الدمى المسكونة بين الحقيقة والخيال| حكاية «تشاكي وروبرت وأنابيل» الأكثر رعبًا حول العالم.. وقصة عروسة «تتكلم من بطنها» بالمزاد العلني
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
تعتبر الدمى المسكونة أحد أهم العناصر المُلهمة لأفلام الرعب العالمية، حيث استندت تلك الأفلام إلى أساطير وحكايات حول العرائس المسكونة، ولكن لم يقتصر تأثير تلك الدمى على الدراما فقط، ولكن هناك ضحايا وحكايات لعدد من الدمى التي زعم أصحابها أنها تتسبب في لعنة أو أنها مسكونة أو تصيب من يمتلكها.
وتعرض جريدة «البوابة» حكايات وقصص لعدد من الدمى التي يزعم أصحابها أنها مسكونة وبعض الحوادث التي حدثت بسبب تلك الدمى، وكذلك قصة الدمية المرعبة المعروضة في المزاد العلني، خلال السطور التالية:
لا يتوقع أحد أن قطعة صغيرة تتكون من فرو محشوة بالفايبر تسكنها روح شيطانية قد تؤذي أحدهم ليلًا، وتتحول في بعض الأحيان إلى آلة قتل وحشية ودموية وتعد مصدرًا للخوف والغموض.
دمية بالمزاد العلني.. «تتكلم من بطنها»
أعلن مزاد عن بيع دمية مرعبة تتحدث من بطنها، وتمتلك صورة لها مع صاحبها الأصلي تعود للقرن الـ20، وكانت ضمن مجموعة ضخمة من الدمى التي تم عرضها للبيع في المزاد العلني.
وكانت الدمية تتصف بالأناقة في ملابسها حيث ارتدت قميصًا وربطة عنق بشكل منمق ووجها منمش وشفاه تميل للون الأحمر الزاهي، وترتدي قميصًا وربطة عنق بشكل أنيق ويعتقد أن تاريخها يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، هي من بين أكثر من 20 دمية جمعتها أبيجيل وينفيلد، 61 عامًا، من بارنستابل، ديفون.
الدمية مع مالكها الأصلي
وتعتبر تلك الدمية ضمن دمى التي تملكها السيدة وينفيلد وزوجها شون، واللذان قررا ببيع مجموعة من تلك الدمى؛ لأنه ليس لديهما مساحة لعرضها، وبدأت في جمع الدمى كشخص بالغ في أواخر الثمانينات بعد أن حصلت على واحدة منها عندما كانت طفلة.
وصرحت السيدة وينفيلد بأن كثير من الناس يكرهون تلك الدمى لما تتصف بها من هيئة مخيفة وكأنهم أشخاص حقيقيون، وقالت إنها تحب وجوههم والطريقة التي يتحركون بها، وحقيقة أنه يمكنك جعلهم يتحدثون، وأضافت: "أحب حقيقة أنهم بشر مصغرون".
ومن المتوقع أن بيع تلك الدمية إلى 8000 جنيه إسترليني في نهاية هذا الشهر، حينما يتم بيعها في شركة Charterhouse Auctioneers and Valuers في شيربورن، دورست.
حوادث لدمى مسكونة
من الغريب أنه ارتبط بالفعل حوادث لها علاقة بالدمى حيث كانت تتصرف كما لو كانت روح شريرة تسكنها أو قوة خارقة تحركها، وكثير من الدمى لاقت اهتمامًا لافت بسبب الغرابة التي أحاطتها ولم يجد لها الناس تفسيرا منطقيا وكثيرة هي الدمى التي اعتقد الناس أنها مسكونة بالأرواح او الجن.
وهناك قصص رعب وغموض عديدة كان البطل فيها دمية صغيرة، وكانت أرض خصبة للأفلام والروايات التي استلهمت الرعب الممتد لمئات السنين في القصص الشعبية حول العالم عن دمى مرعبة ومسكونة.
- قصص لأشهر الدمى المسكونة
تشارلز لي راي أو تشاكي
(تشارلز لي راي) أو الاسم المختصر لها هو «تشاكي» هي دمية تقوم بقتل كل ما يواجهها لتصل إلى ما تريده، تحاول بواسطة السحر أن تمتلك روح بشرية، ترجع قصة الدمية أنها كانت في السابق لشخص قاتل خطير ولكنه في النهاية قتل على على يد الشرطة، لذلك يحاول الرجوع إلى شكل إنسان لكي ينتقم من الشرطي الذي قتله، ولكنه ينصدم أنه لا يستطيع أن يرجع إلى شكل إنسان إلا من خلال قتل أول شخص يراه وهو على شكل دمية، وهذا الشخص صبي لا يتجاوز عمره السبع سنين اسمه آندي.
وتحولت قصة الدمية «تشاكي» إلى فيلم سينمائي كانت بداية ظهوره لأول مرة في فيلم “Child’s Play”في عام 1988, وكانت تسكن الدمية روح شريرة وكانت ملكا لأحد القتلة الخطرين تحاول باستمرار أن تنتقل إلى جسم الإنسان بهدف الانتقام، وبعد ذلك استمروا صناعة السينما بإنتاج سلسلة من أفلام الرعب التي تحمل اسم تشاكي الدمية المرعبة.
الدمية روبرت
بداية قصة الدمية روبرت تعود لعام 1904 بولاية فلوريدا حيث كان هناك زوجان يعيشان في منزل فخم على جزيرة كي ويست وكان لهما طفل يُدعى روبرت يوجيني، تقول القصة أن العائلة كانت تستخدم مربية عجوز من جزر البهاما للعناية بطفلهما ولكن حينما قررت الأم طرد تلك الخادمة قامت الخادمة والتي عرف عنها قيامها بأمور غريبة من طقوس السحر الأسود وصنعت دمية وأهدتها للطفل روبرت وسمتها باسمه.
شكلت تلك الدمية مصدر حيرة لوالدي الطفل فقد كانا يسمعان صوت شخص ثاني يتكلم مع طفلهما في غرفته وعند سؤال الطفل كان يشير إلى الدمية وبعد فترة تعالت الأصوات الصادرة فيما حتى وصل كأنه عراك يحدث وادّعى الطفل حينها أن الدمية أرادت الاعتداء عليه وهي من بدأت بالعراك ولم تكن تلك الحوادث الغربية أخر ما رصده الزوجان والخدم بل تعدى الأمر منزلهما ليبدأ الجيران بالحديث عن دمية تتجول حول منازلهم وفي حديقة منزل عائلة روبرت وهو ما أوجب على الأسرة إلى التفريق بين الدمية والطفل حيث قاما بوضع الدمية في مكان بعيد عن الأنظار ومنعوا أي أحد من الاقتراب منها أو فتح الباب في أي حال من الأحوال.
واستمر هذا لفترة طويلة وحتى بعد أن كبر الطفل وتزوج وصار عنده أسرة وأطفال لم يجرؤ أحد على فتح العلية أو الاقتراب منها وبقيت مغلقة وتوفي روبرت صاحب المنزل عام 1972 دون أن يعرف ماذا حل بدميته التي حبسها والداه منذ طفولته.
الدمية روبرت في المتحفوبعد وفاة صاحب المنزل بفترة قصيرة تم بيع المنزل دون إعلام المالك الجديد بالقصة وتم إغلاق العلية عليه فقام بفتح العلية فوجد روبرت الدمية جالسًا على كرسي بجانب النافذة وكأنه ينظر عبر النافذة إلى الداخل والغريب أنه ادعى أن الدمية كانت نظيفة ولم يتراكم عليها الغبار كذلك كانت ملابسها جديدة وعلى الفور أخذتها ابنة المالك الجديد وكان عمرها 10 أعوام وما هي إلا أيام حتى بدأت تشتكي من محاولات الدمية تخريب غرفتها والاعتداء عليها وهو ما دفع الأسرة إلى الاستغناء عنها.
في نهاية المطاف استقر «روبرت الدمية» في أحد المتاحف الأمريكية ولا يعرف إن كان أصحاب ومالكي منزل روبرت الجدد هم من أعطوها للمتحف أو شخص آخر من هواة جمع الدمى التاريخية والغريبة، وبعد فترة من وجود هذه الدمية في المتحف بدأ حراسه بالشكوى من حركات وأصوات غريبة تصدر منها مما جعل إدارة المتحف تبحث في تاريخها ولما تم التوصل إلى أنها قد تكون مسكونة أو مسحورة تم وضعها في صندوق زجاجي محكم الإغلاق ومازالت حتى اليوم موجودة في ذلك الصندوق ويمكن لأي زائر أن يلتقط لها الصور حيث أن هناك آلاف الصور وعشرات الأفلام المسجلة لها منتشرة على الإنترنت.
دمية أنابيل
هي دمية مصنوعة من القماش تم تسجيلها بأنها ضمن الدمى المسكونة في عام 2016 وتم عمل فيلم مستوحى من القصة الحقيقة، البداية حينما كانت هناك فتاة تُدعى "دونا" أهدتها والدتها دمية نادرة في عيد ميلادها اشترتها من متجر عتيق وكانت "دونا" تعمل كممرضة وتعيش مع رفيقة سكن تدعى "إنجي" وبعد استلامها للهدية انشغلت كل من دونا وإنجي في حياتهما وتعليمهما ونسيا تماما أمر الدمية حتى بدأت الحوادث الغير مبررة تحدث ولاحظوا أشياء غريبة وخارقة تحدث.
وكانت الدمية تتحرك من تلقاء نفسها فعند تركها في مكان ما في الغرفة يتم العثور عليها في مكان آخر وتركت الدمية رسائل مكتوبة بخط اليد باستخدام قلم رصاص وورق من نوع خاص والغريب في الأمر أن الغرفة لم يكن يها قلم رصاص أو ورق من هذا النوع وكانت تنزف الدمية أحيانًا وتنثني على ركبتها دون أي سبب واضح كما كانت الأشياء تتحرك في الغرفة من تلقاء نفسها وبعضها يطير نحو الجدران ليتحطم عليها.
انتابت الفتاتان حالة من الرعب الشديد وأيقنتا أن هناك أمر مريب ومرعب في تلك الدمية ولذلك قامتا بالاستعانة بوسيطة روحانية لتساعدهما في حل هذا اللغز.
أقنعتهم الوسيطة الروحانية أن الدمية مسكونة من روح طفلة تدعى " أنابيل هيغينز" تبلغ من العمر 7 سنوات وكانت قد ماتت في هذا العقار منذ زمن وأنها تريد أن تقيم علاقات مع "دونا" و"إنجي" لإنها إتارحت لهما.
شعرت "دونا" بالشفقة على روح الفتاة الصغيرة وقررت الاحتفاظ بالدمية لتصبح صديقتها ولكنها لم تكن تدري انها تفتح بوابة إلى عالم آخر حيث رحبت بكيان شيطاني في منزلها.
وكان للفتاتان صديق يُدعى "لو" يكره تلك الدمية ويشعر بشعور غريب كلما رآها وأراد من صديقتيه أن يتخلصا منها وفي يوم من الأيام وهو نائم على الأريكة أحس بقبضة تلتف حول عنقه وتريد خنقه فقام مذعورًا ليرى الدمية "أنابيل" تقف بجانب الأريكة محدقه إليه بغضب وشراسة وفقد " لو " الوعي، ولكن الأمر لم يكن حلم فقد وجد آثار كأنها حروق على صدره وعددها سبعة، وكانت الرسالة واضحة من الدمية أنها أرادت قتل "لو".
فيلم أنابيل «Annabel»
فيلم "أنابيل" Annabel والمقتبس عن فيلم الشعوذة "The cunjoring" وهو مقتبص من القصة حقيقية، وتدور أحداث الفيلم حول رجل وزوجته، حيث يقرر العثور على هدية مميزة لزوجته الحامل، وهي عبارة عن عروسة قديمة ونادرة ترتدي فستانًا ناصع البياض. لكن انجذاب زوجته لهذه العروسة لم يدم طويلا، ففي ليلة رهيبة يتم احتلال بيتهما بواسطة مجموعة من عبدة الشيطان الذين اعتدوا بعنف عليهما. وهو ليس آخر شيء يفعله هؤلاء؛ حيث يقومون باستحضار إحدى الأرواح الشريرة التي لا تُقهر وهي (أنابيل).
ويرتكز هذا الفيلم على قصة حقيقية أثارت الجدل فالدمى المسكونة يبدو أنها حقيقية فهذه الدمية "أنابيل" كانت مسكونة بروح شريرة ويعتقد أنها مازالت كذلك حتى وقتنا هذا وهي موجودة الآن في متحف لورين وارن للغيبيات في كونيتيكت حيث يحتفظون بها في صندوق زجاجي ويسمع مشرفي المتحف والزوار الأصوات الصادرة منها المرعبة وكذلك يلاحظون حركاتها المزعجة.
الدمية «بيجي»
كانت الدمية بيجي تعود لمالكها هاريس 38 سنة، عرف بأنه خبير أرواح واحتفظ بها لمدة 3 سنوات بداية من عام 2017، بعد أن استنجدت به سيدة اشترتها من قبل.
وحدثت خلال تلك الفترة كثير من الأحداث الغريبة، حيث كان هاريس يسمع في بعض الأحيان وقع أقدام غير مبررة في الليل، وشاهد ظلالًا في الردهة، وأضواء تومض من دون تفسير، وكلها علامات كلاسيكية تدل على أنها مسكونة بشبح.
وأشار إلى أن الناس زعموا أنهم بمجرد النظر إلى صورتها يصابون بالدوار والغثيان، ومن آلام في الصدر ونوبات فزع، والأغرب من ذلك أن الكلاب عندما كانت تراها تنبح بهيستيريا كلما رأت الدمية موضوعة على جهاز التلفزيون.
الدمية جريس
صاحب تلك الواقعة هو محقق الظواهر الخارقة داني موس في عام 2019، حيث قام بتصوير دمية مخيفة تدعى جريس، زعم أنها هددته بالإيذاء الجسدي على حد قوله، وقال إنه يعتقد أن بداخلها روح ساحرة من القرن السابع عشر، مؤكدًا أن الدمية أخبرته أنها تريد حرق عينيه!
الدمية «آني»
شعر وسيط روحاني يدعى مات تيليت بحالة من الرعب، حينما بدأت المياه العذبة تخرج من خدي لعبة تدعى آني، عندما كان يحاول التواصل مع أرواح من العالم الآخر.
وأشار إلى أنه أنه سمع أصوات صراخ وركض أطفال، وصوت إسكافي عجوز، ثم بدأت الدمية في البكاء بلا سبب، وبدموع حقيقية!
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البوابة افلام رعب أنابيل الدمى التی
إقرأ أيضاً:
«لعنة الخواجة».. رشاقة التنقل بين الواقع والخيال
يبحر بنا الكاتب وائل السمري في رحلة روائية ماتعة عبر صفحات رواية «لعنة الخواجة»، ليقدم عملا أدبيا فريدا يجمع بين دفتيه قصتين متوازيتين، تنسجان معا نسيجا سرديا محكما وشائقا.
القصة الأولى تعيد إحياء شخصية تاريخية طواها النسيان، وهو المهندس المصري اليوناني الذي ينسب إليه الفضل في وضع التصور الأول لمشروع السد العالي، هذا المشروع الهندسي الضخم، الذي غيَّر مجرى التاريخ في مصر، تسلط الرواية الضوء على رؤيته الثاقبة وإصراره على تحقيق هذا الإنجاز، مبرزة التحديات والصعاب التي واجهها في سبيل ذلك، أما القصة الثانية، فتتمحور حول الصحفي ناصر الحسيني، الذي يكرس جهوده للكشف عن وثائق تاريخية قيمة، تعيد الاعتبار لهذا المهندس وتبرز دوره المحوري في تاريخ مصر الحديث.
تأخذنا الرواية في رحلة استكشافية مثيرة، تتنقل بنا برشاقة بين الواقع والخيال، لترسم صورة بانورامية عن حقبة زمنية حاسمة في تاريخ مصر، تضيء جوانب معتمة من حياة هذا المهندس، الذي ظلت شخصيته محاطة بالغموض، رغم عظم تأثيره في تاريخ البلاد، تثير الرواية تساؤلات حول أسباب تجاهل دوره وإخفاء مساهماته لفترة طويلة، وتحاول الإجابة عنها من خلال سرد شيق ومحكم.
يزداد التشويق والإثارة حين نكتشف أن الرواية مستلهمة من أحداث حقيقية، ومدعمة بوثائق ومستندات تاريخية، تضفي عليها مصداقية وواقعية كبيرتين، تبرز هذه الوثائق علاقة المهندس بشخصيات تاريخية مرموقة، من بينها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي تبنى فكرة السد العالي وحوَّلها إلى واقع.
كما تشير الرواية إلى ذكر الرئيس الراحل أنور السادات لهذا المهندس، في كتابه «البحث عن الذات»، ما يؤكد أهمية دوره في تاريخ مصر، بالإضافة إلى ذلك، تطل علينا في الرواية شخصيات تاريخية أخرى شهيرة مثل مارييت وماسبيرو، ما يثري النسيج التاريخي للرواية ويعمق أبعادها.
بروح المحقق المتفحص، وبراعة الأديب المتمرس، انبرى وائل السمري لاستكشاف كنوز أرشيف أوراق دانينوس، مستخرجا منها خيوط حكاية إنسانية عظيمة الأثر، لم تغيِّر وجه مصر وحدها، بل ساهمت في إعادة صياغة مسار التاريخ بأَسره.
فمن رحم هذا الجهد الوثائقي الدقيق، انبثقت لنا صورة بانورامية تجسِّد عمق التحولات التي شهدتها البلاد، ولعلنا نتأمل بتمعن في واقع مصر اليوم، متخيلين بعمق كيف كان سيكون حالها، وكيف كانت ستكون ملامح مستقبلها، لولا ذلك الإنجاز الهندسي العظيم، السد العالي، الذي حمى مصر من غوائل الطبيعة وتقلباتها، وأرسى دعائم نهضتها الحديثة.
من خلال هذا العمل الأدبي البديع، نجح الكاتب في تقديم تكريم استثنائي لذلك الرجل الذي حمل على عاتقه مسؤولية عظيمة، ورغم ذلك ظل اسمه مغفلاً عن التقدير الذي يستحقه، إنه الرجل الذي وهب حياته لحب مصر، فكان حبّه محركًا لمعاناة وتجارب صعبة عاشها، لا ليحصد المجد لنفسه، بل ليمنحنا إرثا خالدا نفخر به عبر الأجيال.
الرواية ليست مجرد سرد لأحداث تاريخية أو تأريخ لحياة هذا الرجل، بل شهادة عرفان بالجميل وردّ لحق مهدر، إنها رسالة تقدير وامتنان لرجل كان حبه لمصر أعمق من أن تلتقطه الأعين أو تحتفي به العبارات، لقد ظل مظلومًا في حياته وبعد رحيله، ورغم إسهاماته العظيمة، لم تحظَ ذكراه بالمكانة التي يستحقها.
تأتي هذه الرواية كوسيلة لتعويض هذا العبقري، عن الظلم الذي تعرض له، من خلال احتفاء أدبي وإنساني بجهوده وتفانيه، فهي ليست فقط قصة شيّقة تسرد تفاصيل حياته، لكنها أيضا دعوة لإعادة النظر في تراثنا ووجوهه المضيئة التي ربما غفلنا عنها.
إنها تحية مستحقة لرجل أحب مصر بصدق، وعمل من أجلها بصمت، بهذه الرواية الماتعة، قدّم الكاتب أرقى أشكال التقدير، وأبدع في تحويل حكاية منسية إلى ملحمة أدبية تحمل الاحتفاء والتكريم في كل كلمة.
يتميز أسلوب وائل السمري في الكتابة بنَفَسٍ شاعريٍّ فريد، ينسج خيوط السرد العميق مع براعة الصياغة الأدبية في تناغم بديع، فيخلق بذلك تجربة قراءة ممتعة وغنية، تتجلى قدرته في توظيف اللغة بحرفية عالية لرسم ملامح المشاعر والأفكار، ونقل أدق التفاصيل النفسية للشخصيات، ما يضفي على الرواية عمقا إنسانيا مؤثرا، ويلامس شغاف القلوب.
تساهم الأوصاف الدقيقة والتفاصيل الغنية في خلق تجربة انغماسية حقيقية للقارئ، حيث يشعر وكأنه يعيش الأحداث جنبا إلى جنب مع الشخصيات، متفاعلا مع أفراحها وأتراحها، وكأنه يشاهد فيلما سينمائيا متقن الإخراج، كما أن المزج المتقن بين الفصحى الفصيحة والعامية المصرية السلسة في الحوار، يعكس ثراء التنوع الثقافي واللغوي في المجتمع المصري، ويضفي على الحوار حيوية وواقعية، ما يعزز من مصداقية الرواية ويجعلها أقرب إلى القلب.
تتجاوز الرواية مفهوم التسلسل الزمني التقليدي الخطي، حيث تتنقل بين الأزمنة والأحداث بسلاسة وانسيابية، مستخدمة تقنيات سردية متنوعة مثل التداعي الحر، والفلاش باك، والانتقال المفاجئ بين الماضي والحاضر، مما يضفي على السرد ديناميكية وجاذبية.
هذا البناء غير الخطي لا يتيح للقارئ فهم الشخصيات بشكل أعمق وأكثر شمولية من خلال استكشاف خلفياتها ودوافعها فحسب، بل يفتح أيضا آفاقا جديدة للتفكير والتأمل في طبيعة التاريخ، وكيف يمكن أن يعيد نفسه في صور مختلفة، وكيف تلقي الأحداث الماضية بظلالها على الحاضر وتشكل ملامحه، وكيف يتأثر الحاضر بالماضي في علاقة تفاعلية مستمرة.
من خلال هذه البنية السردية المبتكرة، يتجلى للقارئ كيف أن الماضي والحاضر مرتبطان بشكل معقد، في علاقة جدلية لا تنفصم عراها، وكيف يمكن فهم الحاضر من خلال فهم الماضي، والعكس صحيح، فكل حدث يحمل في طياته آثارا عميقة تظهر كيف تتشكل الهوية الفردية والجماعية على مر الزمن، وكيف أن التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث مضت، بل هو نتاج تفاعل دائم وحيوي بين الأفراد والمجتمعات، في حوار مستمر بين الأجيال، يشكل حاضرنا ويحدد ملامح مستقبلنا.
على الرغم من امتداد صفحات الرواية في زمن باتت فيه «النوفيلا» هي الشكل الأدبي السائد، إلا أن السرد يتدفق بسلاسة آسرة، تتوالد الحكايات وتتفرع بطريقة تذكرنا بأعمال الأديب القدير خيري شلبي، الذي اشتهر بقدرته الفائقة على نسج عوالم روائية متشابكة وغنية بالتفاصيل الإنسانية، مع اهتمام خاص بتصوير الحياة الشعبية المصرية بكل تفاصيلها، هذه السلاسة لا تشعر القارئ بملل أو إطالة، بل تأخذه في رحلة ممتعة عبر دروب الحكايات المتداخلة، وكأنه يشاهد نسيجا بديعا تتشابك خيوطه لتكون صورة كاملة.
لقد كُتبت الرواية بأريحية واضحة، تنم عن ثقة «السمري» بأدواته وقدرته على السيطرة على زمام السرد، مع إحساس عميق بالمتعة أثناء الكتابة، لا نجد فيها توترا في التناول أو تعصبا لوجهة نظر معينة، بل يسودها جو من الهدوء والاتزان، وكأن الكاتب يدع الحكايات تنمو وتتطور بشكل طبيعي، لا صراخ سياسيا معلنا ولا انحياز صارخا مع أو ضد طرف ما، بل هي أقرب إلى تأمل هادئ في الواقع الإنساني وتعقيداته، بعيدا عن المباشرة والوعظية.
إن الرواية فيها روح كاتبها، بكل ما تحمله من صفات شخصية وانعكاسات لتجربته الحياتية، ما يضفي عليها صدقا وعمقا، ويجعلها قريبة من قلب القارئ، هذه الروح هي التي تعطي العمل طابعا فريدا، وتميزه عن غيره من الأعمال الأدبية، وتجعله يحمل بصمة صاحبه بوضوح.