وافقت مجموعة "البريكس" في قمتها الخامسة عشرة في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا على انضمام ست دول إليها، هي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، ابتداء من أول كانون الثاني/ يناير 2024م، ليصل عدد دولها إلى 11 دولة. وقد فتح انضمام مصر لبريكس الباب حول مستقبل الاقتصاد المصري والمزايا النسبية التي ستستفيد بها مصر من الدخول في المجموعة.
بداية، مجموعة البريكس هي تجمع اقتصادي يشير اسمها إلى الأحرف الأولى باللغة الإنجليزية لأسماء الدول المشاركة فيه، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد فرضت المجموعة نفسها باعتبارها أحد أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، حيث تمثل نحو 30 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، و26 في المئة من مساحة العالم، و43 في المئة من سكان العالم، وتنتج 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و2 في المئة من إنتاج النفط العالمي، وأكثر من ثلث إنتاج الحبوب في العالم، وبعد انضمام الدول الست الأخيرة تصل مساهمات المجموعة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى نحو 30 في المئة، وفي إنتاج النفط العالمي إلى نحو 43 في المئة.
انضمام مصر إلى المجموعة يعد أمرا جيدا، ولكن الانضمام وحده دون استراتيجيات واضحة العالم لاستثمار الفرص ومواجهة التحديات يعتبر أمرا عقيما، لا سيما في ظل المشكلات المزمنة في الاقتصاد المصري خاصة أزمة الديون العميقة التي تتفاقم بالعلاج بمزيد من الديون، ومن ثم فإن الاستفادة من البريكس في مزيد من الاقتراض من خلال بنك التنمية الجديد -المقرض متعدد الأطراف لبريكس، والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار- يعد طامة كبرى ومصيبة عظمى
والمجموعة تشهد نموا اقتصاديا ملحوظا لدولها، ولها وكالة تصنيف ائتماني، وبنك للتنمية خاص بها، وكذلك صندوق احتياطي خاص بالطوارئ، وهي تسعى لتجنب هيمنة المؤسسات المالية الدولية والنظام الاقتصادي الغربي، وهي في حقيقتها منافسة لمجموعة السبع الكبار، التي تقودها الولايات المتحدة، وتضم كلا من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان.
وانضمام مصر إلى المجموعة يعد أمرا جيدا، ولكن الانضمام وحده دون استراتيجيات واضحة العالم لاستثمار الفرص ومواجهة التحديات يعتبر أمرا عقيما، لا سيما في ظل المشكلات المزمنة في الاقتصاد المصري خاصة أزمة الديون العميقة التي تتفاقم بالعلاج بمزيد من الديون، ومن ثم فإن الاستفادة من البريكس في مزيد من الاقتراض من خلال بنك التنمية الجديد -المقرض متعدد الأطراف لبريكس، والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار- يعد طامة كبرى ومصيبة عظمى، فالدين في صورته المصرية الحالية يأكل الناتج القومي أكلا، ويغذي التضخم، ويهدر موارد البلاد، ويحرم الأجيال الحالية والمستقبلية من حياة كريمة.
والحكومة المصرية لم تترك بابا للتداين إلا وطرقته، ولم تجنِ لها قروض صندوق النقد الدولي إلا الدمار، وما زالت شروط قرض الصندوق الهزيل الأخير لمنح الشريحة الثانية تحول بين الحكومة وبين صرفها، وهي سائرة لا محالة للأسف الشديد للخضوع لها، في ظل ديون سيادية وصلت إلى أكثر من 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومن العجيب أن الحكومة المصرية لا تنظر بكلتا عينيها سوى للديون بعيدا عن التنمية، حتى أن رئيس الوزراء المصري مدبولي يذكر في تصريحات له أن مصر تتطلع إلى دعم بريكس لمبادرة "تحالف الديون من أجل التنمية المستدامة"؛ الذي تؤسسه مصر لتنظيم تعاملات الديون المستدامة وتخفيف أعباء الديون عن الأسواق الناشئة.
كما أن عدم التجانس بين الأعضاء في مجموعة البريكس قد يكون معوقا للفرص الاقتصادية المصرية من بريكس، فعلى سبيل المثال توجد أزمة حدودية وعسكرية بين الهند والصين، فضلا عن ولاء الهند وإثيوبيا للغرب، ومشكلة مصر الحيوية مع إثيوبيا فيما يتعلق بملف سد النهضة، والعلاقات الباردة بين مصر وإيران.
يمكن لمصر الاستفادة حقيقة من البريكس إذا توفرت الإدارة الواعية المخلصة والحرية الاقتصادية والسياسية المفقودة، من خلال تعزيز الصادرات بالتركيز على المزايا النسبية للصادرات المصرية، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستفادة من قدرة البريكس على تحييد الدولار وتسوية معاملات التجارة الخارجية مع دول البريكس بالعملات المحلية، مما يقلل الضغط على الدولار، ويخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة المصرية
ومع ذلك فيمكن لمصر الاستفادة حقيقة من البريكس إذا توفرت الإدارة الواعية المخلصة والحرية الاقتصادية والسياسية المفقودة، من خلال تعزيز الصادرات بالتركيز على المزايا النسبية للصادرات المصرية، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستفادة من قدرة البريكس على تحييد الدولار وتسوية معاملات التجارة الخارجية مع دول البريكس بالعملات المحلية، مما يقلل الضغط على الدولار، ويخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة المصرية، خاصة وأن الحكومة المصرية بالفعل تجري محادثات مع ثلاث دول من بريكس، وهي الهند وروسيا والصين، من أجل التبادل التجاري بالعملات المحلية، ولم يتم الانتهاء من أي اتفاقيات حتى الآن.
وأخيرا فإن الذين يأملون في زلزلة عرش الدولار عن الاقتصاد العالمي في الأجل القصير، فإن هذا الأمل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عمل، والولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى الدولار معركة حياة أو موت، فهو سر إمبراطوريتها جنبا إلى جنب مع قوتها العسكرية، وإزاحة الدولار يعني إزاحة للهيمنة الأمريكية، وهذه الهيمنة تحتاج إلى قوة متجانسة لإزاحتها اقتصاديا تدريجيا من خلال تحييد الدولار بمثل هذه التكتلات الاقتصادية، ويبقى المسلمون والعرب متفرجين.. تارة ينظرون للولايات المتحدة الأمريكية وتارة ينظرون للصين، ولا ينظرون إلى ما بين أيديهم من منهج إسلامي قويم وتراث إسلامي عظيم، يحثهم على تشكيل وحدة اقتصادية وعسكرية إسلامية تكون مصدر قوتهم وحماية وجودهم وتلبية حاجات شعوبهم.
twitter.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه البريكس مصر الاقتصاد الديون التكتلات مصر اقتصاد ديون بريكس تكتلات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستفادة من فی المئة من من البریکس الضغط على من خلال
إقرأ أيضاً:
تقرير رسمي: 3 ملايين إسرائيلي يعانون من أعراض نفسية بعد طوفان الأقصى
كشف تقرير عبري رسمي معاناة 3 ملايين إسرائيلي من أعراض ما بعد الصدمة بعد هجوم "طوفان الأقصى" الذي استهداف قواعد الاحتلال العسكرية ومستوطنات الغلاف في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم يتلق سوى 0.6 في المئة منهم العلاج وذلك بسبب فشل الأنظمة الصحية.
جاء ذلك في تقرير صادر، الثلاثاء، عن مراقب الدولة متانياهو إنغلمان عن تقصير الحكومة الإسرائيلية في علاج الإسرائيليين قبل وبعد اندلاع الحرب، كشف اللثام عن سلسلة من الإخفاقات وعدم جاهزية نظام الصحة النفسية، وفق إعلام عبري.
وقال موقع "كالكاليست" العبري: "يقدم تقرير مراقب الدولة بشأن الرعاية الصحية النفسية لضحايا هجمات 7 اكتوبر صورة عن فشل وانهيار أنظمة الصحة النفسية".
وأضاف: "38 في المئة من الجمهور يعانون من ضائقة نفسية متوسطة أو شديدة، لكن النظام العام عالج 0.6 في المئة منهم فقط خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب".
وأفاد التقرير أن "حوالي 3 ملايين شخص عانوا من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب أو القلق منذ بداية الحرب، لكن أقل من واحد في المائة منهم سعوا للحصول على العلاج" وفق القناة 12 الخاصة.
وحسب القناة "كشف استطلاع للرأي أدرجه التقرير أن 34 في مئة من المستطلعين أفادوا بمعاناتهم من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، و32 في المئة أفادوا بمعاناتهم من اكتئاب متوسط أو شديد، و21 في المئة أفادوا بأعراض القلق، فيما أفاد 38 في المئة منهم بوجود عرض واحد على الأقل بمستوى متوسط أو شديد".
وفيما يتعلق بالرعاية الصحية النفسية التي تقدمها صناديق المرضى ومراكز الصحة النفسية الحكومية، وجد مراقب الدولة أنه في الأشهر الستة التي أعقبت السابع من أكتوبر، تم تقديم العلاج لـ 0.6 في المئة فقط من عامة السكان.
وجاء في التقرير أن "السبب الأكثر شيوعا لعدم السعي إلى العلاج هو طول فترة الانتظار لتلقي العلاج لدى شركات التأمين الصحي والتي قد تصل إلى 6 أشهر، وفق ما ذكر ذلك 38 في المئة من المشاركين. أما السبب الثاني (23 في المئة) فهو عدم المعرفة بإمكانية تلقي العلاج".
وأفاد "19 في المئة من المستطلعين أنهم لا يثقون في مقدمي الرعاية النفسية، وقال 17 في المئة أنهم قلقون بشأن سرية المعلومات، فيما أشار 5 في المئة إلى أنهم لم يجدوا معالجا مناسبا لهم".
وتشير بيانات المسح الذي أجراه مكتب مراقب الدولة في أبريل/نيسان الماضي إلى أن "هذا تقدير لحوالي 3 ملايين شخص بين السكان البالغين، بينهم حوالي 580 ألف شخص قد يعانون من أحد الأعراض الشديدة على الأقل من اضطراب ما بعد الصدمة".
وأضاف: الفرصة المتاحة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة في محاولة لمنع تحولها إلى مرض مزمن تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، وقد يكون العلاج مفيداً حتى بعد مرور تسعة أشهر إلى عام من وقوع الأحداث التي تسببت في حدوثها".
وجاء في تقرير المراقب إن "الفشل في تلقي العلاج خلال هذه الفترة قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض مزمنة، مصحوبة بضعف في الأداء. وهذا يعني أنه بالإضافة إلى المعاناة الكبيرة التي قد يسببها عدم الحصول على العلاج في الوقت المناسب، فإنه قد يكون له أيضا عواقب اقتصادية كبيرة، بما في ذلك الحاجة إلى معاش من التأمين الوطني".