جريدة الوطن:
2024-08-12@19:35:06 GMT

تاريخ الصراع بين العرب والغرب وأهمية الدروس

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

تاريخ الصراع بين العرب والغرب وأهمية الدروس

العلاقة بَيْنَ العرب والغرب قديمة قِدم تاريخ الحضارات البَشَريَّة أو ما يُسمَّى العالَم القديم، ولا شك أنَّه بقَدْر ما استفاد الشرق والغرب من بعضهما في مختلف فترات التاريخ كانت هناك صراعات وسباق حضاري بَيْنَهما. إلَّا أنَّ المؤسف أن يكُونَ هذا السباق جاء على حساب الآخر وليس استكمالًا لدَوْره الحضاري.

والحديث عن العلاقة بَيْنَ العرب والغرب يحمل في طيَّاته الكثير من المآسي على العرب خصوصًا. فعلى الرغم ممَّا قَدَّمه العرب والمُسلِمون لأوروبا بشكلٍ خاصٍّ من علوم وازدهار في مراحل العرب الذهبيَّة في الأندلس، والوَجْه الحضاري المُشرِق الذي رسَّخه العرب في أوروبا (إسبانيا والبرتغال) وانتقاله إلى بقيَّة الحواضر الأوروبيَّة، وعلى الرغم من أُمَّهات الكتب والمجلَّدت العلميَّة التي انتقلت من الشرق وعلماء العرب في فترة ازدهار الحضارة العربيَّة في بغداد ودمشق والقاهرة، وبرغم العلوم التي برع فيها علماء العرب وانتقلت من الشرق إلى الغرب في مجالات متنوِّعة مِثل الطِّب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيَّات والفَلك والملاحة والزراعة والعمارة، وغيرها من العلوم والفنون، واستفاد الغرب مِنْها في تشكيل قاعدة علميَّة للحضارة والنهضة الأوروبيَّة. وهناك كتب وبحوث متعدِّدة سجَّلت هذا الرصيد العربي الهائل الذي نهلت مِنْه القارَّة الأوروبيَّة وليس للحصر (شمس العرب تسطع على الغرب لمؤلفه زيجريد هونكه) وكذلك كتاب (عباس محمود العقاد كيف استفاد الغرب من الحضارة العربيَّة)، وهناك الكثير من الكتب والبحوث الأخرى. وللعِلْم فإنَّ الأندلس كانت منارة علوم وحضارة استقطبت البعثات من مختلف أرجاء أوروبا ولكن ماذا بعد؟! للأسف الشديد لَمْ نجنِ نحن العرب من الغرب إلَّا ممارسة الأعمال العدائيَّة، وتاريخًا مؤلمًا للحملات الصليبيَّة والمؤامرات والاتفاقيَّات التي قسَّمت الدَّولة العثمانيَّة التي سُمِّيت الرجل المريض، فقسّمت خرائط الوطن العربي بَيْنَ القوى الأوروبيَّة، فتمَّ احتلال المشرق العربي وارتُكبت فيه مجازر وأعمال إرهاب رسمي بحجَّة القضاء على المقاومات العربيَّة وقمع أيِّ حالة نضال عربي أو ممانعة لقوى الاحتلال.
التاريخ سجَّل تلك العلاقات الدوَليَّة المشحونة بعد قيام النهضة الأوروبيَّة فتمَّ احتلال أجزاء الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، ولو اكتفى الأمْرُ بذلك فهذه حالة دارجة في تاريخ الأُمم وصراع البقاء من أجْلِ السيطرة على الثروة، وربَّما نعدُّ ذلك في سياقاته التاريخيَّة فقَدْ سبَقَ العرب بالسيطرة على الأندلس بغَضِّ النظر عن المقاصد وما رسَّخه العرب في الأندلس من حضارة على عكس ما خلَّفه الاحتلال الأوروبي للوطن العربي من مآسٍ ومعاناة ما زالت عناصرها ماثلة حتَّى اليوم في المنطقة. نعم لَمْ يكتفِ الغرب الأوروبي بذلك، فقَدْ عمل على تكريس الضعف والتراجع والانقسام، والتاريخ الحديث سجَّل عددًا من الحالات يجِبُ أن لا تغيبَ عن الذاكرة العربيَّة في إطار معركة الوعي. ففي عام 1907م يذكر عددٌ من المراجع ما سُمِّيت وثيقة كامبل، ورغم الجدل حَوْلَ مصادر تلك الوثيقة، إلَّا أنَّ النتائج اللاحقة جاءت بالدقَّة حسب ما ورد في تلك الوثيقة. ووثيقة كامبل عبارة مؤتمر كامبل بنرمان وهو مؤتمر انعقَدَ في لندن عام 1907م بدعوة سرِّيَّة من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آليَّة تحافظ على تفوُّق ومكاسب الدوَل الاستعماريَّة إلى أطوَل أمَدٍ ممكن. وقَدَّم فكرة المشروع حزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت، وضمَّ عددًا من الدوَل الاستعماريَّة في ذلك الوقت هي: بريطانيا، فرنسا، هولندا (نيذرلاندز)، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرِّيَّة سمُّوها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بنرمان. وهو أخطر مؤتمر عُقد لتدمير الأُمَّة العربيَّة خصوصًا (الإسلاميَّة عامَّة) المنافس الحضاري لأوروبا، وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة بوضع حاجز بَشَري أو جسم غريب يفصل بَيْنَ الشرق والغرب العربي، ويعمل على عدَّة أهداف أبرزها عدم استقرار المنطقة وهو ما حدث بالفعل. ورغم عدم العثور على المصدر الأصلي للوثيقة، إلَّا أنَّ الصحافة تحدَّثت عن المؤتمر في حينه، وسجَّلت بعض التفاصيل، ولا شكَّ أنَّ الوثائق ليس كُلُّها متاحًا، فهناك ممَّا لا يُنشر حفاظًا على مصالح الدوَل، وهناك ما يتمُّ إتلافه على عكس الاتفاقيَّات والوعود التي لا بُدَّ من إثباتها بشكلٍ رسمي مِثل اتفاقيَّة سايكس ـ بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917م الذي قَدَّم وعدًا لتمليك اليهود أرض فلسطين، وعدَ مَن لا يملك لِمَن لا يملك، وبسبب هذه الذاكرة الملبَّدة بَيْنَ العرب والغرب واستمرار احتلال فلسطين واستمرار إسقاطات المؤامرة الغربيَّة على الوطن العربي، وآخر تجلِّياتها التاريخيَّة ما سُمِّي «الربيع العربي» الذي كان للغرب الدَّوْر الأبرز فيه. ويخطئ مَن يعتقد أنَّ القضيَّة مسألة ثورات وحقوق شعوب فقط.. نعم هناك تراجعات على الصعيد العربي وقصور وهموم في مختلف الأقطار العربيَّة، ولكن ما حدث من تخطيط ومتابعة واستهداف دوَل بعَيْنها في حقيقته يهدف إلى إضعاف هذه الدوَل وخلق الفوضى الخلَّاقة الذي بَشَّر به أقطاب القوى الدوَليَّة، ولَمْ يَعُدْ خافيًا على أحدٍ نتائج تلك المرحلة التي ما زالت آثارها ماثلةً للعيان. فقَدْ سقطت عدَّة دوَل عربيَّة في أوضاع مأساويَّة ما زالت عالقة حتَّى اليوم. ومن الغباء تسليم الأمْرِ إلى مسألة الحقوق، وما يُسمَّى الثَّورة المتناسخة؛ لأنَّ النتائج توازت مع تاريخ العلاقات المضطربة بَيْنَ الغرب والعرب وأهمِّية تحقيق مشروع «إسرائيل الكبرى». تلك السِّياقات التاريخيَّة بَيْنَ الغرب والشرق العربي ونتائجها تؤكِّد نوعيَّة العلاقات الدوليَّة بَيْنَ الطرفَيْنِ، ونحن هنا لا نرفع راية الثأر بقَدْر ما يدفعنا ذلك إلى تحفيز الذاكرة في معركة الوعي للحديث عن الاستفادة من الدروس، وليس كُلُّ ما يُسجَّل في العلاقات الدوَليَّة ظاهرًا، بل هناك تاريخ مشوَّش وعلاقات دوليَّة تشوبها المؤامرات الخفيَّة، وهذه الحالة الدوليَّة تتطلب من النِّظام الرَّسمي العربي اليقظة والاستفادة من تلك الدروس التاريخيَّة. ولا بُدَّ من توحيد الجهود العربيَّة، وتحفيز معركة الوعي بأهدافها، وترسيخ واقع عربي بالحديث عن الوحدة الضمنيَّة والتعاون والتضامن العربي، والعمل العربي المشترك والمشروع العربي الشامل، وأهمِّية تنسيق الجهود لمواجهة المشاريع الأخرى التي تعمل على حساب المشروع العربي.

خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة العربی ن العرب الدو ل

إقرأ أيضاً:

الصراع المُتَجذِّر بين أعوان الحق وهمجية الباطل

 

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

ها هي الأمة الإسلامية بكافة أطيافها ومكوناتها تعيش في واقع مؤلم وظروف قاسية وصعبة وإخفاقات متتالية نتيجة لتلك الأحداث المتلاحقة والمستجدات التي تشهدها البشرية من خلال الصورة الماثلة أمامها بما تعانيه من حالة الانكسار في ظل تضخم سجل الغدر والخيانات والانزلاقات والصراعات التي تُعمّق الفوضى والحقد والكراهية، وتتكون من خلالها المآسي والمظالم وبؤر الفساد.

وهذا بلا شك انعكاس لما يشهده العالم من تداعيات وإرهاصات وتفكك ملموس في العلاقات البينية والأخلاقيّات وما تشكله تلك المؤامرات والتحزبات والانقسامات التي ما أنزل الله بها من سلطان، فتلك صناعة عدوانية صهيونية انتقامية آثمة وخبيثة ومدعاة للقلق وسفك الدماء والدمار وخرق قوانين الكون واختراق أنظمة الحياة والخروج عن المسارات التي حددها الخالق جلت قدرته من أجل استتباب الأمن واستقرار الحياة وانضباطها في حدود دائرة أيقونة السلام، كما إنها حسبما يبدو لنا لا تبشر بخير فيما يترقبه الإنسان ويتطلع إلى تحقيقه في ظل القوانين الدولية والمبادئ الفاضلة القائمة على العدل والمساواة، بقدر ما تنطوي عليه من مُعطيات عنصرية مقيتة وأساليب إرهابية دكتاتورية بعيدة كل البعد عن المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية؛ فالخطوات التي تنتهجها العصابات الصهيونية قائمة على الحقد والمكر والكراهية التي توفر لها أرضية تكتيكية لاصطياد وقتل الأبرياء وإزاحة القادة الكبار عن طريقها لكي تنفرد بقراراتها وتنفذ مشاريعها وإستراتيجياتها بما يضمن لها حق البقاء على الأراضي المحتلة مهما كلف الأمر من تضحيات وقتل ودمار على حساب الطرف الآخر، لكونها تربت ونشأت وترعرعت على سفك دماء الأبرياء وأخذ حقوقهم وتدمير أراضيهم وممتلكاتهم بما يتفق مع مصالحها ويؤمن لها وجوداً غير شرعي بأي شكل من أشكال البربرية والهمجية.

وهناك سلسلة من الغطرسة سلسلة من الانتهاكات سلسة من الفساد الأخلاقي سلسلة من العنجهية سلسلة من الإجرام سلسلة من الوحشية سلسلة من الدمار سلسلة من سفك دماء الأبرياء وقتل الأطفال والنساء وكبار السن سلسلة من الضحايا سلسلة من الخيانات سلسلة من الاغتيالات سلسلة من النفاق والمراوغة والخداع، كل هذا يحصل علانية دون حياء ولا خوف ولا مروءة.. يحصل من قبل الصهاينة وأعوانهم أمام المنظمات الدولية والكيانات الرسمية والشخصيات الاعتبارية التي أصبحت جميعها مُهمشة وغير فاعلة ولم تكن لها القدرة على صياغة الأطر القانونية النافذة وحمايتها وتحمل مسؤوليتها. كما أن ذلك يحصل أمام ومرأى العالم قاطبة وبشكل يومي، ومن بينهم من وصل به الحال إلى القيام باستقبال عدوه بالأحضان طمعًا في رضاه والوقوف بجانبه، حتى لا تغيبه الأقدار من المشهد الذي يحتويه، ولو كان ذلك على حساب وطنه ودينه ورجولته وشهامته ولربما يرى ذلك من واجب الضيافة، وها هي المُعاناة المستعصية تتضاعف وتزداد عمقاً وسوءًا، والجراح تشتدّ ألماً ونزيفاً والهمجية تتوسع رقعتها بطرق متعددة وآليات متنوعة، وبخبث ماكرٍ متجرد من المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية.

إنَّ الحروب المفروضة على الأمة الإسلامية من قبل أعدائها وأعوانهم ينبغي مقاومتها بأساليب تكتيكية بعيدة المدى من خلال إعادة النظر في بناء القدرات النفسية والمادية والمعنوية التي من شأنها توحيد الصورة التكاملية لتكون في مستوى الجاهزية الإيجابية لمواجهة تلك التحديات الناشئة بفعل الغطرسة والعنجهية القائمة على الحقد والكراهية والاستخفاف بالطرف الآخر في ظل غياب الوحدة الإسلامية الهادفة إلى تعميق وتأصيل وترسيخ الغايات المرجوة والداعمة لبناء الاستقرار العالمي، فعلى هذه الأمة تحديد أهدافها ومواقفها واستراتيجيتها بما يجسد منهج خالقها سبحانه وتعالى وذلك وفق ما جاء بالكتاب والسنة.

إنَّ فشل الأمة الإسلامية في توحيد صفوفها وتضميد جراحها والقيام بدورها وواجباتها والنهوض بمصالحها ومسؤولياتها، جعلها تتأرجح وتتعرض لهذه الانتهاكات والإرهاصات والنكسات المؤلمة التي أودت بها إلى حالة من الضياع واليأس، مع فقدانها تلك المكانة العريقة التي تلاشت من خلال المواقف والقرارات السلبية التي أصبحت تتحكم في تصرفاتها وسلوكياتها، فكان من الواجب عليها أن تُعيد النظر في سياساتها وفي مفهوم علاقاتها مع الغير وما هية تلك العلاقة ومُؤثراتها في مجمل الأحوال وما هية الخيارات المطروحة أمامها والتي تضمن لها تحقيق أهدافها وتطلعاتها بشكل مُتكامل ورؤية واضحة وسليمة، لكي تتعامل معها بعقلية ناضجة وفكر مستنير من أجل أن تتمكن من تفعيل قدراتها وتعزيز مواقفها والذود عن كرامتها والتحرك نحو مُواجهة تلك التحديات التي باتت تؤرقها وتهضم حقوقها وتعيش من خلالها في صراع مُستمر...

ربنا احفظ لنا ديننا وأوطاننا وسلطاننا وانصرنا على عدوك وعدونا وارفع راية الإسلام والمسلمين عالية خفاقة وانصر عبادك المجاهدين يا رب العالمين.

مقالات مشابهة

  • كيف أثر الصراع على الصحة النفسية للسوريين؟
  • أوستن: ناقشت مع جالانت العمليات الإسرائيلية بغزة.. وأهمية تخفيف الأضرار التي لحقت بالمدنيين
  • 7 ذهبيات منحت العرب أفضل مشاركة في تاريخ الألعاب الأولمبية
  • ريال مدريد يهدف لتحطيم الرقم القياسي في كأس السوبر الأوروبي ضد أتالانتا
  • الصراع المُتَجذِّر بين أعوان الحق وهمجية الباطل
  • أفضل مشاركات العرب في تاريخ الأولمبياد باريس 2024
  • عجّت بذكرها كتب التراث العربي.. «إبل الأوارك».. عراقة سلالة ارتبطت اسماً وموطناً بمنابت شجر الأراك
  • العرب: بين تحديات الحاضر وطموحات المستقبل
  • جامعة إب تنظم ندوة بعنوان “طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي”
  • صفعة حماس للاحتلال والغرب!!