جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@08:54:41 GMT

.. وقد رحل كريم!

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

.. وقد رحل كريم!

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

رحل عن عالمنا الشاعر الكبير كريم العراقي، والذي كان كريمًا كما كان اسمه، وكان العطاء يلف كل مجريات كونه، رغم طفولته وأيام صبره والكفاح، كان يفضل الجميع على نفسه دائمًا، وهذا هو معدن جميع الشعراء الحقيقيين؛ فقط يسعون دومًا لأن يكون كل شيء في مكانه، والأمور تجري على أحسن ما يرام.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن موت الشعراء إلّا أن عام 2023 خطف منَّا الشعراء كالبرق يحملهم في تابوت مغلق ويطوف بهم في أحياء المدينة المخضبة بالدموع. في "الشاكلية" كانت البداية في زوايا بغداد العريقة عاد محملاً بالقصائد العظيمة والحروف الأنيقة: "لا تشك للناس جرحا أنت صاحبه لا يؤلم الجرح إلا من به الألم" هذا البيت الذي انتشر كثيرًا، و"الشمس شمسي والعراق عراقِ.. شجنا وحبا وشوقا وحزنا ودموعا".. وعندما امتزجت الكلمات العملاقة مع الصوت واللحن والفنان كاظم الساهر رفيق دربه يحدث الفارق ويحدث ذلك الخليط النابع من الوجدان ويحدث أن نحس بما قاله الشاعر الكبير بصوت كاظم "علامة فارقة لا تتكرر ولن تتكرر بتاتًا".

"دقيت باب الجار".. "يا مستبدة".. أغنية سعدون جابر عندما تغنى بالأم.. إنه كنز وإرث كبير سطرته أنامل كريم بأحرف من نور.. كان يحمل اللهجة البيضاء، كان مقبولًا في الأرض، وفي السماء كان يعبر الأفق ويطوف الوجدان ويمر بين شرفات القصيد.. "جنة جنة" التي أصبحت أغنية شعبية، والكل ينسبها إلى نفسه، كان كريم كريمًا حتى وهو يتحدث عن الجنة.. ألا وهي الوطن.

كان دائمًا عفيفًا ولا يطلب حاجاته إلا من رب العباد، لذا كان مدرسة في الأخلاق الحسنة ورجلًا كريمًا وشاعرًا كريمًا وكاتبًا كريمًا، وضع بصمته الخاصة وتوقيعه الجميل على قلوبنا كان حقًا كريمًا في كل شيء.

نحن عندما نسمع اسم الشاعر كريم العراقي مثلما نسمع أسماء الشعراء نزار قباني وامرؤ القيس وأبو القاسم الشابي وعنترة بن شداد والشعراء العمالقة العالقين؛ فالوجود الشعري والذي لا ينتهي أبدًا دائمًا ما يكون الشاعر الحقيقي مختلفًا فيه عن البقية وله هيبة مختلفة لا تتكرر في بشر آخر..

"أنا ابن جلجامش".. ما كتبه كريم وهو على فراش المرض سيرى النور كما كانت كل كتاباته ظاهرة للعيان؛ لأنه عندما يموت الشعراء فإنهم لا يغيبون عن الساحة؛ فقصائدهم ومدوناتهم تبقى حاضرة. الشاعر كائن حساس يعبر عمَّا يجول في وجدانه وأحاسيسه بالكلمات التي تبقى عالقة في الأذهان في الكتب في الجدران في الأغاني وفي الممرات وفي الشوارع وفي المكاتب وفي قلوب الأحبة.

يرحل الشعراء ليصعدوا إلى السماء محملين بقصائدهم التي سطروها ذات جرح وذات ألم وذات فرح.. هكذا يعبرون عن ما يجول في خواطرهم وأحاسيسهم ليسوا كباقي البشر فالكتمان لدى الشاعر يخرج في الورق أو النوتات أو ملاحظات الهاتف أو قصاصات الشجر في أي مكان وزمان.. يكتب فتصعد حروفه الى أقصى مساحات القلب لأنها صادقة؛ فالصدق مطلوب أيضًا لتصل القصيدة إلى الآخرين وتطبع فليس كل قصيدة قصيدة وليس كل شعر شعرًا.

عانى كريم العراقي من مرض السرطان وكان سبب رحيله من هذه الحياة؛ فقد تلقى جرعات عديدة من العلاج الكيماوي وأجرى عدة عمليات جراحية، وربما كل ذلك الألم كان يصنع من كريم مثالًا يحتذى به في الصبر والقوة والصلابة رغم قساوة الوجع ومقداره.

الشاعر كريم العراقي لا يُختصر بمقال ولا تصفه أبيات؛ فهو مدرسة من مدارس الصبر والكفاح. رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان وألهمنا جميعا الصبر والسلوان.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رمضان كريم

أقبل الشهر الكريم وأقبلت معه البهجة والروحانيات التي ينتظرها الناس كل عام حتى تهدأ نفوسهم قليلاً من تعب الحياة، فرصة عظيمة لالتقاط الأنفاس والعودة إلى الحياة الهادئة بعيدًا عن صخب مواقع التواصل وضجيج الترندات الفارغة التى لا جدوى منها، فرصة أيضاً للم شمل العائلات والبيت المصرى الذى كاد أن يتشتت بفعل سرعة الأيام وتغيراتها، ففى رمضان يتذكر الناس كثيرًا مما فاتهم حتى نكاد نقول (يا ليت العام كله رمضان).

شهر فضيل نرجو أن يمر وقد اغتنمناه بعيدًا عن الجدل المقيت والتلاسن ومتابعة تلك الدراما التي لا تعبر عن واقع مجتمعنا المصرى الأصيل، وهذه البرامج الساخرة التى لا تقدم سوى التنمر والسخرية من الناس وكأنما هذا فن أو إبداع، لن يكون التدني والهبوط الأخلاقي إبداعًا أبدًا مهما اجتهد هؤلاء.

شهر فضيل يجود فيه الناس بما يقدرون من أجل إدخال البهجة على قلوب البسطاء والمحتاجين، فلنُشمر عن سواعدنا ونتحسس أحوال أقاربنا وجيراننا ومن نعرفهم أولا، فربما يكونون ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. ابحثوا عن هؤلاء وامنحوهم فى السر ما يمكنهم من آداء واجبات الشهر تجاه الأبناء ومن يعولون. لا تبخلوا على الناس فى تلك الأيام قدر استطاعتكم حتى لا يُقال ذهب البر من أرض مصر الطيبة.

شهر فضيل تُصفّد فيه الشياطين فلعلنا نكبح فيه جماح الغضب والقلق والتفكير الزائد فى المستقبل ونترك أقدارنا بيد الله واثقين فيه مؤمنين بالقضاء والقدر وأننا مازلنا أفضل حالا من غيرنا وإن هذا البلد الأمين الطيب ما زال بخير ما دام فيه رجال يجيدون التفكير والتدبر فى أحوال الناس بعيدًا عن الشائعات والافتراءات التى كادت تعصف بأمم حولنا وبنا نحن أيضًا لولا أننا شعب عريق راسخ تضرب جذوره فى أعماق الأرض منذ فجر التاريخ.

كل عام وأنتم إلى الله أقرب، وليرزقنا الله فضل صيام وقيام هذا الشهر المبارك، وليظلل على بلادنا بالأمن والأمان ونعمة الاستقرار وتماسك الناس فلسنا فى مكانٍ بعيد عن اتجاه الريح، اللهُم ارزقنا بركة رمضان، اللهُم مصر وأهلها الطيبين يا كريم.

مقالات مشابهة

  • الرجل السوداني البطل… والمرأة التي تدفع الثمن!
  • في ذكرى الشاعر خليل فرح
  • «العازي».. فنٌ أصيل يرمز للشجاعة والإقدام
  • من العصر القديم إلى الحديث.. رمضان في الشعر العربي.. تجليات روحية وصور أدبية
  • إمارة الشعر.. إلى أين ؟ وكيف ؟
  • رمضان كريم
  • تطورات حالة عمرو مصطفى الصحية بعد إصابته بالسرطان
  • صورة.. كواليس صناعة تتر “رامز إيلون ماسك” بتوقيع محمد البوغه
  • نجم الشعرى
  • الشاعر المغربي صلاح بوسريف: النقد العربي بحاجة لمراجعات في المفاهيم والتصورات والمناهج