موقع النيلين:
2024-09-20@23:45:13 GMT

عراقة الدولة السودانية وتأسيسية حرب إبريل!

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

عراقة الدولة السودانية وتأسيسية حرب إبريل!


طبعا مظاهر الضعف النقدي في المخيال السياسي السوداني ما بسيطة. واحدة منها عدم القدرة على تخيل الخيارات الأخرى، أو زي ما بيقولوا ناس الفلسفة the ability to entertain the other possibilities.

يعني مثلا السوداني لمن يجيبو ليو بيان عشان يمضي عليو ولا يقرا وثيقة زي الاتفاق الإطاري ولا يسمع كلام من سياسي ما بيقدر اتخيل الخيارات الأخرى، تحديدا الزول دا سكت عن شنو، وعشان كدا جزو ما بسيط مننا بتساق بالخلا.

واحدة من أهم الملكات النقدية إنك تقدر تخت كم خيار الجملة كان ممكن تتقال بيو. دا بيخليك تقدر تحدد بي وضوح نطاق ادعائها وتقدر تنتقدها ليس استنادا على ما قيل فقط (السيمائية Semantics) ولكن استنادا على ما قيل وما لم يقال في سياق الادعاء (التداولية Pragmatics). فمثلا ادعاء (الثورة فشلت) فرق من ادعاء ( الثورة ما نجحت). ما حتقدر تقيم الادعاء الأول وتحدد نطاقه إلا تتخيل إنو كان ممكن الادعاء التاني يتقدم بدله. وأبرع مهارة في الحجاج والتناظر هي الاختيار الدقيق لنطاق الادعاء بي طريقة بتغير كليا حجم الدليل المطلوب في سند الادعاء المقدم. فعشان أقدم حجاج أثبت بيو إنو (الثورة ما نجحت) حيكون مختلف من حجم الحجاج المطلوب لإسناد ادعاء إنو (الثورة فشلت). فالقدرة على تحليل المقولات والادعاءات استنادا على ما لم يقال أو الخيارات الأخرى هي أحد أهم الملكات النقدية.

في ذات السياق، لو قدرت تتخيل الخيارات الأخرى حتعرف مثلا مدى عراقة الدولة السودانية على ضعفها. بروفيسور جعفر ميرغني، بناء على رواية من الصديق محمد عبد الباقي، بيدعي إنو من قدم التاريخ ما جات لحظة السودان ما كانت فيو دولة مركزية. دا بيوري إنو خيال الدولة عميق في المخيلة الجمعية للشعب السوداني. متذكر لمن جيت بعد يومين من الثورة كنت متفاجئ عديل بي طبيعة العمل في مطار الخرطوم. كان عندي شعور إنو موظفين الخدمة المدنية تاني يوم من الثورة ما حيمشوا الشغل عديل. ودا لشعور غائر بالضعف العملتو الإنقاذ في الحداثة السياسية للدولة خلال سنين حكمها.

في السياق دا أنا مبسوط جدا من الحاصل في بورتسودان دا وسعدت حقيقي لمن شفت الطيارة المصرية نزلت في المطار وعرفت إنو في خطوط كتيرة ناوية تستخدم مطار بورتسودان بالإضافة للأخبار عن الموسم الزراعي مثلا واستئناف إصدار الجوازات وغيرها من أخبار استئناف الدولة لمهامها. مرة بتكلم مع صديق من ضيق الحرب دي قال لي السودان دا منتهي عديل. قلت ليو مفروض تصل للعكس تماما. دا سببو عدم القدرة على تخيل الخيارات الأخرى. تخيل انقلاب حميدتي دا نجح وقادة المناطق العسكرية ما قدره يفشلوهو في الساعات الأولى والزول دا طوالي بقى ورئيس وجاب قائد جيش تعبان يمشي الإطاري. تاني يوم الحاميات في كل السودات كان حتتمرد وغالبا يحصل انشقاق عمودي في الجيش يحوله لي جيوش عديل. تخيل لو حاميات الجيش في الولايات سقطت ولا الحرب دي بقت حرب تنازع على الأمر الواقع زي ما حصل في ليبيا ولا سوريا ولا اليمن. كونه الدولة السودانية تقاوم مخطط زي دا فيهو تواطؤ من ضباط في الجيش وتهاون تواطؤ من القائد العام وفي وجود ١٢٠ ألف مقاتل منهم ٨٠ ألف على أقل تقدير بي ١٠ ألف عربة مقاتلة داخل العاصمة في لحظة الصفر، وبي سند سياسي من أكبر تحالف حزبي قاد ثورة من أعظم الثورات، وبعد دا ما ننحدر لي سيناريوهات كارثية، فدا بيقول فعلا إنو الدولة دي عريقة وخيالها في الشعب عريق على ضعفها. التنوع الإثني الأبرزتو الحرب دي للجيش السوداني بيقول إنو الجيش دا حقيقة ركن ركين للدولة دي. الليلة القائد العام بالإنابة والشغال عسكريا على حسم الحرب دي من جبال النوبة وفي هيئة القيادة نفسها في عسكري من قبائل عرب دارفور. كونه مع تنوع السودان دا كلو الجيش ما فيهو عوامل انشقاقات رأسية إثنية ولا طائفية ولا آيدولوجية فدا أساس قوي ممكن يتبني عليو ويستكمل.

من فوائد الحرب دي هو الاتجاه لاتخاذ بورتسودان كعاصمة مؤقتة. دا من المظاهر التأسيسية للحرب دي الممكن نبني عليها. وحقو زي دول كتيرة جزو من توافقاتنا التأسيسية في انتقال ما بعد الحرب دي يكون تحويل العاصمة كل فترة لي حاضرة من أقاليم السودان المختلفة عشان ننتهي من هامش ومركز دي.
حرب إبريل حرب تأسيسية بكل المقاييس لو أدركنا معناها ومغزاها في إطار القدرة على تخيل الخيارات الأخرى وقراءة الدعم السريع كمشروع استخباراتي لتقويض الدولة عبر هندسة آلة عنفها بمنظومة أسرية إجرامية استخباراتية استغلالا لتناقضات الدولة دي الداخلية وبالذات تهميش الريف لصالح المدينة. بيد أن تأسيسية حرب إبريل تتمركز في فهم أنها شهادة وفاة لسودان ٥٦ بل سودان ١٨٢١. الدعم السريع هو ليس نقيض دولة ٥٦ لكنه أعظم مظاهر تناقضاتها. هو ابن استغلال تهميش الريف مضافا لاقتصاد حرب الدولة على المجموعات الإثنية المهمشة غير العربية تفاعل مع حلقات استعمارية لاقتصاد سياسي مركزي سلطوي واقتصاد سياسي أقليمي توسعي. الدعم السريع ابن دولة ٥٦ استزرعه البشير والمؤتمر الوطني وفق منطق السلطة الاستعماري لجيفة محمد علي باشا ونماه البرهان ثم تحالفت معه الحرية والتغيير وفق ذات المنطق: منطق وراثة دولة محمد علي باشا وليس تجاوزها. فجاء من التناقضات الداخلية لهذه الدولة كأسوأ تمظهر لفشل منطقها وليس ثورة عليها. وهذا هو مناط القول بتأسيسية حرب إبريل لأنها كاشفة وخافضة لنهايات منطق دولة ١٨٢١ وصولا إلى ٥٦ وبإذن الله نهاية بـ ٢٠٢٣.

درس حرب إبريل الباقي، أن الجيش السوداني هو الحليف الذي لا بديل له في معركة بقاء الدولة والعدو الذي لا عدو غيره لاستبدال منطقها من السلطوية والاستخراجية إلى الديمقراطية والتنموية. تلك حدود تضيع على العقول التي لا تميز بين تحديات وجود الدولة من جهة وتحديات استقرارها وتنميتها من جهة. أو قل العقول التي تعجز عن تخيل الخيارات الأخرى.

عمرو صالح يس

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حرب إبریل الحرب دی

إقرأ أيضاً:

تغيير الخطاب العربى.. ضرورة

إن الجريمة النكراء التى شهدها لبنان أول أمس، أدخلت المنطقة فى مرحلة الحروب غير التقليدية، ما ينذر باشتعال شامل يضع المنطقة على حافة بركان دموى ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمى والعالمى.

 والممارسات الإسرائيلية الاستفزازية فى الشرق الأوسط ترتقى إلى جرائم الحرب المعاقب عليها وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية.

 وإصرار تل أبيب على توسيع بؤرة الصراع يؤكد مضيها فى غيها وخططها الاستعمارية عبر ارتكابها المزيد من المجازر والمحارق التى تؤجج نار الحروب والفتن.

إن المجتمع الدولى مطالب بضرورة القيام بدوره المنوط ووقف الهولوكست الإسرائيلى وفرض قوة القانون وإحكام العقل والجلوس على طاولة المفاوضات قبل فوات الأوان.

دولة الاحتلال الإسرائيلى حولت أرض غزة إلى مناطق لا يمكن العيش فيها، وتعمل جاهدة على تكرار السيناريو نفسه فى الضفة الغربية بالتوازى مع هجماتها على الجنوب اللبنانى وفق مخطط صهيونى لتغيير خريطة الشرق الأوسط.

مفتاح السلام فى المنطقة هو حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود  1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ونرى ضرورة إجبار إسرائيل على التوقف الفورى لإطلاق النار، وفتح المعابر لدخول المواد الإغاثية والأدوية إلى الشعب الفلسطينى، وتمكين الهلال الأحمر من القيام بدوره لإنقاذ المصابين ورفع الأنقاض وجثامين الشهداء.

موقف الدولة المصرية كان واضحا منذ انطلاق طوفان الأقصى السابع من أكتوبر الماضى وحتى الآن متمسكة بلاءاتها التى رفعتها فى وجه الاحتلال برفض تهجير الفلسطينيين، ومواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتقدم الدعم اللازم للأشقاء فى الأراضى المحتلة وإنهاء الحرب فوراً والانسحاب الفورى من محور فيلادليفيا، والحفاظ على لبنان وسلامة أراضيه، ورفض محاولات إسرائيل لتوسيع بؤرة الصراع فى المنطقة.

إن عدم كبح جماح إسرائيل والتصدى للنازية الجديدة يمهدان لانطلاق الحرب العالمية الثالثة من قبل الشرق الأوسط، وسوف يدفع العالم أجمع الثمن من هدوئه وأمنه واستقراره.

المظاهرات العارمة التى تجوب عواصم العالم رافضة حرب الإبادة الشاملة التى يتعرض لها الأشقاء فى فلسطين تتسع دائرتها كل يوم عن سابقه، ولا بد أن تستجيب الأنظمة الغربية لنبض الشارع وتتدخل لوقف الحرب فوراً بدلاً من التأييد الأعمى للاحتلال الفاشى.

ويبقى أن نؤكد ضرورة تغيير الخطاب العربى وتوحيد الموقف الإسلامى العربى بعيداً عن الشجب والتنديد والاستنكار إلى مواقف حاسمة رادعة توقف بحور الدماء وتحفظ للأمتين العربية والإسلامية هيبتهما، ومكانتهما بين الأمم.

مقالات مشابهة

  • تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (1)
  • بشأن المعارك مع حزب الله.. هذا ما أعلنه الجيش الإسرائيليّ صباح اليوم
  • «تقدم» تدين استهدف حافلة ركاب بمسيّرة ومقتل العشرات جنوبي العاصمة السودانية
  • حيلة المثقف السوداني إزاء حرب الأوليغارشية السودانية
  • أمريكا بين التناقضات- من العدالة المتوهمة في غزة إلى الحرب السودانية وهيمنة الحلفاء
  • في أعقاب زيارة البرهان لجوبا: هل يتدفق نفط جنوب السودان من جديد؟
  • تغيير الخطاب العربى.. ضرورة
  • أوكرانيا: عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي وصل إلى 637 ألفًا و10 جنود
  • إعلام إسرائيلي: الجيش نقل الفرقة 98 من قطاع #غزة إلى القيادة الشمالية استعدادا لاحتمالية توسعة الحرب ضد #حزب_الله في جنوب #لبنان
  • جبريل إبراهيم: الجيش قوة شرعية له الحق في الحصول على السلاح من أي مكان