اوضحنا سابقا أن الحرب الدائرة رحاها الأن في السودان هي نتاج الأزمة الوطنية العامة التي نشأت بعد الاستقلال جراء الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار السياسي ، اضافة الي نقض العهود والمواثيق التي ابرمتها القوي الحاكمة مدنية وعسكرية مع الحركات في الجنوب ودارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق، كما حدث في الآتي:
أ - بعد الاستقلال في عدم الوفاء بتحقيق الحكم الفدرالي للجنوب، مما أدي لانفجار التمرد عام 1955 وتعميق المشكلة.


ب - وكما حدث في اتفاقية اديس أبابا 1972، فقد كفل دستور 1973م الذي جاء بعد اتفاقية أديس ابابا الحقوق والحريات الأساسية فيما يختص بالمسألة الاثنية والدينية في المواد 38، 47،52،56.والتي أشارت إلى الآتي :ـ
- المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تميز بسبب اللغة أو الدين أو العرق أو المركز الاقتصادي أو الاجتماعي.
- حرية العقيدة والضمير وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
- حظر السخرة والعمل الإجباري.
- حق الأجر المتساوي للعمل المتساوي.
- حق استعمال الاقليات للغاتها وتطوير ثقافاتها.
لكن نظام مايو الديكتاتوري الشمولي أو حكم الفرد الذي كان سائداً في الفترة (1969- 1985م ) أجهض اتفاقية أديس ابابا، واندلعت نيران التمرد والحرب من جديد بشكل أكبر ، وازداد الأمر تعقيداً بعد صدور قوانين سبتمبر 1983م .
2
بعد انتفاضة مارس ـ أبريل 1985م ، تواصلت الجهود لحل المسألة الاثنية ، فكان إعلان كوكادام الذي وقعة وفد التجمع الوطني لإنقاذ البلاد ووفد الحركة الشعبية لتحرير السودان في 24/ مارس/1986م ، والذي أشار إلى إلغاء قوانين سبتمبر 1983م وجميع القوانين المقيدة للحريات ، واعتمد دستور 1956م المعدل في 1964م ، مع تضمين الحكم الإقليمي وكافة القضايا الأخرى التي تجمع عليها القوي السياسية ، وكان من ضمن الأجندة التي اتفق عليها في إعلان كوكادام للمؤتمر الدستوري : مسالة القوميات ، المسالة الدينية ، الحقوق الأساسية لإنسان ، التنمية والتنمية غير المتوازنة .... الخ
بعد ذلك جاءت مبادرة السلام السودانية (الميرغيي - قرنق) في 16/نوفمبر 1988م والتي تم فيها الاتفاق علي تهيئة المناخ الملائم لقيام المؤتمر الدستوري ، والذي يتلخص في الأتي: ـ
- تجميد مواد الحدود وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م ، وان لا تصدر إيه قوانين تحتوي علي مثل تلك المواد وذلك إلى حين انعقاد المؤتمر الدستوري والفصل نهائياً في مسالة القوانين.
- كما اتفق الطرفان علي ضرورة عقد المؤتمر الدستوري.
ولكن انقلاب 30/يونيو/1989م الإسلاموي قطع مسار ذلك الحل ، وتم الرجوع للمربع الأول ، وتصاعدت الحرب الأهلية بشكل اوسع بعد أن اتخذت طابعا دينيا. .
3
تواصلت الجهود بعد انقلاب الإسلامويين للحل السلمي الديمقراطي لقضايا التعدد الاثني والديني في السودان ، فنجد إعلان نيروبي 1993م الذي أشار إلى أن تضمن القوانين المساواة الكاملة للمواطنين علي أساس المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد ودون تميز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة، وإعلان المبادئ لمجموعة الإيقاد يوليو 1994م ، ومؤتمر القضايا المصيرية في اسمرا 1995 ،وفي ابريل 1997م تمت اتفاقية السلام بين حكومة السودان وبعض الفصائل المقاتلة في جنوب السودان ، أشارت الاتفاقية إلى : حرية الاعتقاد ، والمواطنة علي أساس الحقوق والواحبات. الخ، لكن لم يتم التنفيذ، وتحولت الاتفاقية لمحاصصات ومناصب، وكانت النتيجة عودة للحرب، وفي 25/نوفمبر /1999م ، ثم توقيع نداء الوطن بين السيد الصادق المهدى والرئيس عمر البشير، الذي أشار إلى ان: تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات الدستورية، ولا تنال أي مجموعة وطنية امتيازا بسبب انتمائها الديني والثقافي أو الاثنى، وتراعي المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتكون ملزمة، والاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والاثنية في السودان. الخ، ولكن النداء ظل حبراً على ورق، لم يجد طريقة إلى الواقع.
4
بعد ذلك تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي كان جوهرها:
- تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا (بروتكول مشاكوس).
- التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
- ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.
لكن لم يتم تنفيذ الاتفاقية وتحولت لمحاصصات ووظائف ، وكانت النتيجة فصل الجنوب
كما وقع النظام ايضا اتفاقيات مع حركات دارفور مثل : اتفاقية ابوجا مع حركة مناوي ، وتحولت لمحاصصات ولم يتم تنفيذ الاتفاقية، وكذلك اتفاقية الدوحة التي لم يتم تنفيذها.
5
بعد ثورة ديسمبر 2018 كما فصلنا سابقا ، تم الانقلاب على الثورة ، و تمت مجزرة فض الاعتصام في القيادة العامة والولايات رغم تصريح العسكر بعدم فضها ، وتم التوقيع على اتفاق جوبا (3 أكتوبر 2020) مع الجبهة الثورية الذي تحول لمحاصصات ومناصب ولم يتم التنفيذ فضلا عن الفشل في وقف الحرب ، كما تم الانقلاب علي الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021 بعد قرب استحقاق تسليم المدنيين قيادة الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية ، اضافة للتوقيع على الاتفاق الإطارى، لكن لم يلتزم العسكر به ، وكانت الحرب الدائرة الآن حول السلطة والثروة .
مما يتطلب في المسنقبل الالتزام بالعهود والمواثيق كشرط لاستدامة الديمقراطية والسلام، وحتى لا يتم المزيد من تمزيق وحدة البلاد..

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جنوب السودان فی السودان لم یتم

إقرأ أيضاً:

مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان

بعد الانتصارات الساحقة للجيش السوداني على قوات الدعم السريع في ولايات السودان المختلفة وفي مناطق العمليات خلال الأيام الماضية، وبعدما تراءى للأعين انهيار التمرد وفشل مشروعه السياسي والعسكري، ووقوف الحرب على الحافة، تتمدد الآن حالة من القلق والخوف والهواجس، من تداعيات وآثار الحرب ونكالها على القبائل العربية التي تتواجد في الامتداد الجغرافي العريض من غرب السودان ما بين حدود نهر النيل شرقًا، حتى ساحل المحيط الأطلسي في غرب أفريقيا.

عُرف هذا الفضاء الجغرافي خلال القرون الماضية، التي شهدت الكشوف الجغرافية الأوروبية، ومن قبلها الرحالة العرب، بما اصطلح عليه الجغرافيون والمؤرخون حتى بداية العصر الحديث، وهو مسمى السودان الغربي والسودان الأوسط، الذي يشمل حاليًا دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة دول حوضي نهري النيجر والسنغال وبحيرة تشاد وما حولها، ما بات يعرف حديثًا بدول الساحل.

ولا يتجادل اثنان في أن حرب السودان زاد من تعقيدها إضرام الجهات الخارجية، النار في البيئة الاجتماعية شديدة التداخل والترابط، التي تتقاسمها تسع دول في المنطقة، ولم تكن هذه الجهات الخارجية تدرك خطورة الاختلال السياسي والاجتماعي الذي سيحدث، وأي عاصفة من الخبال تجتاح مع هذه الحرب مجتمعات ودول أفريقيا جنوب الصحراء.

إعلان

ظلت القبائل العربية في هذا الجزء العريض الطويل من القارة الأفريقية، تحمل همها التاريخي، وهي تعيش على هامش الحياة السياسية وبعيدة عن مركز السلطة كغيرها من القبائل الصحراوية، يراودها حلمها بسبب تفاعلات السياسة الجارية منذ ستينيات القرن الماضي.

تعاظم ذلك مع بروز قوات الدعم السريع في السودان، وظن بعض أبناء القبائل العربية في هذه المنطقة الشاسعة أنهم وجدوا ضالتهم فيها للسيطرة على الدولة السودانية ثم الانطلاق غربًا، وأدرك بعض العاقلين منهم أن الدعم السريع، مشروع سياسي عسكري طائش، خائب المسعى، مهيض الجناح، لا يمتلك مقومات البقاء.

لكن مع ذلك ساندته بعض الأصوات من النخب والقيادات القبلية، ونهضت هذه المجموعات يحركها التاريخ، وتدفعها بقوة عوامل الجغرافيا، مناصرة للتمرد في السودان، على مظنة أن مسار التاريخ سيتغير، دون أن يخضع ذلك لمعادلات حركة التاريخ الطبيعية.

بعض العاقلين من متعلمي القبائل العربية في غرب السودان؛ والسودانين: الغربي والأوسط، يعلمون أن مشروع الدعم السريع وحربها الحالية، لا يمت بصلة عضوية متطابقة بالكامل مع تطلعات القبائل عقب حصول بلدان المنطقة على الاستقلال، لكنه ربما أثار ثائرة العاطفة وأوقد نارًا في النفوس وفق المعطيات الظرفية لكل دولة في الإقليم.

وظلت هذه الأطياف المتنوعة من المثقفين والسياسيين والقيادات ذوي الأصول العربية يخطون خطوات جادة وحثيثة للتعبير عن دور يتناغم مع تفاعلاتهم السياسية في السياقات المتطورة في بلدانهم، من أجل المشاركة السياسية التي تليق بهم، وتحويل مجتمعاتهم الرعوية إلى مجتمعات مستقرة وآمنة، والمساهمة بجهد فاعل في بناء أوطانهم، وهم بلا شك كانوا جزءًا من الحركات التحررية وروّاد الاستقلال، وفي قلب حركة النضال المدني والعسكري خلال ستة عقود منصرمة في أقطارهم.

إعلان

وعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية، ومنتج التنمية الاجتماعية ومعدلاتها، نما حلم القبائل العربية في هذا الفضاء الواسع، لكنها لم تخطط لمشروع سياسي أو تسعى لصراع سلطوي مسلح، وهي موحدة أو متعاونة أو وهي منفردة، وذلك عدا تجارب الحركات المسلحة في تشاد منذ العام 1965، عندما ثار الشعب ضد حكم الرئيس فرانسوا تمبلباي وتم تكوين حركة فرولينا، وكان عرب تشاد في الواجهة ومن الآباء المؤسسين، ويومها سارعت القبائل العربية إلى الاندماج مع غيرها من القبائل، وعملت على تأسيس حركات وتنظيمات سياسية مسلحة، يسري عليها ما يصيب الجميع دون الاستفراد بمشروع أحادي العرق.

عندما صعد نجم الدعم السريع عقب مشاركتها في حرب اليمن وعاصفة الحزم، بالتحديد في 2017، وبدعم من دولة إقليمية، حدث أول لقاء سري لقيادتها مع الموساد الإسرائيلي، تم فيه رسم مخطط كانت فيه المصالح الإسرائيلية واضحة وتمت مخاطبة أطماع ومصالح وتطلعات قيادة الدعم السريع.

في ذات الوقت، كانت مجموعات من عرب تشاد وقليل منهم من جنوب ليبيا وبعض أبناء القبائل العربية في شمال غرب أفريقيا الوسطى، قد تم تجنيدهم لصالح الدعم السريع، وتم نقلهم للمشاركة في حرب اليمن، وقدر عددهم في ذلك الوقت حتى العام 2019، ما يقارب أحد عشر ألفًا من المجندين، وزاد العدد بنسبة تجاوزت 400% بعد ذهاب نظام الرئيس عمر البشير، ووجدت قيادة الدعم السريع الطريق ممهدًا والأموال متدفقة لتتم أكبر عملية تجنيد في القارة الأفريقية من أجل صناعة جيش موازٍ للجيش السوداني، وتكوين النسخة الأفرو-عربية من شركة فاغنر الروسية.

غداة انطلاقة الحرب كانت لدى الدعم السريع ما يزيد عن (120.000) جندي شاركوا في محاولة الانقلاب والسيطرة على الدولة وبدأت بهم الحرب، يمثل الأجانب منهم (45%)، وهم مرتزقة من تشاد، والنيجر، ومالي، وجنوب ليبيا، وأطراف من أفريقيا الوسطى، وشرق نيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وجنوب الجزائر، بالإضافة إلى مرتزقة من جنسيات أخرى، ويمثل العرب 70% من هذا الوجود الأجنبي داخل قوات الدعم السريع.

إعلان

ونظرًا لوجود القبائل المشتركة بين السودان، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا، ومالي، وليبيا، وجنوب الجزائر، والسنغال، وموريتانيا، التحقت مجموعات منها مع أبناء عمومتهم بالسودان في قبائلهم المشتركة، وهي: (الرزيقات، والمسيرية، والحوازمة، والتعايشة، والحيماد، والبني هلبة، والهبانية، والسلامات، وأولاد راشد، وخزام، والبراريش، وأولاد سليمان، والمحاميد، والحسانية، والجعفريين)، بجانب قبائل أخرى غير عربية تعيش نفس الأوضاع السياسية والاجتماعية: (الطوارق، الفولاني، التبو، القرعان، الزغاوة، والبديات).

تجنيد أبناء القبائل العربية في غرب السودان وجواره الأفريقي لصالح الدعم السريع، تم لفئات الشباب من الأعمار بين (14 سنة – 45 سنة) كمقاتلين، وشاركت الفئات الأكبر سنًا في مهام دعائية وفي عمليات التجنيد والاستقطاب، ونشط في ذلك زعماء القبائل ورموزها وقادتها، وتم توظيف عدد هائل من الناشطين والمتعلمين لصالح الدعاية السوداء التي اعتمدتها الدعم السريع في حربها.

مع توريط الدعم السريع لقبائل عرب غرب السودان ودول الساحل في الحرب، واستخدام أساليب الترغيب والترهيب في إغراء القيادات والزعامات القبلية وتوظيفها في عمليات الاستنفار والتجنيد وجرجرة شباب القبائل للانضمام لمشروع الدعم السريع، انساق البعض وراء ذلك، وعبر كثير منهم عن مخاوفهم من الارتدادات العكسية لهذا المشروع، وكانت لديهم تحفظات واضحة على هذا المشروع، ومنهم الرئيس النيجري السابق محمد بازوم، والسيد محمد صالح النظيف وزير خارجية تشاد السابق، وعدد من القيادات في دول الإقليم الملتهب.

وليس من باب التهويل، أن تيارًا في منطقة الساحل ودوائر رسمية واستخبارية غربية، لم تزل تنظر إلى النتائج والمحصلة الإستراتيجية لحرب السودان، وأهمها التوازنات السياسية والسكانية في هذه البلدان، لا سيما تشاد، والنيجر المرتبطتين بالسودان، وليبيا وهي منطقة هادرة الثقافة العربية والإسلامية ومصدرة لهما إلى أفريقيا جنوب الصحراء.

إعلان

فإن كانت هناك مصلحة في استنزاف المورد البشري لعرب المنطقة وتقليل فاعليتهم بسبب الحرب المجنونة التي شنتها الدعم السريع في السودان واستقطبت لها جل العناصر المقاتلة في هذه الدول، فإن هذا المشروع الاستنزافي قد نجح.

في السودان وحده بلغت خسائر قبيلة الرزيقات التي ينتمي لها قادة الدعم السريع عشرات الألوف من الشباب قد تصل إلى 45 ألفًا في ولايات دارفور الخمس، بينما خسرت قبيلتا المسيرية والحوازمة وهما من أكبر قبائل كردفان ودارفور العربية ما يقارب العشرين ألفًا من شبابها، بينما خسرت قبائل البني هلبة والتعايشة والهبانية والفلاتة والسلامات والزيادية وقبائل أخرى بضعة آلاف في معارك الخرطوم وولاية الجزيرة ومعارك كردفان ودارفور وخاصة مدينة الفاشر.

وتقول حركات معارضة تشادية ينتمي جلها للعنصر العربي إن عددًا من قياداتها ورموزها وشبابها قد قتلوا في حرب السودان، عندما تدافعوا بالآلاف للالتحاق بقوات الدعم السريع، كذلك الحال لقبائل عربية في النيجر وجنوب ليبيا وأفريقيا الوسطى.

الصحيح دائمًا أن القبائل لا تتحمل جريرة ما قامت به مليشيا الدعم السريع، لكن مع ذلك تواجه هذه القبائل في السودان، أو دول السودانَين الغربي والأوسط، تهمًا قاسية بولوغ أبنائها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، فضلًا عن عمليات النهب والسرقة لممتلكات السودانيين من سيارات وأموال ومصوغات ذهبية ومعدات وأثاث وأجهزة وأدوات مختلفة، وكل هذه المنهوبات تتواجد في أسواق غرب السودان ودول المنطقة المختلفة.

لكن الأثر الأبرز هو حالة العداء والضغائن والإحن التي تعتصر القلوب في داخل السودان، وعودة النعرات القبلية والرغبة في التشفي لدى شرائح مختلفة في المجتمع السوداني، وربما تكون هناك مخاوف وحذر بالغ لدى دول الساحل التي ترى في القبائل العربية خطرًا ماحقًا لا بد من لجمه، خاصة إذا امتلكت هذه القبائل السلاح والمال والدربة على القتال، وسرت فيها عدوى الدعم السريع، ورغبت في الاستيلاء على السلطة في بلدانها.

إعلان

في حالة السودان تحتاج القبائل العربية بغرب السودان بعد نهاية هذه الحرب أو قبلها، إلى الشروع في حوارات تصالحية عميقة مع قبائل السودان المختلفة، لكبح جماح ما يعتمل في النفوس من غل وغضب، وهي اليوم أحوج ما تكون لبناء الثقة من جديد، وأن تنفي عن نفسها ما جرى باسمها، وتتبرأ من جرائم الدعم السريع، وتنبذ الشعارات وخطاب الكراهية المتشح بالهمجية والغلو والتطرف، وتحركه سموم النظرة العرقية الضيقة والغبن الاجتماعي، ويستهدف قبائل بعينها في مناطق السودان المختلفة، ويدعو لتدمير وتخريب السودان وأعمدة بنائه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وتمزيق نسيجه القائم وتجربته التاريخية وتدمير البنية التحتية للدولة.

وواضح وفقًا لمجريات الحرب أنها ستنتهي بهزيمة قوات الدعم السريع، وخروج قيادتها من المشهد العام، ومطاردة قادتها ورموزها والمتعاونين معها. ينبغي مع نشوء حالة من التوجس والحساسية البالغة تجاه حواضنها الاجتماعية، أن تُطرح أفكار وخطوات تقود لمصالحة وطنية شاملة، وذلك إن توفر الرشد السياسي والاجتماعي لدى الجميع، لأن الأثمان المنتظرة لا بد باهظة وواجبة السداد، بحجم ما ارتُكب من جرم في حق السودانيين جميعًا.

لذلك كله، فإن مستقبل هذه القبائل على المحك، إذا انتهت الحرب دون رؤية متكاملة للدولة والمجتمع، فالفرص التي كانت متاحة للاندماج الاجتماعي وتذويب القبليات والعرقيات تلاشت نوعًا ما، وباتت بعيدة المنال، وتحصد الدعم السريع الهشيم لأنها لطخت سمعة هذه القبائل، ودمرت مستقبلها عندما حصدت حربها عشرات الآلاف من شبابها، وجعلتها في قفص الاتهام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • شبكة أطباء السودان: نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تشير إلى قيام الحكومة التشادية بترحيل لاجئين سودانيين
  • ثورة الكرامة.. ثورة مائة الف شهيد
  • ضابط كبير يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الجيش الإسرائيلي
  • جهل دبلوماسي!!
  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • السودان؛ الحرب المشهودة
  • مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان
  • السودان.. حرب بلا معنى
  • دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا