لا يمكن تطبيع العلاقات مع حكومة غير طبيعية
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
كلما ازددت معرفة بتعقيد صفقة السلام والأمن التي يحاول فريق بايدن التوصل إليها بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والفلسطينيين، ازددت قناعة بأنهم في حال نجاحهم فيها سوف يفوزون بجائزة نوبل للسلام وجائزة نوبل في الفيزياء. لأن العثور على طريقة للموازنة بين مختلف المصالح لأولئك الأطراف الأربعة يجعل ميكانيكا الكم تبدو في سهولة لعب الأطفال.
لكنني لتبسيط الأمر عليك، يا عزيزي القارئ، في ضوء كثرة التعديلات التي قد تستوجبها هذه الصفقة، سوف أركز هنا على ما يصب في مصلحة أمريكا فقط وهذا ما سوف أدعمه.
هي صفقة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وإقامة علاقة أمنية أعمق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتقديم دعم ملموس لحل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين ـ ولكن إتمامها كاملة كفيل على نحو شبه مؤكد بتفكك الائتلاف الحاكم حاليا في إسرائيل، والذي يقوده يهود عنصريون ينتمون إلى أقصى اليمين لم يسبق لأمثالهم أن تولوا السلطات الأمنية الوطنية في إسرائيل.
غير أن المؤسف هو أن هذه نسخة تختلف عن التي يحاول أن يقنعنا بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو. ولذلك فإنني أود أن أوجه خطابي مباشرة إلى الرئيس بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان قائلا: لا تسمحا لنتانياهو باستغلالكما. فليس بوسعكما تطبيع العلاقات مع حكومة إسرائيلية غير طبيعية، لن تكون يوما حليفا مستقرا للولايات المتحدة أو شريكا للسعودية. وإسرائيل في الوقت الراهن ليست طبيعية.
وانظرا فقط في نقطتين: حذر أخيرا رئيس الموساد السابق تامير باردو من أن الائتلاف الإسرائيلي، الذي جمعه نتانياهو بلا شك من أجل وقايته من السجن بتهم الفساد، يضم «أحزابا عنصرية بشعة». ما مدى عنصريتها؟ قال برادو إن «شخصا جاء بعصابات كوكلوكس كلان فأدخلها في الحكومة»[وكانت هذه العصابات تضطهد الأمريكيين الأفارقة بوحشية ـ المترجم].
ثم هذه النقطة: في الأسبوع الماضي تردد أن إيلي كوهين وزير خارجية نتانياهو قد أصدر تعليمات لسفير إسرائيل في رومانيا رؤوفين عازار، والزعيم الاستيطاني الراسخ يوسي داجان بمقابلة زعيم حزب روماني يميني متطرف في بوخارست ـ وكانت إسرائيل تقاطع ذلك الحزب منذ أمد بعيد بسبب تاريخه في معاداة السامية وأقواله المنكرة للهولوكوست.
لماذا؟ يأتي ذلك ـ مثلما أوضحت صحيفة هاآرتس ـ في سياق جهود يحركها داجان «لتوثيق العلاقات بين إسرائيل وأحزاب أوروبية تنتمي إلى اليمين المتطرف لإقناعها بمساندة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية». نعم، يحاول نتانياهو وحلفاؤه تأسيس دعم دبلوماسي بديل لأمريكا ويبحثون عنه في الأحزاب المتطرفة والكارهة للأجانب في أوروبا، وهي أحزاب لا تكترث للمستوطنات.
أهذه صدمة لكما؟ لكنها مفهومة. لقد أقيمت بنية العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ خمسة وسبعين عاما على إنقاذ إسرائيل من تهديدات العرب والإيرانيين الخارجية. فمن الصعب على الدبلوماسية والجيش والمواطنين والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة أن تستوعب أن دورها الآن هو إنقاذ إسرائيل من خطر يهودي داخلي يتمثل في حكومتها نفسها.
كثير من الناس في حالة إنكار لهذا، وأبرزهم منظمة إيباك ـ الأقوى نفوذا في اللوبي الإسرائيلي ـ التي لم تزل تدعم نتانياهو في واشنطن وتتجاهل حماة الديمقراطية في إسرائيل. وقد وصفت هاآرتس أخيرا إيباك «باللوبي المناصر لنتانياهو المعادي لإسرائيل» في الكونجرس.
وخير لهم أن يفيقوا لأن أربع سنوات لهذا التحالف في السلطة ستجعلهم يودعون إسرائيل التي لن تكون مرة أخرى حليفا للولايات المتحدة جديرا بالثقة.
وهذا ما يعيدنا إلى الصفقة السعودية. لقد وضع تصور الصفقة على أن تجمع بين عنصرين. الأول هو تحديث التحالف الأمريكي السعودي بحيث توافق الولايات المتحدة بموجبه على نوع ما من معاهدة دفاع مشترك مع حصول السعوديين على برنامج نووي مدني ويتاح لهم الحصول على أحدث الأسلحة الأمريكية. في المقابل، تبقى السعودية في الفلك الأمريكي وتحجم علاقاتها العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية مع الصين.
العنصر الثاني في الصفقة هو تطبيع العلاقات بين السعوديين وإسرائيل بشرط أن تقدم إسرائيل تنازلات للفلسطينيين بحيث تبقي الحياة لأمل حل الدولتين.
سوف نتناول الجزء السعودي الأمريكي لاحقا، عندما تصبح جميع التفاصيل معروفة. لكن مثلما قلت، في ما يتعلق بالمكون (الإسرائيلي-السعودي-الفلسطيني)، ثمة متغيران محتملان، أحدهما في مصلحة أمريكا والآخر ليس في مصلحتها قطعا.
ما ليس في مصلحة أمريكا بالقطع هو أن نتانياهو سوف يحاول أن يستدرج الولايات المتحة بالكلام المعسول. فهو يحاول تحقيق ضربة رباعية ـ يقوض سلطة المحكمة العليا في إسرائيل وقدرتها على كبح حكومته المتطرفة، مع تحويل نفسه إلى بطل محلي بإبرامه اتفاقية سلام مع المملكة العربية السعودية دون أن يضطر إلى تقديم أي شيء ذي شأن للفلسطينيين، فيدفع بذلك نحو حلم تحالفه بضم الضفة الغربية ـ مع جعله المملكة العربية السعودية تدفع ثمن ذلك، وحصوله على مباركة من جو بايدن.
وتلك صفقة لا بد أن يرفضها بايدن ومحمد بن سلمان رفضا صريحا.
والصفقة التي ينبغي أن يصرا عليها يجب أن تنص على أنه في مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لا بد أن تجمد إسرائيل إقامة الاستيطان في الضفة الغربية بالمناطق المحددة لدولة فلسطينية، إن تم التوصل إليها يوما عن طريق التفاوض، وألا تشرعن أي مستوطنات إسرائيلية عشوائية غير شرعية، وأهم من ذلك كله الإصرار على أن تنقل إسرائيل أراضي من المنطقة «سي» في الضفة الغربية ـ حسبما حددتها اتفاقيات أوسلو ـ إلى منطقتي «آيه» و «بي» لتصبح تحت السيطرة الفلسطينية.
لا بد أن تعلن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أيضا أن هدف العملية الدبلوماسية هو حل الدولتين في الضفة الغربية. وهذا ما التزم به جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين وهو أيضا ما أصر عليه الملك عبد الله في حواره معي سنة 2002 إذ أعلن المبادرة السعودية التي تحولت في ما بعد إلى المبادرة العربية.
هذه المتطلبات ضرورية لأنها شروط لا يستطيع المتطرفون اليهود في حكومة نتانياهو أن يتقبلوها ولا يستطيع نتانياهو أن يتهرب منها. وهكذا، فإنها سوف ترغم حكومة نتانياهو والشعب الإسرائيلي على الاختيار: هل تريدون ضم الأرض، أم تريدون تطبيع العلاقات مع أهم بلد إسلامي والمدخل إلى البلاد الإسلامية الكبيرة مثل إندونيسيا وماليزيا؟
لو استطعنا الحصول على وضع ذلك الخيار على الطاولة، فمن المؤكد تقريبا أنه سوف يكون ضربة قاصمة للائتلاف الحاكم. وقد حذر بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية اليميني المتطرف في حكومة نتانياهو، الجميع الأسبوع الماضي قائلا «لن نقدم أي تنازلات للفلسطينيين» لنضمن صفقة تطبيع مع السعودية، قال «هذا محض خيال».
أضاف سموتريتش أنه في حين أن إسرائيل مهتمة بوساطة الولايات المتحدة في اتفاق مع السعوديين «فإنها لا علاقة لها بيهودا والسامرة» قاصدا الضفة الغربية باسمها التوراتي.
وللتذكرة فقط: منذ لجنة بيل البريطانية عام 1936، تقبل الحركة الصهيونية وإسرائيل أن إطار حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ينبغي أن يكون دولتين لشعبين، من خلال خطة التقسيم المعلنة من الأمم المتحدة سنة 1947، وقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 و338، وكامب ديفيد، وأوسلو، وأخيرا الاتفاقات الإبراهيمية سنة 2020. وكان هذا الالتزام الإسرائيلي عمادا أساسيا لتحالفها مع أمريكا.
ائتلاف نتانياهو الحالي هو الحكومة الإسرائيلية الأولى منذ ثمانية عقود التي تستهدف ـ بموجب اتفاقية تشكيل الائتلاف ـ ضم الضفة الغربية أو على حد تعبيرها «تطبيق السيادة في يهودا والسامرة» ورفض أي تقسيم.
لا يمكن أن تسمح أمريكا بحدوث ذلك. لقد غير نتانياهو بمفرده أعمدة علاقتنا ووضعنا في اختبار. ولقد حان الوقت لأن تختبر الولايات المتحدة حكومته باختيار واضح: إما الضم أو التطبيع.
ولا أتكهن بشيء في حال تفجير هذا لائتلاف نتانياهو. أهي انتخابات إسرائيلية جديدة؟ أم حكومة وحدة وطنية يعمل فيها يسار الوسط الإسرائيلي ويمينه معا على رد البلد إلى رشده؟
الشيء الوحيد الذي أتيقن منه، في الوقت الراهن، هو ما ينبغي إيقافه: فهذا الائتلاف الإسرائيلي ينبغي إيقافه. والأهم من ذلك أنه لا بد قطعا من إيقاف الصفقة الرديئة، أي التي تمكّن نتانياهو من سحق المحكمة العليا الإسرائيلية والفوز بالتطبيع مع السعودية ودفع ثمن زهيد للفلسطينيين ليتسنى للمتعصبين اليمينيين في مجلسه أن يسوقوا إسرائيل إلى هاوية.
وليست هذه بصفقة يمكن أن يرغب بايدن ـ أحد أفضل الرؤساء الأمريكيين في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ـ بجعلها بعضا من تركته، وليست بصفقة تصلح أساسا مستقرا لعلاقة استراتيجية سعودية إسرائيلية يمكن أن ينشدها الأمير محمد بن سلمان.. ارفضاها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: والمملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة فی الضفة الغربیة تطبیع العلاقات العلاقات بین فی إسرائیل
إقرأ أيضاً:
حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
قال حذيفة عبد الله الناطق باسم التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية إنه سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب