صراع حول كعكة الأسد.. هل يقوي مقتل بريغوجين نفوذ إيران في سوريا؟
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
كانت محاولة تمرد "يفغيني بريغوجين"، زعيم مجموعة فاغنر الراحل، في 24 يونيو/حزيران الماضي -بالنسبة للكثيرين- أحد أخطر التحديات العلنية التي واجهت الرئيس الروسي بوتين منذ توليه السلطة في أواخر عام 1999. مع ذلك، كان من السهل على بوتين بعد توقف التمرد المسلح كبح جماح المجموعة في الداخل الروسي، حيث أُطلقت عملية إعادة توزيع أصول زعيم فاغنر في روسيا، وحُرِم من جميع أدواته السياسية الداخلية، وداهمت الشرطة الروسية وجهاز الأمن الفيدرالي مقر المجموعة وأغلقت الشركات التابعة لها، قبل أن تنتهي حياة بريغوجين نفسه ومجموعة من كبار قادته في حادثة غامضة حامت حولها الكثير من التساؤلات الشهر الماضي.
لكن على النقيض من السهولة النسبية لتحجيم دور بريغوجين ورجاله في الداخل، فإن الأمر في الخارج قد يكون أعقد بكثير، حيث موقف موسكو المهيمن في الكثير من المناطق يرجع بالكامل إلى فاغنر، وتُعَدُّ سوريا واحدة من أبرز هذه المناطق التي سيكون لتقليم نفوذ المجموعة أثر على النفوذ الروسي فيها، حيث تزامنت الإجراءات ضد فاغنر في دمشق مع الخطوات التي اتخذت في الداخل الروسي، فسرعان ما اتخذ النظام السوري (1) وقادة القوات الروسية في سوريا عدة إجراءات لإخضاع عناصر المجموعة والسيطرة عليها في الأراضي السورية.
كان من الطبيعي أن يندفع النظام السوري (2) نحو مؤازرة الكرملين بسرعة، فهو الحليف الذي أنقذه حرفيا من سقوط محتوم منذ عام 2015، بعد أن عملت موسكو عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا من أجل حمايته، فإذا ما قرر الدب الروسي الانسحاب لأي ظرف كان فإنه سيترك النظام أمام وضع داخلي وخارجي خطير، لكن هل ستكون معاقبة بوتين لرجال بريغوجين السابقين في سوريا خيارا بلا ثمن؟
مطرقة فاغنر الثقيلة في سورياميليشيا "فاغنر" الروسية يقومون بقتل شاب سوري في حقل الشاعر النفطي بريف حمص
قاموا بضربه بمطرقة بشكل وحشي
هؤلاء الجنود الروس المرتزقة يعملون على حماية آبار النفط في ريف حمص الشرقي، واعتقلوا الشاب (حمادة الطه البوطه)
وهو ينحدر من بلدة الخريطة بريف دير الزور
ويعود التسجيل لعام 2017 pic.twitter.com/7cnQl7vQTK
— ميلاد فضل/ milad fadel (@freeehsem) April 29, 2022
في أحد أيام يونيو/حزيران الحارة عام 2017، وثق مقطع فيديو (3) واحدة من أكثر الجرائم بشاعة ارتُكبت بحق مواطن سوري يُدعى حمادي الطه البوطة (اسمه الحقيقي محمد طه إسماعيل العبد الله)، قام خلالها مجموعة مسلحين بتكسير عظام الرجل بمطرقة ثقيلة، ثم قاموا بقطع رأسه قبل أن ينهوا الجريمة بحرق جثته. سرعان ما كُشف النقاب عن هوية الجناة الذين تحدثوا خلال الفيديو بالروسية وكانوا يضحكون ويمرحون، لقد كانوا أعضاء من شركة فاغنر العسكرية الخاصة، مع ذلك لم تنجح محاولات أقارب حمادي وحقوقيين سوريين خاضوا معركة قانونية مع المحاكم الروسية في الحصول على حكم بعقاب الجناة المعروفين بالاسم حتى وقتنا هذا.
والأنكى من ذلك أن المطرقة الثقيلة التي استُخدِمت في هذه الحادثة اتُّخِذت (4) فيما بعد بطاقة دعوة ووسيلة لإرسال رسائل تهديد إلى كل مَن ينتقد سلوك فاغنر، حدث ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما أرسل زعيم فاغنر الراحل بريغوجين مطرقة ثقيلة ملطخة بدماء مزيفة إلى برلمان الاتحاد الأوروبي في أعقاب قرار رمزي للاتحاد بتصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب، كذلك قامت مجموعة من القوميين المتطرفين الروس بإلقاء (5) مطارق ثقيلة على السفارة الفنلندية في موسكو، وذلك احتجاجا على انضمام فنلندا المتاخمة لروسيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
لم يقتصر حضور فاغنر في الساحة السورية على القتال لصالح النظام، حيث استخدمت (6) المجموعة في عام 2017 شركة وهمية تحمل اسم "إيفرو بوليس" (Evro Polis) للحصول على 25% من أرباح العديد من حقول النفط السورية، وقد حل عناصر فاغنر مكان ما يسمى "بالفيلق السلافي" الذي أنشأته مجموعة موران الأمنية، الذي قيل إنه أُرسل للقتال في سوريا بداية من عام 2013.
بشكل أكثر شمولا، عملت فاغنر من داخل الأراضي السورية بوصفها نقابة إجرامية عابرة للحدود، حيث ارتكبت (7) المجموعة جرائم وحشية بناء على إستراتيجيتها القائمة على دعم الأنظمة السياسية القمعية مقابل السيطرة على الموارد الطبيعية الثمينة مثل الذهب والنفط، على سبيل المثال بدأ دور المجموعة في ليبيا (8) في عام 2018، دعما للجنرال الليبي خليفة حفتر بتنسيق مع الكرملين، ورغم فشل أمير الشرق الليبي في الاستيلاء على طرابلس، ظلت المجموعة في ليبيا وانخرطت في تشغيل العديد من القواعد الجوية في البلاد لدعم دفاعات حفتر، والانطلاق منها نحو أماكن أخرى في أفريقيا كالسودان المجاور.
بالعودة إلى سوريا، اتخذ النظام السوري مجموعة من الإجراءات ضد عناصر المجموعة في اللحظات الأولى لتمرد قائد فاغنر، كان أول هذه الإجراءات قطع خطوط الاتصال عنهم بغية منع التواصل بين أعضاء المجموعة، ثم استدعاء قادتها إلى قاعدة العمليات الروسية في حميميم في محافظة اللاذقية الغربية -المقر اللوجستي لجميع عمليات فاغنر في الخارج- التي دخلت في حالة تأهب قصوى. كما أمر نظام الأسد المقاتلين بتوقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع الروسية أو مغادرة سوريا في حال رفضهم ذلك بناء على طلب الكرملين، في حين عززت القوات الروسية الأمن في قواعدها في دير الزور -الأكثر ثراء بالنفط- حتى أصبح من الصعب تمييز مقاتلي فاغنر عن القوات الروسية فيها.
بالتزامن مع ذلك، عجّل الكرملين بإرسال مجموعة من الضباط العسكريين الروس إلى دمشق بُغية تولي مهام قوات فاغنر عامة، فبعد يومين فقط من وقوع التمرد أرسلت موسكو "سيرغي فيرشينين" (9) نائب وزير الخارجية الروسي الذي حمل على عاتقه مهمة عدم السماح لمقاتلي فاغنر بمغادرة سوريا، وكذلك طمأنة النظام أن موسكو لا تزال ملتزمة تجاه خططه لإحكام السيطرة على إدلب، وبناء على ذلك قصفت (10) الطائرات الروسية مناطق في إدلب بعد يوم واحد من توسط الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو في صفقة بين الرئيس الروسي وبريغوجين لإنهاء التمرد.
فاغنر وتحدي واشنطنقبيل مساء السابع من فبراير/شباط عام 2018، كانت (11) روسيا والولايات المتحدة ملتزمتين بشأن توجيه ضربات عسكرية كلٌّ على حدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية على جانبي نهر الفرات في محافظة دير الزور السورية (شمال شرق سوريا) المتاخمة للعراق، وقد نجح الخصمان في منع اصطدام قواتهما في منطقة يتعارض بها نفوذهما منذ قررا الانخراط في الحرب السورية.
في ذلك الوقت، كان فريق من مشاة البحرية الأميركية والقبعات الخضراء "القوات الخاصة" يتكون من 30 جنديا يؤدون مهامهم الاعتيادية معا مع قوات كردية وعربية داخل موقع صغير يجاور محطة غاز كونوكو القريبة من دير الزور. تفاجأ الفريق بمحاصرته من قِبل قوات سورية تدعمها دبابات وناقلات جند مدرعة تحت وابل من قذائف المدفعية والهاون، كما شارك في هذا الهجوم قوات من المرتزقة الروس شبه العسكريين المنضوين تحت لواء مجموعة فاغنر.
قوات أميركية في سوريا (الأناضول -أرشيف)استمرت هذه المعركة التي سُميت بمعركة "الخشام" (12) -نسبة للقرية السورية التي وقعت بالقرب منها- أربع ساعات كاملة، وتمكنت خلالها القوات الأميركية التي استخدمت طائرات "ريبر" بدون طيار، وطائرات "إف-22" الشبح، وقاذفات "بي-52″، وطائرات هليكوبتر أباتشي، من القضاء على المهاجمين، حيث سمح التفوق الجوي والتكنولوجي الأميركي بإنهاء المعركة لصالح واشنطن.
وبعد مرور ما يقارب خمس سنوات، لا تزال (13) هذه المعركة من أكثر المعارك دموية التي واجهها الجيش الأميركي في سوريا منذ انتشاره لمحاربة تنظيم الدولة. وقد جذبت هذه المعركة بالتحديد الأنظار إلى قدرات فاغنر الضخمة في سوريا، وإلى مصير الأسلحة الثقيلة للمجموعة من الدبابات والمدرعات وقاذفات الصواريخ، إذ اعتقد الأميركيون أنها أسلحة تزيد من خطر المواجهة المباشرة بين الروس والأميركيين في سوريا في أي وقت.
ومع مرور بعض الوقت، اتضح (14) أن هزيمة قوات فاغنر في معركة الخشام لم تردع المجموعة التي أصبحت أقوى وأكثر خطورة، وهي إلى جانب جمعها الإيرادات الضخمة من حراسة حقول النفط ومناجم الذهب، أضحت تُشكِّل ضغطا أكبر وتهديدا أعظم على المستوى الجيوسياسي بسبب توسعها في السلطة داخل سوريا لحد بدا أنه من غير الممكن السيطرة عليه.
تُشكِّل قوات (16) فاغنر اليوم التي تمتلك ما بين 1000-2000 من العناصر المسلحة أحد المكونات الأساسية لحماية مصالح موسكو في سوريا، وهي إضافة إلى عناصرها كونت شبكة كبيرة من المتعاقدين العسكريين المحليين تضم أكثر من 10000 عنصر، حيث يساعد هؤلاء في حراسة البنية التحتية للنفط والغاز والفوسفات في الصحراء السورية، ويذهب جزء (17) من أموال حراسة منشآت النفط السورية إلى هؤلاء المقاولين السوريين.
وفي وقت يعمل فيه الروس على تنفيذ إستراتيجية أوسع لطرد الأميركيين من المنطقة، تتقارب أهداف إيران مع روسيا بشدة في هذا الصدد، وفي السنوات الأخيرة على وجه التحديد، أبدت طهران جرأة أكبر على واشنطن وحلفائها داخل سوريا. ورغم تسجيل هجمات مدعومة (18) من إيران ضد القوات الأميركية منذ عام 2018، فإن الهجمات التي عرفتها الفترة الأخيرة لوكلاء إيران على مصالح واشنطن باتت أكثر خطورة وعلى مستوى أكبر من التطور.
بشكل عام، نفذت إيران والفصائل المتحالفة معها أكثر من 80 هجوما على القوات الأميركية في الشرق الأوسط منذ تولي الرئيس جو بايدن منصبه في عام 2021. وعلى سبيل المثال، قُتل في مارس/آذار الماضي -لأول مرة- مقاول أميركي في هجوم صاروخي، حين هاجمت طائرة إيرانية (19) بدون طيار قاعدة للتحالف بالقرب من مدينة الحسكة، وردا على ذلك شنت (20) القوات الأميركية في اليوم التالي ضربة انتقامية ضد منشأة تستخدمها الفصائل المدعومة من إيران.
تنطلق طهران في هجماتها ضد القوات الأميركية في سوريا من قناعاتها بأن حليفها الروسي يدعم ضمنيا تصعيدها حملة الضغط تلك. وتمكَّن الأميركيون (21) من الحصول على وثائق سرية تشير إلى أن إيران تخطط لتصعيد أكبر ضد قواتهم في سوريا، وكُشف النقاب عن هذه الوثائق في الأول من يونيو/حزيران الماضي، وجاء فيها أن إيران تستعد لمرحلة جديدة من الهجمات المميتة ضد القوات الأميركية عبر استخدام حلفائها بالوكالة لشن هجمات صاروخية وهجمات بطائرات مسيرة ضد القوات الأميركية، بل وتذكر تلك الوثائق نفسها أن إيران تخطط لاستخدام قنابل أكثر قوة من النوع الخارق للدروع على جوانب الطرق، تهدف تحديدا إلى استهداف المركبات العسكرية الأميركية.
في غضون ذلك ذكرت (22) مصادر أميركية أن الطيارين المقاتلين الروس أعادوا الموجة الأخيرة من الرحلات الجوية المسلحة التهديدية فوق القواعد الأميركية في سوريا منذ أن نشر البنتاغون طائرات مقاتلة شبح من طراز "إف-22" في المنطقة، كما قالت المصادر ذاتها إن القادة العسكريين الروس في سوريا ينسقون بهدوء مع فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بشأن خطط طويلة الأجل للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من البلاد.
إيران تتمدد على حساب روسياعلى مدار سنوات الحرب السورية، شاركت كلٌّ من إيران وروسيا في النزاع المسلح من أجل دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، مع ذلك لم يَخفَ أن الحلفيين وقعا في خلاف شديد حول عدة مواقف تخص الوضع السوري، وقد أدى هذا الخلاف -على سبيل المثال- إلى وقوع اشتباكات قوية بين قوات الطرفين عام 2018، عندما تقاتلا من أجل السيطرة على احتياطيات الفوسفات في البلاد.
في العامين الأخيرين، بدا (24) تراجع الدور الروسي واضحا داخل الأراضي السورية، ولم يقتصر ذلك على تلاشي الآمال الروسية بالتوصل إلى حل سياسي للحرب المستمرة منذ أكثر من عشر سنوات، بل بلغ أيضا حد قطع الدعم الروسي عن العديد من وكلاء موسكو في سوريا بحلول عام 2021، حيث كان وباء كورونا قد قيَّد موسكو بالانكماش الاقتصادي، وزاد الأمر سوءا مع نشوب الحرب في أوكرانيا التي أجبرت روسيا على تركيز مجهودها الحربي للقتال الدائر في جوارها.
استغل الإيرانيون هذه الفرصة من أجل إزاحة روسيا نسبيا عن المشهد والتقاط الوكلاء السابقين الذين لم يعد بإمكان الكرملين دعمهم عسكريا وماليا، حدث ذلك (25) مع اللواء الثامن التابع للنظام السوري، وهو إحدى أكثر الوحدات ولاء لروسيا داخل القوات المسلحة في جنوب سوريا، الذي خفضت روسيا رواتب عناصره إلى النصف، بل في عام 2022 توقفت تماما عن الاتصال مع اللواء، وهو ما دفع اللواء للعمل لصالح مديرية المخابرات العسكرية السورية، أحد أقوى وكلاء إيران، وفي الوقت نفسه انفصلت ميليشيات قوات الدفاع الوطني شرقي دير الزور التي يقودها حسن الغضبان عن موسكو لصالح الفرقة الرابعة المدعومة من إيران، وذلك بعد أن أخفقت موسكو في دفع رواتب العناصر لمدة ستة أشهر كاملة.
ترسَّخ هذا التوجه بشكل أكبر مع نشوب تمرد فاغنر الأخير الذي جذب الأنظار من جديد لطبيعة العلاقة بين الحليفين الروسي والإيراني على الأرض السورية، في البداية اعتقد المراقبون (26) أن الاهتزاز المُحتمل الذي يكابده بوتين في موسكو من شأنه أن يترك إيران عُرضة للخطر من الناحية الإستراتيجية في سوريا وغيرها، وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفة خطواتها الأحادية مثل البرنامج النووي، وتطوير الصواريخ، وغير ذلك. لكن ما يبدو أقرب للواقع -بالأخص مع إخماد محاولة التمرد ومقتل بريغوجين- أن إيران سوف تسعى لاستغلال الفرصة لاستقطاب المزيد من الوكلاء السوريين واكتساب المساحات على حساب الحليف الروسي.
على الجانب الآخر، لا تزال موسكو معنية بالحفاظ على مصلحتها الإستراتيجية بالوجود في سوريا، وأهمها حقها في استخدام قاعدة حميميم بوصفها منصة انطلاق لعرض النفوذ الروسي في أفريقيا، وكذلك رسو السفن ذات القدرات النووية في ميناء طرطوس السوري الذي يضع في يد الروس قوة ردع نووي على طول الجناح الجنوبي لحلف الناتو، لكن إصرار موسكو على كبح جماح رجال بريغوجين في سوريا يعني في جميع الأحوال خلق فجوات لتدخُّل إيران واستغلالها الوضع لتحقيق مكاسب على حساب النفوذ الروسي.
لإيضاح ذلك، يمكن الاستشهاد بدور فاغنر ومن خلفها المتعاقدون السوريون الخاصون الذين هم أحد المكونات الأساسية في مواقع النفط السورية، إذ يضمن وجود هؤلاء لروسيا تشغيلا سلِسا لاحتياطيات الطاقة السورية، وتدفقا مستقلا لعائداتها، هذا ويتطلب ضمان ولاء الآلاف من المتعاقدين العسكريين السوريين الخاصين منع أي تقليص في الحوافز، وإلا سيكون المقابل فتح الباب أمام إيران التي من السهل أن تقدم أسلحة وتدفع أجورا أفضل لهم.
عموما، تبدو أوراق سوريا معقدة جدا بالنسبة لجميع الأطراف، خصوصا بعد حادثة مقتل بريغوجين و5 من رفاقه في حادثة تحطم طائرته الخاصة، إذ ستكون روسيا أمام امتحان صعب للحفاظ على موازين قواها الخارجية في حالة قررت الاستغناء عن فاغنر، من جهتها ستحاول إيران العمل على استغلال أي موضع قدم لتزيد من توغل حضورها في سوريا، لتحقيق أهدافها بعيدة المدى في المنطقة.
_______________________________________________
المصادر:
(1) Syria brought Wagner fighters to heel as mutiny unfolded in Russia (2) How the rumble in Russia reverberates around the Middle East (3) Wagner in Syria: Complaint filed with European Court of Human Rights following the dismissal of the case in Russia (4) The Grisly Cult of the Wagner Group’s Sledgehammer (5) Masked men throw sledgehammers at Finland’s embassy in Moscow (6) Wagner vs. Russia’s Defense Ministry in the Middle East (7) Prigozhin’s Men in Syria Reportedly Detained as Putin Cracks Down on Wagner (8) What’s next for Wagner in Syria, Africa after Putin mutiny? (9) The Putin-Prigozhin Fight Now Has a Syrian Battlefield (10) What’s behind the latest Russian airstrikes in Syria? (11) How a 4-Hour Battle Between Russian Mercenaries and U.S. Commandos Unfolded in Syria (12) The battle in Syria that looms behind Wagner’s rebellion (13) Wagner vs. Russia’s Defense Ministry in the Middle East (14) Five Years After a Disastrous Syria Battle, Wagner Is More Dangerous Than Eve (15) Treasury Sanctions Russian Proxy Wagner Group as a Transnational Criminal Organization (16) The Wagner Mutiny Could Strengthen Iran in Syria (17) مصدر سابق (18) Iranian-Backed Attacks on US Forces in Syria Caused 23 Traumatic Brain Injuries, Pentagon Says (19) US air strikes target Iran-backed militants in Syria (20) U.S. strikes Iran-backed militias in Syria after attack on American base (21) Iran plans to escalate attacks against U.S. troops in Syria, documents show (22) Russia, Iran quietly coordinating in Syria to pressure US, official says (23) How Wagner’s mutiny in Russia impacts Iran’s threat to Israel – analysis (24) مصدر سابق (25) المصدر السابق نفسه (26) How the rumble in Russia reverberates around the Middle Eastالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: النظام السوری الأمیرکیة فی المجموعة فی الروسیة فی مجموعة من دیر الزور أن إیران من إیران فاغنر فی فی سوریا فی عام عام 2018 من أجل مع ذلک
إقرأ أيضاً:
سوريا بعد الأسد.. كيف تزور دمشق القديمة وكأنك تقرأ رواية ملحمية؟
دمشق- إذا ما شعرت فجأة بأن الأحجار من حولك تروي الحكايات، وبأن للحياة إيقاع البدايات الجميلة لقصص الحب، وبأن ابتسامات الناس تُدركك من غير مقدمات، فاعلم حينها أنك في دمشق.
مدينة تعاقبت عليها، عبر 11 ألف عام من التاريخ الحيّ المتصل، عشرات الحضارات الإنسانية، التي نثرت آثارها في كل شبر منها حتى غدت شوارعها وحاراتها أشبه برواية تاريخية ملحمية، يُطالعها السائرون فيها سطرا سطرا، فيعيشون سحر عراقتها كأنهم أبطال خياليون.
وإذا كنت ترغب بالبدء في هذه الرواية من فصلها الأول، فما عليك سوى التوجّه إلى المتحف الوطني في منطقة البرامكة لتطالع مُختصر حضارات سوريا ما قبل الميلاد، وبخروجك منه والاتجاه غربا ستجد نفسك أمام التكية السليمانية لتعود مع عمارتها الفريدة بالزمن إلى القرن الـ16 ميلادي.
شارع بحي القيمرية وهو من المناطق السياحية والتجارية المشهورة في دمشق القديمة (الجزيرة)وبدورها ستسلّمك التكية العثمانية إلى محطة الحجاز التاريخية، ومنها ستدخل إلى المدينة القديمة عبر أهم أسواقها وأشهرها سوق الحميدية، الذي ستقطعه فيسلّمك إلى الجامع الأموي، درّة بني أمية وأفضل عمارتهم، ومن هناك ستزور، عبر الأسواق الدمشقية القديمة، عشرات المواقع الأثرية وصولا إلى الفصل الأخير من الرواية عند باب شرقي؛ حيث تعانق المساجد الكنائس ويتوسّطهما أعمدة رخامية يعود تاريخ بناء بعضها إلى ما قبل الميلاد، فترى مشهدا يليق بخاتمة رواية ملحمية عن دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ.
تاريخ حضاريقرب ضفة نهر بردى، ما بين التكية السليمانية غربا ومبنى جامعة دمشق جنوبا، يتربع مبنى المتحف الوطني متصدرا حديقة خَميلة تُحيطها باحات واسعة تنتشر على جنباتها أشجار وارفة ترخي بظلالها على قطع أثرية تتوزّع وسط المساحات الخضراء.
المدخل الغربي للتكية السليمانية والتي تحتضن عشرات محال الحرف اليدوية الدمشقية العريقة(الجزيرة)وينقسم المتحف إلى 5 أجنحة تختزل قرونا من تاريخ المنطقة، فمن قسمي عصور ما قبل التاريخ بما فيهما من أسلحة ونقوش ورقم سومرية وآكادية وآشورية، إلى التماثيل الرخامية والأعمدة والعملات اليونانية والرومانية والبيزنطية في القسم الكلاسيكي، وصولا إلى قسمي الآثار الإسلامية والفن الحديث، يعيش زائر المتحف تجربة متميزة في معاينة قطع أثرية تستحضر ببصماتها ذكرى حضارات ضاربة في عمق التاريخ.
إعلانويعود تأسيس المتحف الوطني في دمشق إلى عام 1919، ويضم أبرز الآثار في البلاد، والتي تم اكتشافها خلال القرن العشرين في مختلف أنحاء الجغرافيا السورية.
واجهة المتحف الوطني الذي يضم بين جنباته آثار من عصور وحضارات تعاقبت على دمشق (الجزيرة) عمارة فريدةوعلى بعد بضعة أمتار من مبنى المتحف الوطني غربا، وعند ضفاف نهر بردى، ترتاح مجموعة عمرانية فخمة تخلب الألباب؛ بقبابها المنتظمة كالعقد حول قبة رئيسية كبيرة، يحيط بها مئذنتان ممشوقتان، وتتخللها حدائق وأشجار باسقة يمتزج جمالها بمحاسن العمارة فيجعل منها "أروع البقع وأكثرها جمالا في دمشق"، حسبما يصف أحد الباحثين في تاريخ العمارة الإسلامية التكية السليمانية.
ويتألف بناء التكية السليمانية من كتلتين معماريتين متصلتين متشابهتين، إحداهما كبرى وتضم الجامع والتكية، والأخرى صغرى وتضم المدرسة، ويصل بين هاتين الكتلتين سوق كانت مخصصة لقوافل الحجاج، وتتضح الآثار الهندسية العثمانية على التخطيط والبناء، في حين تطغى اللمسة الفنية الدمشقية على تصاميم الأبواب والنوافذ والزخارف التي تزين جدران وغرف المكان.
جانب من سوق المهن اليدوية داخل التكية السليمانية (الجزيرة)هندسة ترجع بزائر المكان عبر الزمن لعصر النهضة المعمارية الإسلامية، لا بالبناء فحسب، ولكن بالزخرفة والحفر والأعمال الفنية الحرفية المعقدة الأخرى، والتي تكاد تضاهي بتعقيدها وجماليتها تعقيد وجمالية الأبنية نفسها.
سوق تختزن روح المدينةوبعد خروجك من التكية السليمانية وسيرك لمدة 5 دقائق باتجاه شارع النصر غربا، تجد نفسك عند أعتاب المدينة القديمة في دمشق، وتحديدا عند شارع يظلّله سقف مقبَّب من التوتيا يتسلل شعاع الشمس عبر ثقوبه ناشرا الضوء في أرجاء المكان مضفيا عليه لمسة شاعرية، عندئذ تكون في سوق الحميدية أشهر وأعرق أسواق سوريا، أو كما يصفه أحد المؤرخين العرب "درة الأسواق الإسلامية وأجملها".
أحد محلات المشغولات النحاسية في سوق الحميدية وهو مكان لا بد من زيارته للتعرف على روح دمشق (الجزيرة)ويمتد السوق عثماني الطراز إلى حوالي 600 متر، وتصطف على جانبيه حوانيت دمشقية الطراز لبيع الألبسة والأنتيكا والتراثيات من المشغولات الدمشقية كالدامسكينو والبروكار والمقرنصات الخشبية والصدفيات، وغيرها من أنواع الفنون الدمشقية العريقة.
وعند منتصف سوق الحميدية، يصل الزائر إلى "بوظة بكداش" (1885 إلى الآن)، متجر المثلجات الشامية الأعرق، حيث يمكنه شراء كأسا من المثلجات لا يتجاوز ثمنه دولارا واحدا.
إعلانومن بوظة بكداش، يتابع الزائر طريقه ليصل إلى حمام نور الدين الشهيد، أحد أقدم حمامات دمشق، وهناك يمكنه الاغتسال والحصول على خدمات "التكييس" و"التدليك" و"البخار" مع كأس من الشاي الخمير أو أي مشروب ساخن آخر بكلفة 70 ألف ليرة سورية فقط (7 دولار).
حمام نور الدين الشهيد مكان مثالي لمن يريد تجربة الحمام التقليدي على النمط الدمشقي (الجزيرة)وبعدها يتابع مسيره وصولا إلى الساحة الخارجية للمسجد الأموي ضمن المدينة القديمة، حيث يتجمع الناس لالتقاط الصور التذكارية مع بوابة المسجد أو ضمن السياج المستطيل المخصص للوضوء حيث تتجمّع أسراب الحمام الشامي.
درة بني أميةينفتح القوس الأثري لسوق الحميدية عند نهايته على الباب الرئيسي لمسجد بني أمية الكبير في تقابل هندسي مُتقن، ويعتبر الجامع الأموي أكبر جوامع دمشق وأعرقها وأجملها عمارة، وهو المحطة التالية لأي سائح بعد سوق الحميدية.
إذ تعتبر عمارته وفنون بنائه اليوم مرجعا أساسيا للفن الإسلامي، مع أن تأثيرات الفن البيزنطي الذي كان ما يزال سائدا في سوريا آنذاك ألهمت صناعه وهو في طور البناء، حيث نال الجامع -الذي يتوسط مدينة دمشق القديمة ويمتد على مساحة 15 ألفا و300 متر مربع- قسطا وافرا من المديح والثناء من المتخصصين والزوار.
وإلى جانب أبوابه الستة الأثرية، يضم الجامع مساجد صغيرة ملحقة به، وللجامع 3 مآذن: "مئذنة العروس" التي تعد اليوم أقدم مئذنة إسلامية، و"مئذنة النبي عيسى"، وسميت بهذا الاسم للاعتقاد السائد بنزول عيسى عليه السلام إليها نهاية الزمان، و"مئذنة قايتباي" التي استمدت تسميتها من السلطان "قايتباي" الذي أمر بإنشائها.
واشتهر الجامع فيما مضى بزخارفه الفسيفسائية الموشاة بالذهب، التي لم يتبق منها اليوم إلا النُذر اليسير، وقال فيها المؤرخون إنها جمعت كل صور بلاد الدنيا، فلم تترك إقليما أو مكانا أو شجرة مثمرة أو غير مثمرة إلا وصورتها، ويحكى أن هذه النقوش بقيت على حالها حتى عهد الخليفة المأمون ومن ثم بدأت تتلاشى.
عمارة وفنون بناء المسجد الأموي تعد مرجعا أساسيا للفن الإسلامي (الجزيرة)وكان الصرح المعروف اليوم باسم مسجد بني أمية الكبير أو جامع دمشق قائما قبل آلاف السنين معبدا لآلهة الحضارتين الكنعانية والأمورية، وعلى يد الخليفة الوليد بن عبد الملك فاتح مدينة دمشق سنة 13 هجرية تحول هذا الصرح العظيم إلى مسجد.
إعلانويمكن لزوّار الجامع، بعد أن يفرغوا من معاينة أقسام هذا الصرح العظيم، أن يخرجوا ويمشوا بضعة أمتار شمالا ليأخذوا استراحة استثنائية في أقدم مقهى في بلاد الشام قاطبة "مقهى النوفرة"؛ فيستمتعون بطعم الزهورات الدمشقية الأصيلة في مكان يتجاوز عمره خمسة قرون وبمبلغ رمزي لا يتجاوز الدولار الواحد.
مقهى النوفرة هي أقدم مقهى في سوريا برمتها ويتجاوزها عمرها خمسة قرون (الجزيرة) البيوت الدمشقيةويسلّمك الجامع الأموي وقهوة النوفرة إلى سوق القباقيبي الشهير بحوانيتيه العتيقة وصنّاعه الحرفيين المهرة؛ هناك حيث بإمكان السائح أن يشتري تذكارات سياحية من دمشق بأسعار رمزية ( بين 1 و15 دولارا) بما في ذلك المشغولات اليدوية الخشبية والنحاسية والتطريزية.
وينتهي السوق عند حارة ضيقة تفضي إلى أحد أبرز المعالم السياحية في دمشق، وهو "قصر العظم" الذي بناه والي دمشق أسعد علي باشا العظم بين عامي 1749 و1750 وعاش فيه قرابة العقدين.
ومن البيوت الدمشقية الأثرية البارزة أيضا "مكتب عنبر" الواقع في حارة اليهود الدمشقية، والذي بُني على يد يهودي ثري يدعى يوسف عنبر منتصف القرن التاسع عشر.
مبنى داخل قصر العظم والذي يشكل أحد روائع العمارة الإسلامية في دمشق (الجزيرة)وفي مكتب عنبر وقصر العظم وغيرهما من البيوت الدمشقية يعيش السائح تجربة جمالية فريدة؛ فعبر دهاليز ضيقة يصل مباشرة إلى باحة الدار الدمشقي؛ حيث الشمس تنثر أشعتها، وفي كل الجهات أشجار وارفة وزهور مفتّحة.
وقد يتألف البيت من باحة واحدة تتشاطرها عائلة كاملة، أو من باحتين: خارجية تسمى "السلاملك" وهي لاستقبال الضيوف، وداخلية تدعى "الحرملك" وهي لأهل الدار والنساء، أما إذا كان المنزل كبيرا فقد يضم 3 أو 4 باحات كما حال "مكتب عنبر" الذي يضم 4 باحات.
باحة مكتب عنبر وهو صرح يجسد نموذجا للبيوت الدمشقية العتيقة (الجزيرة) شارع بمتحفوفي نهاية هذه الجولة في دمشق القديمة تصل إلى المحطة الأخيرة، وهي الشارع المستقيم الممتد من سوق مدحت باشا غربا وحتى الباب العتيق للمدينة شرقا (باب شرقي).
يعود تاريخ كنيسة المريمية لسنة 36 أو 37 ميلادية وهي بذلك أقدم بكنائس دمشق (الجزيرة)شارع يكاد يكون متحفا قائما بذاته، فمن أرضيته الحجرية القديمة إلى محاله ذات الطراز الدمشقي الأصيل وصولا إلى كنائسه ومساجده وأعمدته الرخامية الرومانية، يشعر العابر منه وكأنما هو في معرض للآثار الحية.
إعلانومع بلوغ نهايته من جهة الغرب، تكون عندئذ أمام مشهد حضاري وإنساني بديع تنصهر فيه المئذنة البيضاء (الُعمرية) مع قبة كنيسة المريمية وبرجها مع قوس الإله الروماني جوبتير المصنوع من الرخام الأبيض، ليبدو هذا المشهد في ختام الرحلة أشبه بمجاز معماري عن المجتمع السوري الغني بمكوناته المتنوعة.
قوس الإله الروماني جوبتير المصنوع من الرخام الأبيض (الجزيرة)