للحب بقية.. منجز ابداعي جديد للكاتبة هند أحمد
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
سبتمبر 6, 2023آخر تحديث: سبتمبر 6, 2023
حامد شهاب
منجز أدبي وإبداعي آخر للإعلامية والشاعرة والكاتبة المتألقة هند أحمد ( أم تميم ) ، صدر حديثا ، وقد سطرت حروفه من ماء الذهب بعد أن سحقته من رحيق القلب مشاعر وتعبيرات وجدانية جياشة ، صاغت حروفه بعناية ، لتستخرج من تجربتها الجديدة لآليء ودرر، وكل ما يغني ذوق القاري المتطلع الى الحب والجمال ، وما تفيض به المشاعر من أنهار وبحيرات ، تشكل عالم الكاتبة في كل مراحل عمرها الذهبي.
هند أحمد ، التي بقيت وفية للوطن ولتربة العراق ولوروده وألوانه الزاهية وطيوره الجميلة رغم غبار الزمن الأغبر ، تريد ان تؤكد لمن يطلع على نتاجها الأدبي أن الحب هو النهر الأبدي الذي تمرح على جانبيه الورود والأزهار والخضرة وكل معالم الطبيعة الخلابة، ليكون مسرح عالمها الشعري، ولكي تعبر عن حالة الوفاء للعراق ولحضارته الضاربة في أعماق التاريخ، حيث كان للمرأة العراقية وما تزال ، دورا كبيرا في نهضته وشموخه .
هند أحمد الشاعرة والكاتبة تبحر في عالم الكون الإبداعي لتختار من مفرداته قلائد من ذهب وألماز ، وتصوغها بمشاعر فيضها المتدفق حبا وكبرياء ، ويمكن للنساء أن تضعها على الصدور قلائد للمتعة والفخر ، ويستسيغ طعمها الرجال لتكون ينبوعا متدفقا ، يشعرهم بأن الحياة لها طعم ولون ورائحة ولهم قيم ومباديء سامية، متى نزعت من قلوب البشر فتحيل عالمنا الى صحراء قاحلة ، تقطنها الوحوش الكاسرة ومعاول الإرهاب والفتن والمؤامرات ، وكل ما يبعد بنو البشر لكي يشعروا بآدميتهم في هذه الدنيا.
هند أحمد تؤكد لكل إمرأة أنها عالم جميل ومتخيل ، بوسعها أن تكون فراشة أو طيرا جميلا يغرد في الآفاق ، أو زهورا أو عطورا أو ملامح نقش آثاري ، أو مما صاغته أيادي الإبداع من نفائس الكلمة ومن عطرها وشموخها ، بعد إن سقتها من فيض مشاعرها، ما يجعلها خفاقة ترفرف بين الأعالي، وهي تزدهي بمن يحفظ لها هيبتها ووقارها من ان يطالها الزمن، لتحتفظ بما يفوح بها عطرها من نسائم ليهنأ بها بنو الأرض.
للحب بقية.. يعني أن الحياة والمشاعر والآهات بكل تقلبات الزمان ، تبقى جذوتها تتقد بين الصدور.. فالحب هو الوحيد القادر على ان يعيد للنفس البشرية شعورها بالقيمة والإعتبار والحياة الحرة الكريمة، وبدونه لن تساوي الحياة شيئا للبشر.
للحب بقية.. يعني ان ميدان الصراع الإنساني مع الحياة لن يتوقف، والغلبة لمن يحتفظ بين ثنايا الصدور بنسائم وقطرات حب ندية ، تسقي المزارع والأرض والقلوب العطشى لتبقى نضرة جميلة مزدانة بكل ما وهب الله البشرية من عقائد ومباديء وفلسفات ومثل عليا.
الحب.. هو الكون الزاخر بالعطاء والتوقد والتوهج الفكري والابداعي والقيمي ، ونيرانه حين تغلي لايخشى منها ، لأنها ليست محرقة ، بقدر ما تضيء الأنوار للدنيا ، وتجعل الكواكب تدور في عالمنا ، وهي تمنحنا القوة والعطاء بان الله خالق الكون ، قد سخر لنا من كواكب الدنيا ومن أرضها وبحورها وأنهارها وثمرها ، ما يؤكد أن الحب هو من يحيي الارض والإنسان والوطن ، وهو الكفيل بمد أعمار البشر .. وبدون الحب لن يكون هناك معنى لأي حياة.
وهند أحمد حين تضع مؤلفها الجديد ( للحب بقية ) بين أيديكم فهي تريد أن تقول لملايين البشر ، أن الحب رسالة إنسانية ، وهو الوحيد القادر أن يعيد التوازن لمعادلة الحياة المختلة مهما تجبر المتجبرون، وحاولوا الهيمنة على عقولنا ومقدراتنا وأرضنا وأوطاننا وأستلبوا كرامتنا.. فبالحب وحده يحيا الإنسان.. وهو الهبة الآلهية الوحيدة التي تحفظ للبشر أقيامهم وكرامتهم ، عندما تتقلب بهم الأحوال أو جار عليهم الزمان.
يذكر ان وليدها الشعري البكر كان ( ذاكرة نجمة ) وقد جرى تكريم (أم تميم) لاصدارها كتابها الشعري الثاني ( حوار مع الروح ) ، وسط جمع غفير من رواد الأدب والفن والثقافة، جرت على قاعة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والسياحة والآثار في الثامن عشر من يناير/كانون الثاني الجاري.
” للحب بقية” صدر عن دار الرفاه للطباعة والنشر، ورقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد٣٣٣٦ لسنة ٢٠٢٣.
للحب بقية.. أيها القراء .. بحاجة الى أن يكون رحيقا وعسلا للقلوب ، لكي يقوي معنوياتها ويدخل في النفس البشرية البهجة والسرور.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: هند أحمد
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (4)
مُزنة المسافر
إنني أعيشُ في قنينةٍ من الخوف والخرف يا جوليتا، أنا والتوباكو نعرف جيدًا أننا لا ننفع أحدًا الآن، لقد سرقوني، سلبوا كل شيء، لم يتركوا لي غير التبغ يشتعل في ألم عظيم.
جوليتا: من هم يا عمتي؟
ماتيلدا: أعدائي، لقد جاءوا ليلًا حين كنتُ نائمة، لقد سرقوا المسرح، لقد سرقوا صندوق النقود، لم أعد احتمل الكذب والسلب، نحن شرفاء يا ابنة أخي لكننا نُسرق ونُنهب لماذا؟
افعلي شيئًا من أجل عمتك الضائعة، لا أرغب أن أضيع أكثر، إننا نأكل جيدًا كل ليلة من المال الذي نجنيه من هذا المسرح، يا خيبتي، يا لحظي العائر، وقلبي الثائر، دعيهم يرحلون عني.
لقد كبرت، لا أستطيع الركض خلف اللصوص، لقد أشهروا سكينًا في وجهي يا جوليتا.
عمتك تبكي، وتشكو ضعفها، إنني قد صرتُ في القاع، هل عليَّ الانصياع؟
كنتُ حافية القدمين، كنت ناقمة على الحياة، وجعلوا من عمتك أضحوكة، بحثوا في أدراجي، وفي خزائن حياتي، كدت أموت، كدت اختفي، كدت انجلي، والآن اعتلي عرش اليأس، وقد دخل في حياتي باب النحس طبعًا، أنقذيني، أوقدي شمعة في فؤادي، وقولي لي شيئًا ينادي بالسكينة.
جوليتا: كوني صلبة يا عمتي، لقد كنتي ودودة، ولم تكوني عدوة لدودة لهم.
وجيوبهم فارغة من الرحمة والمال، إنهم قد سرقوا الأشياء لكن لم يسرقوا ذكرياتك وآمالك المعلقة حول عنق الحياة.
ماتيلدا: لم يتمكنوا من أن يأخذوا ذكرياتي وأغنياتي بالتأكيد، تعرفين يا جوليتا أنك دون أحلام لن تكوني إلّا من يخلق الوهم، وليس النغم واللحن الحلو اللذيذ الذي يلهبُ كل الأخيلة التي قد ترتسم على جدران قديمة لأجساد وأرجل راقصة، قانصة للحظة النعيم.
جوليتا: لكنني لا أستطيع غناء شيء تحبينه، إنك لا تتركيني أضع علامة بائنة لموهبتي، وأمنح نفسي النجومية المطلوبة.
ماتيلدا: ببساطة لأنك لا تملكين الذكريات والقصص يا جوليتا، عليك قول القصص وإخبارها باستعلاء كبير، وكأنه لم يعشها أحد غيرك في هذا الكون. أتعرفين؟ كان لي قصة رائعة، وكوني لها الآن سامعة.
إنها قصة رجل القطار الذي غاب عن جعبتي سنوات طويلة، أتذكره كثيرًا في هذه الأيام، لقد أراد أن يحبني حبًا إغريقيًا، إنه شاب قد دخل قطارًا بطيئًا للغاية، كنت أنا بحقيبة سفر قديمة كانت لجدتي، وكان لي فستان قرمزي يقتفي آثار جسدي جيدًا، ولا يترك أي مجال للآخرين أن لا يميزوا اللون المختلف الذي كنت ألبسه، وجاء الشاب، ودخل المقطورة وقدم لي كعكة فراولة شهية، وجاء بكوب قهوة.
وقدمه لي، هل تعرفين حين تقولين إنه شاب نبيل يا جوليتا، لقد انقرض النبلاء من الرجال في هذا الزمن البائس يا ابنة أخي، غابوا ورحلوا لكنه كان رجلًا نزيهًا، لطيفًا أثرت شفقته بلهجتي الرعناء، وصوتي الغريب.
وحين كنتُ أرددُ أغنيةً، وأسعى أن أكتب واحدةً، ردَّدَ هو أن صوتي جميل للغاية، وكانت المرة الأولى التي أعرف أن لي صوتٌ جميلٌ للغاية، وأنه يدغدغ المشاعر، وأن قلبي الشاعر يقدر على قول القصائد ويأتي بالمصائد التي يفرضها على من يأتي للمسرح ليسمعني، ورغم حركة الناس، كانت المقطورة مفطورة عن باقي المقطورات في ذاك القطار البطيء للغاية.
وكأن الزمن لم يتحرك تلك اللحظة التي كان يحدثني فيها حوارًا مُسلِّيًا وأحيانًا رومانسيًا، سألني من أنا، وماذا أكون؟ وكيف هي حياة المرء حين يُقرر أن يستقل قطارًا بطيئًا وهو وحيد.
وسألني سؤالًا غير معتاد أبدًا من رجال هذا الزمن: كيف هي أن تكون امرأة بهذا الجمال وحيدة؟ وحينها فقط عرفت أنني جميلة، وأن عيناي تشع بالحب.
وأن هناك شيئًا أُحبُهُ أكثر من الغناء، وشعرت للمرة الأولى بالسناء، وكان هو هذا اللقاء الأجمل على الإطلاق والأبهى بين كل الأشياء التي رأيتها في القطار، قلبي قفز، ورقص، وعيناي رأت الحب لأول مرة، وشعرتُ به أكثر حين كرَّر زياراته للمسرح، وكل مرة كان بقبعة زاهية وملابس باهية وسلوك لبق ومزاج رائق.
جوليتا: وأين هو الآن؟!