كتاب يجب تدريسه فى مدارسنا
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
تتكرر بين الحين والحين مقولة إحياء الخلافة الإسلامية من خلال طرح خادع ترفعه جماعة الإخوان وباقى تنظيمات الإسلام السياسى، وهو أن الإسلام دين ودولة.
وأتصور أن كتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم» والصادر قبل نحو قرن من الزمن يبقى من أهم الكتب المفصلية التى تصدت لإشكالية خلط الدين بالسياسة بدلائل عقلية، وخطاب هادئ، ونقاش موضوعى عميق.
وفى رأيى، فإن ترسيخ قيم المواطنة فى بلادنا يدفعنا دفعا إلى أن نفكر بجدية فى تدريس هذا الكتاب للطلبة فى المدارس خاصة فى مرحلة التعليم الأساسى، والتى يتشكل فيها وعى الفرد. وهذا الاقتراح ليس قاصرا على مصر وحدها، وإنما يمكن تطبيقه فى باقى الدول العربية، التى عانت ومازالت تعانى من مخاطر عديدة بسبب التطرف الدينى، ومزج للسياسة بالدين.
ومثل هذا الكتاب يقطع الطريق تماما على أطروحات الجماعات الأصولية المتطرفة بمختلف درجاتها، ويمثل ردا مبسطا وقويا على فكرة الخلافة واعتبارها أصلا من أصول الدين الإسلامى.
لقد صدر هذا الكتاب عام 1925 وامتلك صاحبه الجرأة ليعلن للناس أن اعتبار الخلافة أصلا من أصول الدين الإسلامى أساء للإسلام وأساء للسياسة نفسها.
وذكر المؤلف أن الخلافة هى ابتكار دنيوى بحت، وليست فرضا إلهيا، والدليل على ذلك أن مصطلح «خليفة» لم يرد فى القرآن الكريم باعتباره حاكما، وإنما ظهر عقب وفاة النبى (ص) للإِشارة إلى خليفته أبى بكر الصديق. لكن المشكلة تولدت بعد أن اقتضت مصلحة الخلفاء أنفسهم تصوير الخلافة باعتبارها أمرا دينيا لا دنيويا لتحصين سلطانهم أمام محكوميهم، وللأسف الشديد فقد تحولت الخلافة إلى محور أساسى فى العقائد الإسلامية.
ويرى على عبدالرازق أن الإسلام برىء من هذا الشطط، والذى تسبب فى استبداد كثير من الحكام وتجبرهم وفسادهم. فالإسلام لم يحدد شكلا محددا للحكم، ومعظم ما دونه الفقهاء من أحكام وتصورات فى هذا الشأن اعتمدت على التاريخ ولم تعتمد على نصوص دينية بعينها. ومن هنا يخلص الرجل إلى أنه لا يوجد فعليا ما يمنع الناس من اتباع النظم المدنية الحديثة للديمقراطية وتداول السلطة واتباع أفضل ما توصلت له العقول البشرية من نظم تتحقق معها التنمية ويسود فى ظلها الاستقرار.
ويقول الكتاب «إنّ الحكم والقضاء ومراكز الدولة هى خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها، ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا لنرجع فيها إلى إحكام العقل، وتجارب الأمم».
ولقد أثار الكتاب غضب المتاجرين بالدين، فهاجموا صاحبه واتهموه بالضلال، ونشروا عنه الشائعات، لكنه ظل ثابتا وقويا لتثبت الأحداث فيما بعد صحة تصوراته بشأن نشر الفوضى والإرهاب تحت باب دعوات إحياء الخلافة.
لقد دفع الشيخ على عبدالرازق ثمن عقلانيته وتحضره، وتعرض للمحاكمة والفصل من العمل والتشنيع عليه، وأقل ما يجب تكريما له أن يُقرر كتابه على طلبة المدارس، لإقامة حصن مبدئى ضد أخطر الدعوات الضالة التى تطرحها كل حين الجماعات المتطرفة.
وسلامٌ على الأمة المصرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مدارسنا الإسلام السياسي جماعة الاخوان
إقرأ أيضاً:
لا بايدن ولا ترامب، وإنما المقاومة
يتفاخر الرئيس الأمريكي ترامب بأنه هو الذي أسهم في التوقيع على صفقة وقف إطلاق النار مع غزة، وأن صفقة وقف إطلاق النار تعد إنجازاً تاريخياً، وبهذا التصريح يكون الرئيس الأمريكي الحالي قد زاحم الرئيس الأمريكي السابق الذي حرص على نسب اتفاق وقف النار في غزة إليه شخصياً، وإلى المبعوثين الذين أرسلهم لإنجاز المهمة. ولكن الرئيس الأمريكي الحالي ضاعف من جرعة التدخل في الحرب على غزة حين أعلن أن وقف إطلاق النار في غزة إنجاز تاريخي، وهو بهذا التصريح يؤكد أن معركة طوفان الأقصى كانت معركة تاريخية، وأقرب إلى حرب عالمية، ولاسيما أن الكثير من الدول الأوروبية، وعلى رأسهم أمريكا، كانوا شركاء بشكل مباشر، أو غير مباشر في العدوان على أهل غزة.
ومن هذا المنطلق، يطيب للإعلام الإسرائيلي أن يركز على دور ترامب في وقف إطلاق النار، وأن ضغط ترامب هو السبب في خضوع نتانياهو لصفقة وقف إطلاق النار، التي عارضها وزراء في الحكومة، أمثال بن غفير الذي قدم استقالته هو وأعضاء حزبه اعتراضاً على صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. تركيز الإعلام الإسرائيلي على دور الرئيس الأمريكي ترامب في وقف إطلاق النار فيه تبرئة للجيش الإسرائيلي من الهزيمة، وفيه تبرئة لرئيس الوزراء نتانياهو من خطأ التقدير، وتوفر له مخرجاً مشرفاً من جلافة التعبير عن تحقيق النصر المطلق على حركة حماس، واجتثاثها من أرض غزة، وفرض حكم عسكري، أو حتى استيطاني جديد، بما في ذلك تهجير أهل غزة، وكسر إرادتهم في البقاء. وتجاهل الساسة الإسرائيليون حقيقة الميدان، وكمائن رجال المقاومة، والمواجهات التي أدمت ظهر الجيش الإسرائيلي، وهي في تقديري تمثل السبب الحقيقي الذي فرض على المستوى السياسي أن يخضع لتوصيات المستوى العسكري، الذي طالب بضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وعدم ترك الجنود الإسرائيليين كالبط في ساحة الرماية، كما وصف ذلك وزير الحرب السابق أفيجدور ليبرمان. قد يكون للإدارة الأمريكية السابقة واللاحقة مصلحة استراتيجية في وقف إطلاق النار في غزة، ولكن المصلحة الاستراتيجية الأهم كانت للكيان الصهيوني نفسه، الذي تزعزعت ثقته بجيشه، والذي كان يعتبر الجيش هو البقرة المقدسة، القادرة على توفير الحليب للأجيال، والقادر على حمايتهم من العدوان، انهيار قدرات الجيش الإسرائيلي أمام صمود غزة، وعدم قدرته على الانتصار رغم مرور أكثر من 15 شهراً من حرب الإبادة، مثل رسالة أمنية حساسة للمستوى السياسي الذي لم يجد مفراً من الموافقة على وقف إطلاق النار، وتنفيذ صفقة تبادل أسرى، لم يرغب بها نتانياهو، وهو يناقش مع بقية وزرائه ـ الذين بكى بعضهم وهو يوقع على الصفقة ـ آلية استبدال كل المستوى القيادي الأعلى للجيش الإسرائيلي. بعد كل هذه الحقائق، هل يجرؤ قائد سياسي إسرائيلي على التهديد باستئناف الحرب على غزة كما يطالب بذلك المتطرف سموتريتش؟
كاتب فلسطيني