لجريدة عمان:
2024-12-22@14:27:00 GMT

هوامش ومتون :خفّفوا الوطء.. الشاعر نائم

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

هناك ظاهرة مؤسفة، بدأت تستفحل في حياتنا الثقافية، وتنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لا تمتّ للإنسانية بصلة، وليست من المروءة، ولا من أخلاقنا، ولا من قيمنا، فما أن يرحل شاعر، أو أديب، أو فنّان حتّى تصوّب سهام الكراهيّة نحو جثّته، فتُنتهك حرمة الميّت، التي استنبطها الإنسان من حكمة الغراب حين قضت بمواراة سوءة أخيه الإنسان، والسؤال الذي يقفز أمامي الآن هو: لماذا لم تُوجّه تلك السهام للذين ينتقدونهم في حياتهم، لإعطائهم فرصة الدفاع عن أنفسهم؟ فالطعن في الميّت ليس بطولة.

ذات يوم كلّمتني الشاعرة السوريّة لينا الطيبي هاتفيّا من لندن، أيّام رئاستها للقسم الثقافي في جريدة (الزمان)، وكانت تعدّ ملفا حول شاعر كبير توفّي ذلك اليوم، مستغربة ردود أفعال زملائه من الشعراء، والنقّاد، الذين تواصلت معهم لاستكتابهم والمشاركة في الملف التأبيني الذي تعمل عليه، فالكثيرون منهم تكلّموا بالسوء، وانتقصوا منه، في الوقت الذي كانوا يكيلون له المدائح ولا يتجرؤون على قول كلمة ينتقدونه بها في حياته، فكشفوا عن جانب مظلم من حياتنا الثقافيّة، هذا الجانب عزّزته مواقع التواصل الاجتماعي، وألقت عليه أضواء كاشفة.

وضمن هذا السياق يمكننا إدراج الكتابات الانفعالية التي نُشرتْ عقب وفاة الشاعر الكبير كريم العراقي، رحمه الله، قبل أن يبرد جسده، ويوارى في التراب، تلك الكتابات المسيئة، تنعته بالتكسّب من الشعر، وتمجيد الحكّام لهذا الغرض، وهو الذي عاش فقيرا، ومات فقيرا، وغنّى طوال حياته للإنسان، وأحلامه مسجّلا انحيازه للفقراء، والمستلبين، وبعض تلك المنشورات قلّلت من أهمّيّته كشاعر، وإنكار منجزه، حتى بلغ الأمر بأحدهم أن يطلق استفهاما استنكاريا: هل كريم العراقي شاعر؟ فإذا لم يكن كريم العراقي شاعرا، فمن الشاعر بنظر هؤلاء؟ وهو الذي شهد له القاصي والداني، وردّد كلمات أغانيه الملايين، خصوصا التي غنّاها رفيق دربه المطرب كاظم الساهر، ويكفيه فخرا أن الشاعر نزار قبّاني بعث له رسالة اختتمها بقوله «ابق مزروعا يا كريم على شفتي كاظم الساهر.. واكتب لنا دائما أحاسيسنا، وأحلامنا بأسلوبك الطفولي الجميل».

لقد رمى أصحاب هذه الكتابات عرض الحائط، عشرات الأغاني والقصائد التي ردّدها العشّاق في لياليهم الطويلة، والحالمون في نهاراتهم المشرقة، والبسطاء وهم يتوجّهون لأعمالهم، كلّ ذلك نسوه، وتوقّفوا عند أبيات بها كسورات عروضيّة، تلك الكسورات لم تقف حائلا بين النصوص، والجمهور الواسع، ولم تكسر العلاقة المتينة معه، والشاعر لا ينكر هذا، كونه يكتب على السليقة، وفي مقتبل حياته اشتهر باعتباره شاعرا يكتب بالعامية، حاله حال الشاعر مظفّر النواب، الذي كتب بالفصحى قصائد تفعيلة، بينما العراقي، حين انتقل من الكتابة بالمحكيّة العراقية، إلى العربية الفصحى، كتب القصيدة ذات الشطرين، وهذه تحتاج دربة طويلة، تبدأ منذ النشأة الأولى، وكان، رحمه الله، يسعى بكلّ ما يستطيع إلى تجاوز ذلك، وكثيرا ما يتّصل بي ليتأكّد من صحّة إيقاع، أو تفعيلة، أشكلت عليه، خلال الكتابة، ويحرص على سماع آراء الجميع، وتعديل الخلل، آخذا برأي الصغير والكبير، يروي الشاعر حاتم عباس بصيلة في منشور له، أنه عندما كان طالبا في كلية الفنون الجميلة أسند الدكتور حسين الأنصاري له تمثيل شخصيّة في مسرحيّة شعرية للعراقي، وحين راجع المتحدّث دوره في المسرحية لاحظ وجود خلل عروضي، فنقل ملاحظته لأستاذه الأنصاري الذي قال له: لابدّ من الرجوع للشاعر، فنقل الملاحظة للعراقي فقال له: «كلام الطالب صحيح» وقام بتعديل النص، ويعلّق الشاعر حاتم عباس على ذلك» تعجّبت من خلقه الكريم ومن تواضعه وأنا طالب في ريعان الروح الجامعية».

وهناك من انتقد الشاعر الراحل لأنه لم يحضر حفل افتتاح (خليجي 25)، وكيف يحضر وقد تلقى الدعوة وهو على سرير المرض، الذي نهش جسده، وتركه طريح الفراش؟ فاعتذر مثلما اعتذر عن تلبية العديد من الدعوات، والبعض تحدّث عن أغان كتبها خدمت الماكنة الإعلامية في مرحلة كان الشاعر جنديّا في معركة، وهنا لا أبرّر، ولكن أتكلّم بواقعية عن مرحلة عشت تفاصيلها، وهذا الأمر، وسواه، نتركه لحاكم عادل يفصل فيه، ويردّ على كلّ من يبخس الناس أشياءهم، وأعني بالحاكم العادل، الزمن، فهو كفيل بغربلة كلّ شيء في حياتنا «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض»، فخفّفوا الوطء، دعوا روح الشاعر تنام بسلام ترحّموا على روحه، فالشاعر كريم أصبح بين يدي ربّ كريم.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جزائرية وسعودي يتأهلان في الحلقة الثالثة من «أمير الشعراء»

تأهل الشاعر حسين علي آل عمار من المملكة العربية السعودية، والشاعرة نجوى عبيدات من الجزائر، إلى المرحلة الثانية من برنامج «أمير الشعراء» بموسمه الحادي عشر، الذي تنتجه هيئة أبوظبي للتراث، وبثت حلقته الثالثة مساء أمس «الخميس» على قناتي «أبوظبي» و«بينونة» من مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي.

وتنافس في الحلقة أربعة شعراء هم أحمد إمام من مصر، وحسين علي آل عمار من السعودية، والـمختار عبدالله صلاحي من موريتانيا، ونجوى عبيدات من الجزائر، أمام لجنة التحكيم المكونة من الدكتور علي بن تميم، والدكتور وهب رومية، والدكتور محمد حجو.

حضر الحلقة الدكتور سلطان العميمي المدير التنفيذي لقطاع الشعر والموروث بالإنابة في هيئة أبوظبي للتراث، وأعضاء اللجنة الاستشارية للبرنامج الدكتور محمد أبو الفضل بدران، والدكتور عماد خلف، والشاعر رعد بندر، والفنان السوري أسعد فضة، وجمهور من الشعراء والإعلاميين والأدباء والمثقفين ومحبي الشعر.

وأعلنت لجنة التحكيم في ختام الأمسية قرارها بتأهل الشاعر حسين علي آل عمار بحصوله على 44 درجة من 50، والشاعرة نجوى عبيدات الحاصلة على 43 درجة من 50، فيما حصل أحمد إمام على 42 درجة، والـمختار عبدالله صلاحي على 32 درجة، وسينتقل الفائز منهما بتصويت الجمهور خلال هذا الأسبوع، إلى المرحلة التالية.

وكانت نتيجة تصويت الجمهور في الحلقة الماضية أسفرت عن تأهل الشاعر جبريل آدم جبريل من تشاد بحصوله على مجموع 80 نقطة من 100، لينتقل إلى المرحلة الثانية رفقة الشاعرين عبدالرحمن الحميري من الإمارات، وعبدالسلام سعيد أبو حجر من ليبيا، المتأهلين في الحلقة الماضية بقرار لجنة التحكيم.

وكان أول شعراء الأمسية التي قدمها الإعلامي نيشان، الشاعر أحمد إمام من مصر، وقصيدته «سَفَر»، التي قال الدكتور على بن تميم إنها اتشحت في أبياتها الأولى بالالتباس والوحشة والحيرة، وامتزجت فيها النار بالنور، وهو ما قال إنه يمثل طبيعة، كما قدم قراءة في أبيات القصيدة ومعانيها، فيما وصف الدكتور محمد حجو القصيدة بأن فيها قدراً وافراً من المتعة والجمال، مشيراً إلى بعض ملامح التناص الديني فيها، لكنه قال إن ما يؤخذ على القصيدة هو جنوحها إلى التفاوت في شعرية أبياتها، فأحياناً تسمو في التعبير، وأحياناً تضعف فيها البنية الفنية.

الدكتور وهب روميّة من جهته أشاد بالقصيدة وتراكيبها اللغوية والبلاغية، ووصفها بأنها تسمو بالضرورات إلى آفاق روحية رحبة، لكنّ فيها تقشفاً بلاغياً واضحاً، وقال إنه بالرغم من هذا التقشف فهي قصيدة ممتازة ونموذج للقصيدة التي تقل فيها الصور فتنهض عناصرها التعويضية بوظيفة الصورة الغائبة.

الشاعر الثاني حسين علي آل عمار من السعودية جاءت قصيدته بعنوان «قَابَ حُلم أو أبعَد» وقال الدكتور محمد حجو إن فيها ملمحاً فلسفياً تأملياً شفافاً ينتظم بناءها الفكري، يتمثل في صراع الذات ومشقتها النفسية للعبور من براءة الطفولة إلى لوثة الحياة.

وأضاف أنه بغض النظر عن بعض التعبيرات اللغوية التي لا تناسب قوة وجمال القصيدة، فإن فيها طاقة تعبيرية جمالية متدفقة تدل على التمكن من اللغة.

من جانبه قال الدكتور وهب روميّة إن الشاعر عبّر عن موضوع القصيدة مستعيراً لغة المتصوفة وتقاليدهم ممزوجةً بمعاناة الشعراء في رحلة الكشف الشعري، فيما ناقش الدكتور علي بن تميم موضوع القصيدة وقدّم عدداً الملاحظات حول ما يعوزها ليصبح موضوعها أكثر إقناعاً وواقعية.ثالث شعراء الأمسية الـمختار عبدالله صلاحي من موريتانيا ألقى قصيدته «سَبحٌ في الحُلم» التي أشار الدكتور وهب روميّة إلي أن عنوانها يحيل إلى الحلم لكن أبياتها ما عدا بيتين تطغى عليها رؤية عقلية صارمة، كما أشار إلى أن ذات الشاعر لا تكاد تظهر في القصيدة إلا معتمدة على الآخر، وهو ما قال إنه يخالف روح العصر الحديث التي تبرز الذات الفردية.

الدكتور علي بن تميم من جانبه أشاد باستخدام الشاعر لفكرة القرين عن طريق شطر الذات إلى شطرين واقعي ومجازي، فيما تناول الدكتور محمد حجو بالتحليل عدداً من الإشارات التناصية التي حفلت بها القصيدة، مشيراً إلى أن بعضها لم يرق إلى التعبير عن القيمة الرمزية المتوخاة فبدا كأنه حشو في النص، الذي قال إنه برغم لغته المتينة والمتماسكة لم يستطع ربط القارئ بسياق العنوان الجميل والموحي.

وكانت الشاعرة نجوى عبيدات من الجزائر آخر المتنافسين في الليلة بقصيدتها «بُرنُسٌ لأوجاعِ الغُربة» التي أشاد بها الدكتور علي بن تميم وقال نحن إزاء شاعرة تحاول التعبير عن قضايا المرأة العربية وأوجاعها وأحلامها، مشيراً إلى أن ذكر «البرنس» في القصيدة جعل التجربة شخصية أكثر، مما يثير التساؤل هل نحن أمام تجربة شخصية أم عامة؟ وعاد ليؤكد وضوح البعد النسوي في القصيدة.

وقدم الدكتور محمد حجو بعض الملاحظات اللغوية لتصحيح عدد من التركيبات في القصيدة، ووقف بالتحليل على ما ورد في القصيدة من جماليات، فيما وصف الدكتور وهب روميّة القصيدة بأنها تعبر عن أحلام شاعرة وأشواقها إلى وجود أكمل وأنقى في واقع كئيب، وقدم عدداً من الملاحظات بينت جماليات القصيدة ودلالاتها.

وتحدث المشاركون في الأمسية، عن الشعراء الذين تأثرت تجاربهم الشعرية بهم وبشعرهم، فقال أحمد إمام إنه توقف كثيراً عند تجربة الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، وديوانه «مدينة بلا قلب»، الذي أكد أنه غير وجهة نظره عن الكتابة الشعرية، بينما تحدث حسين علي آل عمار عن تأثره بالدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي (1940-210م) ووصفه بأنه قامة أدبية فارعة لا يخطئها الضوء.

من جهته تحدث الـمختار عبدالله صلاحي عن الدكتور محمد ولد عبدي، ناصحاً الشباب بقراءة شعره وأن يتطرقوا للموضوعات التي تطرق إليها، فيما اختارت نجوى عبيدات الحديث عن الشاعر الشعبي ياسين أوعابد، وقالت إنه يلمس الروح والقلب من خلال قصائده التي يتغنى بها الشارع الجزائري، ويصور من خلالها هموم الإنسان البسيط.

واستضافت الحلقة المباشرة الثالثة الفنانين أحمد الزميلي ومحمد بشار اللذين قدما لوحة موسيقية تغنيا فيها بأبيات متنوعة من عيون الشعر العربي في حقبه المختلفة، كما أعربا عن سعادتهما بالمشاركة بالأداء في «أمير الشعراء» هذا الموسم، وتناولا النمط الموسيقي الذي يؤديانه وعلاقته بالأغاني التراثية العربية.

مقالات مشابهة

  • حدث وأنت نائم| تطورات في قضية الاعتداء على البلوجر سوزي الأردنية.. ضبط شخصين استخرجا عظاما آدمية من المقابر بقنا
  • تفاصيل شخصية محمد سعد في فيلم الدشاش.. أزمة تقلب حياته رأسا على عقب
  • الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقافي السوفياتي بالروسية؟
  • حاول التخلص من حياته.. أمن الدقهلية ينقذ شخصا من أعلى برج بالمنصورة
  • جزائرية وسعودي يتأهلان في الحلقة الثالثة من «أمير الشعراء»
  • حدث وأنت نائم| هوس الشهرة يقود «سائق مطروح وكوافيرة البساتين» إلى السجن.. والنيابة تنهي أزمة الفنانة هالة صدقي
  • شاب يُنهي حياته تحت عجلات المترو في مصر.. لهذا السبب!
  • عامل رخام يفقد حياته بسبب كوباية شاي في الشيخ زايد
  • وزارة الثقافة الإماراتية تكرم الفائزين في "البردة"
  • أزمة نفسية دفعته للتخلص من حياته| تفاصيل مثيرة في واقعة شاب مترو الشمس