الشغب الطلابي إلى أين؟
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
بادئ ذي بدء انطلق في مقالي هذا من الآية الكريمة "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" صدق الله العظيم، وأنا بشر أخطئ وأصيب، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
ونؤكد في هذا السياق أولًا أنَّ الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، فإذن الأم مدرسة كما شبّهها الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدته قصيدة العلم والأخلاق بالمدرسة التي متى ما كان بها إعداد جيد من كافة النواحي العملية والتربوية والتعليمية، فإنه لا محالة إنتاجها سيكون شعبا طيب الأعراق، ولما كان الأمر كذلك بالنسبة للأم، فماذا يعني الأب إذن؟
وفي هذا السياق أقول، حينما يرسل أولياء الأمور أبناءهم إلى المدارس ليتعلموا العلم النافع، وليزدادوا معرفة وليكتسبوا علومًا وآدابًا وسلوكيات مختلفة، فإنهم لا يرسلونهم من أجل أن يتعرضوا للضرب والإهانة والتجريح والتوبيخ والتنمر والاعتداء والإيذاء الجسدي عليهم، من قبل مجموعة طلاب، للأسف أقل ما يمكن وصفهم ونعتهم به وأن نقول عنهم، بأنهم قليلو أدب وتربية واحترام للكبير والصغير، وأنهم فوضويون ومشاغبون ومشاكسون بالدرجة الأولى في حياتهم العامة والخاصة.
أولياء الأمور حينما بعثوا بفلذات أكبادهم إلى المدارس، ليس من أجل حشد القوى تجاههم وعليهم من قبل زمرة ورهط من الطلاب أتوا من بيوتهم إلى تلك المؤسسة التربوية والتعليمية، لقضاء وقت مُعين، وهدره فيما لا منفعة منه، على حساب الأدب والأخلاق والفضيلة ودوام الاستقرار والهدوء في الصف والمدرسة.. بل إن أولياء الأمور حينما أرادوا لأبنائهم التعليم الجيد والمفيد، فنحسب أنهم قد مكنوهم أدبًا، وأشبعوهم تربية وسلوكًا، لا أن يقابل ذلك التعب وتلك الجهود، بكراهيتهم وعدوانهم وإحداث سلوكيات شاذة فيهم، وعمل شغب لهم من قبل أقرانهم الخارجين عن جادة الصواب والقانون والأدب والتعامل الحسن مع الغير، سواء داخل البيئة المدرسية والصفية، أو أينما كانوا، فإحساس أبنائنا بالأمن والأمان والاستقرار والكرامة داخل مدارسهم وخارجها، يجب أن يكون على الدوام مستمرًا وباقيًا ومعهودًا.
وحتى يصبح لدى الطالب حب للمدرسة ولزملائه بها وفي الحي الذي يسكنه، لا بُد أن يشعر قبل ذلك بالانتماء لهما وللمجموعة التي يلازمها ويصاحبها شهور طويلة.
إن الطالب حينما يخرج من بيته باتجاه المدرسة، فبمظهره وهندامه وسلوكه، يعكس أولًا تربية أهله له، ويعكس ثانيًا مستوى التقدير والاحترام والتربية لديه وفي أهله ووالديه وولي أمره وأسرته تجاه وطنه وذمته ونفسه والمجتمع والناس عامة، ولا يوجد هناك طالب مشاغب وقليل أدب، إلا إذا كانت وراؤه أسرة ووالدان ليسا مهتمين به وبتربيته، وإنهم في واد وهو في واد، ما يؤكد أنهم أيضا قليلي أدب، ولم يعرفا تربيته إطلاقا.
لقد انتشرت مؤخرًا مقاطع فيديو- سواء قيل إنها قديمة أم حديثة- تصوِّر وتبث وتثبت بالدليل القاطع، الشغب والهوشات والضرابات والصراعات التي تحدث بين الطلاب، وتجد تشجيعًا وترويجًا لها من مثلهم، وتحديًا كبيرًا فيما بينهم، مما عرّض طلابًا كثيرين يتصفوا بالهدوء والعقل والصمت إلى اعتداءات متكررة، وكانوا ضحية تلك الاعتداءات السافرة والشغب المستمر من زملائهم الطلاب، نتج عنه إصابات وأذى متنوع.
كلنا نعلم تمام العلم أنه ينظر إلى الأسرة بأنها المحضن الذي يصدِّر للمجتمع رجالًا، ويكون ذلك بالتعاون مع المدرسة وفي مساجدنا ومقارنا الترفيهية والثقافية والرياضية، والتي هي الأخرى يقع عليها دور كبير ومهم في التربية والتعليم، واكتساب السلوكيات الصحيحة والمعلومة المفيدة، فما نشاهده اليوم ونسمع عنه من شغب متواصل ومستمر يحدث بين الطلاب، أمر مرفوض البتة وغير مقبول نهائيًا، ويجب اجتثاثه من جذوره، بتفعيل وانتهاج قوانين صارمة وحازمة، بحيث يختفي نهائيا.
المدرسة لا يقتصر دورها على تقديم المعلومات فقط، والمسجد كذلك لا يقتصر دوره على أن يكون دار عبادة، وقس على ذاك: النادي والسوق وأماكن الترفيه والقراءة والاطلاع، فتلك المؤسسات يجب أن تكون معا شريكا فاعلا في التربية والتعليم، واكتساب العادات الحميدة والتقاليد الاجتماعية والثقافية والإسلامية المترسخة والمتأصلة فينا.
ومع النداءات والمطالبات المتكررة بذلك، إلّا أنه وللأسف الشديد، هناك بعض من أولياء الأمور، أصبح ينظر إلى دور المدرسة، على أنه مقتصر على تقديم المعلومة والتدريس فقط، وكذلك نظرته إلى ما ذكر من مؤسسات وجهات أهلية ومجتمعية وإسلامية. وفي المدرسة إذا قام معلم ما بتاديب أحد الطلاب المشاغبين بالضرب البسيط، تعرض له الأب بالشكوى والانتقاد وربما المحاكمة، فأصبح المعلم عرضة للمشاكل ومقيدا بقوانين وأوامر وأنظمة كثيرة، منعته من التصرف بحزم مع الطلاب الذين يحتاجون فعليًا إلى حزم وشدة في آن واحدٍ.
إنَّ على الوالدين التعامل مع أبنائهم بأساليب تربوية صحيحة، تجعلهم منضبطين وليسوا منحرفين سلوكيًا وأخلاقيًا؛ فاتباع النظام والتمسك به وبالقوانين والتزام جانب الحزم والتأديب واستمرار التوجيه في المنزل، لا يقود الطالب إلى إحداث سلوكيات سيئة، وشغب وفوضى واعتداءات مستمرة على زملائه، ولو بالتلفظ عليهم بألفاظ سوقية وغير مرغوبة.
المعلمون رغم أنهم يقدمون المادة العلمية ويعتبرون أحد مصادرها الرئيسة، إلا أنهم أيضا ضد ظهور سلوكيات الشغب لدى الطلاب، الذي بدوره يؤدي إلى اختلال النظام في الصف والمدرسة وكذلك مجتمعنا العماني المحافظ.
إن ثمّة أسباب كثيرة تجعل الطالب مشاغبًا وقليل أدب، منها ضعف تربيته في بيته وانعدام متابعته والاهتمام به من قبل الوالدين أو أحدهما، كذلك تأثير الصحبة عليه والتي يكون معها، ومن ثم المجتمع وبيئة المسكن والمدرسة والصف وشخصية المعلم.
لهذا على من ذكروا تقع مسؤوليات مشتركة ومتعددة ومختلفة، وعلى كل منهم القيام بواجبه خير قيام، لتنحدر تلك السلوكيات المشينة من طلابنا وأولادنا وبيئاتنا، ولتختفي نهائيًا في ظل التوجيه والأدب والمتابعة المستمرة، حينها سننعم جميعنا في وطننا بالراحة وبالأمن والأمان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خالد بن محمد بن زايد يزور المعرض الفني الطلابي «وطني إبداعي» في متحف اللوفر أبوظبي
زار سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، فعاليات النسخة الثالثة من المعرض الفني الطلابي «وطني إبداعي»، الذي تنظمه دائرة التعليم والمعرفة - أبوظبي، في حديقة متحف اللوفر أبوظبي، بمشاركة أكثر من 1.500 عمل فني من إبداعات طلبة المدارس على مستوى الإمارة.
وقام سموه بجولة في أروقة المعرض، الذي يستمر حتى 8 ديسمبر المقبل، اطلع خلالها على الأجنحة المختلفة، وما تضمه من أعمال فنية مبتكرة من لوحات ومجسمات وتصاميم تعكس تنوع مواهب الطلبة وأساليبهم الإبداعية، وذلك ضمن ستة مسارات، هي: الفنون المرئية، والفنون الأدائية، والفنون الأدبية، والحِرف والفنون الشعبية، والفنون الرقمية، والفنون التطبيقية.
وتبادل سموه الأحاديث الودية مع الطلبة المشاركين حول أفكارهم الفنية وتجاربهم الإبداعية، مشيداً بالمستوى الفني الذي قدمه الطلبة المشاركون، وما يعكسه ذلك من مهارات واعدة ورؤى مبتكرة تسهم بدورها في تعزيز مكانة الفنون بمختلف أشكالها بين أفراد المجتمع في إمارة أبوظبي.
وأكد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان أن الاستثمار في مواهب الطلبة وصقل قدراتهم الإبداعية يسهم في بناء جيل واعٍ ومبدع قادر على التعبير عن هويته الوطنية وثقافته العريقة بأساليب مبتكرة تواكب التطورات المعاصرة مع الحفاظ على عادات المجتمع وتقاليده الأصيلة.
وأشار سموه إلى أن معرض «وطني إبداعي» يجسد رؤية أبوظبي في تعزيز حضور الفنون ضمن المنظومة التعليمية، وتوفير منصات متكاملة تُمكن الطلبة من صقل مهاراتهم وإبراز مواهبهم واستعراض إبداعاتهم.
رافق سموه، خلال الزيارة، معالي خلدون خليفة المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية، ومعالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ومعالي سارة عوض مسلم، رئيس دائرة التعليم والمعرفة - أبوظبي، ومعالي سيف سعيد غباش، الأمين العام للمجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، رئيس مكتب ولي العهد في ديوان ولي عهد أبوظبي.
ويعد معرض «وطني إبداعي» ثمرة برنامج فني استمر على مدى عام كامل، نظمته دائرة التعليم والمعرفة - أبوظبي، وشارك فيه أكثر من 7.000 طالب وطالبة من أكثر من 200 مدرسة تحت إشراف 62 فناناً محلياً ودولياً، حيث أسهم البرنامج في تطوير مهارات الطلبة من خلال ورش عمل تخصصية، وجلسات إرشادية، وبرامج تدريبية.
وتحظى هذه المبادرة بدعم مجموعة واسعة من المؤسسات الثقافية الرائدة التي أسهمت بمواردها وخبراتها في ضمان نجاح البرنامج واستمراره، ومن أبرزها: دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ومتحف اللوفر أبوظبي، ووزارة التربية والتعليم، ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، وهيئة أبوظبي للتراث، والأرشيف والمكتبة الوطنية، ودائرة البلديات والنقل، وهيئة المساهمات المجتمعية - معاً، ومؤسسة بسام فريحة للفنون، وهيئة الإعلام الإبداعي، ومكتبة ودار نشر «غاف».
وتجدر الإشارة إلى أن المعرض الفني الطلابي «وطني إبداعي» يواصل في نسخته الثالثة تعزيز الروابط بين التعليم والثقافة، من خلال منح الطلبة فرصاً للتفاعل مع القطاعات الإبداعية والتراث الثقافي العريق لدولة الإمارات، ما يجسد التزام إمارة أبوظبي برعاية المواهب الناشئة ويرسخ مكانتها مركزاً رائداً للتميز الفني والثقافي على المستويين المحلي والعالمي.