لم تحرموا ما أحل الله لكم«2»
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
توقفناـ أحبتنا الكرام ـ عند معجزة الله تعالى في خلقه التي جعلها ظاهرة لكل حي على وجه هذه البسيطة ألا وهي تنوع الأفكار والصنائع وسبل العيش،فسبحان الذي خلق البشر مختلفين لتعمر الأرض وتزدهر، بل وأمر الله تعالى عبادة بالعمل كل في مجاله وحسب قدراته وعطاءه وصنعته، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة ـ 105)،يقول الشوكاني (فتح القدير 2/ 455):(قوله:”وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” فيه تخويف وتهديد أي: إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين، فسارعوا إلى أعمال الخير، وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل، وفيه أيضًا ترغيب وتنشيط، فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خيرًا أو شرا رغب إلى أعمال الخير، وتجنب أعمال الشر، وما أحسن قول زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وفي (صحيح البخاري 6/ 171):(عَنْ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ، فَقَالَ: “مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ قَالَ: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ”، ثُمَّ قَرَأَ:(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَ) (الليل 5 ـ 6)، ومن هنا وجب على كل صاحب صنعة أن يتقي الله في صنعته، وكل عامل يتقي الله في عمله، وكل موظف يتقي الله وظيفته، وكل بناء يتقي الله في بناء، وهكذا في كل شيء، وهنا سؤال يصر أن يطرح نفسه على آذاننا، ألا وهو: إذا أتقن كل ذي عمل وصنعة عمله وصنعته، فهل يكون رزقه وما كل اكتسبه حلال أم حرام؟ والإجابة تتسارع إلى أبواب الكلام تريد أن تخرج قبل أن ينطق بها اللسان قائلة: إن رزقه وما اكتسبه حلال حلالحلال، وهنا يستشعر القلب أحزانا تجرحه وتدميه ومشاعر تكسره وتثنيه، تلكم المشاعر التي يعاني منها معظمنا، ألا وهي: الغش وعدم الإتقان الانسلاخ من الحلال واستحباب الكسب الحرام من حضور ذلكم الوجه القبيح وهو الغش، وغياب ـ عن قصد ـ للإتقان، وعلى سبيل المثالالبناء الذي يبني البيت تجد أن أجرته من عرق جبينه وهي عين الحلال، ثم يحرمها على ويجعلها ليس بالحلال النقي لأنه يغش في بناء ولا يتقنه،ولا يقوم به حق القيام، على الرغم من أنه أخذ حقه المتفق عليه كاملا غير منقوص، وقس على ذلك ـ أخي الكريم ـ ما نراه كل يوم من الغش وعدم الإتقان والمخادعة والكذب والنفاق ومخالفة المواعيد والتدليس والمداهنة والإقناع بالكلام الباطل لمن لا يعلم واستغلال الصادقين من الناس لخيانتهم وقس على ذلك الكثير والكثير من ألوان الغش والكذب والتدليس على الناس، والأعجب من ذلك أنه يجعل ضحيته تتركه وهي سعيدة بهجة، وبعد قليل من الوقت تظهر له تلك المعاملة الكاذبة المغطاة بالصدق، يظهر له العيب بل قد تكون أحيانا عيوبا كثيرة، ولكنه يدرك ذلك بعد فوات الأوان، ونسأل هذا البناء الذي لم يتق الله في بناءه، وخادع الناس أقول له أبشر، أولًا: غضب الله تعالى ورسوله،وثانيًا: رزقك حرام اكتسبته بغير حق، وثالثًا: فساد في عملك وأهلك وعبادتك.
وأختم حديثي بإيداع هذا الحديث في قلوب هؤلاء،(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ:”يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ”(المؤمنون ـ 51)، وَقَالَ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ” (البقرة ـ 172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)(صحيح مسلم 2/ 703).
محمود عدلي الشريف
ma.alsharif78@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي: غفلة الناس عن نعم الله بعد الأزمات بلاء عظيم
أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن كثيرًا من الناس يقعون في غفلة كبيرة عن نعم الله، خاصة بعد تجاوز الأزمات والمحن، مشيرًا إلى أن البعض لا يدرك حجم النعمة التي أنعم الله بها عليه بعد شفائه من المرض أو نجاته من الكوارث.
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال تصريحات تلفزيونية اليوم، الأحد، أن جائحة كورونا كانت مثالًا واضحًا على ذلك، حيث عاش العالم في حالة شلل تام، وتعطلت كل مناحي الحياة، من الطيران إلى المدارس والجامعات والمصانع، حتى ظن الناس أنهم ينتظرون الموت، ثم جاءت رحمة الله وزالت الأزمة، ورغم ذلك، عاد البعض إلى حياته وكأن شيئًا لم يكن، متناسيًا عظمة النعمة التي وهبها الله له.
الفرق بين "الوَزر" و"الوٍزر" و"الحمولة" و"الفرش".. خالد الجندي يجيب
خالد الجندي: هذه الآية ليست دعوة للكفر وإنما تحدٍ إلهي
خالد الجندي: هذه الكلمة من أحب الألفاظ إلى الله
خالد الجندي: الدين النعمة الحقيقية المستحقة لشكر الله عليها
وانتقد الجندي استخدام البعض لمصطلحات مثل "غضب الطبيعة" عند وقوع الكوارث كالحرائق أو الأعاصير أو الفيضانات، مؤكدًا أن كل شيء يجري بإرادة الله، وأن الإنسان عليه أن يتذكر قدرة الله ونعمته، ولا يتعامل مع الأزمات والنجاة منها على أنها مجرد أحداث عادية.
خالد الجندي: الدين النعمة الحقيقية المستحقة لشكر الله عليهاوكان الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أكد أهمية التفريق بين "النِّعَم" و"النَّعَم" في اللغة القرآنية، موضحًا أن "النَّعَم" تشير إلى الأنعام، مثل الإبل والبقر، بينما "النِّعَم" تشمل جميع النعم التي أنعم الله بها على الإنسان.
وأضاف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن القرآن الكريم لا يعترف إلا بنعمة واحدة على أنها الأعظم، وهي نعمة الدين، مستشهدًا بقوله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا"، موضحًا أن هذه الآية تدل على أن الإسلام هو النعمة الكبرى التي يجب أن يعتز بها المسلم، قائلًا: "الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى".