لابد من التفكير فيما يجب التفكير فيه، وهو أن نخلق من الظروف الصعبة الراهنة فرصًا كثيرة، خاصة أن السجل المصرى الحالى يمنحنا قدرات كبيرة لتحقيق هذه الغاية. المسألة ضرورية لأننا على شفا انتخابات رئاسية.
وفى مثل هذه الأجواء فإن كثيرًا من النسيان المتعمد جائز لحقائق الأزمات التي واجهتها مصر من قبل وتجاوزتها وفق قاعدة أنه لابد من استمرار التنمية المصرية حتى ولو كان الإرهاب مشتعلًا، أو كانت «الجائحة» قائمة، فالحقيقة هي نجاح مصر خلال السنوات الثمانى الماضية في تحقيق درجة عالية من التقدم ظهرت في معدلات النمو الإيجابية التي استمرت، حتى في سنوات «الجائحة»؛ وفى زيادة مساحة المعمور المصرى؛ وظهرت في التقارير المالية الدولية، التي أعطت لمصر تقديرات إيجابية.خرجت مصر من الاحتجاز حول نهر النيل في اتجاه بحارها وخلجانها، وتماسك ذلك كله بشبكة بنية تحتية قوية ربطت بين الوادى والصحراء، والوادى وشبه جزيرة سيناء.
لكن مع نشوب الحرب الأوكرانية وتفاعل مضاعفاتها مع نتائج أزمة الكورونا وإنتاجها لأزمة اقتصادية عالمية، ظهرت معالم ضغوط كبيرة على الاقتصاد المصرى، حتى بات يواجه صعوبات كبيرة في التعامل مع التضخم المتزايد، الذي بلغ مستويات مرتفعة خلال الفترة الأخيرة، وما ظهر من صعوبات للوفاء بالتزامات مصر إزاء قروضها وديونها الداخلية والخارجية. والأخطر أن الصورة الإيجابية لمصر في التقارير الدولية للمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولى، والتقارير الخاصة بالمؤسسات الاقتصادية الدولية الخاصة مثل «موديز» و«فيتش» و«استاندرد آند بورز»، أصدرت تقديرات سلبية ومتراجعة عن الحالة المصرية واقتصادها. ولكن ولحسن الحظ ونتيجة الإنجازات التي تحققت خلال الأعوام الماضية لم تؤدِّ الأزمة بعد النجاح إلى قلق واضطراب سياسى كما هو شائع في العلوم السياسية.
.. ورغم استخدام جماعات معادية للأزمة واعتبارها فرصة للانقضاض على المشروع الوطنى الجارى، فإن الشعب المصرى في عمومه، ومع سخطه وغضبه، فإن قراره هو التمسك بالاستقرار السياسى وعدم السماح بالعودة إلى التجربة القاسية السابقة قبل عقد من الزمان. تجربة البلدان العربية القريبة في التمرد السياسى قادت إلى حالات يصعب إصلاحها سببت عنتًا وآلامًا يصعب الشفاء منها.
المسألة هنا هي أنه على مصر استمرار التقدم إلى الأمام وليس التراجع إلى الخلف كما جرَت العادة التاريخية المعبرة عن دورات من التقدم تتلوها دورات أخرى من التراجع كما حدث منذ نشأة مصر الحديثة في عهد الوالى محمد على حتى جرى التراجع الكبير بالفوضى وحكم الإخوان في مطلع العقد الثانى من القرن الحالى. ولذا، فإنه من الضرورى وضع المرحلة المقبلة من رؤية «مصر ٢٠٣٠» في إطار زمنى وعملى محدد يمكّن من خلال المتابعة والتركيز من تجاوز الأزمة الراهنة، والمضى قدمًا في تحقيق أهداف مصر الطموحة.
أول ما يجب فعله هو استعادة الثقة في الطريق الذي جرى اختياره في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فلا عودة إلى الفوضى ولا الإخوان. ولكن استعادة الثقة على أهميتها ليست كافية لانطلاقة كبيرة قادمة لا تقل في فاعليتها وطاقتها عن تلك التي سبقت؛ ما لم ترتبط بها رؤية تنفيذية لما سوف يحدث خلال الفترة من الآن إلى ٢٠٢٥، أي قرابة عامين ونصف العام يكون الهدف الكبير فيها «تشغيل التغيير»، الذي تم في مصر خلال الأعوام السابقة سواء كان ذلك المدن التي بُنيت، أو البحيرات التي أُعيد خلقها وتجهيزها، أو مشروع «حياة كريمة» الذي يأتى بالريف المصرى إلى القرن الواحد والعشرين. في هذه المرحلة يمكن أولًا الانتهاء من إدخال ٣.٨ مليون فدان مصرى في الصحراء الغربية وسيناء إلى مرحلة التشغيل الكامل وكذلك التصدير. وثانيًا استكمال ١٧ منطقة صناعية إلى مرحلة التشغيل الكامل عن طريق القطاع الخاص المصرى والأجنبى. وثالثًا بدء التشغيل والتعمير الكامل لما تم الانتهاء منه من المدن الجديدة، وفى المقدمة منها العاصمة الإدارية الجديدة.
وثانى ما يجب فعله هو معرفة أن ما يحدث في مصر هو برنامج إصلاحى واسع النطاق يمثل «العلامة التجارية والسياسية المصرية Brand» إزاء نفسها، وإزاء العالم الخارجى. وهو إصلاح يليق بأمة عريقة، ودولة ذات جذور عميقة لا تدخل في منافسات عقيمة مع دول المنطقة التي أخذت بالفكرة الإصلاحية هي الأخرى، وإنما تسعى إلى التكامل معها. مصر هنا لديها علامتها الحضارية والتجارية والسياسية الخاصة أو باختصار «براند» فعال إقليميًّا ودوليًّا، يضيف ولا ينقص، ويصون ولا يبدد. الحركة المصرية لا تأتى في إطار المنافسة وإنما في إطار طرح أفكار جديدة لم تعرفها المنطقة من قبل كما فعلت مع منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ وفى إمكانها أن تدعو إلى مشروعات مشابهة مثل منطقة شمال البحر الأحمر للتنمية والرخاء المشترك.
ثالث ما يجب فعله ربط كل ما سبق بمشروع قومى عملاق يقوم كله على قدرات القطاع الخاص المصرى والاستثمارات الأجنبية سواء بالملكية الكاملة، أو بحق الانتفاع طويل المدى، ويقوم على الاستغلال الأمثل للجزر المصرية، حيث توجد في نيل القاهرة وحدها ١٥ جزيرة، وفى النيل المصرى كله توجد ١٤٤ جزيرة منتشرة أمام ٨١٨ قرية ونجعًا ومركزًا في ١٦ محافظة (أسوان- قنا- سوهاج- أسيوط- المنيا- بنى سويف- الجيزة- القاهرة- القليوبية- المنوفية- الغربية- كفر الشيخ- البحيرة- الدقهلية- دمياط- الأقصر). وهذه الجزر موزعة من أسوان حتى قناطر الدلتا (٥٥ جزيرة)، وفرع رشيد (٣٠ جزيرة)، وفرع دمياط (١٩ جزيرة)، وتبلغ مساحة الجزر ١٥٥٠ كم مربع، أي مثلين ونصف مثل دولة سنغافورة، وأكثر من ثلاثة أمثال دولة البحرين، وأكثر من مثل ونصف مساحة مدينة هونج كونج الشهيرة، وأكثر من ٢٥ مثلًا قدر جزيرة مانهاتن الشهيرة أيضًا في نيويورك، ومن المؤكد أن كلًّا منها تصلح لأن تكون مكانًا للسكن والحضارة لا تختلف كثيرًا عن حى جزيرة الزمالك، أو حى جزيرة المنيل. وكل ذلك بخلاف ٨١ جزيرة في البحر الأحمر، كلها لا تقل روعة عن جزر بحر الكاريبى.
ورابع ما يجب عمله مأسسة الخطاب السياسى للقيادة المصرية من حيث التوقيت، فيكون في افتتاح البرلمان المصرى عرض لما تم وشرح لنتائجه وما عاد به على الدولة والمجتمع، وبعد ذلك عرض لما سوف يأتى خلال المرحلة المقبلة والمتبقية من الرؤية الشاملة للوطن، مع تحديد أولوياتها خلال العامين القادمين. وفى هذا الإطار يكون التجهيز الكريم للانتخابات الرئاسية المقبلة على أساس أنها للفترة الاستثنائية التي أقرها الدستور للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذي قاد البلاد خلال فترة حرجة تلت ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣؛ كما قاد أهم عملية للإصلاح عرفتها البلاد في تاريخها المعاصر، بحيث تستكمل البرنامج الوطنى حتى عام ٢٠٣٠. إجمالًا، استعادة الثقة، ورؤية مصر ٢٠٢٥، هما مزيج من رفع الوعى المصرى بضرورات المرحلة، وبث طاقة إيجابية من الأمل في المستقبل وأن الأجيال المقبلة في مصر سوف تشهد مصر مختلفة عما عرفته الأجيال السابقة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني مصر ما یجب
إقرأ أيضاً:
جزيرة سندالة السعودية.. الواقع المظلم وراء المشروع الفخم
تناول تقرير لصحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية، مشروع نيوم السعودي والانتقادات الحادة التي يواجهها.
وذكرت الصحيفة مثالا عن المشروع وهي جزيرة اليخوت "سندالا" التي تعتبر جزءا من رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، 2030.
وتم إطلاق سندالة الأسبوع الماضي - جزيرة المنتجع الفاخرة التي من المفترض أن تجذب أثرياء العالم وتضم أكثر من 600 مكان إقامة ومطعم ومرسى ومركز تسوق وترفيه، إلى جانب الفرح ، كان هناك قدر كبير من الانتقادات.
وافتتح مشروع معماري ضخم أبوابه في السعودية الأسبوع الماضي: سندالة، جزيرة منتجع فاخرة تقع على بعد حوالي خمسة كيلومترات من شواطئ البحر الأحمر وتطمح إلى أن تصبح منطقة الجذب السياحي التالية لأثرياء العالم. تمتد الفنادق والمطاعم على مساحة 840 ألف متر مربع، وتضم 86 رصيفا وناديا واسعا لليخوت وملاعب للجولف ومنتجعات شاطئية متلألئة وتسوق، فيما أطلق عليه "مستقبل السياحة الفاخرة" من قبل ولي عهد السعودي والزعيم الفعلي محمد بن سلمان، المعروف باسم MBS، وفقا للصحيفة.
وصممت الجزيرة من قبل شركة الهندسة المعمارية الإيطالية "لوكا ديني" ، التي اشتهرت بتصميم اليخوت الفاخرة لأثرياء العالم.
وبينت أن مشروع نيوم الرائد الذي جذب أكبر قدر من الاهتمام هو "الخط" – وهو نوع من النموذج الجديد لمدينة تتكون من شريط طويل وضيق ، طوله 170 كيلومترا ، وعرضه 200 متر فقط، مع مبان ضخمة، وقطار فائق السرعة على ارتفاع ونظام بيئي داخلي كامل مشبع بالنباتات والطاقة المتجددة.
بحلول عام 2045 ، عند اكتمال المشروع ، سيعيش حوالي تسعة ملايين شخص داخل القطاع السعودي ، ولكن على عكس المدن التي نعيش فيها اليوم ، لن تتمكن من العثور على طرق بها سيارات أو شوارع للمشاة هناك.
وأوضحت الصحيفة أنه في الأشهر الأخيرة، أصبح من الواضح أن موطئ قدم مشروع نيوم على الأرض أكثر عدوانية ما كان يعتقد سابقا: في أيار/ مايو الماضي.
وكشف تقرير صادم لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الدولة قد أخلت قسرا لدرجة قتل السكان الذين كانوا في المنطقة المخصصة للمشروع الفخم.
وقال عامل مشروع كبير سابق انشق إلى بريطانيا لبي بي سي عن عمليات الإخلاء القسري ووصف أن أحد هؤلاء الذين تم إجلاؤهم قتل بالرصاص أثناء عملية الإجلاء بعد رفضه المغادرة. وامتنعت الحكومة السعودية ونيوم عن التعليق على التقارير.
وذكرت مجموعة حقوق الإنسان "ALQST" عام 2022، أن ثلاثة من السكان الذين احتجوا على إخلاء منازلهم اعتقلوا وحكم عليهم بالإعدام.
وفي العام الماضي، أعرب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن قلقه البالغ إزاء عمليات الإعدام، حيث نفت السعودية من جانبها الاتهامات وادعت أن السجناء الثلاثة الذين أعدموا قد حوكموا كإرهابيين.
واتضح أن المنطقة، التي وصفها ولي العهد بأنها "اللوحة الفارغة المثالية لرؤية البناء في البلاد"، هي موطن لآلاف القرويين، وقد تم بالفعل إجلاء حوالي 6,000 من السكان من المنطقة لتسهيل المشروع، ولا يزال من المتوقع إجلاء ما مجموعه 20,000 من أفراد القبائل من المنطقة.
وقالت المنظمات الحقوقية، إنه "لا يمكن لشركات الهندسة المعمارية الاستمرار في التظاهر بأنها لا تعرف أنها تعمل على أرض قتل سكانها أو اعتقلوا أو حكم عليهم بالإعدام أو طردوا قسرا".
كما انتقدت منظمة العفو الدولية الشركات المعمارية لتعاونها مع انتهاكات المملكة العربية السعودية الصارخة المزعومة لحقوق الإنسان في المشروع.
إلى جانب انتقاد مشاريع حقوق الإنسان الجديدة في السعودية، أصبحت قضية المناخ مثيرة للجدل أيضا. تقع جزيرة سندالة، التي تم إطلاقها الأسبوع الماضي، في نظام بحري واسع وفريد من نوعه ، حيث تضم المياه المحيطة حوالي 1100 نوع مختلف من الأسماك ، منها ما لا يقل عن 45 نوعا فريدا في المنطقة (مستوطنة).
كما وصف مشروع "كاف" أيضا بأنه مثال استثنائي للتخطيط المستدام، لكن البيانات الرسمية وموقع المشروع لا يذكران كيف سيتم بناؤه وما إذا كانت عملية البناء لمثل هذا المشروع الكبير ستعكس أيضا نفس قيم الاستدامة.
وعلى الرغم من الرؤية الحازمة التي قدمتها الدولة ونيوم لتحقيق مشاريع البناء، يبدو أن النقد يؤثر مع ذلك على مسار الأحداث.
في نيسان/ أبريل الماضي ، أفيد أن السعودية قد خفضت حجم مشروع "الخط" الطموح وتخطط لتقليل أهداف سكان المدينة من حوالي 1.5 مليون نسمة بحلول عام 2030 إلى حوالي 300000. ومع ذلك، تصر الدولة على أن الأهداف النهائية للمشروع لا تزال كما هي وأن التخفيض مرتبط فقط بالجداول الزمنية.