قيل الكثير عن الإدارة الحديثة، وعن إدارة الأزمات، وإدارات أخرى تتعلق بالعديد من المؤسَّسات والأعمال، ولكن لَمْ أجد ما يشير إلى التوسُّع في التصدِّي لإدارة التضليل.
لقَدْ أُتيح لي خلال نصف قرن من العمل في مجالات المعرفة، أن أمسكَ مَسْكَ اليد ظواهر عديدة من التضليل لتكريس التلكُّؤ، وتبرير المنهج السلبي، والتغطية على الإخفاقات الحاصلة بالمزيد من الالتفافات التي تزاحم المكاشفات، وما يترتب عليها من استحقاقات الشفافيَّة.
الشائع أنَّ (روَّاد) إدارة التضليل يستسهلون الذَّرائع بزعم تحدِّيات ليست تحت التغطية، أمَّا البجاحة الأخرى في ذلك، رمي اللوم على الآخرين وتحميلهم مسؤوليَّات الإخفاق من خلال الخلط بَيْنَ الكذب والتلفيق والتباكي، والاستكانة والتجنِّي على الحقائق. من متواليات إدارة التضليل الاحتيال على الوقائع الصَّادمة لتمويل مشروعيَّة زائفة للذي يجري. الحال أيضًا، هناك مَن يُدير التقصير بمفهوم أوطأ العطاءات بزعم أنَّها قمَّة الإنجاز، ويضع الأمور في دوَّامة استقتالٍ إعلاميٍ تحْكُمه الشوشرةُ للإفلات من الاعتراف، على غرار ما يفعل بعض التلاميذ في تحميل الأساتذة سبب تراجع مستوياتهم العلميَّة. من النماذج الأخرى للتضليل استكثار الإصغاء، خصوصًا حين يكُونُ التسديد بالحقائق.. روَّاد التضليل بنسخة التقصير يختلقون تخريجات مزوَّرة لتسويق البضاعة الفاسدة من خلال إظهار الأجزاء السليمة مِنْها للإيهام أنَّ تلك الواجهات تُمثِّل النموذج للأجزاء الأخرى. لقَدْ كثرت منصَّات التجميل، وبات الطلاء يتصدَّر الأهمِّية على حساب الجوهر، وانتظمت العديد من المصانع في الاهتمام بالأغلفة لاستجلاب المهتمِّين بالألوان والروائح فحسب. إنَّ إدارة التقصير عن جهل، أو لانحرافٍ بنيويٍّ ما، أو سوء تقدير، أمْرٌ شائعٌ يُمكِن التصدِّي له، لكنَّ التعقيدَ حين يكُونُ متعمدًا يستجلب منافع لآخرين ينتظرونها خارج الوسط المصاب به. لقَدْ كشفت إحاطات الخبير الأميركي جون بيركنز مؤلِّف كتاب (الاغتيال الاقتصادي للأُمم)، عن حجم المنهج الالتفافي، الذي لا أهداف له سوى توريط اقتصادات في الاستثمار المبطن من خلال خيوط متعدِّدة بذرائع الدَّمج، وزعم متطلبات الشراكة في الفرص، بَيْنَما الاشتغال الجاري ينصبُّ على تضييع العدالة، وتلك إحدى العقَد التنمويَّة التي ما زالت تطول الأفارقة. هناك (معالم) من التقصير المتعمَّد الذي ضرب قارة إفريقيا إلى جانب التصحُّر، والصراعات الحدوديَّة والقبليَّة، وأجواء التطرُّف الدِّيني والعنف العسكري. لقَدْ تاكلت ثروة إفريقيا عَبْرَ سلسلة من التعمية على الأولويَّات والإسراف في الانتظار، وتضعضعت أسبقيَّات التنمية المستدامة، وتلك أخطر مراحل إدارة التقصير. وحسبي، أنَّ ما يجري الآن على هامش الأحداث الأخيرة في النيجر والجابون، ودوَل إفريقيَّة أخرى يحتاج حاجة ماسَّة إلى ما يُعرف بالتطبيب الوظيفي الذي يقوم على أسبقيَّة معالجة الأسباب، وليس الانشغال بالتطبيب التقليدي التسكيني للمشاكل. إنَّ أفضل الخيارات لمعالجة ثنائيَّة التقصير والتضليل ينبغي أن تنصبَّ على تكوين المزيد من فرص المراجعة والتشخيص والمكاشفة، وتلك عمليَّة تحتاج إلى مواظبة جديَّة لا تنقطع مهامُّها. وحسبي أيضًا أنَّ ملايين الأفارقة الذين ضاعوا في البحار والمحيطات، أو صاروا وقودَ الحروبِ والنزاعات قضوا بفعل ثقافة التقصير والتضليل. وإذا كان الكثير مِنْهم قَدْ حشروا في زوارق الموت، فإنَّ آخرين ما زالوا تحت طائلة عبوديَّة النَّصب واستذكارات سفراء النيَّات الحسَنة.
عَلَيْكم أن تستحضروا معي حيْرة امرأة صوماليَّة ذهبَ زوجها لرعاية حقل زراعي على مشارف قريتهم فعاد إليها حاملًا بندقيَّة، لا شكَّ أنَّ شياطين الإقناع تعرَّضوا له في الطريق.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
ة التقصیر
إقرأ أيضاً:
تاليسكا: دوران لاعب مذهل والنصر يبحث دائما عن كبش فداء
ماجد محمد
رد أندرسون تاليسكا، لاعب فنربخشة والنصر سابقًا، على التساؤلات المثارة حول مستوى جون دوران، الوافد الجديد لنادي النصر، مدافعًا عنه بقوة.
وقال تاليسكا في تصريحات صحفية: “إنه لاعب رائع وسيبذل الكثير من أجل هذا النادي.
وتابع :”المشكلة أنكم تريدون دائمًا العثور على شخص تلقون عليه اللوم في الهزائم، لكنكم لا ترون أين يكمن الخطأ الحقيقي.
وأتم:”توقفوا عن التصرف بهذه الطريقة طوال الوقت، أنتم تعرفون أين الخطأ، ولكنكم خائفون من قوله”.

اقرأ أيضا
جاهزية أوتافيو لمواجهة الاستقلال