لجريدة عمان:
2024-06-27@12:32:26 GMT

مادة سردية تحكي قصصا مثيرة لحياة النبات

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

مادة سردية تحكي قصصا مثيرة لحياة النبات

طالما كنت أكتب عن الطبيعة، وأصورها كبني البشر، وأحب كثيرا أن أصنع العلاقات بين عنصر وآخر، في تصوير لحظات الانسجام والتآلف على أنها علاقات حب، كلحظة عناق قطرة المطر لحبيبات الرمل، بعد حيز طويل من الانتظار.

ولكن أن تكون حياة النبات بكل تفاصيلها المثيرة مصوغة على هيئة مادة سردية بصيغة أدبية، تأخذ القارئ في رحلة للولوج لتفاصيل حياة النباتات، هو ما يعبر عنه كتاب «ذكاء الأزهار» لـ «موريس ميترلينك»، والحاصل على نوبل للأدب، ترجمة: أحمد الزناتي، بأسلوب مميز للغاية.

عالم واسع من الجمال.. كفاح ونضال النبات للخروج من دفنه في التراب، ليغدو شيئا ينضح بالجمال وينبض بالحياة، عالم النبات الذي يمكن أن نراه عاديا، ولكنه إعجاز يتضح من خلال الولوج في تفاصيله وتأمل مراحل حياته.

يصور الكاتب المشهد البديع لمراحل نمو النبات، بصيغة أدبية وصورة سينمائية بارعة، ويسوق أمثلة كثيرة منها الأعشاب البحرية والنباتات المائية. كما يستعرض تشبيهات للعمليات الحيوية للنبات على أنها اختراعات أو ابتكارات وجدها الإنسان مؤخرا، بينما ولد النبات وترعرع عليها، وكأنه يعطي مثالا حيا لتطبيقات تذهل الإنسان فور اكتشافه لها.

من الأمثلة التي تطرق لها الكتاب «عشبة الحزامية البحرية» التي وصفها بأشد الأنواع رومانسية، «تمثل ساعة التلقيح عندها الحلقة الأكثر مأساوية في الحياة العاطفية للزهور»، ويصور مشهد خمولها وسباتها حتى لحظة التكاثر التي وصفها بالعرس، حيث تتزين بعد أن تشعلها الرغبة فتطفو على سطح الماء بكامل بهائها منتظرة الزهرة الذكر.

تصوير شاعري لتلك اللحظة التي تكون فيها رغبة الزهرة الذكر والزهرة الأنثى بالالتقاء ولكن ذلك صعب المنال، إذ لا يمكن لجذع كليهما الوصول لسطح الماء، وهو مكان الالتقاء الوحيد والموائم لعملية التلقيح.

يقول الكاتب: «يتخيل المعشوق المستحيل الذي يكاد يلمس لكنه لا يلمس»، وفي مأساوية موجعة يكون التقاء الزهر الذكر بعد أن يقطع ذاته من مصدر الحياة متحررا منطلقا لعروسه، ليلامسها مرة واحد فقط قبل الموت.

صورة بديعة لمشهد قد لا تكون تفاصيله ذات جمالية أشد من وصف الكاتب له بتلك الحرفية، ولعلّ تلك الجمالية تتضح من خلال قدرته على التشبيه بالحياة البشرية، والمقارنة بينهما، حتى يأخذ القارئ سارحا بخياله فينسى أن حديث السطور ما هو إلا حديث عن النبات، وليست قصة غرامية يعيشها بطلان بشريان.

مثال آخر وهو عشبة الحامول الكتاني، وصفها بالغرابة والخبث، حيث لا يمكن خداع هذه النباتات في اختيار طعامها الملائم لذائقتها، إذ تلفظ أي وجبة ليست على ذوقها، وتغرس ممصاتها على الفريسة المرتقبة، هذه الصورة هي الأخرى نوع آخر لما يعد قصة تجد منها الكثير من المعاني والعبر.

يتطرق الكتاب أيضا لوسائل الدفاع التي تمتلكها بعض النباتات، مثال ذلك زهرة سيلينة الإيطالية التي تكره اقتراب الحشرات الطفيلية، فيقوم النبات بتغطية الساق بشعر متشابك يفرز غراء لزجا مهمته اصطياد الطفيليات وإبعادها. ومن وسائل الدفاع أيضا الأشواك التي تظهر لدى النبات المتعرض للحرارة، يقول الكاتب: «كما لو كان النبات يعي جيدا أن هذه الأشواك الحادة هي طوق النجاة الوحيد لحمايته من الصخور الحادة أو الرمال الحارقة».. ولكن بعض هذه النباتات تألف للإنسان وتتخلص من أشواكها مع «الراعي الصالح».

يحكي الكتاب قصة تلقيح زهور الذفراء، التي تتناسق فيما بينها بأسلوب مميز، فمن نداء الأنثى للذكر، إلى لحظة الملامسة المترتبة بتسلسل رقمي معين، يبدأ بالفردي ثم الزوجي، دون أن تحدث في هذه العملية أية أخطاء.

تصوير موريس ميترلينك للنبات بصور متعددة، يجعل خيال القارئ يجمح بعيدا فيخرج من إطار كون بطل هذا الكتاب هو نبات، بل يتعداه ليتصور أنه جنس بشري، فمن كون الزهرة عروسا تارة، لكونها أميرة تقف على خشبة المسرح بجمالها اللامتناهي، تؤدي أدوارها بمختلف أجناسها النباتية، وفي كل دور لها مشاهد تؤديها بحرفية عالية، تثير اهتمام واستغراب المشاهد.

يستعرض الكاتب عددا كبيرا من الأمثلة، ويصور تلك الأنواع كـ«معرض فني حافل بشتى أنواع المعدات الميكانيكية المتطورة التي يستخدمها الإنسان هذه الأيام»، منوّها أن التطور والاختراعات البشرية التي ظهرت في عالمنا الآن، قد تمرس فيها النبات منذ مئات الألوف من السنين.

يقول ميترلينك: «ذوق الزهور في إظهار الجمال، والابتهاج وفنون الإغواء والذوق الجمالي شديد القرب من ذوقنا. أو لو توخيت الدقة لقلت إن ذوقنا حذا حذو الزهور، لا العكس»، في مقاربة واضحة بين حياة النبات والإنسان، بل هو توضيح على أن النبات متفوق على الجنس البشري.

يتطرق الفصل الثاني من الكتاب للحديث عن «عبير الأزهار» الذي وصفه الكاتب بـ«روح الأزهار» الذي يعد شيئا من المجهول، «فعبير الزهور منطقة يدوخ فيها العقل البشري»، يوضح الكتاب أن الرائحة من الأشياء التي نجهل فائدتها، كما نجهل سر انجذابنا لشمها، إلا أنها سر من أسرار الجمال التي لا يشعر بها ولا تستهوي الجميع، بل هي معتمدة على ذوق واهتمام كل بني البشر، وتبقى رائحة الزهر مجالا واسعا للمهتمين بالجانب العطري.

الكتاب بأسلوبه السردي المميز والجاذب، يتيح للقارئ تصور أنه هو جزء من حياة النبات، ويعيش تلك التفاصيل بين مثال وآخر، ليخرج منه في نهاية وهو معتق برائحة الأزهار، ونابض بذكاء الأزهار.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

فزغلياد: معارك المسيّرات تحفز الفكر العسكري الروسي الحديث

تقول صحيفة "فزغلياد" الروسية إن الجيش الروسي يكتسب خبرة قيمة في المعارك بأوكرانيا، سواء من حيث استخدام أحدث الطائرات المسيرة أو من حيث التقنيات لمواجهتها في المعارك، وإن المنافسة اليومية تعتبر مختبرا حقيقيا لصياغة انتصار روسيا، وبفضل الحرب في أوكرانيا وجدت روسيا نفسها في طليعة الفكر العسكري الحديث والتقدم العسكري التقني.

وذكر الكاتب الروسي أليكسي أنبيلوغوف مدير "مؤسسة دعم البحث العلمي وتنمية المبادرات المدنية -أوسنوفانيه" الروسية أنه مع بداية الحرب في أوكرانيا كانت صناعة المسيّرات العسكرية حول العالم تركز على إنتاج نوعين أساسيين منها، يُطلق على الفئة الأولى في التصنيف الغربي اسم "مسيّرة على ارتفاع متوسط مع مدة طيران طويلة"، وأشهر ما يمثلها هي طائرة "بيرقدار تي بي 2" التركية، والفئة الثانية هي "طائرات المنصة عالية الارتفاع" التي تمثلها المسيّرة الأميركية "آر كيو 4 غلوبال هو".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب إسرائيلي: ليست إيران هي التي تخيفني بل بلدي إسرائيلlist 2 of 2أولمرت: نتنياهو يعمل على تدمير إسرائيلend of list

وأوضح أن الفئتين تشتركان في الاستقلالية العالية ومستوى الطيران المرتفع والحمولة الكبيرة وأخيرا التكلفة العالية، وتستخدمان بشكل أساسي كطائرات استطلاع على ارتفاعات عالية وطائرات لرصد الحرائق، وعملت المسيّرات ذات الارتفاع المتوسط مع مدة طيران طويلة أيضا كمنصة هجومية تحمل صواريخ جو أرض.

اعتقاد خاطئ

وقبل 3 سنوات فقط بدا أن هذه الطائرات سوف تغزو سماء ساحة المعارك في المستقبل القريب، وكان يُعتقد أنها أثبتت فعاليتها في حرب قره باغ الثانية، ولهذا السبب قامت أوكرانيا -التي تركز على المفاهيم الغربية للاستخدام القتالي للمسيّرات- بشراء طائرات بيرقدار التركية على نطاق واسع في عام 2021 قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

لكن هذه الحرب أظهرت مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبه مبدعو المفاهيم الغربية بشأن استخدام المسيّرات، حيث اعتمدوا على مسيّرات الفئتين الأولى والثانية، في حين أظهر مسرح العمليات الاختلافات الواضحة بين الحرب الصناعية الحديثة والصراعات منخفضة الحدة التي اعتادت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف "الناتو" على مدى السنوات الـ40 الماضية.

وأورد الكاتب أن امتلاك طرفي الصراع أنظمة دفاع جوي متعدد الطبقات والاستخدام المكثف لمنظومات الدفاع الجوي المحمولة وأنظمة الحرب الإلكترونية قيّدا بشكل حاد استخدام المسيّرات من الفئتين الأولى والثانية، حيث أُخرجت المسيّرات الكبيرة من اللعبة تقريبا منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك خيبة آمال القوات المسلحة الأوكرانية فيما يتعلق بـ"بيرقدار" التركية، والاستثناءات الوحيدة والقليلة للغاية تخص طائرات الاستطلاع الإستراتيجية الأميركية المسيرة التي لم تدخل المجال الجوي الأوكراني.

أنظمة مختلفة تماما

وأوضح أن أنظمة مختلفة تماما كانت غير موجودة قبل 3 سنوات بدأت في لعب دور حاسم بميدان الحرب، حيث يمكن القول إن المسيّرات على ارتفاعات منخفضة لمدة رحلة قصيرة هزمت المقاتلات الكبيرة، وتشمل هذه المسيّرات طائرات الكاميكازي المسيرة المعروفة مثل "لانسيت" ومقاتلات "إف بي في"، وهي الطائرات التي احتلت سماء حرب أوكرانيا منذ أكثر من عام، والتي يمكن تجميعها بسهولة، سواء في المصنع أو في المستودع.

وتتراوح تكلفة طائرة مسيرة من طراز "إف بي في" بين 5 و10 آلاف دولار، وهي شائعة اليوم في ميدان المعارك وقادرة على تدمير دبابة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.

ولفت الكاتب إلى أنه ولعقود من الزمن ظل حلف شمال الأطلسي (ناتو) يستعد لنوع من العمل العسكري مغاير للحروب التي تدور اليوم، وتجاهلت الدول الغربية ثورة المسيّرات الجارية اليوم.

وبينما بدأ الجيش الأميركي اليوم في استخدام المسيّرات على ارتفاعات منخفضة لمدة رحلة قصيرة بشكل قليل نجد جانبي الصراع في الحرب الأوكرانية يستخدمان عشرات الآلاف من هذه المنتجات كل شهر.

وبحسب الكاتب، فقد حقق المصممون والمهندسون الروس إنجازا فذا باختراع وتجميع منصات قتالية فعالة تعتمد من بين أمور أخرى على عناصر وعينات مدنية، وقد تم ذلك في وقت قياسي بفضل توفر القاعدة الأساسية لإنشاء هذه المسيّرات، وهي الوحدات الإلكترونية للأجهزة والبرامج والمحركات الكهربائية والبطاريات والمكونات الأخرى في السوق العالمية اليوم رغم العقوبات.

مقالات مشابهة

  • فزغلياد: معارك المسيّرات تحفز الفكر العسكري الروسي الحديث
  • شاهد بالفيديو.. (قال أنا عاوزة أشلبو منها).. الحسناء “لوشي” تحكي قصتها مع خطيب صديقتها “السايطة” الذي اتهمها بالتحرش به بإرتداء أزياء مثيرة ورفع رجلها أمامه
  • كاتب إسرائيلي: ليست إيران هي التي تخيفني بل بلدي إسرائيل
  • المشيئة الكتابية
  • أيّ مستقبلٍ ينتظر متاجر الكتب؟
  • "مصر المحروسة" .. "الأفروسنتريك" و"الفن التشكيلي المقاوم".. في العدد الجديد
  • حسن مصطفى.. صور نادرة لحياة أبو العيال ناظر مدرسة المشاغبين (شاهد)
  • الإرشاد الزراعي: 3 مزايا لتقليم النبات داخل البيوت المحمية
  • لوبوان: إسرائيل تخسر 56% من الاستثمار الأجنبي بسبب حرب غزة
  • موضوعات منوعة بلقاء شعري نسائي في الحسكة