عربي21:
2025-01-24@17:42:07 GMT

الثورات الانقلابية الأفريقية ومرايا الانهيار العربي

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

لننسَ قليلاً نظرية المؤامرة ونتوجه نحو الظاهرة بتجرد. لا أدري لماذا أنظر إلى «الثورات الأفريقية» بكثير من الحيرة والخوف، تماماً كما حدث في «الثورات العربية» التي على الرغم من قيمتها والحاجة التاريخية إليها، بل وضرورتها، فإنه لا نجاح لأي ثورة تقاد بالوكالة مهما كانت نوايا مفجّريها. ربما أهم ما قامت به هذه الثورات أنها هزت «عروش اليقين» التي كانت تبدو قلاعاً محصنة واتضح أنها ليست أكثر من «قصور من كارتون».



لكن الفداحة التي لا يمكن تفاديها هي أكبر من ذلك كله؛ فالمحصلة النهائية، بدل عالم عربي ديمقراطي وحيوي ومتفتح، وجدنا أنفسنا أمام عالم عربي تراجع إلى الخلف عشرات السنين، ممزق ومدمر كلياً، شُرِّدَ أبناؤه بالملايين عبر الأصقاع الرافضة لهم، امتُصَّت طاقته الخلاقة، وسُلبت قوته، وعدالته أجِّلت لدرجة أن فكرة حقوق الإنسان أصبحت ضرباً من الرفاه، أمام الحق البيولوجي في العيش فقط الذي أصبح مهدداً بالحروب الأهلية المشتعلة هنا وهناك. عدد الأموات يرتفع يومياً في السودان في حرب اقتتال الأخوة الأعداء، وفي اليمن الذي سُرِقت منه صفة السعادة التي اتسم بها عبر القرون (اليمن السعيد)، وفي ليبيا التي دُمِّرت فيها المؤسسات كلياً حتى إن البلد أصبح بين أيدٍ تتقاتل لأجل مصالح مكتسبة. والعراق وسوريا لا يخرجان عن هذا التوصيف. القتل يُعد بالآلاف وربما بالملايين.

تفكك الدولة كان من أكبر هزائم هذه الثورات. الدرع الحامي من كل الانزلاقات لم يعد موجوداً، والفوضى الخلاقة لم تكن بديلاً، ماذا أعطتنا سوى عالم عربي أصبح حطاماً مكسوراً. دويلات إثنية وعرقية ومذهبية ودينية وجهوية ولغوية، صارت تطل بأنوفها مطالبة باستقلالات ذاتية؟ لماذا العالم العربي وحده عرضة لذلك؟ مع أن الغرب مخترق بأمراض العصر الهوياتية واللغوية نفسها التي كادت تؤدي بإسبانيا إلى الانفجار لولا تدخل الدولة المركزية بصرامة، وكندا وبلجيكا وفرنسا أيضاً. السؤال الكبير: من المستفيد من هذا كله؟ ومن يقف وراء ذلك بالمال واستراتيجيات الانهيار؟ المعادلة القاسية: هل البحث عن الديمقراطية يساوي بالضرورة انهيار الدولة والحرب الأهلية وتمزق البلاد بدل تركيز وتدعيم الدولة الوطنية؟ المشهد العام للعالم العربي لا يبشر بأي خير. سوريا في أفق دويلات كثيرة مفروضة دولياً. العراق انفصال نهائي بين الشمال والجنوب ليس مستبعداً؟ سودان بدولتين ودولة ثالثة في دارفور، وربما أكثر؟ مصر والسودان بلا نيل بعد سد النهضة؟ وعراق بلا دجلة ولا فرات بعد أن تملكت مصادر مياهه تركيا؟

مرايا عربية لا تظهر إلا المرعب في تجربة لم تلق أي نجاح بالقياس للخسائر التي تسببت فيها. الخوف نفسه ينتابني اليوم على إفريقيا. لا أعتقد أن القوى الاستعمارية ستصمت. مصالحها الاستراتيجية هناك. صمت أمريكا داخل هذا كله مريب جداً ويدفع إلى أسئلة كبيرة. هل تحضر أمريكا نفسها، في سياق الاستراتيجيات العالمية الجديدة، لتعويض فرنسا في ظل حمى الانقلابات العسكرية الناجحة؟ هل ستنقل أمريكا عتادها وأسلحتها وخططتها الحربية إلى هناك؟ أسئلة مخيفة ومحتملة. وأنا أسمع كلمة إبراهيم طراوري، رئيس بوركينا فاسو، تلميذ المناضل الوطني توماس سانكارا، في الاجتماع الروسي الإفريقي، أصبت بحالة ذهول من دقة خطابه وشجاعته، ونقده لحقبة ما بعد الاستعمار. هل هي رومانسية ثورية أم ثورة حقيقية جاءت على سنوات النهب المنظم والاستعمارات؟ شعرت فجأة بخوف عميق داخلي. استحضرت شخصية باتريس لومومبا العظيمة الذي وقف الند للند من الاستعمار البلجيكي مهدداً مصالحه بإرجاع الحق المسروق إلى الشعب الكونغولي. وعلى الرغم من أنه انتخب ديمقراطياً ولم يأت عن طريق أي انقلاب، فإن مأساته تدين اليوم الغرب الاستعماري الذي منحه هدية لمعارضيه ليعذبوه ويغتالوه. مأساة. صحيح أن الزمن تغير جداً، لكن العقلية الاستعمارية ما تزال هي هي. وعلى الغرب الاستعماري أن يعيد قراءة تاريخه ويعتذر، حيث يجب الاعتذار والتفكير في علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية متكافئة وبلا هيمنة، كتلك البينية بين أوروبا نفسها.

أملي ألا نشهد مأساة إفريقية شديدة القسوة والعودة إلى الاستعمار بأغلفة جديدة. الدول التي حدثت فيها انقلابات هي الأغنى في معادنها والأفقر في حياة شعوبها (مالي، بوركينا فاسو، الغابون، النيجر…)، فقد بقيت في تخلفها العام حيث لا توجد أية بنية تحتية عميقة وحقيقية. ماذا يمكن أن تفعل هذه الدول عسكرياً أمام ماكينة أوروبية مدربة على الحروب والتقتيل في الفترات الاستعمارية واغتيال أية شخصية تعطي الأولوية لشعوبها على حساب الأطماع والمصالح الاستعمارية: باتريس لومومبا، بارتيليمي بوغاندا، طوماس سانكارا، وغيرهم؟ بعد الانتهاء من تدمير البنية الهشة للعالم العربي، هل آن أوان إفريقيا، بعد اكتشاف خيراتها الباطنية المستقبلية التي لم يظهر منها إلا النزر القليل؟ المطلب الإفريقي حق ويثير الإعجاب، لكن أخشى أن يكون ذلك إلا القشة التي تخفي الآتي المظلم؟ الهشاشة الإفريقية الكبيرة يمكنها أن تحول الساحل الإفريقي إلى بحيرة من الدم. أتمنى أن يكون مصدر موقفي هذا مجرد حساسية أدبية مفرطة لا أكثر ولا أقل، وأن مستقبل إفريقيا لن يكون إلا أجمل بعد كنس أنظمة عميلة وُضِعت هناك لا لخدمة شعوبها، ولكن لخدمة أسيادها الذين يحمونها. وأن الاستعمارات القديمة، فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، ستغير سياساتها حماية لمصالحها على الأمد الطويل، وستعمل بعين العقل وتحذو حذو البرتغال التي تخلت عن كل حلم استعماري وعوضته بعلاقات اقتصادية متكافئة: أفريقيا تريد استقلالاً كاملاً. وأن عين المشاهد الأمريكية هي مجرد عين مراقب حيادي، غير معني بمنقطة غنية استراتيجياً: الذهب واليورانيوم والنفط، ولكنها ليست في دائرة اهتماماته؟ وأن العلاقات الإفريقية الروسية الجديدة ليست إلا خيارات اقتصادية وروسيا غير مهتمة بجانبها العسكري؟ هل ستتحمل فرنسا خسران منطقة بكاملها بالمعنى السياسي والاقتصادي لحساب غيرها؟ ماذا يعني رفضها سحب سفيرها من النيجر على الرغم من كونه أصبح شخصية غير مرغوب فيها؟ كيف سيكون موقفها من آل بونغو عمر وعلي الابن القريبين منها حد التماهي؟ وكيف سيتصرف رجال الأعمال (النهب) الغربيون المتحكمون في أسواق المعادن الثمينة، هل سيقبلون بالمعادلة الجديدة التي فرضتها «الانقلابات الثورية» الإفريقية؟ مرحباً بالتخييل وبنظرية المؤامرة؟

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العالم العربي الانقلابات أفريقيا أفريقيا العالم العربي انقلابات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

فهمي بهجت: موقف القاهرة الثابت تجاه فلسطين يكشف المخططات التي تستهدف الدولة

أوضح الإعلامي الدكتور فهمي بهجت أن موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية قد أظهر المخططات التي تستهدف الدولة المصرية.

 وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن طلب من مصر فتح الحدود لاستقبال 2 مليون فلسطيني من قطاع غزة بعد اندلاع الحرب، وتسكينهم في سيناء.

وخلال تقديمه برنامج "المحاور" على فضائية "الشمس"، أضاف بهجت أن بعض القيادات المأجورة من حماس وإيران وحزب الله انتقدت موقف مصر لعدم فتح الحدود، بينما تناولت وسائل إعلام الاحتلال الإسرائيلي الحديث عن الوحدات السكنية الخالية في المدن المصرية، وعرضت أماكن في العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر لاستقبال الفلسطينيين. ومع ذلك، استمر موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية في الثبات.

قائد قسامي يظهر في غزة بعد 8 أشهر من إعلان اغتياله.. فيديو شرطة غزة تعيد الانتشار في القطاع وتنهي ظاهرة سرقة المساعدات.. فيديو

وأشار إلى أن أعداء مصر حاولوا محاصرتها بالشائعات، حيث ظهرت عشرات الوسائل الإعلامية العربية والأجنبية تتحدث عن مخطط تهجير يتم تنفيذه على الأراضي المصرية، ونشرت بعض وسائل الإعلام صورًا لمخيمات زاعمة أنها في سيناء، مدعية أن القاهرة وافقت على تهجير الفلسطينيين.

وأكد بهجت أن مصر رفضت تهجير الشعب الفلسطيني، وأكدت كلمتها على الساحة الدولية للحفاظ على القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن أي محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتغيير ديمغرافية فلسطين لن تُقبل من قبل مصر.

وشدد على أهمية عدم تصديق الشعب المصري للشائعات التي تتحدث عن بيع سيناء، خاصة بعد أن رفضت مصر تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين مقابل بعض الحوافز الاقتصادية.

كما أشار إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكذب عندما أكد أنه لن يُسمح لأحد بالمساس بالأراضي المصرية، موضحًا أن مصر تعمل بجد لإدخال المساعدات إلى القطاع، بالإضافة إلى تجهيز 2000 طبيب لإرسالهم إلى غزة لافتتاح مستشفيات ميدانية.

وفيما يتعلق بجماعة الإخوان، أكد بهجت أنها ليست جماعة مؤمنة، مشيرًا إلى ممارسات الكذب والخداع التي اتبعتها على الشعب المصري. وأوضح أن الجماعة تحاول إعادة إحياء نشاطها من خلال نشر الأكاذيب واستقطاب الشباب للقيام بأعمال إرهابية تهدد الاستقرار في مصر.

وأضاف أن جماعة الإخوان الإرهابية قد تدفع بعض الجماعات في مصر للمطالبة بدمج عناصرها مرة أخرى، رغم أن الشعب المصري قد لفظها بسبب فكرها القائم على العنف والتخريب، وهو بعيد عن الإسلام.

كما لفت إلى أن وزارة الداخلية تواصل جهود الرصد المبكر لمخططات جماعة الإخوان على وسائل التواصل الاجتماعي، وتوجيه ضربات استباقية، مشيرًا إلى نجاح الوزارة خلال العام الماضي، بدعم شعبي، في إحباط العديد من محاولات إنشاء بؤر إرهابية.

مقالات مشابهة

  • فهمي بهجت: موقف القاهرة الثابت تجاه فلسطين يكشف المخططات التي تستهدف الدولة
  • مواطن يوفر محلاً لجارته بعد احتراق عربة الطعام التي تبيع فيها منتجاتها.. فيديو
  • «رسالة قوية».. الحزب العربي الديمقراطي الناصري يشيد بكلمة الرئيس السيسي في حفل عيد الشرطة
  • عجائب الثورات.. قطاعو طرقٍ ولصُوصٌ
  • دونالد ترامب من نجم هوليوودي إلى البيت الأبيض .. أبرز الأدوار التي ظهر فيها
  • «العربي الناصري»: كلمة الرئيس السيسي في عيد الشرطة تجديد للعهد على قوة مصر
  • صورة تحمل أكثر من دلالة.. فوزي لقجع يزور الأسطورة أحمد فرس ويُقبل رأس اللاعب الذي رفع الكأس الأفريقية الوحيدة للمغرب
  • هل تعلم ماذا اشترى الأتراك في 2024؟ هذه هي الاصناف التي أنفقوا فيها أموالهم
  • كل ما تحتاج معرفته عن قرعة كأس الأمم الأفريقية 2025
  • خبير: البشت الذي ارتداه ولي العهد بالعلا زاد الطلب عليه بالعالم العربي.. فيديو