أثير- الروائي الأردني جلال برجس

عادة ما تأتي الروايات الأولى لكتابها بوعي متهور ينال إعجاب القارئ حينًا، ولا يناله في أحيان أخرى، لكن رواية (آرام) الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية في عام 2022م للكاتبة الأردنية (فاطمة الهلالات) -التي اختارت الكتابة بعد سن الأربعين- توفرت على نسبة لا بأس بها من التعقل في التعامل مع الفن الروائي؛ فتطرقت إلى أزمة المجتمع العربي من خلال قرية تبدلت قيمها الإنسانية بعدما طرأ عليها من تحولات، ومن خلال شخصية ستبدو للقارئ ضعيفة، لكنها ستغريه بالدخول في عوالمها البسيطة، وفي حركتها وأحداثها، والمعقدة، وفي علاقة أزمتها بأزمة المجتمع.

تحكي الرواية قصة (يوسف) الذي بعد ميلاده بأيام يرحل والده عن الحياة، فيتشكل ضده موقف أمومي ترى الأمُّ عبره أن مولودها نذير شؤم، ونحْس عليها. يمتد هذا الموقف إلى مكون ابنها النفسي حين أخبرته بهذا التضرر السيكولوجي، من دون أن تدري أن ذلك سيحول حياته برمتها إلى مجموعة مخاوف وعثرات في العيش الذي يتعاطى معه من خلال مجموعة من أحلام وكوابيس تكشف الرواية عبرها عن رؤية الشخصية لذاتها، ولما يحيطها من بنية اجتماعية، وسياق مكاني، وبعد زمني؛ إذ إن يوسف الذي تتضح ميوله الانتحارية نتاج لأم مأزومة نفسيًا، فكلاهما ضحية؛ ضحية المجتمع المأزوم هو الآخر. إنها سلسلة من الترابطات التي يمكن للقارئ عبرها تبصّر عدة مستويات من التأويل لفهم أزمة الشخصية التي يهاجمها الفشل من أكثر من زاوية وأهمها المؤسسة الزوجية التي كان يمكن لها أن تُحدث له التوازن، فيصير أكثر قوة في مواجهة الحياة، وفي فهم طبيعتها المبنية على الصراع بكل تذبذبات نتائجه.

ينفصل (يوسف) عن زوجته (سمر)، وعن مجتمعه؛ إذ إنه لم يستطع أن يجعل المسارات مفتوحة بينه وسياقه الاجتماعي، وذلك عائد لسببين: الأول هو التبدلات التي طرأت على البنى الاجتماعية القروية فعبثت بفطريتها السلوكية بحيث اختل الميزان لصالح الشرور بكل مستوياته. أما الثاني فهو الطبيعة النفسية ليوسف فنحن إزاء شخصية مأزومة تتعاطى مع الواقع من منطلق الضحية التي يصيبها العجز في نحت مساراتها الخاصة، من دون التضاد مع المسارات الاجتماعية السائدة.

بعد موت والدته، وفشله في الزواج، وازدياد نفوره من مجتمعه، يقرر يوسف أن يهرب من قريته جراء حلم رآه في منامه: “رأيت قريتي تغرق في ماء عميق كأنه البحر، ويعلوها الماء حتى أقصى قمم جبالها، واختفى الناس، وانمحى أثر المساكن والبيوت، ولم يبقَ غيري جالسا على قمة أحد جبالها، وبيني وبين الماء شبرين اثنين فقط” .

في هذا المنحى يتقاطع الوعي باللاوعي عبر مدخرات العقل الباطن، فتظهر لنا الرواية بوعي غير مباشر أن يوسف غير قادر على المواجهة، أي إن دور الضحية هو الذي يقوده إلى مصائره. يسافر يوسف إلى إحدى البلدان العربية، ويعمل في إحدى الشركات، لكن شخصيته الساذجة لا تسعفه في أن يكون قويًّا أمام ذلك النوع من الصراعات التي تحدث في بيئات العمل، فتدبر منافسوه له تهمه الاختلاس، الأمر الذي جعله يعيد النظر ببعض مفاهيمه. تنتهي الرواية نهاية تغلب عليها الشعرية، إذ تركتها الكاتبة مفتوحة للتأويل، وفي مجملها تؤكد قيمة الحب لدحر كل أشكال الشرور.
اختارت فاطمة الهلالات عبر مطروقها الروائي هذا بعدًا مكانيًّا فسيحًا؛ فالمكان غير محدد لكنه مكان عربي، من هنا يمكن للقارئ- وهذا ما توفرت عليه الرواية- أن يقرأ ذاته عبر هذه الرواية التي جاء عنوانها (آرام) إشارة عميقة إلى السلام الداخلي الذي تنشده الشخصية، وبالتالي ينشده المجتمع خاصة في مرحلة عالمية شائكة بكل تقلباتها ألقت بظلالها السلبية على الإنسان. اختارت الكاتبة تقنية الأحلام ومَن يفسرها لتتضح التراكيب الجوانية للشخصيات، وبالتالي تضع القارئ في سياق الحدث بكل أبعاده.

تعد رواية (آرام) من الروايات التأملية بالذات الإنسانية، ولو أنها أتت عبر تقنية الراوي العليم، إلا أن فيها تأملات، وظلال فلسفية، وَنفَسًا مثاليًا مرده الحلم بمجتمع أقل قسوة، وأكثر حياة.

لقد كُتبت هذه الرواية – برأيي- بوعي روائي فطري، فانتبهت من دون قصدية ولا تخصصية إلى الأثر النفسي الذي يمكن أن تخلفه الأزمات على الفرد، فحين نتأمل شخصية الأم التي بدت غير خالية من عطب نفسي نكتشف كيف أدت إلى توسيع دائرة هذا العطب من خلال ابنها. وحين نبحث في أسباب تشوه مكونها النفسي سنجدها في بنية المجتمع الذي جراء التحولات العالمية، وتلاشي سمات المجتمعات الآمنة فقد صورته الأصلية، وبات يصدّر صورة مزورة ليست له.

(آرام) رواية أولى لكاتبة ما تزال تتلمس دربها نحو الفن الروائي، وهذه بداية مهمة، يعول عليها، خصوصًا أنها تنظر إلى المجتمع العربي عبر رؤية شبه شاملة لما يحدث فيه، من حروب، واختلالات اجتماعية، وفقر، وتراجع في القيمة الأخلاقية، وأحلام مشروخة، وأحلام ينتظر أصحابها أن تتحقق.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

بوميل: “مباراتنا أمام شبيبة القبائل هي التي كنت أحلم برؤيتها في الجزائر”

أكد مدرب مولودية الجزائر، باتريس بوميل، سعادته الكبيرة بالمواجهة التي جمعتهم بشبيبة القبائل، والتي انتهت بفوز فريقه بهدفين لهدف.

وصرح بوميل، في ندوته الصحفية: “أنا حد سعيد بمبارتنا أمام شبيبة القبائل، مثل هذه المباراة كنت أحلم برؤيتها في الجزائر، كونها تقدم الوجه الحقيقي لكرة القدم الجزائرية، جمهور غفير، ملعب رائع، أرضية ميدان حقيقية”.

كما أضاف: “أهنئ الجميع سواء من جانب المولودية، أو الشبيبة، كون مثل هذه الأمسيات الكروية تبقى راسخة، وهذا ما نحب مشاهدته في كرة القدم الجزائرية”.

وتابع باتريس بوميل: “فريقنا حقق فوز مستحق أمام منافس قوي، وأهنئ جميع لاعبينا على الروح المعنوية التي أظهروها، إلى جانب مردودهم الفني فوق الميدان”.

مقالات مشابهة

  • عبدالحفيظ: تصريحات قندوسي تمس سمعة الأهلي ولا يمكن السكوت عليها
  • 3 مسؤولين من حماس يكشفون ما الذي يفكر فيه السنوار بعد عام من “طوفان الأقصى”
  • “الكهرباء” تبدأ غدا صيانة بعض محطات التحويل الثانوية بالمحافظات الست إلى 12 الجاري يترتب عليها قطع التيار
  • محمد رمضان يقدم بطولة رواية لوكاندة بير الوطاويط لـ أحمد مراد
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • بعد انفصالها.. من هي “أم خالد” التي قلّدها المشاهير؟
  • لأول مرة.. أسماء جلال وطه دسوقي في “فقرة الساحر”
  • لفتة إنسانية من الرئيس.. تعيين الطالب «يوسف» الذي توفي بعد اجتيازه اختبارات الحربية برتبة ملازم
  • “هيئة الصحفيين”: استمرار العضوية عامًا كاملاً من تاريخ الحصول عليها
  • بوميل: “مباراتنا أمام شبيبة القبائل هي التي كنت أحلم برؤيتها في الجزائر”