لا إعاقة مع الإرادة والإيمان
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
حمد الحضرمي **
وضعت النهضة العمانية في عهديها المبارك والمتجدد هدفًا ساميًا تجلّى في الاهتمام بالإنسان العماني، وتعزيز مكانته وإبراز طاقاته، وجعله مشاركًا فعالًا في البناء والتنمية، وقد شمل هذا الاهتمام الإنسان العماني السليم وذي الإعاقة؛ حيث وفرت الحكومة للأشخاص ذوي الإعاقة الخدمات والبرامج لرعايتهم وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع، إلّا أن الجهود المبذولة على الصعيد الوطني ما زالت دون مستوى الطموحات، ويتطلب الأمر صياغة تشريعات وقوانين وبلورة خطط وإعداد برامج وطنية خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، فضلًا عن تكثيف المتابعة الحكومية لجهود تنفيذ الخطط والبرامج؛ بالتنسيق والتعاون مع الجمعيات المعنية والمختصة بهذا الشأن.
وهذه الجمعيات تسهم بدور بالغ الأهمية في مجال رعاية المعاقين من الناحية النفسية والطبية والاجتماعية والقانونية، وتقديم خدمات وقائية وعلاجية وتأهيلية لهم، وإجراءات الفحوصات المخبرية وإعطائهم التحصينات اللازمة والكشف المبكر عن الأمراض المصابين بها.
البعض منَّا تنتابه حالة من الشفقة والحزن عند مشاهدة ذوي الإعاقة، ولكن الكثيرين منا لا يعلمون أن معظم آباء وأمهات هذه الفئة يرون فيهم الخير الكثير والتفاؤل والأمل والإيمان بالقدر المكتوب من الله تعالى، وإننا جميعًا مقصرون في حق هؤلاء الأبطال أصحاب الهمم، ومع ذلك فمن شدة أدبهم وأخلاقهم لا يعاتبونا على هذا التقصير، والحقيقة أن لا سبيل للسعادة إلا من خلالهم، ولا طريق للراحة إلا بدخول عالمهم، فالراحمون يرحمهم الله، وإن رحمنا الله ستتغير أحوالنا، وستتبدل أوضاعنا، ولن يتحقق ذلك، إلّا بتقديم الرعاية والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير كل احتياجاتهم ودمجهم في المجتمع، حتى تعود إلينا البركة في كل شيء، كما يتوجب علينا الأخذ بأيديهم، والمضي معهم إلى المستقبل المشرق، وعلينا أن نساندهم وندعمهم ونقف على تلبية متطلباتهم ليعيشوا عيشة كريمة، ويكونوا عناصر فعَّالة يساهمون في بناء المجتمع وتطوره، لأن لدى هذه الفئة همم عالية قوية، وقلوب صافية محبة، رغم شدة الألم وصعوبة المُعاناة، تجدهم دائمًا مبتسمين في وجوهنا، وينظرون إلينا بود وحب، ونحن ننظر إليهم بشفقة وأحيانًا للأسف الشديد بازدراء، فنحن المعاقين وليس هم!
الإعاقة إصابةٌ بدنيةٌ أو عقلية أو نفسية، تسبب ضررًا لنمو الفرد البدني أو العقلي أو كلاهما، وقد تؤثر في حالته النفسية وفي تطور تعليمه وتدريبه، وبذلك يصبح الفرد أو الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنه أقل من رفقائه أو أقرانه من نفس العمر في الوظائف البدنية أو الإدراك، والإعاقة أنواع منها: الإعاقة العقلية، والإعاقة العقلية النفسية، والإعاقة الحركية، والإعاقة الحسية، ومن الإعاقات الحسية: الإعاقة البصرية، والإعاقة السمعية، واضطرابات الكلام واللغة.
وإنَّني في هذا المقام أرفع لمن يعنيه الأمر صرخة المكفوفين الذين يطالبون بقواعد واضحة للتعاملات البنكية؛ حيث إنهم يعانون في إتمام معاملاتهم البنكية؛ إذ تطلب منهم البنوك إحضار شهود لإتمام تعاملاتهم البنكية، وهنا تعتبرهم البنوك في حكم "فاقدي الأهلية"؛ وإنني أناشد المختصين وأصحاب القرار، منح المكفوفين حقوقهم كاملة في تعاملاتهم البنكية؛ لأنهم ليسوا فاقدين للأهلية، وعلى جميع البنوك توفير ماكينات الصرف الآلي لذوي الاحتياجات الخاصة وللمكفوفين.
إنَّ الإعاقة الحقيقية إنما تكمن في العقل حينما يتملكه الجهل، وفي الروح حينما يتملكها اليأس، وفي القلب حينما يفقد الإيمان، وتكون القوة في القدرة على كسر القيود وتحطيم العوائق. والنجاح ليست كلمة تقال باللسان، ولا رؤيا ترى في المنام، ولا سلعة تباع في الاسواق، ولا يمكن أن نحصل على النجاح بالراحة، وإنما هو همة وتحليق يعانق عنان السماء، وليس للنجاح خط نهاية، فهو مرتبط بالطموح الذي لا حدود له؛ فالإنسان المتألق- السليم أو المعاق- كلما وصل إلى نجاح واستطاع أن يحقق هدفًا من أهدافه تراءت له أهداف أخرى، فيطمح في نيلها وتحقيقها والوصول إليها. إن النجاح قضية مفصلية في حياة الأمم والشعوب؛ فالكل منا الأصحاء وذوي الإعاقة ترنو نفسه إلى المجد والقيادة وتطمح إلى العزة والكرامة، فلا تنمية بدون نجاح شامل في كل مرافق الحياة؛ فإبداع المرء ونجاحه يمثل في النهاية تفوقًا وتميزًا لمجتمعه الذي ينتسب إليه وللحضارة التي يتطلع لبنائها.
إنَّ الطموح لا يعرف مستحيلًا، وإن التطلع الجاد لا يعرف صعبًا، وإن الإرادة القوية والهمة العالية كالأنهار لا توقفها الصخور، إن الطموح بدون إرادة، يصبح مجرد أحلام وخواطر؛ فالإرادة القوية هي سر النجاح، وسر تقدم الأفراد والمجتمعات وبناء الحضارات. وكل إنسان يملك أحلامًا وأهدافًا، لكن قلة منهم يحاول تحقيقها، وتعد الأديبة والكاتبة والناشطة الأمريكية هيلين كيلر إحدى رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع والبصر والنطق، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها، وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية، وعلمت البشرية كيف يكون النصر، وكيف تكون الإرادة والطموح لقهر الإعاقة وتحقيق النجاح، وقد ألفت كتاب (أضواء في ظلامي) وكتاب ( قصة حياتي ) وهذه الفتاة التي كانت تعيش في ظلمات ثلاث، استطاعت أن تحقق في حياتها أكثر مما حققه الأصحاء، وأصبحت من أشهر المحاضرات على مستوى العالم، وكانت مصدر إلهام للمعاقين والأصحاء على حد سواء، وكتب اسمها عن جدارة واستحقاق على صفحات التاريخ.
أيها الإخوة والأخوات والأبناء والبنات أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة.. أنتم أصحاب انفس تواقة، لكم غايات وأهداف في هذه الحياة، فلا تتوقفوا حتى تحققوا كل الأحلام والأماني، لأن الله قد وهبكم قدرات وإمكانيات عالية، ولديكم العزيمة والإرادة والتصميم لتحقيق ذلك، لأنكم لا تريدون أن تعيشوا عالةٍ على أسركم ومجتمعاتكم، وثقوا بالله ولا تستسلموا ولا تيأسوا ولا تتوقفوا ولا تهابوا واستمروا، حتى لو الطريق مليئة بالحجارة، اجمعوها وصنعوا لكم بها سلمًا يرتقى بكم لتحققوا النجاح، وكونوا على يقين بأن الله معكم يمدكم بقوته، لأنكم أصحاب همم لا تعرف الوهن، وإرادة لا تعرف الضعف، ولديكم أهداف عظيمة ستتحقق بمشيئة الله تعالى وكرمه وتوفيقه، ثم بالإرادة التي تمتلكونها في نفوسكم القوية، وبالإيمان الذي يملأ قلوبكم الطاهرة النقية.
** محامٍ ومستشار قانوني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تقرير لـForeign Affairs: حزب الله ليس حماس.. والدبلوماسية لا تزال قادرة على النجاح
ذكرت مجلة "Foreign Affairs" الأميركية أنه "خلال الشهر الماضي، فاجأت إسرائيل حزب الله وإيران والعالم بأسره بعد تمكنها من شل شبكة الاتصالات التابعة للحزب من خلال تفجير أجهزة النداء واللاسلكي المتطورة تقنياً. وعلاوة على ذلك، تزعم إسرائيل أن غاراتها الجوية دمرت جزءاً كبيراً من مخزونات حزب الله من الصواريخ، التي كانت تهدف إلى ردع حرب مدمرة أخرى عبر الحدود. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن حملة الاغتيالات الإسرائيلية الواسعة النطاق استهدفت عدداً كبيراً من كبار قادة حزب الله، بما في ذلك أمينه العام حسن نصرالله. وعلى الرغم من أن الجهود التي تبذلها إسرائيل للقضاء على حماس كانت مدمرة بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين في غزة، فإن إسرائيل تبدو وكأنها تدير عملياتها في لبنان دون أي اهتمام يذكر بالأضرار التي قد تلحق بالسكان المدنيين أو البنية الأساسية. وفي لبنان كما في غزة، يبدو أن إسرائيل استقرت على استراتيجية العقاب الجماعي التي تحمل السكان المدنيين المسؤولية عن أفعال الفصائل المسلحة التي تعمل في وسطهم".
وبحسب المجلة، "لقد كانت ضرورة وجود خطة "لليوم التالي" لانتهاء الحملات العسكرية موضوعًا ثابتًا في التحذيرات الأميركية لإسرائيل، وخاصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لأكثر من عام. ولكن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يفهم النقطة الأساسية، وهي أن نتنياهو لا يحتاج إلى خطة لتجنب الفوضى، لأن الفوضى هي خطته. وقد أثبت الشهر الماضي في لبنان، مثله كمثل العام الماضي في غزة، أن زعماء إسرائيل لا يحملون أي ادعاءات مثالية بشأن إقامة نظام سياسي جديد في لبنان أو في القطاع، وهم لا يحاولون زرع بذور الديمقراطية أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط. ويبدو نتنياهو مقتنعاً بأن أمن بلاده، إلى جانب بقائه السياسي، يعتمد على إطالة أمد الهجمات العسكرية وإبقاء غزة ولبنان في حالة من عدم القدرة على الحكم، وبالتالي الرضوخ".
ورأت المجلة أن "هناك أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن هذا الهدف، والتكتيكات والاستراتيجيات التي تستخدمها إسرائيل لتحقيقه، لن تنجح في لبنان بقدر ما نجحت حتى الآن في غزة. فعلى الرغم من كل أوجه التشابه بينهما، فإن حزب الله ليس حماس. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تواجه حاليا أي رقابة جدية على دوافعها التوسعية في الضفة الغربية، فإن الدبلوماسية الدولية لا تزال تتمتع ببعض النفوذ في لبنان".
لبنان ليس غزة
وبحسب المجلة، "إن استراتيجية إسرائيل المتمثلة في فرض عقوبات جماعية على شعب بأكمله كوسيلة لضمان الاستسلام ليست سابقة. وبفضل حلفائها الغربيين، لن تضطر إسرائيل على الأرجح إلى القلق بشأن العواقب الدبلوماسية لحملتها من العنف الجماعي في لبنان. وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق جديد يستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 لإنهاء الصراع الحالي، فإن العواقب المترتبة على هذه الحملة سوف تقع على عاتق المجتمع اللبناني المنقسم على نحو شبه مؤكد. ولكن هناك أسباب تدعونا إلى الاعتقاد بأن خطة إسرائيل لاستغلال الفوضى في لبنان على نحو مثمر قد لا تنجح بالطريقة التي يأملها نتنياهو. فمن الواضح أن إيران ملتزمة بتمويل حزب الله والحفاظ عليه، حتى في مواجهة الضغوط الداخلية اللبنانية المتزايدة لنزع سلاح الحزب، ومن غير المرجح أن تغير الضربات الإسرائيلية داخل إيران هذا الوضع. والواقع أن كلما ازدادت إيران إذلالاً وانعداماً للأمن، كلما زادت احتمالات أن يرى النظام في طهران حزب الله كحصن ضروري ضد إسرائيل".
وتابعت المجلة، "من ناحية أخرى، يبدو من الواضح أن زخم الحملة الإسرائيلية في لبنان يتباطأ. فرغم أن حزب الله فقد أمينه العام وكثيراً من قياداته، فإن ما يكفي من القدرات العسكرية للحزب نجت حتى أصبحت قادرة على صد الهجمات البرية الإسرائيلية. ومن المرجح أن يأمل حزب الله أن تقدم هذه الهجمات بعض التعويض عن إخفاقاته الكبرى خلال الأسابيع القليلة الماضية. وهناك أيضاً دلائل تشير إلى أن حزب الله بدأ بالفعل في التخطيط لمستقبله بعد نصرالله".
مستقبل حزب الله
وبحسب المجلة، "إن حزب الله قادر على التعافي، ولكن إذا كان له أن يستعيد موطئ قدمه فسوف يحتاج إلى التغلب على ثلاثة تحديات رئيسية. التحدي الأول هو التحول الجيلي داخل صفوف المنظمة، فمعظم القادة الذين استشهدوا في الحملة الإسرائيلية كانوا ينتمون إلى جيل نصرالله، الذي نشأ في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. والتحدي الثاني يتلخص في التوترات الداخلية بين الشيعة من وادي البقاع وأولئك من جنوب لبنان. ورغم أن الطائفتين الشيعيتين متحدتان في إيمان مشترك وصراع سياسي، إلا أن بينهما اختلافات اجتماعية واقتصادية كبيرة. فالشيعة في البقاع يميلون إلى العيش في مجتمعات عشائرية، وهم أكثر فقراً وتهميشاً في السياسة الوطنية. وعلى النقيض من ذلك، فإن جنوب لبنان هو موطن كل الزعماء الشيعة البارزين في البلاد، بما في ذلك الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم، ورئيس مجلس النواب ونبيه بري. والواقع أن تدمير المدن والبلدات الشيعية، والتوترات الطائفية المحتملة التي قد تلي الحرب، يعني أن الطائفة الشيعية بأكملها في لبنان سوف تحتاج إلى مساعدة حزب الله وما تبقى من مؤسساته الاجتماعية لتوفير الخدمات في غياب قدرة الدولة. أما التحدي الثالث فيتمثل في علاقة حزب الله بإيران. فنصرالله كان مقرباً من طهران وكان بارعاً في انتزاع حصة كبيرة من الموارد المالية والعسكرية من النظام الإيراني لحزب الله. ولكن في أعقاب استشهاده، ربما يضطر حزب الله إلى تدبير أموره لفترة من الوقت في ظل تقليص التمويل الإيراني".
هل من مخرج؟
وبحسب المجلة، "في بعض الأحيان، وخاصة في الآونة الأخيرة، قد يكون من السهل أن نتخيل أن لبنان محكوم عليه إلى الأبد بأن يكون مجرد بيدق في الصراع الطويل الأمد بين إسرائيل من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى. ولكن لا يزال من الممكن تخفيف هذه النتيجة القاتمة من خلال الدبلوماسية الشاملة، والحوار الوطني، والالتزام الدولي بإعادة بناء الدولة اللبنانية. وهذه العناصر الثلاثة لابد وأن تسير جنباً إلى جنب، وكلها سوف تتطلب جهداً متضافراً من جانب الولايات المتحدة وفرنسا والدول العربية. إن الدبلوماسية الشاملة ستضمن تعاون إيران. كما وهناك حاجة إلى حوار وطني في لبنان لملء الفراغ الحالي في السلطة، ومناقشة الإصلاحات الدستورية التي من شأنها أن تساعد في ضمان السلام بين الطوائف، وتحديد إطار زمني لدمج القدرات العسكرية لحزب الله مع الجيش. وأخيرا، سيكون الالتزام بإعادة بناء مؤسسات الدولة والاقتصاد المتهالك في البلاد ضروريا لتنفيذ أي اتفاق لوقف إطلاق النار".
وختمت المجلة، "بدون مثل هذا الجهد المكثف، فإن المسار الحالي للصراع سوف يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات في لبنان، مع استمرار إسرائيل في الرد على هجمات حزب الله بعنف غير متناسب يؤدي إلى المزيد من النزوح الجماعي. وقد تقدم حملة الفوضى التي تشن تحت غطاء هجوم ضد حزب الله بعض الفوائد السياسية المحدودة لنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، ولكن بالنسبة للجميع، وخاصة المدنيين اللبنانيين، فإن الأمر سوف يكون بمثابة كارثة". المصدر: خاص "لبنان 24"