فى هدوء انتهت جولة الأسبوع الماضى من مفاوضات سد النهضة فى القاهرة على أن تعقد جولة أخرى فى أثيوبيا خلال هذا الشهر. اللافت للنظر أن الجولة جرت دون صخب، على غير ما اعتدنا بشأن هذا النوع من الجولات التى كان يتابعها القاصى والدانى، وأشهرها هنا تلك التى جرت فى واشنطن خلال فترة حكم الرئيس ترامب. الأمر الأكثر أهمية هو أن تلك الجولة جرت فى ذروة عملية الملء الرابع والتى تعتبر الأكبر من نوعها فى سلسلة عمليات الملء، حيث تهدف إلى استيعاب نحو 19 مليار متر معكب، فيما تم خلال عمليات الملء الثلاث السابقة استيعاب نحو 17 مليار متر معكب بإجمالى 36 مليار متر مكعب.
هل لكل ذلك من دلالة؟ لا أدرى، وإذا كان من الطبيعى أن كل واحد منا سينظر لها من زاويته الخاصة، إلا أن المحصلة النهائية هى أن أخبار سد النهضة أصبحت من تلك النوعية من الأخبار التى أصابتها حالة من «الروتنة» والتى تجعل المرء فى حالة تعايش معها على نحو يشعر معه بنوع من التقبل بغض النظر عن طبيعة أو حدود تأثيرها.
ما يدعو للوقوف مع الذات رغم كل ذلك الصورة التى تعبر عنها مصر الرسمية خاصة على لسان وزير الرى هانى سويلم، والتى يؤكد من خلالها على أننا دخلنا مرحلة صعبة من الشح المائى وهو ما يقتضى جهدا مختلفا ونهجا مغايرا فى التعامل مع أزمة سد النهضة. صحيح أن ذلك الشح أمر حتمى فى ظل أزمة سد النهضة أو بعيدا عنها باعتبار زيادة حاجة مصر من المياه بسبب الزيادة السكانية، وهو ما تعجز عن توفيره مياه نهر النيل، غير أن سد النهضة بما يحجزه يفاقم الأزمة.
هذه الجملة الأخيرة المتعلقة بضرر سد النهضة بالذات تؤكد أن لا جديد تحت الشمس وأن لا ضوء فى نهاية النفق، ما يثير التساؤلات بشأن مستقبل المفاوضات فى ظل إصرار أثيوبيا على مواقفها المستمرة عليها منذ بدء المفاوضات! هل يحدث اختراق خلال جولة المباحثات المزمع عقدها بأديس أبابا؟ هل تكون فترة الـ 4 شهور التى تم التوافق عليها خلال لقاء الرئيس السيسى مع أبى أحمد رئيس وزراء أثيوبيا خلال قمة دول الجوار السودانى كافية لإنجاز ما لم تفلح السنوات الـ 12 السابقة فى تحقيقه؟
هل يمكن تلافى أى أخطار أو تأثيرات سلبية لتواصل الأعمال وعمليات الملء فى السد حتى لو وصل إلى الحجم المستهدف، وهو 74 مليار متر مكعب؟
فى ظل غياب المعلومات وفى ظل خطوات نراها ماثلة على الأرض من المؤكد أنها تعبر عن رشادة وحسن تقدير للأمور، فإن خطط الدولة للتوسع الزراعى واستصلاح ما يقرب من 4 ملايين فدان خلال سنوات، يؤكد، فى حدود الرؤية الطبيعية للأمور، أن مصر الرسمية لديها خطط لمواجهة كل الاحتمالات، وأنها لن تنتظر حتى تحدث أزمة مائية لتتحرك. صحيح أن هذه الخطط ربما تكون مكلفة بعض الشيء، وهو ما تشير إليه تصريحات وزير الزراعة السيد القصير خلال لقائه مع أحمد موسى حول ارتفاع تكلفة تنمية سيناء لتصل لنحو 750 مليار جنيه فى مشروعات مرتبطة بمعالجة مياه الصرف الزراعى فى بحر البقر والمحسمة ومشروع استصلاح وزراعة 450 ألف فدان، إلا أن ذلك يدفعنا للتشبث بالأمل بأن القادم لن يكون سيئًا تماما!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات مفاوضات سد النهضة القاهرة جولة أخرى الرئيس ترامب سد النهضة ملیار متر
إقرأ أيضاً:
أسئلة مشروعة حول التأمين الصحى الشامل
دائمًا ما كنت أسأل نفسى عن أهمية إنشاء هيئة للتأمين الصحى الشامل الجديد فى وجود منظومة أخرى للتأمين الصحى قديمة ومسئولة عن علاج حوالى ٧٠ مليون مصرى أنشأت قبل حوالى ٦٠ عامًا وتحديدًا عام 1964.
وهل إنشاء هذه الهيئة سيضيف للمواطن خدمات جديدة أم سيكون عبئا عليه؟
وإذا كانت الدولة قد أخذت على عاتقها مسؤولية علاج العاملين بالقطاع الحكومى والهيئات والمؤسسات العامة، منذ ستين عاما ثم توسعت العام الماضى فى تقديم الخدمة الطبية لفئات أخرى من الشعب المصرى بإضافة ١٥ مليون منتفع آخر ما بين فلاحين وعمال زراعة، وصيادين وأصحاب الأعمال، وسائقى التاكسى والميكروباص، وأعضاء النقابات المهنية (الفنانين والتشكيلين والممثلين) فلماذا لجأت إلى إنشاء هيئة أخرى موازية، ومن اين ستأتى بالتمويل لهذه الهيئة التى تغطى أفراد الأسرة وليس العاملين فقط بالقطاعات المختلفة؟
ومن أين ستأتى بتكلفة الخدمات التى تقدمها مستشفيات القطاع الخاص الشريك أساسى فى هذه المنظومة؟
الاجابة عن كل هذه الأسئلة جاءت من خلال الملتقى الإعلامى الذى نظمته الهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل على مدار ثلاثة أيام تحت شعار «التأمين الصحى الشامل.. تطورات وتحديات».
فقد أكد الدكتور إيهاب أبوعيش، نائب رئيس مجلس إدارة هيئة التأمين الصحى الشامل عدم وجود أى أعباء إضافية على المشتركين فى هذه المنظومة وأشار إلى أن مصادر تمويل قيمة الخدمات الطبية للمنتفعين تأتى من مصادر مختلفة منها اشتراكات المنتفعين، وتحصيل رسوم من السجائر ومشتقات التبغ، فضلا عن رسوم من مستخدمى الطرق، ورسوم مقررة على إصدار وتجديد تراخيص القيادة وترخيص تسيير المركبات، بجانب ما تسدده الدولة عن غير القادرين، وأخيرا عوائد استثمارات الهيئة.
وأضاف أبو عيش، أن المرحلة الأولى من المنظومة التى انطلقت منذ ست سنوات كانت من أجل تحقيق حلم الرعاية الصحية المتكاملة للمواطن المصرى وفقا لأعلى معايير الجودة وهى تضم الآن 6 ملايين مستفيد، وبلغ متوسط نسبة التسجيل بالمنظومة 82%، ومن المقرر تخطيها لنسبة 85%، وهى نسبة عالية مقارنة بغيرها من الدول.
وفى رسالة طمأنة أكد أبو عيش أن منظومة التأمين الصحى الشامل تقدم الخدمة مجانا لفئة غير القادرين، وقال ان عدد مقدمى الخدمة المتعاقدين مع النظام حوالى 406 مقدم خدمة، منهم أكثر من 26% من القطاع الخاص.
وان الهيئة تسعى لتحقيق التكامل بين مختلف مقدمى الخدمات من القطاعات الحكومية والخاصة والأهلية، لضمان توفير تغطية صحية شاملة ومتكاملة للمستفيدين.
مؤكدا أن التغطية الصحية الشاملة «حق أساسي» لجميع المواطنين.
أما الدكتور هانى راشد نائب رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية فقد لفت إلى أن السياحة العلاجية أحد أهم الإيرادات بالنسبة للمشروع حيث تم تقديم خدمات السياحة العلاجية لأكثر من 10 آلاف سائح خلال عامين، مضيفا أن إيرادات السياحة العلاجية بلغت مليونين ونصف المليون دولار خلال عامين.
واضاف أن هيئة التأمين الصحى الشامل نجحت على مدار ٦ سنوات هى عمر منظومة التأمين الصحى الشامل، فى إنشاء ٦ ملايين ملف إلكترونى للمنتفعين، وميكنة ١٠٠٪ من الوحدات ومراكز طب الأسرة بمحافظات التأمين الصحى الشامل الست «بورسعيد والإسماعيلية والأقصر وجنوب سيناء والسويس وأسوان»، أما لغة الارقام فقد تحدث بها خلال المؤتمر، الدكتور أحمد صيام مدير وحدة اقتصاديات الصحة بالهيئة العامة للتأمين الصحى الشامل.
واستعرض صيام دور الهيئة فى ضمان الاستدامة المالية للنظام من خلال تحصيل الإيرادات من جميع المصادر المتاحة. وأوضح أن الأداء المالى للهيئة فى النصف الأول من عام 2024/2025 شهد نموا ملحوظًا حيث ارتفعت الإيرادات التراكمية إلى 173 مليار جنيه، وارتفع الفائض التراكمى إلى 140 مليار جنيه فى 31 ديسمبر 2024. كما تحدث عن استثمار الفوائض المالية فى محفظة استثمارية بلغت قيمتها 119 مليار جنيه فى ديسمبر 2024، مما يعكس نجاح الهيئة فى تحقيق الاستدامة المالية للنظام.
إلى هنا اعتقد ان كلام المسئولين عن هذا النظام قد أجاب على كثير من الأسئلة التى تشغل الكثيرين حول التأمين الصحى الشامل.