الخليج الجديد:
2025-02-12@01:49:55 GMT

تأثير الجيوش بين أفريقيا والغرب

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

تأثير الجيوش بين أفريقيا والغرب

تأثير الجيوش بين أفريقيا والغرب

انقلابات افريقيا اليوم تتميز برفع المؤسسة العسكرية شعارات ضد الفساد واعتقال بعض ممثلي الطبقة الحاكمة، دون اعتقال الصحافة الحرة والمعارضة.

التدخل العسكري يفتح الباب أمام القوى الكبرى، لتحويل تدخل من أجل الديمقراطية إلى صراع دولي قد يؤدي إلى بلقنة منطقة هشة سياسيا وإثنياً.

تتمتع المؤسسة العسكرية بثقل حقيقي في صناعة القرار بكل الدول، بما فيها الديمقراطية بل أصبحت نواة الدولة العميقة بمفهوم المؤسسة «إستبلشمنت».

هناك زواج مصلحة بين الجيش والمؤسسة السياسية الحاكمة بالغرب حيث يتحكم العسكريون بالقرارات عبر إنتاج تقارير وتوصيات استراتيجية يتبناها السياسيون.

التحرر من هيمنة القوى الأجنبية بغرب أفريقيا يتعلق بفرنسا، ونهاية «فرنسا الافريقية» وهي التسمية التي أطلقت على ارتباط غرب أفريقيا بباريس بعد الاستقلال.

* * *

تعيش أفريقيا على إيقاع الانقلابات العسكرية المتتالية، والتي يترتب عنها تغييرات، سواء وطنيا أو في التموضع الجيوسياسي بين القوى الكبرى. وتمارس المؤسسات العسكرية تأثيرا كبيرا على الأوضاع السياسية، خاصة التوجهات السياسية للبلاد، وهذا لا يقتصر فقط على العالم الثالث، بل يحدث حتى في الدول الديمقراطية كأمريكا.

وعمليا، كان العالم يتابع باهتمام كبير الانقلاب العسكري في النيجر الذي وقع نهاية يوليو/تموز الماضي بسبب ما قد يترتب عنه من تدخل عسكري للمجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا، لإعادة الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد بازوم.

والتدخل العسكري يعني فتح الباب أمام مختلف القوى الكبرى، لتحويل تدخل من أجل الديمقراطية إلى صراع دولي قد يؤدي إلى بلقنة منطقة هشة سياسيا وإثنياً.

وكانت المفاجأة هو وقوع انقلاب جديد في الغابون الأسبوع الماضي، ليكون الخامس في افريقيا الغربية بعد غينيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويزيد من اهتمام الناس بعلاقة الجيش بالسياسة.

والواقع أن هذه الانقلابات تختلف عن تلك التي عهدناها في الماضي، حيث كان كل انقلاب تليه عمليات اغتيال واعتقال واسعة، وإعلان حالة طوارئ استثنائية. الانقلابات هذه المرة، تتميز برفع المؤسسة العسكرية شعارات ضد الفساد واعتقال بعض ممثلي الطبقة الحاكمة، دون اعتقال الصحافة الحرة والمعارضة، علاوة على التركيز على استقلالية القرار الوطني في مواجهة القوى الاستعمارية السابقة.

وفي حالة التحرر من هيمنة القوى الأجنبية في افريقيا الغربية، يتعلق الأمر بفرنسا، ولهذا يتحدث الجميع عن نهاية «فرنسا الافريقية»، وهي التسمية التي تم إطلاقها على ارتباط افريقيا الغربية بباريس غداة الاستقلال.

ولا يمكن الحديث عن ارتباط العسكر بالسياسة حتى تقع الانقلابات، كما هو الشأن في دول العالم الثالث غير الديمقراطية، بل تتمتع المؤسسة العسكرية بثقل حقيقي في صناعة القرار في كل الدول، بما فيها الدول الديمقراطية، إلى مستوى أنها أصبحت النواة الحقيقية لما يمكن تسميته بالدولة العميقة بمفهوم المؤسسة «الاستبلشمنت».

وتمارس المؤسسة العسكرية تأثيرها عبر وضع تصورات لمستقبل البلاد، ليس فقط في الدفاع، بل حتى في السياسة الخارجية، لاسيما على المدى البعيد، ذلك أن الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية ارتبطت بالجيوش قبل أن تصبح الآن موضة مراكز التفكير الاستراتيجي عند المدنيين.

ويمكن تقديم ثلاثة أمثلة حول التأثير القوي للمؤسسة العسكرية في صناعة القرار، وهذا يغيب كثيرا في وسائل الإعلام وفي النقاش السياسي. وهذه أمثلة من فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا.

وعلاقة بإسبانيا، تبدي المؤسسة العسكرية في أكثر من مناسبة إشارات بشأن رفضها التام لقيام أي حكومة مركزية بمنح الحق للأقاليم التاريخية مثل، كتالونيا والباسك بإجراء استفتاء تقرير المصير. وتبقى حادثة رئيس القوات البرية الجنرال خوسي مينا أكوادو سنة 2006 منعطفا عندما هدد بتدخل الجيش إذا تم منح كتالونيا وضعا استثنائيا وقتها أكثر من الحكم الذاتي.

تمت إقالة هذا الجنرال، لكن مختلف الحكومات تأخذ بعين الاعتبار مواقف الجيش في ملفات رئيسية مثل تطوير الحكم الذاتي أو العلاقات الخارجية في حالة المغرب. وأصبح للجيش الآن ناطقين باسمه، من خلال انضمام بعض الضباط الكبار المتقاعدين إلى الأحزاب والفوز في الانتخابات البرلمانية.

في حالة الولايات المتحدة، أعلنت قيادة الجيش الأمريكي العصيان وعدم تنفيذ الأوامر خلال مايو/أيار 2020 عندما أراد الرئيس السابق دونالد ترامب إنزال القوات العسكرية إلى شوارع المدن الكبرى لمواجهة احتجاجات المواطنين ضد جريمة اغتيال جورج فلويد من طرف الشرطة.

لم يسبق أن وقعت مواجهة بين قادة الجيش والرئيس في تاريخ الولايات المتحدة بهذه الحدة سوى مرة واحدة بين الرئيس جون كنيدي وقيادة الجيش بسبب أزمة صواريخ كوبا بداية الستينيات. في يونيو/حزيران 2020، كتبت في هذا المنبر يوم 15 يونيو 2020 مقالا بعنوان «الجيش يحسم هزيمة ترامب دون تزوير الانتخابات».

وبالفعل، تبين وقتها استحالة استمرار الرئيس ترامب في ولاية ثانية، أو العودة إلى رئاسة البلاد. فقد اعتبرت قيادة الجيش أن ترامب خطر على الأمن القومي للبلاد، لاسيما في ظرف دقيق تمر منه الولايات المتحدة، نتيجة التحدي الذي تشكله لها الصين، إذ سيكون ترامب نقطة ضعف لواشنطن.

وفي مثال آخر حول المؤسسة العسكرية الأمريكية، كان الجيش هو من قام بتغيير أجندة واشنطن من الاهتمام بالعلاقات الأطلسية الى التركيز على أن المستقبل سيكون في المحيط الهادئ بسبب قوة الصين الصاعدة. وبدأ منذ التسعينيات في إعداد الخطط لهذا الشأن والتحق المدنيون بها.

وفي حالة فرنسا، وقعت مجموعة من الضباط، ومنهم جنرالات في التقاعد على رسالة خلال أبريل/نيسان 2021 تنبه الى الوضع الخطير الذي تمر منه البلاد، وينسبون ذلك إلى هجرة المسلمين أساسا والتساهل مع الجاليات المسلمة في فرض الكثير من تقاليدها.

وشكلت الرسالة التي جرى نشرها في مجلة «فالور أكتيال» المسيحية المحافظة هزة وسط المجتمع الفرنسي سياسيا واجتماعيا، إلى مستوى أن البعض تساءل هل ستشهد فرنسا انقلابا. وجرى تأويلها بأنها رسالة تمثل غالبية الجيش، وأن الموقعين الذين يوجدون في حالة احتياط أو تقاعد ينوبون عن مَنْ هم في الخدمة حاليا.

كان للرسالة تأثير، وهي رسالة عسكرية في العمق. منذ ذلك الوقت، تبنى الرئيس إيمانويل ماكرون بعض مضامينها، وأصبح متشددا ضد تقاليد الجاليات الإسلامية، وآخر حلقة هو منع لباس «العباءة» في المدارس. ولا تدخل سياسة ماكرون ضد الهجرة بسبب منافسته لليمين المتطرف، بل لاحتواء مطالب الجيش.

وتوجد دراسات حول علاقات الجيش بالمؤسسة السياسية الحاكمة في الغرب، تتحدث عن زواج مصلحة بين الطرفين، حيث يتحكم العسكريون في القرارات عبر إنتاج التقارير والتوصيات الاستراتيجية التي يتبناها السياسيون.

ويحرص السياسيون على تنفيذ واحترام هذه التقارير، وعندما لا يحترم السياسيون هذه التوصيات، يحدث الطلاق كما وقع بين الرئيس ترامب والمؤسسة العسكرية.

ومن الولايات المتحدة دائما، كان الرئيس جورج بوش الابن يريد إعلان الحرب على إيران ما بين سنتي 2004 و2006، وقتها قدمت مختلف مؤسسات الاستخبارات العسكرية، وكذلك الشعب العسكرية تقارير تؤكد استبعاد صنع إيران القنبلة النووية.

وقتها اعتبر جون بولتون السفير الأمريكي في الأمم المتحدة أن المؤسسة العسكرية والاستخبارات اتفقت كلها حول مضمون التقارير لتكون النتيجة واحدة وتفادي الحرب، ومثل هذا الاتفاق الذي سماه بالمؤامرة، وقع لأول مرة، اعتبره انقلابا غير مباشر ضد الرئيس جورج بوش من طرف الجيش.

*د. حسين مجدوبي كاتب وباحث مغربي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب الجيوش فرنسا السياسة أفريقيا التدخل العسكري المؤسسة العسكرية انقلابات افريقيا الانقلابات العسكرية القوى الكبرى الدولة العميقة المؤسسة العسکریة الولایات المتحدة فی حالة

إقرأ أيضاً:

الصين.. كيف وضع شي جين بينغ الجيش في حالة قتالية؟

نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا سلطت خلاله الضوء عن الإصلاحات العسكرية واسعة النطاق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ توليه السلطة والعوامل التي تعيق هذه الإصلاحات.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الصحافة  الصينية تحتفل كل شهر تقريبًا بانضمام سفينة جديدة إلى الأسطول الصيني، على غرار سفينة الإنزال البرمائية الضخمة التي يبلغ طولها 260 متراً، والتي تم إطلاقها في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي. 

وتضيف الصحيفة أن هذه السفينة قادرة على حمل المروحيات ونشر الطائرات المسيّرة القتالية بفضل نظام الإطلاق الكهرطيسي للطائرات، حيث يمكن ملاحظة بوادر هذا السباق في الإنتاج على ضفاف نهر يانغتسي في ووهان.

ويتم تجميع الغواصات، وكذلك بالقرب من الموانئ الكبرى في شمال شرق البلاد، مثل هولوداو وداليان، وأيضًا في غوانجو جنوبًا، حيث ظهرت مراكب طويلة يُعتقد أنها تسهّل عمليات الإنزال البحري.

وتمتلك البحرية الأمريكية أحد عشر حاملة طائرات، ما يجعلها تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد حاملات الطائرات. في المقابل، تفوقت الصين على الولايات المتحدة في مجال صناعة السفن، إذ يمتلك جيش التحرير الشعبي الصيني 370 سفينة قتالية، بينما يمتلك الجيش الأمريكي 297 سفينة فقط.

ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام بلغت النفقات العسكرية الصينية المخصصة لسنة 2023 حوالي 296 مليار دولار، أي ما يعادل 32 بالمئة من إجمالي 916 مليار دولار التي أنفقتها الولايات المتحدة. ويُفسَّر هذا الفارق بانتشار القوات الأمريكية الدائم في مختلف أنحاء العالم.

وبحسب إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية لسنة 2022، "لم تبذل أي دولة أخرى جهدًا مماثلًا للصين في منافسة التفوق العسكري الأمريكي. فالصين هي "المنافس الوحيد للولايات المتحدة الذي يعتزم وقادر على إعادة تشكيل النظام الدولي". وعليه باتت وتيرة تطور الجيش الصيني تشكل تحدي رئيسي للبنتاغون.



المقارنة فقط مع الولايات المتحدة
وأوردت الصحيفة أن هذا الاستثمار الضخم في القدرات العسكرية بالنسبة لبكين يأتي في إطار سعيها لتحقيق طموحها في أن تصبح "قوة رائدة" بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، أي قبل حلول سنة 2049.  

وحدد الرئيس الصيني، الذي يشغل أيضًا منصب الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني ويرأس اللجنة العسكرية المركزية، هدفًا يتمثل في بناء جيش "حديث" بحلول سنة 2035، وجيشًا من الطراز العالمي قبل منتصف القرن.

في هذا الصدد نقلت الصحيفة عن  العقيد المتقاعد في جيش التحرير الشعبي وباحث أول في مركز الأمن والاستراتيجية الدولية بجامعة "تسينغهوا"، تشو بو، قوله: "مفهوم جيش من الطراز العالمى يصعب تحديده، إلا إذا قارناه مع الجيوش الأخرى. لكن بالنسبة للصين، فإن المقارنة الوحيدة الممكنة هي مع الولايات المتحدة".

مضى وقت طويل منذ إصدار جيش التحرير الشعبي في سنة 2012 ــ بعد سنوات من العمل الجاد ــ أول حاملة طائرات له تحت اسم لياونينغ، وهي هيكل سوفييتي سابق تم شراؤه من أوكرانيا بحجة تحويله إلى كازينو في ماكاو. ومنذ أن بدأت حاملة الطائرات "فوجيان" – التي تحمل اسم المقاطعة المواجهة لتايوان – تجاربها البحرية في آيار/مايو 2024، أصبح لدى الصين ثلاث حاملات طائرات، والعدد مرشح للارتفاع قريبًا. ففي نيسان/ أبريل 2024، أشار المفوض السياسي للقوات البحرية، يوان هوا تشي، إلى أن الصين تدرس إمكانية صنع حاملة رابعة.

يناقش الخبراء الهدف الذي ذكرته الصحافة الهونغ كونغية، والذي يتمثل في تزويد البحرية الصينية بست حاملات طائرات بحلول عام 2035، وهو الخبر الذي لم تنفِهِ بكين. في مجال الطيران، أصبحت الصين البلد الوحيد، إلى جانب الولايات المتحدة، الذي يمتلك نوعين من المقاتلات الشبحية. بينما لا تزال روسيا – التي كانت مصدر إلهام لجيش التحرير الشعبي الصيني – تمتلك نوعًا واحدًا فقط. 

في 25 أيلول/ سبتمبر 2024، أجرت الصين استعراضًا للقوة من خلال تنفيذ أول اختبار لصاروخ باليستي عابر للقارات منذ سنة 1980. وقد قطع الصاروخ أكثر من 11 ألف كيلومتر قبل أن ينهي مساره بالقرب من بولينيزيا الفرنسية.

وتشير تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن بكين أضافت حوالي 100 رأس نووي إلى ترسانتها الرادعة خلال سنة واحدة، حتى منتصف 2024، مما رفع مخزونها الإجمالي إلى نحو 600 رأس نووي.

في 30 كانون الثاني/ يناير، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز أن الصين تبني مجمعًا عسكريًا ضخمًا أكبر من البنتاغون مزودًا بملاجئ مضادة للأسلحة النووية، على بعد حوالي 30 كيلومترًا غرب عاصمة بكين.



تايوان كهدف
إلى جانب هذه الترسانة العسكرية، تمتلك الصين مواقع إستراتيجية تعزز قدرتها على التوسع عالميًا. ففي أيلول/ سبتمبر سنة 2015، تعهد شي جين بينغ للرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، بعدم عسكرة الجزر الرملية في بحر الصين الجنوبي، وهي منطقة محل نزاع كبير. ومع ذلك، تمتلك الصين الآن ثلاث قواعد عسكرية هناك مزودة بمدارج هبوط.

بالإضافة إلى ذلك، افتتح الجيش الصيني أول قاعدة عسكرية خارجية له في جيبوتي سنة 2017، كما قام بترميم قاعدة بحرية في كمبوديا، مضيفا إليها رصيفًا طويلًا وحظائر إصلاح السفن، مما يسمح له الوصول إلى خليج تايلاند.

وأوردت الصحيفة أن الصين تدين التدخلات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان وليبيا، معتبرة إياها مصدرًا للفوضى والتدخل في شؤون الدول الأخرى. ومع ذلك، تتبنى بكين، التي تُعد الشريك التجاري الأول لأكثر من 120 دولة، نهجًا مختلفًا يقوم على الاعتماد على قوتها الاقتصادية من أجل تعزيز نفوذها العالمي وتجنب التدخل السياسي المباشر.

وترى الحكومة الصينية أن مواجهة القوة الأمريكية يتطلب امتلاك قوة عسكرية تضاهيها على الأقل. ويبرز هذا التحدي بشكل خاص في المحيط الهادئ، حيث إن انتشار قوات الصين مقيد بسبب ما يُعرف بـ "سلسلة الجزر الأولى"، وحلفاء الولايات المتحدة أو المناطق القريبة منها مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين، فضلا عن "السلسلة الثانية" التي تمتد من طوكيو إلى أستراليا، مرورًا بـ جزر ماريانا الشمالية والقواعد الأمريكية في جزيرة غوام، وفق التقرير.

واعتاد شي جين بينغ منذ سنة 2012 على تكرار مقولة "المحيط الهادئ واسع بما يكفي لاستيعاب دولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة"، في إشارة إلى أن للبلدين طموحات متساوية في هذه المنطقة.

وتابعت الصحيفة، أنه منذ وصوله إلى السلطة سنة 1949 فشل الحزب الشيوعي الصيني في السيطرة على تايوان. لذلك، فإن استعادة هذه الجزيرة، رغم كونها أصغر حجمًا وأقل كثافة سكانية مقارنة بمعظم المقاطعات الصينية، يُعتبر هدفًا ضروريًا وغاية تاريخية لا بد من تحقيقها بالنسبة للقادة الصينيين.

ونقلت الصحيفة عن  كولين كوه الخبير في الشؤون البحرية في كلية اس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي انطلق في 24 شباط/ فبراير 2022، أضعف التفاؤل الصيني بشأن غزو محتمل لتايوان.

وتابع كوه بالقول: "لقد أثرت الحرب في أوكرانيا على رؤية المخططين العسكريين الصينيين، مما أجبرهم على إعادة تقييم استراتيجياتهم. فهم ينظرون إلى روسيا بدهشة: كان من المفترض أن تنهي عمليتها العسكرية خلال 48 ساعة، لكنها لا تزال مستمرة حتى الآن".

وأورد كوه: "استطاعت أوكرانيا الصمود بفضل الدعم الغربي. فيما يتعلق بالتوترات في بحر الصين الجنوبي، قد تبدو دول مثل تايوان أو الفلبين،  ضعيفة. ولكن في حال حصولها على دعم من الولايات المتحدة ودول صديقة في المنطقة مثل اليابان، يصبح من الصعب التنبؤ بنتائج النزاع".

قلة الكفاءة لدى الجنود
وأشارت الصحيفة إلى الحرب في أوكرانيا أظهرت مجموعة من الدروس التي تأخذها الصين بعين الاعتبار، خاصة فيما يتعلق بأهمية القوة الصناعية في الصراعات الطويلة. على عكس الدول الغربية، حيث لا تزال بعض الدول الناشئة مثل البرازيل والهند تحتفظ بعلاقات مع روسيا، كما أن العديد من الدول الأفريقية لم تدعم قرارات إدانة الغزو الروسي.

وبالنسبة للصين، تبين أن القدرة على الاستمرار في الحرب تعتمد بشكل كبير على القوة الصناعية، وهو ما يعتبر نقطة قوة للجيش الصيني، الذي يدعمه أكبر قطاع صناعي في العالم، والذي ينتج نحو 30% من السلع العالمية.

كما أن الدور الكبير للطائرات بدون طيار في الحرب في أوكرانيا قد أظهرت مدى تأثير التكنولوجيا الحديثة، حيث أن شركة DJI الصينية تهيمن على أكثر من 70% من سوق الطائرات بدون طيار للاستخدام المدني بحسب التقرير.

ونوهت الصحيفة بأنه وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الكبير الذي حققته الصين في مجال الدفاع، يظل العامل البشري أحد التحديات الكبرى أمامها، فبينما تتمكن الصين من إنتاج السفن والطائرات بسرعة، تبقى المشكلة في تدريب الكوادر البشرية المؤهلة لتشغيل هذه المعدات المعقدة.

وبحسب "مارك جوليان"، مدير مركز آسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، يجب أن يكون جميع البحارة، من الأصغر إلى الأكثر خبرة، مؤهلين تأهيلاً عالياً، كما أن قيادة السفن الكبيرة، مثل حاملات الطائرات، تتطلب خبرة قيادية نادرة. ورغم أن الصين قادرة على تصنيع السفن والطائرات بشكل سريع، إلا أن تدريب الأفراد على تشغيلها يتطلب وقتاً لا يمكن اختصاره.

 وفي إطار إصلاحات الجيش الصيني، ركز شي جين بينغ على تحسين جودة القوات العسكرية، فبين عامي 2015 و2017، تم تقليص عدد أفراد الجيش بمقدار 300,000 جندي.

ويتكون جيش التحرير الشعبي اليوم من حوالي 2 مليون فرد، يشملون 700,000 جندي، 850,000 ضابط صف، و450,000 ضابط وأفراد مدنيين. وفي حال حدوث صراع، يمكن إعادة تفعيل نظام الخدمة العسكرية الإلزامية.

وأضافت الصحيفة أن الجيش الصيني يعاني من صعوبة في تجنيد أفراد مؤهلين، وهو ما اعترفت به وسائل الإعلام العسكرية الصينية. ورغم زيادة عدد حملات التجنيد السنوية منذ عام 2020، والتركيز على جذب الشباب الموهوبين من الجامعات الكبرى، إلا أن الجيش يواجه تحديات في جذب المجندين بسبب الظروف المعيشية القاسية، والاختبارات البدنية الصعبة، والرواتب المنخفضة، كما تم رفع سن التجنيد إلى 26 عامًا، لكن القلق لا يزال قائمًا حول قدرة الجيش على جذب أفضل العناصر.



الفساد المستشري في الجيش الصيني
وتقول الصحيفة، عند وصول جين بينغ إلى السلطة، ورث جيشًا صينيًا لا يزال يحمِل آثار إرثه الثوري العميق، حيث تأسس الجيش الصيني في عام 1927، بعد ست سنوات من تأسيس الحزب الشيوعي الصيني.

وكان هدفه الرئيسي خوض الحرب ضد القوى القومية التي كانت تحكم الصين في تلك الفترة. ومن أبرز ملامح قوة الجيش الصيني في تلك الحقبة كان ذكاء ماو تسي تونغ، الذي نجح في إقناع الفلاحين بالانضمام إلى صفوف الجيش بكثرة، وهو ما ساعدهم على تحقيق انتصار حاسم في عام 1949.

وأوضحت أن الجيش الصيني يعتمد على أعداد ضخمة من الجنود، كما كان الجيش موجهًا بشكل أساسي نحو الداخل الصيني، حيث هيمن الجيش البري، الذي كان يضم في غالبيته جنودًا مشاة ذوي تدريب ضعيف وكفاءة محدودة. وعلى الرغم من ذلك، كان ماو يرى في هذا الأمر قوة، حيث قال في إحدى المرات: "القنبلة الذرية لن تستطيع قتلنا جميعًا"، في إشارة إلى القوة البشرية الكبيرة التي كان يمتلكها الجيش الصيني.

وفي ظل حكم خليفته، دنغ شياو بينغ، كانت الأولوية هي تحديث وتنمية الاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من أنه بدأ بالفعل في تقليص أعداد الجيش الضخم، إلا أن هدفه كان تحديث الجيش وتحقيق التوفير المالي. كما سمح للجيش بتطوير أنشطة مدنية لتمويله، وهو قرار فتح الباب لخلط الأدوار وانتشار الفساد بشكل واسع.

ومع تولي شي جين بينغ الحكم في خريف 2012، بدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد داخل الجيش الصيني، إذ حاول الجمع بين مكافحة الفساد وتعيين مواليه في المناصب القيادية.

وكانت حملته ضد الفساد قوية بشكل خاص تجاه كبار الضباط العسكريين، حيث استهدف القمة العسكرية وتم التحقيق مع الجنرالين قو بو شيونغ وشو كاي هو، اللذين كانا يشغلان مناصب رفيعة في اللجنة العسكرية المركزية القوية، وكانا من أعلى الرتب التي تعرضت للعقوبات من الحزب الشيوعي الصيني.

وسلط تقرير الصحيفة الضوء على التحقيقات التي أجراها الحزب حينها أفادت بأنهم اكتشفوا في قبو منزل الجنرال شو أكثر من طن من الأموال النقدية والياقوت والذهب، والعديد من الأشياء الثمينة الأخرى، كما وكان العسكريون يتلقون رشاوٍ على عقود الأسلحة أو الخدمات اللوجستية، وكانوا يتاجرون أيضًا في الترقيات إلى الرتب العليا.

وعلى الرغم من حملة مكافحة الفساد التي سمحت لشي جين بينغ بالسيطرة على مؤسسة قوية في السياسة الصينية، إلا أن التطهير في قمة جيش التحرير الشعبي لم يتوقف. ففي نوفمبر 2024، تم فتح تحقيق ضد الأدميرال مياو هوا، أحد خمسة أعضاء في اللجنة العسكرية المركزية، بتهمة "انتهاك خطير للانضباط". وفي 2023، أقالت الصين وزيرين للدفاع وأكثر من عشرة ضباط، بمن فيهم مسؤولون في قوات الصواريخ النووية. ورغم أن جميع القيادات تقريبًا تم تعيينها من قبل شي جين بينغ، فإن الولاء لا يزال قيد الاختبار باستمرار، ما يثير تساؤلات لدى بعض المواطنين الصينيين.

ويهدف شي جين بينغ، حسب الصحيفة، إلى جعل الجيش الصيني جاهزًا للانتصار في الحروب، لكنه يولي أيضًا أهمية كبيرة لضمان ولاء الجيش، الذي يمكن تعبئته لقمع أي تهديدات محتملة ضد النظام الشيوعي، كما حدث في مذبحة الطلاب في ساحة تيانانمن عام 1989.

وتقول "جولييت جينيفاز" أستاذة في جامعة ليون-ثالث وباحثة في المعهد الفرنسي لبحوث آسيا الشرقية، إن الهدف من الإصلاحات كان سياسيًا في المقام الأول، حيث شهد الجيش موجة تطهير ثانية تضمنت إعادة هيكلة القيادة لتفادي نشوء مناطق نفوذ، بالإضافة إلى تعزيز السيطرة السياسية من خلال دور أكبر للمفوضين السياسيين.

وإلى جانب الفساد، يعاني الجيش الصيني من نقص في الخبرة الحربية، إذ لم يخض صراعات كبيرة منذ حرب كوريا (1950-1953). ورغم بعض المناوشات مع الهند في الهيمالايا وهجوم على فيتنام في 1979، لم يُشارك الجيش في صراعات عالية الكثافة منذ ذلك الحين.

ونوّهت الصحيفة بأن البحرية الصينية تجري تدريبات متزايدة حول تايوان، خاصة منذ زيارة نانسي بيلوسي في 2022. وعلى الرغم من تقديمها على أنها انتقام من استفزازات تايوان، تهدف هذه التدريبات إلى تحسين التدريب العسكري والتفاعل بين القوات، وهو أمر أساسي لشن هجوم واسع النطاق.

واختتمت الصحيفة قائلا، إن غزو تايوان يبدو صعبًا للغاية، إذ تفتقر السواحل الغربية لتايوان إلى الشواطئ المناسبة للإنزال، والسفن الصينية قد تتعرض للهجوم قبل الوصول. إضافة إلى أن التدخل الأمريكي سيجعل العملية أكثر تعقيدًا. الكلفة الدبلوماسية والاقتصادية ستكون ضخمة. بدلاً من استخدام القوة العسكرية، تسعى الصين لإعادة تشكيل العلاقات الدولية لتعزيز مصالحها.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو والصور .. البرهان داخل متحركات كافوري والكدرو ويصدر توجيهات من غرفة العمليات العسكرية لقوات الجيش.. “دبلو ليهم وتلتو ليهم”
  • الوطنية للنفط تناقش مشاريع 2025 لشركات تقنية ليبيا والهروج وشمال أفريقيا ومعهد النفط
  • الجيش السوداني يحقق تقدمًا ملحوظًا في الخرطوم
  • الصين.. كيف وضع شي جين بينغ الجيش في حالة قتالية؟
  • «الجيوش ليست للهيمنة على الدول الأخرى».. بابا الفاتيكان!
  • الرئيس السيسي: أفريقيا تواصل النمو والتقدم رغم التحديات
  • الرئيس السيسي: مصر تفخر أنها من الدول المؤسسة للجنة النيباد فى مرحلة دقيقة
  • مؤسسة النفط تناقش مشروعات شركات تقنية ليبيا والهروج وشمال أفريقيا
  • كيف تختفي المؤسسة العسكرية خلف باراغون الإسرائيلية المتهمة بالتجسس على واتساب؟
  • الرئيس يشيد بالجيش والقوات النظامية والمشتركة والمستنفرين مز كل الفئات