سودانايل:
2024-09-18@12:42:21 GMT

على تُخُوم رماد دارفور

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

كتب الروائي السوداني المعروف منصور الصويِّم في بداية الألفية الثالثة رواية «تخوم الرماد» تدور أحداثها في إقليم دارفور، تصور حياة جنرال غارق في تدبير المؤامرات وسط مجموعات قبلية ونخب سياسية فاسدة بأن يأمر جنرال جنوده بحرق قرية (أم عضام) وتحويلها إلى رماد. وبعد سنوات اندلعت حرب الإبادة الجماعية في دارفور، كما وصفتها الأمم المتحدة، وأوصلت مرتكبيها الى محكمة الجنايات الدولية.

وقد استبقت الرواية مآلات الإقليم المنكوب، وترجمت الى الإنكليزية ووجدت أصداء نقدية لافتة، أمكن معها قراءة تطور الصراع في ذلك الإقليم النائي.
وما بين رؤية الرواية وهي ترسم واقعاً تنبثق عنه صور الحرب والدمار، وما يجري اليوم من حرب فعلية ظلت متصلة على مدى عقدين ويزيد، مستخدمة الوسائل والممارسات العسكرية كافة، أدت إلى انتهاك لحقوق الإنسان بصورة أكثر بشاعة من قبل كل الأطراف. وتحولت بالتالي المدن وما جاورها من قرى بفعل المعارك وأساليبها المستخدمة إلى رماد، نتج عن حريق شامل قضى على قرى ومدن الإقليم كافة.

وشهدت مدينة نيالا عاصمة جنوب الإقليم خلال الأسابيع المنصرمة معارك طاحنة بين الجيش المتحصن بقاعدته العسكرية الفرقة السادسة عشرة، وقوات الدعم السريع، من دون أن يتمكن الدعم السريع من إحراز تقدم عسكري بارز، على الرغم من سيطرته على الجزء الشرقي وأجزاء واسعة من المدينة، إلا أن تراجيديا الأحداث توالت في اليوم التالي باغتياله قائد الفرقة على يد قواته! وتكشف هذه الوقائع عن مدى آخر اتخذته الحرب الجارية طوال الأشهر الخمس الماضية؛ وهي أن تمددها لم تحصره الجغرافيا، التي من الضرورة أن تنقل معها مكونات العناصر المتقاتلة التي تجر بأعمالها لتحويل الحرب إلى حرب إثنية ذات طبيعة جهوية، تعصف بما تبقى من وحدة متصدعة في أهم مؤسسات الدولة الأمنية، كالجيش بعد أن انهارت بقية المؤسسات الأخرى على المستوى الإقليمي والاتحادي. استدعى هذا الموقف المتأزم في مدن الإقليم أن تصدر وزارة الخارجية الأمريكية في الخامس والعشرين من شهر أغسطس/آب بيانا تستنكر فيه ما يجري، وتطالب بفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين خاصة في مدينة نيالا، كما أشار البيان، وأن يخضع مرتكبو الجرائم للمساءلة القانونية عن الجرائم المرتبكة من قبل الطرفين بحق المدنيين، وغيرها من إدانات درجت عليها الإدارة الأمريكية منذ تفجر الأزمة، من دون أن يكون لهذه الإدانات وما شابهها من بيانات، أي فعالية على واقع الأحداث. وقد سبق بيان الإدانة الأمريكية قلق ومخاوف أبدتها الأمم المتحدة بشأن وضعية الأحداث في الإقليم، على مستوى أمينها العام أنطونيو غوتيريش، الذي حذر من تفاقم الانتهاكات على أساس جهوي قد يرقى الى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. ويعد إقليم دارفور في غربي السودان المكون الأبرز في الصراع الدائر، بما تمثله عناصر طرفي الصراع المنتمية إليه من ثقل بشري. فقوات الدعم السريع التي ينتمي افرادها إلى قبائل محددة في ذلك الإقليم، وبالمثل قوات الجيش السوداني في تشكيلاته المقاتلة في قوات المشاة من الجنود بالإضافة إلى عديد الحركات المسلحة. وهذه الكثافة العسكرية في ظل شعارات قاتلت وتقاتل تحت راياتها الحركات المسلحة كافة، وقد قامت قوات الدعم السريع بتضمين هذه الشعارات في خطابها مؤخراً بتبني تلك الشعارات من تهميش وإقصاء مارسته نخب المجموعات الحاكمة منذ الاستقلال، أو ما درج على وصفه بدولة 56، يضع الأزمة السودانية أمام واقع يصعب الحوار معها لعدة أسباب. ولعل أهمها ردة الفعل من قبل جماعات المركز التي تتصدرها خطابات الكراهية، بأن الإقليم بات مصدراُ لمتاعب جمة، وإن كانت هذه المتاعب من صنع الدولة المركزية نفسها. وتكمن خطورة مثل هذه التصورات في تداعياتها الاجتماعية زادت عليها الحرب الدائرة بنتائجها الكارثية على الصعيد الإنساني، ويلاحظ خلو هذه المكونات العسكرية من أي صبغة مدنية حزبية، مع وجودها تحت مظلة أحزاب سياسية تقليدية في دوائر انتخابية مغلقة أثناء فترات الديمقراطية القصيرة في حكم السودان، التي لم تر فيها الحركات الاحتجاجية أكثر من هيمنة أخرى توظفها الدولة المركزية في صراعها على السلطة. فالموقع الجيوبولتيكي للإقليم وجواره لعدد من الدول باتجاه الحدود الغربية للبلاد ومساحته وتنوع مكوناته القبلية المتداخلة والمتصارعة كلها جعلت منه بؤرة متوترة وعرضة للتأثر بما يجري في دول الجوار وغالبها دول في محيط ملتهب على الدوام. يدخل الإقليم بهذه المكونات الملتهبة في معادلة الأزمة السودانية وتكاد تكون أزمته هي دارفور.
ومن جانب آخر يذهب محللون إلى أن ما يجري ربما كان حصادا لسنوات من زراعة العنف واستغلاله من طرف الحكومة المركزية، وبالتالي نتجت أزمة مركبة تداخل فيها الإقليمي والجهوي والتاريخي، زاد منه الانحياز العنصري الذي مارسته الدولة المركزية بين المكونات القبلية. فالحرب الحالية أيا تكن نتائجها الختامية فسيكون لها أثر بليغ على الوضع في دارفور حرباً وسلما، وإن يكن الراجح أن علاقتها بالمركز لن تكون على ما كانت عليها قبل الحرب، خاصة على المستوى الاجتماعي، وهو الجانب الأكثر تأثيراً في مجريات الأحداث والأقوى في الواقع السياسي السوداني، حيث قوة المجتمع بطبيعة تكوينه أكبر من سطوة الدولة ومؤسساتها. فتأثير الحرب في دارفور بالنسبة لعدد ضحاياها، وما طال مدنها من دمار، وتجدد صراعاتها على التصنيف الجهوي، والنزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار في أوضاع إنسانية رثة؛ تبقى الخشية أن يتحول الغضب الذي سبب تداعيات الحرب في الخرطوم إلى انتقام اجتماعي عنيف ضد مكونات دارفور الاجتماعية، في بلد تتباين فيه الانتماءات العرقية، وقد حدث إثر أحداث ومواجهات كثيرة في تاريخ البلاد السياسي أن دفع ثمنها مواطنو هذه المناطق المهمشة لا لشيء سوى انتمائهم لإقليم دارفور.
إن هوية دارفور كما تتجلى في الإنسان والمكان ستكون خاضعة لعدة تفسيرات في ظل الحرب المستعرة، ما سيزيد من تعقيدات مستقبل الإقليم ووضعيته في ظل سودان موحد، أيا تكن الصورة التي ستشكلها حرب البلاد الجارية وتضاؤل الأمل في سلام منظور. وعلى ما يبدو فإن الأزمة السودانية آخذة في التأرجح الحرج، بين خطاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الذي خرج أخيراً للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب بتصميمه على مواصلة الحرب حتى هزيمة التمرد، كما صرح، ورؤية قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو في تأسيس دولة سودانية جديدة على أسس جديدة على النظام الفيدرالي الديمقراطي، كما لو أن مستقبل البلاد أصبح رهيناً لإرادة الجنرالين. فالجديد في الواقع الدارفوري لم يختلف كثيراً عما عرف به الإقليم من مآسٍ لا تكاد تنتهي لتبدأ من جديد، مسرح من التراجيديا المستمرة يصورها الأدب كما في رواية (تخوم الرماد) منصور الصويم وتشكلها بعنف بندقية القتال.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية# عدد اليوم 06/09/2023م الأربعاء.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع ما یجری

إقرأ أيضاً:

أول نقطة كمركية بعد الصفرة بين الإقليم والاتحاد في ديالى

بغداد اليوم- ديالى

أكد عضو مجلس ديالى أوس إبراهيم المهداوي، اليوم الاثنين (16 أيلول 2024)، أن بغداد وافقت رسميًا على الشروع في إنشاء نقطة جمركية في باوه محمود قرب قضاء خانقين، بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، بهدف استحصال التعرفة الجمركية وفق المسارات المعتمدة رسميًا.

وقال المهداوي في حديث لـ "بغداد اليوم"، إن "تحويل هذه المنطقة إلى نقطة جمركية أدى إلى زخم مروري حاد وتأخير في دخول المسافرين والشاحنات لساعات".

 وأضاف "نحاول الآن قدر الإمكان فك الاختناقات من خلال إنشاء مسارين للدخول وتوفير الخدمات الأساسية والسقائف، لكننا نحتاج إلى دعم من ديالى وبغداد لتسريع توفير الأدوات اللازمة ليكون العمل في جمرك باوه محمود مرنًا وبالاتجاه الصحيح".

وأكد المهداوي أن "إنشاء جمرك باوه محمود هو قرار اتحادي من بغداد وليس من ديالى، ويأتي ضمن رؤية لزيادة الإيرادات غير النفطية لخزينة البلاد". 

وأشار إلى أن نسبة من هذه الإيرادات ستذهب لخزينة ديالى لتمويل المشاريع الخدمية، مع الحرص حاليًا على إنهاء ملف الزخم المروري الحاد.

وتعتبر هذه النقطة هي الثانية بعد سيطرة "الصفرة" في صلاح الدين، والتي كانت من اهم المنافذ التي تنظم عملية دخول البضائع من إقليم كردستان الى العاصمة، حيث تمر من خلالها نحو 9500 سيارة حمل يومياً (وفقا لاحصائيات رسمية)، بواردات تقدر بنحو 200 مليون دينار يومياً، والتي تمت ازالتها قبل سنوات.


مقالات مشابهة

  • وزير المالية فشل في الرد علي الأسئلة التي كانت تندفع نحوه كالسيل جعلته في حالة توهان وغياب تام عن المشهد الدراماتيكي !!..
  • السودان يحترق والقوى الأجنبية تستفيد.. ما المكاسب التي تجنيها الإمارات من الأزمة؟
  • دعاء زهران: القضية السكانية واحدة من أهم التحديات التنموية التي تواجه الدولة المصرية
  • امتحانات الشهادة السودانية ستنعقد (قريبا جدا)
  • حمور زيادة: إذا وقعت مدينة الفاشر تحت سيطرة قوات الدعم السريع هذا يعني السيطرة على الإقليم كله
  • تقرير تقصي الحقائق عن جرائم الحرب في السودان
  • الحكيم يلتقي السفير الروسي ويؤكد أهمية دور العراق في المنطقة
  • أول نقطة كمركية بعد الصفرة بين الإقليم والاتحاد في ديالى
  • الديهي: 80% من دخل الدولة ضرائب
  • عاجل | أبو عبيدة: نبارك العملية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية واستهدفت موقعا عسكريا قرب تل أبيب