الخرطوميون من نزوح لنزوح
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
خالد فضل
لم تزل الحرب مستعرة بين طرفي العسكر السودانيين , البرهان بعد نزوحه أخيرا إلى بورتسودان بدأ يتولى شؤون الحكم فيما بين يدي جيشه من مناطق , الخشية كلها أن تنشأ حكومة الساحل لتقابلها حكومة النهر أو السهل ! وزارة الخارجية تتحدث بفرح (طفولي) عن حصولها على قطعة أرض في بورتسودان لتقيم فيه , هذا مؤشر مزعج , ووزير الداخلية يتحدث عن تدمير 4مصانع كانت توفر أوراق جواز السفر , وكل الهيئات والمؤسسات في ما بين النهرين تشكو من وطأة الحرب عليها وفقدانها لوثائقها وطمس معالم الدولة واحدة من أخطر نتائج الحرب العبثية , وهو مدعاة في ذات الوقت لوقفها بسرعة حتى يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه .
الخرطوميون , منقسمون ما بين عالقين تحت القصف , وتسقط أخبار القتال من حي لآخر , والإشاعات المضللة من الطرفين المتقاتلين ومن قبلهما وسائط التواصل التي تضج دون حسيب أو رقيب بالغث والسمين , من داع إلى العقل وضد الحرب ومع السلام والحل التفاوضي , إلى ناعق بالكراهية ولغة الذبح (جخ) لمن يعتبره عدوه اللدود , من المؤسف ولوغ إعلاميين كبار في هذا الوحل النتن , وإثارة الكراهية العرقية والجهوية إضافة إلى إثارة الكراهية والتضليل والكذب في المجال السياسي, العالقون بعضهم تقطعت به السبل فلم يقو على الخروج , بعضهم لا يعرف غير الخرطوم وطنا فإلى أين سيخرج , بعضهم نزح إلى الخرطوم أساسا من مناطق الحروب والنزاعات والدمار ولم يحدث تغيير في الأسباب التي أجبرته على النزوح إبتداء , هناك من بقي لأسباب تنظيمية أو سياسية خاصة من بين دعاة الحرب وداعميها , ثمّ لا ننسى من بقي لأسباب النهب والسرقة في ظل إنهيار الدولة وحالة الإستباحة التامة للمينة , هذا قسم من الخرطوميين , أما القسم الآخر , نزح داخليا أو لجأ إلى خارج الحدود , ومصر من أكبر الدول التي استقبلت اللاجئين من نيران الخرطوم ! والولايات القريبة من الخرطوم كانت هي المواقع التي استقبلت أهلها العائدين إليها كنازحين بعد أن غادروها إلى الخرطوم من قبل , فافتحوا للعائد أبواب المدينة مثلما صدح محمد عبدالحي _رحمه الله_ في نشيده الباذخ العودة إلى سنار , وأسباب النزوح إلى الخرطوم شتى , جلّها قسري , فمن لم تزعزعه الحرب والجفاف والتصحر والنزاعات القبلية في حزام الحروب السوداني العتيد , زعزعته أخطاء السياسة المدمرة للمشاريع والخدمات والبنى التحتية ؛ خلال ثلاثينية الإسلاميين البئيسة , جاء إلى الخرطوم طالب الدراسة وطالب العلاج , والباحث عن رزق في الأسواق الجوّالة ولو عبر جركانة موية !سائق الركشة وجالب الحبال والمساويك وتاجر العملة , وبعض الذين ترتبط وظائفهم بالخرطوم كعاصمة مثل كار الإعلاميين , وشخصي منهم , تمددت الخرطوم وتبعجّ مثلثها ليصبح بدون شكل هندسي مسمى , وتقلصت خدماتها إلى مرتبة جلب الماء بالكارو في أعرق الأحياء , والعواسة بالويقود عند انعدام الغاز والفحم , والكهرباء غيب وتعال مع غلاء الأسعار , وصار من بين كل سودانيين اثنين /اثنتان من تحدثه/ها نفسه/ها بالرحيل للخرطوم ( الوليدات كلهم هناك , فضلنا أنا وأبوهم والبت الصغيرة قلنا نتلم عليهم ) هكذا ينطق لسان الحال , والخرطوم تأوي النازحين واللاجئين حتى بات سكانها الأصليون أقلية , فهي مدينة النزوح الكبيرة لوطن لم تشمل أقاليمه خطط التنمية ولم تشهد أرجائه راحة البال , الخرطوم تئن وترزح في فقرها وتمتد في قفرها , وتعمر حتى سوبا , ها هي الآن تتفرتق طوبة طوبة , ييجوسها الجند المتقاتلون , وتدهسها كتائب الموت التي بعثت من جديد بعد كمون قليل , الخرطوم تدكها الطائرات والقنابل المضادة والمسيرات والصواريخ في حملات القوة المميتة , ومثلما نشأت وكبرت نزوحا إليها ها هي تفرغ نزوحا منها وفرارا , فهل من عودة تاني , الله أعلم . الوسومخالد فضل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إلى الخرطوم
إقرأ أيضاً:
ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
سألني كثيرون عن عدم ذكر شرائح مجتمعية مهمة كان لها إسهام كبير في هزيمة مشروع حميدتي الانقلابي.
لكن القائمة التي أوردتها لم تكن حصرية لمصادر القوة الخفية الناعمة في الدولة السودانية، بل كانت مجرد نماذج، دون أن يعني ذلك امتيازها على الآخرين.
بدأت أشعر بالقلق من أن معارك جديدة ستنشب بعد الحرب الحالية، محورها: من صنع النصر؟ ومن كانت له اليد العليا فيه؟!
لا شك أن هناك من لعبوا أدوارًا مركزية في هزيمة مشروع الميليشيا بعيدًا عن الأضواء، وسيأتي ذكرهم في يوم ما.
بعض الأصدقاء والقراء لاموني على عدم ذكر مشاركة السلفيين وجماعة أنصار السنة، وآخرون تساءلوا عن عدم الإشارة إلى دور الشعراء وكبار المغنيين، مثل الرمز والقامة عاطف السماني.
أما اللوم الأكبر فجاء من عدد كبير من القراء، بسبب عدم التطرق لدور الإعلاميين، لا سيما في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
نعم، لم تكن الحرب التي اندلعت في السودان يوم 15 أبريل 2023 مجرد مواجهة عسكرية تقليدية بين جيش نظامي ومجموعة متمردة، بل كانت حربًا شاملة استهدفت الدولة والمجتمع معًا.
فبينما كانت الرصاصات والقذائف تحصد الأرواح، كانت هناك معركة أخرى، لا تقل ضراوة، تدور في ميدان الوعي والمعلومات، حيث لعب الإعلام الوطني الحر دورًا محوريًا في التصدي لهذا المشروع الغاشم.
في بدايات الحرب، أصيبت مؤسسات الدولة بالشلل، وغابت الأجهزة التنفيذية والإعلام الرسمي.
أما القوات المسلحة، فكانت محاصرة بين الهجمات الغادرة ومحاولات التمرد فرض واقع جديد بقوة السلاح.
وفي تلك اللحظة الحرجة، برز الإعلام كسلاح أمضى وأشد فتكًا من المدافع، يخوض معركة الوعي ضد التزييف والخداع، ويقاتل بالحجة والمنطق لكشف الحقائق ودحض الأكاذيب.
راهن المتمردون ومناصروهم على التلاعب بالسردية الإعلامية، فملأوا الفضاء الرقمي بالدعاية والتضليل، محاولين قلب الحقائق وتقديم أنفسهم كقوة منتصرة تحمل رسالة الحرية والديمقراطية.
لكن الإعلام الوطني الحر كان لهم بالمرصاد، فكشف فظائعهم، وفضح انتهاكاتهم، وعرّى أكاذيبهم.
لم تعد جرائمهم مجرد روايات ظنية مبعثرة، بل حقائق موثقة بالصوت والصورة، شاهدة على مشروعهم القائم على النهب والدمار وإشاعة الفوضى.
لم يكتفِ الإعلام بتعرية التمرد، بل حمل لواء المقاومة الشعبية، فكان منبرًا لتحفيز السودانيين على الصمود، وحشد الطاقات، وبث روح الأمل.
اجتهد الإعلام الوطني في رفع معنويات الجيش، مؤكدًا أن هذه ليست نهاية السودان، وأن القوات المسلحة ستنهض مهما تكالبت عليها المحن، وأن الشعب ليس متفرجًا، بل شريك أصيل في الدفاع عن وطنه.
لم يكن هذا مجرد تفاعل إعلامي عابر، بل كان إعادة تشكيل للوعي الجمعي، وصناعة رأي عام مقاوم يحمي السودان من السقوط في مستنقع الفوضى.
ومع مرور الوقت، استعاد الجيش أنفاسه، وعاد أكثر تنظيمًا وقوة، والتحم بالمقاومة الشعبية التي بشّر بها الإعلام.
وهكذا، تحولت الحرب من مواجهة بين جيش ومتمردين إلى معركة وطنية كبرى ضد مشروع تدميري عابر للحدود.
لقد أثبت الإعلام الوطني أن الكلمة الصادقة، حين تكون في معركة عادلة، تملك من القوة ما يعادل ألف طلقة، وأن الوعي، حين يُدار بذكاء وصدق، يصبح درعًا لا يخترقه التضليل، وسيفًا يقطع أوهام الباطل من جذورها.
هكذا انتصر السودان في معركة الوعي، وهكذا هُزم التمرد قبل أن يُهزم في ميادين القتال.
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتساب