جريدة الوطن:
2025-03-15@23:26:18 GMT

إعلام الخواجة

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

حين كانت مصادر الأخبار الرئيسة حَوْلَ العالَم ناطقة في أغلبها باللغة الإنجليزيَّة مِثل وكالة «رويترز» و»آسيوشيتدبرس» كانت هناك قاعدة غير معلنة في غرفة الأخبار الرئيسة لتلك الوكالات حَوْلَ ترتيب أهمِّية الأخبار التي تستحقُّ البثَّ: مقتل أميركي أو إسرائيلي، مقتل أكثر من أوروبي، مقتل عشرات أو مئات في أيِّ مكان آخر في العالَم.

ورغم ما يبدو في ذلك التصنيف من شُبهات عنصريَّة واضحة، إلَّا أنَّ القائمين على تلك المنافذ الإخباريَّة كانوا يرَون أنَّ الأهمِّية تُحدَّد حسب القوَّة والثقل للبلد المعني عالَميًّا. تطوَّرت القاعدة قليلًا فيما بعد، خصوصًا مع وكالات الأنباء الاقتصاديَّة مِثل «بلومبرج» و»داو جونز» وصعود قوى اقتصاديَّة جديدة مِثل الصين وغيرها لِتصبحَ أخبارها الاقتصاديَّة أولويَّة لتأثيرها في السُّوق. وهكذا، من المفهوم أنَّ تلك الوكالات والمنافذ الإعلاميَّة الكبرى تفرض أجندة الأخبار على وسائل الإعلام حَوْلَ العالَم. حتَّى أنَّ الإعلام العالَمي يكاد يكُونُ «إعلام الخواجة» الناطق بالإنجليزيَّة أو الفرنسيَّة في الأغلب.
طبعًا هناك استثناءات، تتعلق بمنافذ الإعلام المحلِّيَّة والجهويَّة التي تكُونُ أخبار مناطقها الجغرافيَّة مقَدَّمة على غيرها. وهناك أيضًا الإعلام المتخصِّص، الذي وإن تبعَ خُطَى أولويَّات وكالات الأنباء ومنافذ الإعلام الغربيَّة الكبرى، إلَّا أنَّ أجندته التحريريَّة قَدْ تكُونُ مختلفة وتُحدِّدها الجهة المصدرة وصاحبة المصلحة والجمهور المحلِّي المستهدف. ولأنَّ أغلب وسائل الإعلام تنقل عن الوكالات الكبرى والمنافذ الإعلاميَّة الرئيسة، فطبيعي أن تكُونَ أجندتها محكومة بالأجندة التحريريَّة لإعلام الخواجة. ومع أنَّ ذلك الوضع تغيَّر كثيرًا في السنوات الأخيرة مع الانتشار الهائل للإنترنت ومواقع التواصل، خصوصًا على الهواتف الذَّكيَّة التي يحملها أغلب النَّاس، إلَّا أنَّ إعلام الخواجة ما زالت تُضفَى عَلَيْه مصداقيَّة قَدْ لا يستحقُّها في بعض الأحيان. فحين تنشر وسيلة إعلام ناطقة بالعربيَّة خبرًا وتنسبه إلى «بي بي سي» أو «نيويورك تايمز» أو غيرها يصبح الخبر محلَّ قَبول وعدم تشكُّك من أغلبيَّة الجمهور المتلقِّي.
يغيب عن صحفيِّينا وإعلامنا العربي أنَّ الإعلام الأجنبي ليس بالضرورة خاليًا من العيوب أو أنَّه لا يقع في أخطاء. صحيح أنَّ وكالات الأنباء تظلُّ مصدرًا أكثر موضوعيَّة إلى حدٍّ كبير، على الرغم ممَّا ذكرنا في البداية من أنَّ أجندتها التحريريَّة للأخبار تشوبها العنصريَّة، إلَّا أنَّها أيضًا يُمكِن أن تقعَ في أخطاء معلوماتيَّة. لكنَّ أخطاء الوكالات أقلُّ بكثير، وغالبًا ما تتداركها وتعمل على تصحيحها بسرعة. وبالتَّالي فهي من النَّاحية المعلوماتيَّة تبدو أكثر موضوعيَّة من المنافذ الإعلاميَّة الغربيَّة الأخرى في إعلام الخواجة. حتَّى وإن كانت تقارير الوكالات تحريريًّا تعتمد على آراء وتحليلات ربَّما يَحكُمها الهوى أحيانًا. أمَّا المنافذ الإعلاميَّة الكبرى من الإعلام التقليدي الغربي فلَمْ يَعُدْ تبثُّه بالقَدْر نَفْسِه من الموضوعيَّة والدقَّة التي كان عَلَيْها من قَبل. يرجع ذلك إلى أنَّ «السَّبق الصحفي» لَمْ يَعُدْ قاصرًا عَلَيْها، وإنَّما أصبحت بعض مواقع التواصل وسيلة أسرع لانتشار الأخبار. طبعًا يظلُّ أنَّ ما تجده على «تويتر» أو «فيسبوك» يحتاج إلى تدقيق، ولا يُمكِن الوثوق به تمامًا. ففي النِّهاية إذا بثَّ أحدٌ خبرًا، فلَنْ يضيرَه أن يكُونَ خاطئًا تمامًا. أمَّا الصحف ووسائل الإعلام التقليديَّة فما زالت تخشى على فقدان ثقة متابعيها. ثمَّ مهما كانت سرعة نقل الخبر على وسائل التواصل يظلُّ تأكيده حين تبثُّه وسيلة إعلام معروفة وراسخة أمرًا ضروريًّا.
إلَّا أنَّ آفة الاستسهال والسطحيَّة أصابت إعلام الخواجة مِثلما أصابت إعلامنا، حتَّى وإن كان ذلك بدرجة أقلَّ نسبيًّا. وأصبح تدقيق الخبر والمعلومة، الذي كان سابقًا يشترط التأكيد من مصدرَيْنِ مختلفَيْنِ يتمتَّعان بمصداقيَّة، لا يحدث في كُلِّ الأحيان. بل ربَّما تقع وسائل إعلام كبرى في فخِّ النَّقل عن مواقع التواصل لِيظهرَ بعد ذلك أنَّ الخبر والمعلومة خطأ، سواء نتيجة السرعة أو تعمُّد التهويل أو حتَّى التضليل.
ليس هذا فحسب، بل هناك توجُّه أصاب مهنة الصحافة والإعلام بخلل كبير، ذلك هو الخلط بَيْنَ الخبر والرأي، فلَمْ تَعُدْ تقارير إعلام الخواجة معلومات مجرَّدة وإنَّما مزيج بَيْنَ المعلومة (التي قَدْ تكُونُ نصْفَ حقيقة، وذلك أخطر من الكذب الصراح) والرأي. ولأنَّ آفة الرأي الهوى، فإنَّ ما يبثُّه هذا الإعلام حاليًّا في أغلبه لا يخلو من الهوى. ولعلَّ ما يحدث منذ بداية الصراع في أوكرانيا من تضليل إعلامي، خصوصًا من المنافذ الإعلاميَّة الكبرى في الغرب، أقوى دليل على هذا التوجُّه الذي أشرنا إليه.
وكادت بعض التغطيات الإعلاميَّة تصل إلى حدِّ كونها مجرَّد أبواق لطرفٍ دُونَ الآخر تقوم بعمليَّة تعبئة جماهيريَّة وليس إبلاغ النَّاس بالحقائق والمعلومات وترك الاستنتاج للجمهور. حتَّى في اختيارات الرأي والتحليل، نجد أنَّ هناك تيَّارًا مُسيطِرًا الآن في إعلام الخواجة يتطرف في طرح «حقائق بديلة» لا علاقة لها بالواقع لتوصيل رسالة بأنَّ القناعة المسبقة لصاحب التحليل والرأي هي الصَّح وما عداه باطل. والموجة الحاليَّة، من قِبل هؤلاء الذين ينتمي أغلبهم لليمين واليمين المتشدِّد، تكتسب زخمًا من اتِّهامها الصحافة والإعلام في الغرب أنَّها غلَبَ عَلَيْها في الماضي الصحفيون من ذوي التوجُّهات اليساريَّة.
وحتَّى ما كان يُدْعى يسارًا أصبح الآن أكثر مزجًا للخبر بالرأي مِثله مِثل التيَّار الآخر.لعلَّه آنَ الأوان ألَّا نأخذَ أجندتنا الصحفيَّة والإعلاميَّة من إعلام الخواجة، وأن نضعَ أجندتنا بأنْفُسِنا استنادًا إلى أولويَّات جمهورنا المستهدف. والأهمُّ، ألَّا تُمليَ عَلَيْنا مواقع التواصل تلك الأجندة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الکبرى العال م

إقرأ أيضاً:

الإعلامي الحكومي: ترشيح 96362 أسرة للمساعدة الغذائية والإيواء خلال أسبوع

قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إنه تم ترشيح (96.362) أسرة لخدمات متنوعة من طرود غذائية وغير غذائية وخيم وشوادر عبر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات الشريكة، خلال الأسبوع المنصرم.
ولفت الإعلامي الحكومي في إيجازه الأسبوعي الصادر اليوم السبت، لتوريد (697) خيمة في محافظة الشمال لإنشاء المخيمات، واستمرار العمل في (18) مركز لخدمات الجمهور، وتم افتتاح (4) مراكز جديدة في محافظة الشمال.
ونوه لاعتماد (63.496) حالة جديدة في كافة المحافظات على الرابط المعتمد لدى التنمية الاجتماعية، وتحديث بيانات (3789) حالة جديدة في محافظتي غزة والشمال.
وبين أنه تم تنفيذ إفطار جماعي لعدد (400) أسرة من أسر الأيتام، وتسجيل (287) حالة يتيم في جميع مراكز خدمات الجمهور وإدخال (193) حالة على المنظومة المحوسبة.
وأشار لافتتاح مركز جديد لخدمة منطقة حافة الوادي، التي تخدم مناطق: المغراقة، وادي غزة، الزهراء، مدينة الأسرى، لتسهيل وصول الخدمة للمواطنين.
وأوضح أنه تم إنشاء (5) مخيمات إيواء مؤقت في محافظتي غزة والشمال بتنفيذ وزارة الأشغال العامة والإسكان وشراكة المؤسسات الداعمة.
وذكر أن وزارة الاقتصاد الوطني تعلن القائمة الإسترشادية للمواد التموينية الأساسية للمستهلك، وتدعو المواطنين للإبلاغ عن أي تلاعب بالأسعار أو احتكار للسلع.
كما أشار إلى أن وزارة الصحة بالشراكة مع جمعية الإغاثة الكويتية تنجح في إتمام حملة أهلية وشعبية جمعت 10 مليون$ لصالح إعادة إعمار مستشفى النصر للأطفال بمدينة غزة،
وأفاد بأن طواقم حماية المستهلك ومباحث التموين نفذت (127) جولة ميدانية تفتيشية على الأسواق، شملت أكثر من (1560) منشأة تجارية، وحررت (46) محضر ضبط، وتحفظت على أكثر من (23) طن من المواد الغذائية، وأوقفت (17) تاجر وبائع تلاعبوا بالأسعار، وتم إتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
ولفت لتزويد نحو 100 غاطس بالوقود اللازم للتشغيل، وتمديد خطوط مياه بطول 3500 متر، وصيانة 14 خط مياه، وإنشاء 2 بئر جديد، وإعادة تأهيل وصيانة 5 محطات تحلية مياه.
كما أوضح أنه تم إضاءة شوارع مهمة في نفوذ البلديات الرئيسة، بالشراكة مع شركة الكهرباء والقطاع الخاص .
ولفت لرفع وإزالة 21,090 ألف طن من الركام، وفتح ما مجموعه 19 كم طولي طرق وشوارع رئيسية وفرعية، وجمع وترحيل 18,954 طن نفايات.

مقالات مشابهة

  • خبير استراتيجي: التصريحات المتناقضة بين حماس وإسرائيل جزءًا من التكتيك الإعلامي
  • خبير استراتيجي: التصريحات المتناقضة بين حماس وإسرائيل جزء من التكتيك الإعلامي
  • الإعلامي الحكومي: ترشيح 96362 أسرة للمساعدة الغذائية والإيواء خلال أسبوع
  • المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: القطاع على أبواب مجاعة محققة بسبب الحصار
  • أبوخشيم: يجب محاسبة وسائل الإعلام التي تروج لخطاب الكراهية
  • فاسدة وغسر شرعية..ترامب يهاجم ووسائل الإعلام التي تنتقده
  • أحمد الجندي وإياد صالح يزوران قهوة المحطة في مدينة الإنتاج الإعلامي
  • الولايات المتحدة تعتزم إلغاء عقودها مع وكالات الأنباء العالمية الكبرى
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • الإعلامي الحكومي بغزة: نحذر من التداعيات الكارثية لإغلاق المعابر