تاريخ الصراع بين العرب والغرب وأهمية الدروس
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
العلاقة بَيْنَ العرب والغرب قديمة قِدم تاريخ الحضارات البَشَريَّة أو ما يُسمَّى العالَم القديم، ولا شك أنَّه بقَدْر ما استفاد الشرق والغرب من بعضهما في مختلف فترات التاريخ كانت هناك صراعات وسباق حضاري بَيْنَهما. إلَّا أنَّ المؤسف أن يكُونَ هذا السباق جاء على حساب الآخر وليس استكمالًا لدَوْره الحضاري.
التاريخ سجَّل تلك العلاقات الدوَليَّة المشحونة بعد قيام النهضة الأوروبيَّة فتمَّ احتلال أجزاء الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، ولو اكتفى الأمْرُ بذلك فهذه حالة دارجة في تاريخ الأُمم وصراع البقاء من أجْلِ السيطرة على الثروة، وربَّما نعدُّ ذلك في سياقاته التاريخيَّة فقَدْ سبَقَ العرب بالسيطرة على الأندلس بغَضِّ النظر عن المقاصد وما رسَّخه العرب في الأندلس من حضارة على عكس ما خلَّفه الاحتلال الأوروبي للوطن العربي من مآسٍ ومعاناة ما زالت عناصرها ماثلة حتَّى اليوم في المنطقة. نعم لَمْ يكتفِ الغرب الأوروبي بذلك، فقَدْ عمل على تكريس الضعف والتراجع والانقسام، والتاريخ الحديث سجَّل عددًا من الحالات يجِبُ أن لا تغيبَ عن الذاكرة العربيَّة في إطار معركة الوعي. ففي عام 1907م يذكر عددٌ من المراجع ما سُمِّيت وثيقة كامبل، ورغم الجدل حَوْلَ مصادر تلك الوثيقة، إلَّا أنَّ النتائج اللاحقة جاءت بالدقَّة حسب ما ورد في تلك الوثيقة. ووثيقة كامبل عبارة مؤتمر كامبل بنرمان وهو مؤتمر انعقَدَ في لندن عام 1907م بدعوة سرِّيَّة من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آليَّة تحافظ على تفوُّق ومكاسب الدوَل الاستعماريَّة إلى أطوَل أمَدٍ ممكن. وقَدَّم فكرة المشروع حزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضمَّ عددًا من الدوَل الاستعماريَّة في ذلك الوقت هي: بريطانيا، فرنسا، هولندا (نيذرلاندز)، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرِّيَّة سمُّوها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان. وهو أخطر مؤتمر عُقد لتدمير الأُمَّة العربيَّة خصوصًا (الإسلاميَّة عامَّة) المنافس الحضاري لأوروبا، وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة بوضع حاجز بَشَري أو جسم غريب يفصل بَيْنَ الشرق والغرب العربي، ويعمل على عدَّة أهداف أبرزها عدم استقرار المنطقة وهو ما حدث بالفعل. ورغم عدم العثور على المصدر الأصلي للوثيقة، إلَّا أنَّ الصحافة تحدَّثت عن المؤتمر في حينه، وسجَّلت بعض التفاصيل، ولا شكَّ أنَّ الوثائق ليس كُلُّها متاحًا، فهناك ممَّا لا يُنشر حفاظًا على مصالح الدوَل، وهناك ما يتمُّ إتلافه على عكس الاتفاقيَّات والوعود التي لا بُدَّ من إثباتها بشكلٍ رسمي مِثل اتفاقيَّة سايكس ـ بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917م الذي قَدَّم وعدًا لتمليك اليهود أرض فلسطين، وعدَ مَن لا يملك لِمَن لا يملك، وبسبب هذه الذاكرة الملبَّدة بَيْنَ العرب والغرب واستمرار احتلال فلسطين واستمرار إسقاطات المؤامرة الغربيَّة على الوطن العربي، وآخر تجلِّياتها التاريخيَّة ما سُمِّي «الربيع العربي» الذي كان للغرب الدَّوْر الأبرز فيه. ويخطئ مَن يعتقد أنَّ القضيَّة مسألة ثورات وحقوق شعوب فقط.. نعم هناك تراجعات على الصعيد العربي وقصور وهموم في مختلف الأقطار العربيَّة، ولكن ما حدث من تخطيط ومتابعة واستهداف دوَل بعَيْنها في حقيقته يهدف إلى إضعاف هذه الدوَل وخلق الفوضى الخلَّاقة الذي بَشَّر به أقطاب القوى الدوَليَّة، ولَمْ يَعُدْ خافيًا على أحدٍ نتائج تلك المرحلة التي ما زالت آثارها ماثلةً للعيان. فقَدْ سقطت عدَّة دوَل عربيَّة في أوضاع مأساويَّة ما زالت عالقة حتَّى اليوم. ومن الغباء تسليم الأمْرِ إلى مسألة الحقوق، وما يُسمَّى الثَّورة المتناسخة؛ لأنَّ النتائج توازت مع تاريخ العلاقات المضطربة بَيْنَ الغرب والعرب وأهمِّية تحقيق مشروع «إسرائيل الكبرى». تلك السِّياقات التاريخيَّة بَيْنَ الغرب والشرق العربي ونتائجها تؤكِّد نوعيَّة العلاقات الدوليَّة بَيْنَ الطرفَيْنِ، ونحن هنا لا نرفع راية الثأر بقَدْر ما يدفعنا ذلك إلى تحفيز الذاكرة في معركة الوعي للحديث عن الاستفادة من الدروس، وليس كُلُّ ما يُسجَّل في العلاقات الدوَليَّة ظاهرًا، بل هناك تاريخ مشوَّش وعلاقات دوليَّة تشوبها المؤامرات الخفيَّة، وهذه الحالة الدوليَّة تتطلب من النِّظام الرَّسمي العربي اليقظة والاستفادة من تلك الدروس التاريخيَّة. ولا بُدَّ من توحيد الجهود العربيَّة، وتحفيز معركة الوعي بأهدافها، وترسيخ واقع عربي بالحديث عن الوحدة الضمنيَّة والتعاون والتضامن العربي، والعمل العربي المشترك والمشروع العربي الشامل، وأهمِّية تنسيق الجهود لمواجهة المشاريع الأخرى التي تعمل على حساب المشروع العربي.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة العربی ن العرب الدو ل
إقرأ أيضاً:
سفير الاتحاد الأوروبي: ناقشت مع المنفي العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة
استقبل رئيس المجلس الرئاسي، “محمد المنفي”، اليوم الإثنين، بمقر المجلس في طرابلس، سفير بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، السيد، “نيكولا أورلاندو”.
وقال أورلاندو عبر حسابه على “منصة إكس”:” تشرفتُ باستقبال الرئيس محمد المنفي اليوم في طرابلس، وقد تبادلنا وجهات النظر هادفة حول آخر التطورات وفرص تعزيز الشراكة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي”.
وأضاف:” أشدتُ بجهود المجلس الرئاسي في دعم السلام والاستقرار في العاصمة، اتفقنا على الحاجة الملحة إلى إصلاحات اقتصادية بقيادة ليبية – لا سيما تحسين الرقابة على الإنفاق وزيادة الشفافية في إدارة الثروة الوطنية – لحماية الأسر من الضائقة المالية ودعم القطاع الخاص” .
وتابع:” ناقشنا العملية السياسية التي تُيسّرها الأمم المتحدة، مع اقتراب اللجنة الاستشارية من إتمام عملها، واتفقنا على أهمية تهيئة الظروف لإعادة إطلاق العملية السياسية نحو الانتخابات الوطنية”.
واستطرد السفير:” أكّدتُ مجددًا التزام الاتحاد الأوروبي بتحسين التنسيق بشأن الهجرة القائمة على الحقوق وإدارة الحدود، مع التركيز على تعزيز قدرات المؤسسات ذات الصلة والزيادة المستمرة في العودة الطوعية للمهاجرين الي بلدانهم”.