عراقة الدولة السودانية وتأسيسية حرب إبريل!
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
طبعا مظاهر الضعف النقدي في المخيال السياسي السوداني ما بسيطة. واحدة منها عدم القدرة على تخيل الخيارات الأخرى، أو زي ما بيقولوا ناس الفلسفة the ability to entertain the other possibilities.
يعني مثلا السوداني لمن يجيبو ليو بيان عشان يمضي عليو ولا يقرا وثيقة زي الاتفاق الإطاري ولا يسمع كلام من سياسي ما بيقدر اتخيل الخيارات الأخرى، تحديدا الزول دا سكت عن شنو، وعشان كدا جزو ما بسيط مننا بتساق بالخلا.
في ذات السياق، لو قدرت تتخيل الخيارات الأخرى حتعرف مثلا مدى عراقة الدولة السودانية على ضعفها. بروفيسور جعفر ميرغني، بناء على رواية من الصديق محمد عبد الباقي، بيدعي إنو من قدم التاريخ ما جات لحظة السودان ما كانت فيو دولة مركزية. دا بيوري إنو خيال الدولة عميق في المخيلة الجمعية للشعب السوداني. متذكر لمن جيت بعد يومين من الثورة كنت متفاجئ عديل بي طبيعة العمل في مطار الخرطوم. كان عندي شعور إنو موظفين الخدمة المدنية تاني يوم من الثورة ما حيمشوا الشغل عديل. ودا لشعور غائر بالضعف العملتو الإنقاذ في الحداثة السياسية للدولة خلال سنين حكمها.
في السياق دا أنا مبسوط جدا من الحاصل في بورتسودان دا وسعدت حقيقي لمن شفت الطيارة المصرية نزلت في المطار وعرفت إنو في خطوط كتيرة ناوية تستخدم مطار بورتسودان بالإضافة للأخبار عن الموسم الزراعي مثلا واستئناف إصدار الجوازات وغيرها من أخبار استئناف الدولة لمهامها. مرة بتكلم مع صديق من ضيق الحرب دي قال لي السودان دا منتهي عديل. قلت ليو مفروض تصل للعكس تماما. دا سببو عدم القدرة على تخيل الخيارات الأخرى. تخيل انقلاب حميدتي دا نجح وقادة المناطق العسكرية ما قدره يفشلوهو في الساعات الأولى والزول دا طوالي بقى ورئيس وجاب قائد جيش تعبان يمشي الإطاري. تاني يوم الحاميات في كل السودات كان حتتمرد وغالبا يحصل انشقاق عمودي في الجيش يحوله لي جيوش عديل. تخيل لو حاميات الجيش في الولايات سقطت ولا الحرب دي بقت حرب تنازع على الأمر الواقع زي ما حصل في ليبيا ولا سوريا ولا اليمن. كونه الدولة السودانية تقاوم مخطط زي دا فيهو تواطؤ من ضباط في الجيش وتهاون تواطؤ من القائد العام وفي وجود ١٢٠ ألف مقاتل منهم ٨٠ ألف على أقل تقدير بي ١٠ ألف عربة مقاتلة داخل العاصمة في لحظة الصفر، وبي سند سياسي من أكبر تحالف حزبي قاد ثورة من أعظم الثورات، وبعد دا ما ننحدر لي سيناريوهات كارثية، فدا بيقول فعلا إنو الدولة دي عريقة وخيالها في الشعب عريق على ضعفها. التنوع الإثني الأبرزتو الحرب دي للجيش السوداني بيقول إنو الجيش دا حقيقة ركن ركين للدولة دي. الليلة القائد العام بالإنابة والشغال عسكريا على حسم الحرب دي من جبال النوبة وفي هيئة القيادة نفسها في عسكري من قبائل عرب دارفور. كونه مع تنوع السودان دا كلو الجيش ما فيهو عوامل انشقاقات رأسية إثنية ولا طائفية ولا آيدولوجية فدا أساس قوي ممكن يتبني عليو ويستكمل.
من فوائد الحرب دي هو الاتجاه لاتخاذ بورتسودان كعاصمة مؤقتة. دا من المظاهر التأسيسية للحرب دي الممكن نبني عليها. وحقو زي دول كتيرة جزو من توافقاتنا التأسيسية في انتقال ما بعد الحرب دي يكون تحويل العاصمة كل فترة لي حاضرة من أقاليم السودان المختلفة عشان ننتهي من هامش ومركز دي.
حرب إبريل حرب تأسيسية بكل المقاييس لو أدركنا معناها ومغزاها في إطار القدرة على تخيل الخيارات الأخرى وقراءة الدعم السريع كمشروع استخباراتي لتقويض الدولة عبر هندسة آلة عنفها بمنظومة أسرية إجرامية استخباراتية استغلالا لتناقضات الدولة دي الداخلية وبالذات تهميش الريف لصالح المدينة. بيد أن تأسيسية حرب إبريل تتمركز في فهم أنها شهادة وفاة لسودان ٥٦ بل سودان ١٨٢١. الدعم السريع هو ليس نقيض دولة ٥٦ لكنه أعظم مظاهر تناقضاتها. هو ابن استغلال تهميش الريف مضافا لاقتصاد حرب الدولة على المجموعات الإثنية المهمشة غير العربية تفاعل مع حلقات استعمارية لاقتصاد سياسي مركزي سلطوي واقتصاد سياسي أقليمي توسعي. الدعم السريع ابن دولة ٥٦ استزرعه البشير والمؤتمر الوطني وفق منطق السلطة الاستعماري لجيفة محمد علي باشا ونماه البرهان ثم تحالفت معه الحرية والتغيير وفق ذات المنطق: منطق وراثة دولة محمد علي باشا وليس تجاوزها. فجاء من التناقضات الداخلية لهذه الدولة كأسوأ تمظهر لفشل منطقها وليس ثورة عليها. وهذا هو مناط القول بتأسيسية حرب إبريل لأنها كاشفة وخافضة لنهايات منطق دولة ١٨٢١ وصولا إلى ٥٦ وبإذن الله نهاية بـ ٢٠٢٣.
درس حرب إبريل الباقي، أن الجيش السوداني هو الحليف الذي لا بديل له في معركة بقاء الدولة والعدو الذي لا عدو غيره لاستبدال منطقها من السلطوية والاستخراجية إلى الديمقراطية والتنموية. تلك حدود تضيع على العقول التي لا تميز بين تحديات وجود الدولة من جهة وتحديات استقرارها وتنميتها من جهة. أو قل العقول التي تعجز عن تخيل الخيارات الأخرى.
عمرو صالح يس
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: حرب إبریل الحرب دی
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية: الجيش اللبناني أحد أهم مؤسسات الدولة اللبنانية التي تحافظ على تماسكها
قال بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، إنّه عقد خلال زيارته للبنان مجموعة كبيرة من اللقاءات رغم ضيق الوقت، مواصلا: "تمكننا من مقابلة عدد من الشخصيات والقيادات اللبنانية في مقدمتها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ونبيه بري رئيس مجلس النواب".
وأضاف "عبد العاطي"، في لقاء خاص مع قناة "القاهرة الإخبارية"، أنه التقى أيضا وليد جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية وأحد القيادات الحكيمة في لبنان، كما التقى العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني.
وتابع وزير الخارجية: "الجيش اللبناني أحد أهم مؤسسات الدولة اللبنانية التي تحافظ على تماسك هذه الدولة الشقيقة، كما تواصل مع البطريرك الراعي ومفتي الديار اللبنانية، وكانت لقاءات هامة تعكس العلاقة الأخوية بين البلدين الشقيقين، ونقل رسائل الدعم التي كلفه الرئيس السيسي بنقلها للقيادات اللبنانية وتضامن مصر معهم".