جريدة الوطن:
2024-12-20@11:15:28 GMT

لم تحرموا ما أحل الله لكم«2»

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

توقفناـ أحبتنا الكرام ـ عند معجزة الله تعالى في خلقه التي جعلها ظاهرة لكل حي على وجه هذه البسيطة ألا وهي تنوع الأفكار والصنائع وسبل العيش،فسبحان الذي خلق البشر مختلفين لتعمر الأرض وتزدهر، بل وأمر الله تعالى عبادة بالعمل كل في مجاله وحسب قدراته وعطاءه وصنعته، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة ـ 105)،يقول الشوكاني (فتح القدير 2/ 455):(قوله:”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” فيه تخويف وتهديد أي: إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، فسارعوا إلى أعمال الخير، وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل، وفيه أيضًا ترغيب وتنشيط، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيرًا أو شرا رغب إلى أعمال الخير، وتجنب أعمال الشر، وما أحسن قول زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وفي (صحيح البخاري 6/ 171):(عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ”، ثُمَّ قَرَأَ:(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَ) (الليل 5 ـ 6)، ومن هنا وجب على كل صاحب صنعة أن يتقي الله في صنعته، وكل عامل يتقي الله في عمله، وكل موظف يتقي الله وظيفته، وكل بناء يتقي الله في بناء، وهكذا في كل شيء، وهنا سؤال يصر أن يطرح نفسه على آذاننا، ألا وهو: إذا أتقن كل ذي عمل وصنعة عمله وصنعته، فهل يكون رزقه وما كل اكتسبه حلال أم حرام؟ والإجابة تتسارع إلى أبواب الكلام تريد أن تخرج قبل أن ينطق بها اللسان قائلة: إن رزقه وما اكتسبه حلال حلالحلال، وهنا يستشعر القلب أحزانا تجرحه وتدميه ومشاعر تكسره وتثنيه، تلكم المشاعر التي يعاني منها معظمنا، ألا وهي: الغش وعدم الإتقان الانسلاخ من الحلال واستحباب الكسب الحرام من حضور ذلكم الوجه القبيح وهو الغش، وغياب ـ عن قصد ـ للإتقان، وعلى سبيل المثالالبناء الذي يبني البيت تجد أن أجرته من عرق جبينه وهي عين الحلال، ثم يحرمها على ويجعلها ليس بالحلال النقي لأنه يغش في بناء ولا يتقنه،ولا يقوم به حق القيام، على الرغم من أنه أخذ حقه المتفق عليه كاملا غير منقوص، وقس على ذلك ـ أخي الكريم ـ ما نراه كل يوم من الغش وعدم الإتقان والمخادعة والكذب والنفاق ومخالفة المواعيد والتدليس والمداهنة والإقناع بالكلام الباطل لمن لا يعلم واستغلال الصادقين من الناس لخيانتهم وقس على ذلك الكثير والكثير من ألوان الغش والكذب والتدليس على الناس، والأعجب من ذلك أنه يجعل ضحيته تتركه وهي سعيدة بهجة، وبعد قليل من الوقت تظهر له تلك المعاملة الكاذبة المغطاة بالصدق، يظهر له العيب بل قد تكون أحيانا عيوبا كثيرة، ولكنه يدرك ذلك بعد فوات الأوان، ونسأل هذا البناء الذي لم يتق الله في بناءه، وخادع الناس أقول له أبشر، أولًا: غضب الله تعالى ورسوله،وثانيًا: رزقك حرام اكتسبته بغير حق، وثالثًا: فساد في عملك وأهلك وعبادتك.


وأختم حديثي بإيداع هذا الحديث في قلوب هؤلاء،(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:”يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”(المؤمنون ـ 51)، وَقَالَ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” (البقرة ـ 172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)(صحيح مسلم 2/ 703).

محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الله فی ى الله

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة الأزهر: صد الناس عن تعلم اللغة العربية داء قديم وإن استشرى في زماننا

قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، باحتفالية الأزهر باليوم العالمي للغة العربية، إن الأزهر الشريف ليس مجرد مدرسة نظامية تخرج المعلمين والوعاظ، بل رسالته العظمى هي حمل مشكاة النور المبين، ونشرُ الإسلام، والمحافظة على تراثه ولغته، والمرابطةُ على ثغور فكر الأمة وثقافتها ووعيها وتبصيرِها بالحق في حوالك الظلمات، وشحذُ همم الأمة لإعادة مجدها وعزها، الأزهر هو المؤئل الذي تأوي إليه اللغة علما وتعليما ونشرا لها في آفاق الدنيا، مهما قوبلت من بعض أهلها بالعقوق، فالأزهر أحنى على اللغة العربية من أخ وأب.

وتابع رئيس جامعة الأزهر أن ابن سينا عالم الطب المشهور صاحب " القانون في الطب " كان متقنا لكثير من العلوم، وكان شاعرا مجيدا، وتعجب من تسميته هذا الكتاب بالقانون، كأنه كان يرى من وراء حجب الغيب أن الله جل وعلا سيجعل هذا الكتاب دستورا لعلم الطب، حتى إن نهضة الطب في أوربا كانت بفضل هذا الكتاب، ومن تمكن ابن سينا في الطب أنه لم يكتف بكتاب القانون، بل نظم قواعد الطب في أرجوزة من ألف بيت في علم الطب، كما نظم ابنُ مالك ألفيته في علم النحو من ألف بيت، وكان ابن سينا الطبيب شاعرا مبدعا.

وبيّن دكتور سلامة داود أنه مما صرف الناس عن اللغة العربية في زماننا دعوى صعوبة اللغة وصعوبة النحو، وهي دعوى ليس وراءها إلا صرفَ الناس عن لغتهم التي يقرؤون بها القرآن الكريم ويقرؤون بها تراث حضارتهم، ولا ريب أن من صرفهم عن لغتهم كمن صرفهم عن قراءة القرآن وتعلم أسراره وكم صرفهم عن تراثهم وحضارتهم، لأن اللغة العربية هي مفتاح تراثنا وحضارتنا.

وأوضح دكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر أن صد الناس عن اللغة العربية وعن تعلم النحو والشعر ليس جديدا، بل هو داء قديم وإن استشرى في زماننا، حتى عقد الإمام المتفرد عبد القاهر الجرجاني فصلا مهما جدا في صدر كتاب دلائل الإعجاز عن الرد على من ذم النحو والشعر وزهد في تعلمهما، وذكر أن الصد عنهما صد عن كتاب الله، وأن من يمنع الناس تعلم النحو والشعر كمن يمنعهم أن يحفظوا كتاب الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويُقْرئوه، ولا فرق بين من منعك الدواء الذي تستشفي به من دائك وتستبقي به حُشاشة نفسك، وبين من منعك العلم بأن فيه لك شفاءً واستبقاءً لحياتك.

ودعا رئيس جامعة الأزهر القائمين على المجالس التشريعية في عالمنا العربي والإسلامي إلى سن تشريع يجرم وضع الأسماء الأجنبية على المحلات والشركات والمؤسسات والإعلانات وغير ذلك مما عمت به البلوى، وأذكرهم بأن الله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن الحفاظ على اللغة حفاظ هلى هوية الأمة وثقافتها.

واختتم دكتور سلامة داود كلمته بدعوة القائمين على سياسة التعليم في العالم العربي والإسلامي إلى العودة إلى العناية بحفظ القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر العالي والنثر البليغ، فإن هذا هو السبيل إلى صقل المواهب وتجويد اللغة والمحافظة عليها، فإن خلو مناهجنا من حفظ هذه النصوص العالية يضعف اللغة ويزدها وَهْنًا على وهن، معلنا عزم جامعة الأزهر على تعريب العلوم، لأنها نشأت في أصلها عربية على لسان ابن سينا والخوارزمي والبيروني وابن الهيثم وغيرهم من كرام علمائنا.

اقرأ أيضاًرئيس جامعة الأزهر: الفتوى الرقمية ضرورة ملحة لتعزيز الأمن الفكري في المجتمع

رئيس جامعة الأزهر: الحوار منطق العقول الراشدة التي تسعى للصواب بعيدا عن الضجيج

أمين عام «البحوث الإسلامية» يلتقي نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه القبلي

مقالات مشابهة

  • كيف تواجه الظلم؟.. أزهري يوضح طرق العفو والجزاء الحسن
  • وكيل وزارة الأوقاف: بناء الأجيال مسؤولية كبيرة وأمانة في عنق الجميع «فيديو»
  • الداعية أحمد الطلحي: الصلاة على النبي سر الفلاح والنجاة من الهموم (فيديو)
  • أمين الفتوى: "آسافين العمل" إثم كبير وشهادة زور.. فيديو
  • الافتاء: آسافين العمل إثم كبير وشهادة زور
  • معنى الأهلة قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾
  • أمين الفتوى يوضح حكم قراءة سورة الناس في الركعة الأولى من الصلاة
  • الحكمة من حفظ الله تعالى للقرآن الكريم
  • روشتة أمين الفتوى للتخلص من الهم والغم.. فيديو
  • رئيس جامعة الأزهر: صد الناس عن تعلم اللغة العربية داء قديم وإن استشرى في زماننا