جانب استحداث العديد من الجوائز التقديرية والتشجيعية تقديرًا لدورها ومكانتها في دعم البحث العملي والإبتكار، مؤكدًة أن المرأة تتقلد في الوقت الحالي العديد من الوظائف القيادية المهمة داخل الدولة المصرية، وأن نسبة الباحثات وعضوات هيئة التدريس داخل الجامعات الخاصة تبلغ 54%، كما تبلغ النسبة داخل المراكز والمعاهد البحثية 41% معظمها في المجالات الطبية والزراعية

ومن جانبه، أوضح الدكتور سعد نصار محافظ الفيوم الأسبق، أن الاقتصاد المصري كغيره من الاقتصاديات يعاني من العديد من الفجوات بين الانتاج والإستهلاك، والاستثمارات والايرادات، وتبذل الدولة المصرية جهودًا كبرى للتغلب على تلك الفجوات من خلال ربط نتائج البحوث التطبيقية والابتكارات التي تعالج مشكلات حقيقية وربطها بقضايا المجتمع، مشيرًا إلى أن المرأة تقوم بدور مهم في مختلف المجالات الأكاديمية والعلمية ومراكز البحوث، لافتًا إلى حرص جامعة القاهرة على تقدير دور المرأة بإعتبارها محركا رئيسا للتنمية، وقد حصلت على العديد من جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية والنيل والرواد تقديرًا لإنجازاتهم في البحث العلمي ودعم الإبتكار.

وعبرت الدكتورة جيهان صفوت مقرر اللجنة الوطنية للعلوم ووكيل كلية التكنولوجيا الحيوية بجامعة MSA، عن سعادتها لتواجدها داخل جامعة القاهرة العريقة، مشيرًة إلى أهمية موضوع المؤتمر والذي يوضح دور المرأة في مختلف المجالات وقدرتها على تولي العديد من المناصب القيادية وتحظى بدعم كبير من قبل الدولة المصرية.

مقالات مشابهة

  • محمد ثابت :النقاش لم يستغرق وقتًا طويلًا .. وتطوير الإعلام فى الأهلي
  • برج الدلو حظك اليوم السبت 22 فبراير 2025: تقبل التغيير بتفاؤل
  • الحكومة تقبل 164 طلبا للاستثمار غير المباشر بـ349.4 مليون دولار.. تفاصيل
  • جامعة القاهرة تستضيف مؤتمر دور المرأة العلمية في توطين التكنولوجيا
  • فعاليات علمية وإبداعية في ملتقى منح الثقافي
  • وهبي: أوساط محافظة في الحكومة لا تدعمني في تعديل مدونة الأسرة وحداثيو المعارضة ينتقدونني
  • التعامل مع الحروق ضمن ندوة علمية في مشفى دمشق
  • الأمن السيبراني في دائرة النقاش.. مساع برلمانية لحماية لتأمين البيانات
  • أستاذ بالأزهر لـ أئمة ألمانيا: يجب مراعاة الضوابط العلمية للخروج بفتوى سليمة
  • أمير قطر يزور إيران.. ملفات ساخنة على طاولة النقاش