.. وقد رحل كريم!
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
سارة البريكية
sara_albreiki@hotmail.com
رحل عن عالمنا الشاعر الكبير كريم العراقي، والذي كان كريمًا كما كان اسمه، وكان العطاء يلف كل مجريات كونه، رغم طفولته وأيام صبره والكفاح، كان يفضل الجميع على نفسه دائمًا، وهذا هو معدن جميع الشعراء الحقيقيين؛ فقط يسعون دومًا لأن يكون كل شيء في مكانه، والأمور تجري على أحسن ما يرام.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موت الشعراء إلّا أن عام 2023 خطف منَّا الشعراء كالبرق يحملهم في تابوت مغلق ويطوف بهم في أحياء المدينة المخضبة بالدموع. في "الشاكلية" كانت البداية في زوايا بغداد العريقة عاد محملاً بالقصائد العظيمة والحروف الأنيقة: "لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به الألم" هذا البيت الذي انتشر كثيرًا، و"الشمس شمسي والعراق عراقِ.. شجنا وحبا وشوقا وحزنا ودموعا".. وعندما امتزجت الكلمات العملاقة مع الصوت واللحن والفنان كاظم الساهر رفيق دربه يحدث الفارق ويحدث ذلك الخليط النابع من الوجدان ويحدث أن نحس بما قاله الشاعر الكبير بصوت كاظم "علامة فارقة لا تتكرر ولن تتكرر بتاتًا".
"دقيت باب الجار".. "يا مستبدة".. أغنية سعدون جابر عندما تغنى بالأم.. إنه كنز وإرث كبير سطرته أنامل كريم بأحرف من نور.. كان يحمل اللهجة البيضاء، كان مقبولًا في الأرض، وفي السماء كان يعبر الأفق ويطوف الوجدان ويمر بين شرفات القصيد.. "جنة جنة" التي أصبحت أغنية شعبية، والكل ينسبها إلى نفسه، كان كريم كريمًا حتى وهو يتحدث عن الجنة.. ألا وهي الوطن.
كان دائمًا عفيفًا ولا يطلب حاجاته إلا من رب العباد، لذا كان مدرسة في الأخلاق الحسنة ورجلًا كريمًا وشاعرًا كريمًا وكاتبًا كريمًا، وضع بصمته الخاصة وتوقيعه الجميل على قلوبنا كان حقًا كريمًا في كل شيء.
نحن عندما نسمع اسم الشاعر كريم العراقي مثلما نسمع أسماء الشعراء نزار قباني وامرؤ القيس وأبو القاسم الشابي وعنترة بن شداد والشعراء العمالقة العالقين؛ فالوجود الشعري والذي لا ينتهي أبدًا دائمًا ما يكون الشاعر الحقيقي مختلفًا فيه عن البقية وله هيبة مختلفة لا تتكرر في بشر آخر..
"أنا ابن جلجامش".. ما كتبه كريم وهو على فراش المرض سيرى النور كما كانت كل كتاباته ظاهرة للعيان؛ لأنه عندما يموت الشعراء فإنهم لا يغيبون عن الساحة؛ فقصائدهم ومدوناتهم تبقى حاضرة. الشاعر كائن حساس يعبر عمَّا يجول في وجدانه وأحاسيسه بالكلمات التي تبقى عالقة في الأذهان في الكتب في الجدران في الأغاني وفي الممرات وفي الشوارع وفي المكاتب وفي قلوب الأحبة.
يرحل الشعراء ليصعدوا إلى السماء محملين بقصائدهم التي سطروها ذات جرح وذات ألم وذات فرح.. هكذا يعبرون عن ما يجول في خواطرهم وأحاسيسهم ليسوا كباقي البشر فالكتمان لدى الشاعر يخرج في الورق أو النوتات أو ملاحظات الهاتف أو قصاصات الشجر في أي مكان وزمان.. يكتب فتصعد حروفه الى أقصى مساحات القلب لأنها صادقة؛ فالصدق مطلوب أيضًا لتصل القصيدة إلى الآخرين وتطبع فليس كل قصيدة قصيدة وليس كل شعر شعرًا.
عانى كريم العراقي من مرض السرطان وكان سبب رحيله من هذه الحياة؛ فقد تلقى جرعات عديدة من العلاج الكيماوي وأجرى عدة عمليات جراحية، وربما كل ذلك الألم كان يصنع من كريم مثالًا يحتذى به في الصبر والقوة والصلابة رغم قساوة الوجع ومقداره.
الشاعر كريم العراقي لا يُختصر بمقال ولا تصفه أبيات؛ فهو مدرسة من مدارس الصبر والكفاح. رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عودة الي جواز سفر السفير الشاعر محمدالمكي إبراهيم
بقلم صلاح الباشا. القاهرة
ذكرنا في المقال السابق قصة هذا الجواز ونشرنا هنا ما كتبناه بصحيفة الخرطوم عن رفض تجديد الجواز الدبلوماسي لدي القنصلية في واشنطن في ذلك الزمان البعيد.
وبما أن ذلك المقال قد أحدث ضجة في الاوساط الرسمية بالخرطوم فقد تصدي للأمر سعادة السفير الاديب جمال محمد إبراهيم وقد كان يشغل وقتها مدير الإدارة القنصلية بالخارجية.. فأرسل توجيهاته للقنصل في واشنطن بضرورة تجديد جواز السفير محمد المكي كحق قانوني لايمكن تجاوزه.
وفعلا تم تجديد الجواز وقد قام السفير جمال بإرسال مقال صغير لصحيفة الخرطوم بهذا الشأن .
ثم قام السفير الشاعر محمد المكي إبراهيم بإرسال مقال لنا بالايميل لكي نرسله لصحيفة الخرطوم وقد نفذنا طلبه وتم النشر.. وقد كتب فيه عن قضايا وذكريات عديدة لا علاقة لها بالسياسة.
ولكنه والحق يقال فقد تعرض لقصة نجاح تجديد جواز سفره ناسبا الأمر لنا بسبب مقالنا الذي اعدنا نشره بالأمس.
وأذكر انه كتب عبارة فيها إطراء كبير لشخصنا حيث قال في جزء منه: إن ماقام به الاستاذ صلاح الباشا من عمل تجاه السلطة الحاكمة لم تستطع كل الحركات المسلحة بكامل اسلحتها من تغيير رأي السلطة في قضية.
وأذكر أن الاخ والصديق والدفعة السفير خضر هارون بسفارتنا في واشنطن قد ارسل لي مؤكدا تجديد القنصلية لجواز سفر محمد المكي .. وقد ذكر لي في رسالته بالايميل أن الاخ السفير دكتور حسن عابدين سفير السودان وقتذاك في لندن قد أرسل له قائلا بأن صلاح الباشا في مقاله الذي نشرته الصحف الالتكرونية يقصد جهات اخري ولا يقصد السفارة في واشنطن.
والجهات الأخري هي معروفة طبعا والتي كانت تضع القوائم السوداء للقنصليات بالخارج.
واخيرا ... نسأل الله تعالي بأن لاتتكرر مثل تلك الممارسات التي كانت سائدة في ذلك الزمان حتي لا تضيع حقوق الناس بالخارج بشأن اي معاملات تخصهم في القنصليات بسبب الاختلاف السياسي.
وفعلا كانت هناك معاناة يواجهها المعارضون بالخارج لنظام الإنقاذ خلال السنوات السابقة لاتفاقيات السلام سواء في نايفاشا او مع التجمع الوطني بالقاهرة في العام ٢٠٠٥م.
ورحم الله شاعرنا الراحل السفير محمد المكي إبراهيم.
***
صلاح الباشا. القاهرة
abulbasha009@gmail.com