يُقال "أول الحرب كلمة"؛ ولكن ما تقوم به مجموعات وأفراد في أوروبا وأمريكا تجاه مشروع الاستثمار الرياضي السعودي أكبر من كونها كلمة واحدة إلى كونها حرب شعواء ضد هذا الاستثمار ومحاولة التقليل منه وصرف الأنظار عنه، نعم، كانت هناك أصوات معتدلة وعاقلة؛ لكنها قليلة مقابل الموجة الكبرى تجاه هذا الاستثمار السعودي.
إذًا كيف نستطيع إسقاط هذا الغرب إعلاميا وندمره؟، ربما يفكر هكذا المجانين، إذ لا يمكن فعل ذلك إلا في عالم الروايات والأفلام، ولكن ما الطريق إلى إيقاف هذه الحرب الإعلامية؟، إن حقيقة الأمر تقول إن هذه الحرب ستخبو وتصعد بحسب السيناريوهات التي تحدث في عوالم الرياضة.
لذلك فالغرب عندما استيقظ على التمويل السعودي في الرياضة قام بحملته الإعلامية وكان يجب علينا التنبه لذلك من خلال صناعة وإدارة محتوى إعلامي يلامس قلوب وعواطف المتلقي الغربي، بدلا من توجيه أصابع الاتهام للغربيين وأنهم يكرهون أي تقدم لنا وتطور في أي مجال لا سيما وأن القضية قضية يراها الغرب أنها تحد وجعلتهم يستغربون حول كيفية مواجهة تحدي هذا السعودي العظيم لاستثماراتهم واقتصاداتهم، ونسوا أن هذا سوق والسوق مفتوح للمنافسة بحسب قوانينهم وأنظمتهم.
إذا فنحن نبحث عن عاقل يقول لنا بالفم المليان إنه لا يمكن إسقاط الغرب إعلاميا بسبب حربه تجاه مشاريعنا، بل يقول هيا بنا نستفيد من الاستثمار في مجال الرياضة باعتبار ذلك معزِّزا للقوة الناعمة، وتحويل ما تقوم به السعودية في هذا المجال إلى محتوى إعلامي يسهم في إيصال الصورة الحقيقية للمملكة ويسهم في تطوير الاقتصاد والسياحة وجلب فرص استثمارية ووظائف وإقناع لاعبين عالميين للانضمام للدوري السعودي.
إن إحدى الأدوات التي يجب أن نعيد التفكير فيها هي إنشاء منظومة إعلامية ترتكز قواعدها على القطاع الخاص وخصوصا في الدول التي تتحدث بلغات مثل الإنجليزية والبرتغالية والفرنسية والألمانية، فتقريبا معظم الهجمات منذ فترة تأتي تحديدا من هذه الدول بسبب هيمنتها على المشهد العالمي، وتعتمد في أفكارها على قدرتها في إقناع الرأي العام في دولها بأن السعودية خطر على الاستثمار الرياضي ولا بد من قوانين مقننة تحد من هذا الخطر، وهذا يؤكد على ضرورة قيام تكتلات إعلامية سعودية خاصة في معظم هذه الدول للتحدث للرأي العام وإيصال أفكارنا.
ولا يخفى على المتلقي أن هناك مشكلة كبرى نواجهها وهي كيفية توجيه المحتوى الإعلامي، إذ يقوم الكثير من أبناء جلدتنا بتوجيه المحتوى إلى الداخل السعودي أو العربي، وهذا يدل على ضعف الإدارة الإعلامية وضياع بوصلة الاستراتيجيات الإعلامي، إن الصحيح أن يتم توجيه المحتوى للمنصات الإعلامية التي يرتادها الجمهور المحدد وإيجاد زخم، فمثلا في الدول الناطقة بالإسبانية تعد منصة انستغرام هي المنصة الأهم ولا حضور لمنصة سناب شات، وبالتالي يجب أن يتوافق المحتوى مع معايير "انستغرام" والخوارزميات وتوجيه زخم هذا المحتوى بطريقة صحيحة.
وحقيقة أنه لا مفر من مواجهة إعلامية مع الغرب أو غيره، فالتدافع بين الناس يفضي إلى إصلاح المنظمات ويبرز وجوها جديدة ويخفي عيوبا قديمة؛ لكن التذمر والصراخ وتوبيخ الغرب ليس أداة فاعلة وذات قيمة كي يكون لنا حضور، ومن ناحية أخرى فالصمت يعتبر ضعفا، وقولنا إن علينا العمل وهم سيرون أيضا لا يقل ضعفا عن الصمت، ولذا فعلينا التوسط في ردة الفعل وصياغة المحتوى واختيار الجمهور والمنصات والتماهي مع موجات الجمهور والتريند كي نصل إلى هدفنا المنشود.
بقي القول إننا لن نسقط غربا ولا شرقا في الإعلام، بل علينا استخدام أدواتنا الناعمة وتعزيزها من خلال وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، واختيار القيادات الإعلامية الفاعلة التي تعي ما يدور في المشهد، والتي تبذل جهدها في فهم توجهات قيادة الوطن وترسم ملامحها الإعلامية وفقا لذلك كي نصل بثقافتنا وبلدنا لمنصات وأسواق وجماهير جديدة.
باحث في الإدارة والمحتوى الإعلامي، جامعة كمبلوتنسي بإسبانيا
المصدر: صحيفة عاجل
إقرأ أيضاً:
على الغرب أن يرفع عقوبات سوريا الآن
ترجمة: أحمد شافعي -
لم تحظ خطط البنتاجون غير المعلنة مسبقا بسحب القوات الأمريكية البالغ عددها ألفي فردا من شرقي سوريا إلا باهتمام ضئيل الأسبوع الماضي، بعد أن طغى عليها عرض البانتومايم السريالي الذي قام به دونالد ترامب بشأن غزة. ومن المعروف أن هذه القوات الأمريكية تساعد القوات الكردية السورية في احتواء بقايا الخطر الذي يمثله الجهاديون التابعون للدولة الإسلامية المعتقل منهم تسعة آلاف فرد في معسكرات اعتقال. والخوف في حالة رحيل الولايات المتحدة يتمثل في أن يحدث هروب جماعي يؤدي بمرور الوقت إلى تجدد خطر الدولة الإسلامية الإرهابي على أوروبا وبريطانيا والغرب.
يمثل الانسحاب الأمريكي المقترح قطعة واحدة من قطع أحجية الصورة السورية المعقدة التي تتحدى الأصدقاء والخصوم على السواء في أعقاب ما جرى في ديسمبر من إطاحة بدكتاتورية بشار الأسد. خلافا لترامب، تريد تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج ـ المتنافسة جميعا على النفوذ ـ زيادة انخراطها في سوريا وليس تقليله. وتريد أوروبا دولة ديمقراطية مستقرة يمكن أن يرجع إليها اللاجئون آمنين. ولا ترى إسرائيل ـ التي تعاني من جنون عظمة عدواني ـ إلا أخطارا محتملة، في حين تسعى روسيا وإيران المهزومتان إلى استعادة موطئ قدم.
ووسط كل ذلك ثمة أحمد الشرع، مقاتل القاعدة السابق وزعيم هيئة تحرير الشام الإسلامية التي أطاحت بالأسد، والمعين حديثا رئيسا مؤقتا لسوريا. ويتوقف عليه ـ بدرجة غير مريحة ـ مستقبل هذا البلد المقسم الخرب. ومن حوله تعاد صياغة جغرافيا الشرق الأوسط السياسية وتوازن القوى على نحو جذري.
وثمة سؤال واحد يهيمن الآن. لقد كان سقوط الأسد خبرا سعيدا في منطقة يعز فيها الأمل. فهل الفرصة التي تسنح بسبب هذه الثورة الشعبية معرضة الآن لخطر الزوال؟
في لقاءين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوجان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قال الشرع إن أولوياته هي حماية سلامة الأراضي السورية، وتوحيد الفصائل المتنافسة في جيش وطني، وتكوين إدارة شاملة منتخبة، وإعادة البناء بعد ثلاثة عشر عاما من الحرب الأهلية. وهذه مهمة هائلة الضخامة، والشرع يفتقر إلى الخبرة. ويتشكك البعض في تخليه عن جذوره. غير أن مساعدته ـ في ظل غياب أي بدائل جيدة ـ مقامرة يجب أن يقبلها قادة المنطقة.
وإردوجان ـ الذي ساعد هيئة تحرير الشام في قاعدة إدلب ـ له أولوياته الأنانية. فهو يرجو أن يفرض نفوذا بعيد الأمد على ممتلكاته العثمانية السابقة. ويريد للملايين الثلاثة من النازحين السوريين إلى تركيا أن يرجعوا إلى وطنهم، فضلا عن عقود إعادة الإعمار المربحة. وفوق ذلك كله يريد إنهاء ما يراه خطرا إرهابيا كرديا.
ويأتي اقتراح الشرع بدمج المقاتلين الأكراد السوريين ـ المجتمعين في (القوات الديمقراطية السورية) المدعومة أمريكيا ـ في جيشه الوطني الجيد ملائما لتركيا. ولا يميز إردوجان بين (القوات الديمقراطية السورية) وحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا في جنوب شرق تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي. وتحتل قوات تركية مناطق من شمالي سوريا. وترعى أنقرة الجيش الوطني السوري ـ وهو عبارة عن ميلشيات عربية متفرقة تتصادم بين الحين والآخر مع (القوات الديمقراطية السورية).
تزعم تركيا أنها قادرة على قيادة القتال ضد الدولة الإسلامية، ولذلك فلا حاجة لمواصلة قوات أمريكية التعاون مع أكراد سوريا، وذلك طرح مشكوك فيه. ولكن هذا الغرور [التركي] يروق لترامب الذي سعى ولم ينجح في سحب القوات الأمريكية خلال ولايته الأولى. ويقول ترامب الآن ـ بقصر نظر ـ إن سوريا "ليست معركتنا". وصحيح أن قرار الولايات المتحدة بالتخلي عن حلفائها الأكراد يزيل مصدر إزعاج رئيسيا في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
ولكن هناك عقبة ــ بل عدة عقبات في واقع الأمر. فأكراد سوريا يفضلون ـ على نحو مفهوم ـ الاحتفاظ بالحكم الذاتي الذي اكتسبوه بشق الأنفس في روج آفا. ولا يريدون استيعابهم في جيش تديره ميليشيات الشرع، التي كان بينهم وبينها قتال ذات يوم. وليست لهم أي مصلحة في مساعدة تركيا على سحق الحلم البعيد العزيز القديم بتقرير المصير الوطني في المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركياـ حتى لو كان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان مستعدا للاستسلام كما تردد.
مرة أخرى، تواجه القضية الكردية نقطة تحول ــ وتخاطر بتصادم مع دمشق وأنقرة في آن واحد.
وقد يسعد لاعبون إقليميون آخرون برؤية الشرع فاشلا. فقد استغلت إسرائيل الفوضى المحيطة بسقوط الأسد في تدمير القوات المسلحة السورية. كما رسخت احتلالها لمرتفعات الجولان. وبرغم دعوات الشرع إلى التعايش السلمي، تظل إسرائيل مستريبة فيه بشدة وحليفه أردوجان الداعم لحماس الذي يعد خصما محتملا في المستقبل. والواقع أن سوريا، الضعيفة، وإن لم تكن فوضوية، تناسب أغراض إسرائيل.
ولا تزال روسيا وإيران، داعمتا الأسد السابقتان، كامنتين تتربصان. فبعد انسحابها في ديسمبر، تتحدث طهران عن إعادة بناء النفوذ عبر الباب الخلفي، باستخدام "خلايا المقاومة" والشبكات السرية. وفي الوقت نفسه، تتفاوض روسيا بلا خجل من أجل الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين. وفي محادثات جرت الشهر الماضي مع الشرع، الذي أمضى فلاديمير بوتن عقدا من الزمان وهو يحاول قتله، قيل للدبلوماسيين الروس إن موسكو "يجب أن تعالج أخطاء الماضي". وطالب الشرع أيضا بإعادة الأسد من موسكو لمواجهة العدالة. لكنه كان حريصا على ألا يحرق جسوره مع روسيا. والواقع أن القوى الغربية تنبهت لذلك.
يواجه الشرع مشاكل أخرى لا حصر لها، منها كيفية المضي قدما في "الحوار الوطني" والتحرك نحو الانتخابات الموعودة، وضمان حماية حقوق الأقليات ضمانا فعليا، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية في أرض ممزقة لا يسيطر على معظمها سيطرة ملموسة. وذلك بحق أمر شاق. ومهما يكن سجل الشرع السابق، فإنه والشعب السوري بحاجة إلى المساعدة في الوقت الحاضر، لأن تكلفة الفشل، إذا ما قيست بتجدد الفوضى وسوء التحالفات، قد تكون باهظة.
ولهذا السبب فإن مشكلة رئيسية أخرى ـ هي التأخر غير المبرر في رفع العقوبات الغربية المفروضة في عهد الأسد ـ تعد ضارة للغاية ومدمرة للذات. فعلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بل وأميركا في عهد ترامب، أن تتوقف عن المراوغة، وعن حساب المزايا، وأن تفتح بالكامل منافذ المساعدات المالية والتجارية والأمنية وإعادة الإعمار، بالتعاون مع الشركاء المحليين والدول العربية. فالفرصة نادرة لتحويل الأخبار الجيدة إلى قصة نجاح دائمة وخدمة للمصالح الغربية من خلال بناء سوريا صديقة ومزدهرة ومتسامحة وديمقراطية.
هي فرصة لا تتكرر إلا مرة في كل جيل. ولن تسنح مرة أخرى. ويمكن بسهولة أن تضيع.
• سيمون تيسدال معلق في الشؤون الخارجية بصحيفة أوبزرفر.
** عن ذي جارديان البريطانية