اعتبرت الزيادة السكانية مثل الإرهاب.. ما إستراتيجية الحكومة المصرية لتحديد النسل؟
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
القاهرة- بينما يدشن وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار الإستراتيجية الوطنية الجديدة للسكان والتنمية (2023-2030)، وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر دولي بالقاهرة خلال الـ24 ساعة الماضية، أطلق تحذيراته من استمرار الزيادة السكانية، واعتبرها خطرا مثل الإرهاب، وهو ما يلقي بظلاله على تقبل المجتمع تلك الإستراتيجية الجديدة رغم تجاهله نداءات حكومات بلاده على مدار العقود الستة الماضية.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية رسمية) يوليو/تموز الماضي، وصل عدد السكان إلى 104.5 ملايين نسمة، في حين يتوقع وصوله عام 2032 إلى 123.7 مليون في حال ثبات معدل الإنجاب عند 2.85 مولود لكل سيدة، بينما في حال انخفاض معدل الإنجاب إلى 1.6 مولود لكل سيدة، فمن المتوقع أن يصل عدد السكان إلى نحو 116.7 مليون في العام ذاته.
وأبدى الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر عدم موافقته صراحة على ما سماها "الحرية المطلقة للإنجاب"، مؤكدا أن تلك الحرية بالنسبة إلى بعض المواطنين ممن ليس لديهم الوعي الكافي تمثل مشكلة كبيرة.
جانب من فعاليات افتتاح المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية (الموقع الرسمي لوزارة الصحة والسكان المصرية) معالم الإستراتيجية الجديدةوتقوم الإستراتيجية الجديدة على 7 محاور: ضمان الحقوق الإنجابية، والاستثمار في الطاقة البشرية، وتدعيم دور المرأة وتمكينها، وتطوير فرص التعليم، وتفعيل الإعلام في مسار التنمية، وتلافي التغيرات المناخية، وحوكمة الملف السكاني.
وقال وزير الصحة والسكان إن كلمة الرئيس السيسي، "أكبر خطرين يواجهان مصر في تاريخها هما الإرهاب والزيادة السكانية"، كانت الحافز في إنجاز هذه الإستراتيجية، موضحا أنها تستهدف النظر إلى السكان باعتبارهم أحد أهم عناصر القوة الشاملة للدولة، وحق الأسرة في تحديد عدد أبنائها.
وأوضح الوزير أن الدولة مسؤولة عن توعية أفراد المجتمع بأخطار معدلات الإنجاب المرتفعة، خاصة أن متوسط أعداد المواليد خلال فترة بلوغ السكان 105 ملايين نسمة بلغ 5.683 مواليد في اليوم، بمعدل 237 مولودا كل ساعة، و4 مواليد كل دقيقة، ومولود واحد كل ثانية، وفق تأكيده.
مجرد فزاعة
من جانبه، يرى وكيل وزارة الصحة المصرية الأسبق، المعني بالقضايا السكانية، مصطفى جاويش -في حديث خاص للجزيرة نت- أن الحكومة تستخدم القضية السكانية كفزاعة من وقت إلى آخر، رغم أن معدل الإنجاب كان 6.8 أطفال لكل سيدة عام 1960، وأصبح 2.85 طفل لكل سيدة عام 2021، وهذا إنجاز مهم جدا لجهود تنظيم الأسرة في مصر على خلاف الدعاية الحكومية، وفق قوله.
ويضيف جاويش أنه من دون تحقيق التنمية الاقتصادية وإحساس المواطن بالرخاء، فإن تلك الإستراتيجية ستكون للاستهلاك الإعلامي، ولن يستجيب المصريون لها ما داموا يرون أن حكومتهم لا تستجيب لنداءاتهم الاقتصادية المتكررة برفع المعاناة، مما يدفع بعض عامة الناس للاستعانة بفكرة الإنجاب لمساعدته في الحياة.
ويوضح أن المشكلة الأساسية تكمن في عجز النمو الاقتصادي عن ملاحقة زيادة السكان، واختلال التوزيع الجغرافي للسكان بالنسبة لإجمالي مساحة مصر، وهدر الثروة البشرية رغم أنها قيمة مضافة في دعم أي اقتصاد قومي، كما هو معروف عالميا منذ "قمة الأرض- مؤتمر ريو" في البرازيل عام 1992.
وحسب مؤشرات وزارة الصحة، فإن معدل الإنجاب الكلي عام 2021 كان 2.85%، وعام 2023 بلغ 2.1%، في حين أن معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة بلغ 66.4% عام 2021، وفي عام 2023 بلغ 75%.
السكان كنز حقيقيمن جهته، يرى السياسي المعارض أمين صندوق نقابة صيادلة مصر الأسبق الدكتور أحمد رامي الحوفي -في حديثه للجزيرة نت- أن الإستراتيجية الجديدة تكرر أخطاء 60 عاما مضت، كونها تقوم على "خطيئة سياسية مستمرة"، وفق وصفه، وهي الخوف من القوة البشرية المتزايدة، بالإضافة إلى تشبيه الحكومة للزيادة السكانية بالإرهاب.
ويوضح الحوفي أن تلك الإستراتيجية تجدد تمسك الدولة بتخفيف أزماتها وإخفاقاتها عبر تقليل عدد السكان من دون النظر إلى أن المصريين كنز البلد الحقيقي ومصدر النقد الأجنبي عبر تحويلاتهم من الخارج، مؤكدا أن مصر تمتلك موارد تكفيها، ولكن أزمتها في كيفية إدارة هذه الموارد ومن يديرها بكفاءة.
ويلفت السياسي المعارض الانتباه إلى أن الأعباء الاقتصادية الحالية على الأسرة المصرية دفعت في الأساس إلى تقليل معدلات الإنجاب في الجيل الحالي، على عكس الأجيال السابقة التي كانت تصل أعداد الأبناء في الأسرة الواحدة فيها إلى 4 على الأقل، مما يكشف البروباغندا الحكومية الحالية.
ووفق بيانات رسمية، خاضت مصر خلال العقود الأخيرة محاولات عدة للسيطرة على معدلات الإنجاب، من بينها:
الستينيات: إطلاق ميثاق العمل الوطني عام 1962، وإطلاق وتفعيل المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة عام 1965. السبعينيات: تأسيس المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة والسكان عام 1972، وتعديل السياسة السكانية عام 1975. الثمانينيات: إطلاق المؤتمر القومي الأول للسكان عام 1984، وإطلاق وتفعيل العمل بالمجلس القومي للسكان عام 1985. التسعينيات: استحداث وزارة الدولة لشؤون السكان والأسرة عام 1993، وإطلاق المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994، وتأسيس المجلس القومي للسكان عام 1996. العقد الأخير: تفعيل العمل بالمجلس القومي للسكان عام 2015، وإطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة عام 2022. انتهاكات حقوقيةولاحقت الإستراتيجيات السكانية الحكومية في السنوات الخمس الأخيرة بعض التقييمات السلبية، حسب تقرير حديث للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (جهة حقوقية مستقلة)، إذ انتقد وجود تضارب في الإستراتيجيات العاملة على القضية السكانية، والغياب شبه التام في المعلومات واحتكار المؤسسات الحكومية لها، وعرقلة جهود المساءلة والمحاسبة، والتركيز على معدلات الخصوبة ومعدلات المواليد، من دون التركيز على كفاءة وجودة الخدمة الطبية المقدمة.
من جانبه، ينتقد المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار -في حديثه للجزيرة نت- اقتصار الحلول الحكومية على انتقاص حق الإنسان في الإنجاب من دون العناية المثلى بالصحة الإنجابية للمرأة، وتقديم خدمات رعاية آمنة وصحية ومجانية لها ولطفلها مقارنة بالمرأة التي تستجيب لحملات منع الحمل وتحصل على خدمات مجانية مميزة.
ويوضح العطار أنه في يونيو/حزيران الماضي تم الكشف -في مؤتمر رئاسي بمحافظة البحيرة- عن أن وزارة الصحة نفذت حملة غير معلنة لتركيب "اللولب" للسيدات في أثناء الولادة، بهدف تحديد النسل، بما يشكل انتهاكا وانتقاصا من حقوق الأسرة والمرأة، كونه إكراها على تحديد الإنجاب، وفق اعتقاده.
في المقابل، ترى رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) مشيرة خطّاب أن الزيادة السكانية بمصر تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، خاصة للفئات الأولى بالرعاية من الأطفال والشباب والإناث، وضغطا على خدمات الدولة كالصحة والتعليم، وفق بيان رسمي بالتزامن مع تدشين الإستراتيجية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الإستراتیجیة الجدیدة المجلس القومی معدل الإنجاب وزارة الصحة للسکان عام من دون
إقرأ أيضاً:
خبير علاقات دولية: أهداف السياسة الخارجية المصرية تعظيم المصالح وتعزيز الأمن القومي
علق الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، عن الاتصال الهاتفي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الكونغو الديموقراطية، موضحًا أن هذا الاتصال يعكس الطفرة الكبيرة التي شهدتها العلاقات المصرية الأفريقية بشكل عام، ومع الكونغو بشكل خاص.
العلاقات المصرية الأفريقيةوأوضح “سيد أحمد”، خلال مداخلة هاتفية عبر قناة “إكسترا نيوز”، أن هذا الاتصال الهاتفي بين الرئيس السيسي ونظيره من الكونغو الديمقراطية يأتي في إطار تنويع دوائر السياسة الخارجية المصرية، موضحا أنها فلسفة السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس السيسي عبر الانفتاح على كل دول العالم.
وأضاف :"أفريقيا استحوذت على اهتمام خاص من الرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتبارها أحد المجالات الحيوية للسياسة الخارجية المصرية، إذ تربط مصر بدولها علاقات قوية تاريخية سواء سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو أمنية".
وشدد على أن الاتصال بين الرئيس السيسي ورئيس الكونغو يعكس أن مصر تتحرك على كل الاتجاهات في نفس الوقت، بالتزامن شرقا مع الدول الأسيوية كما مع ليبيا ومجموعة البريكس، وشمالا مع أوروبا وروسيا، وغربا مع أمريكا، مؤكدًا أن أحد أهداف السياسة الخارجية المصرية تعظيم المصالح المصرية وتعزيز الأمن القومي المصري.
وتابع: “ما يعد بمثابة دعم وتنمية لعلاقات مصر الجيدة والقوية والسياسة الخارجية الرشيدة مع دول العالم لجذب الاستثمارات لفتح آفاق أمام السلع والمنتجات المصرية في الأسواق العالمية”.