الخلافات الإماراتية- السعودية: تخطت السياسة والاقتصاد إلى الرياضة
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
ليس في السياسة وحدها تختلف الإمارات والسعودية، فقد تعدت هذه الخلافات حدود السياسة والاقتصاد إلى الرياضة. فقد سخر بعض المعلقين الإماراتيين بفشل صفقة انتقال اللاعب المصري محمد صلاح من نادي ليفربول الإنكليزي إلى نادي اتحاد جدة السعودي، ووصلت درجة السخرية بين الإماراتيين حداً تدخل فيه الأمير "عبد الرحمن بن مساعد"، ابن عم ولي العهد السعودي، في هذه المناكفات ليبرر سبب فشل الصفقة.
تدّعي بعض الصحف الغربية بأن الخلاف ظهر إلى العلن لأول مرة قبل أشهر فقط، وتتحدث هذه الصحف عن صراع بين الأمير محمد بن سلمان ورئيس الإمارات محمد بن زايد. ولكن الحقيقة هي أن هذه التقارير تبسط الخلاف ولا تعطي تحليلاً تاريخياً لهذه الظاهرة، حيث إن الخلاف متجذر ومعقد أكثر من ذلك بكثير.
ويبدو بأن جذور الخلاف السعودي- الإماراتي تعود إلى طبيعة العلاقات العربية-العربية؛ من حيث كونها تعتمد على التحالفات المرحلية والتكتيكية ولم تدخل أبداً في مرحلة التحالفات الاستراتيجية المبنية على تبادل المصالح والتعهد لمواجهة العدو الخارجي.
يبدو بأنّ هناك تراكما للخلافات البينية بين الدول العربية، فعلى مر التاريخ، شهدت أغلب دول الخليج خلافات إقليمية وأيديولوجية وتنافس على النفوذ الإقليمي. لقد زرعت هذه الصراعات الريبة وتوترت العلاقات بين الدول والقيادات السياسية، مما جعل من الصعب إقامة تحالف استراتيجي متماسك ودائم
حتى بين أكثر المجتمعات العربية تشابهاً من حيث العرق والدين واللغة والثقافة المشتركة، ونقصد هنا دول الخليج، لم تستطع هذه الدول تطوير علاقاتها لترقى لمستوى التحالف الاستراتيجي حتى بعد مشاركتها معاً في الحرب اليمنية. ويبدو بأنّ هناك تراكما للخلافات البينية بين الدول العربية، فعلى مر التاريخ، شهدت أغلب دول الخليج خلافات إقليمية وأيديولوجية وتنافس على النفوذ الإقليمي. لقد زرعت هذه الصراعات الريبة وتوترت العلاقات بين الدول والقيادات السياسية، مما جعل من الصعب إقامة تحالف استراتيجي متماسك ودائم.
وتعود هذه التنافسات بين الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات أيضا إلى التنافس على القيادة. غالبا ما طغى السعي وراء القيادة والهيمنة داخل دول الخليج على الجهود التعاونية، حيث تطمح بعض الدول العربية إلى أن تكون قوى إقليمية مهيمنة، مما يؤدي إلى التوترات والمنافسة بدلاً من تعزيز شراكات حقيقية.
تعود جذور التنافس والصراع في واقع الأمر إلى الملف الذي كان ينبغي أن يوحد هاتين الدولتين وهو الملف اليمني، فمنذ البدء اختلفت الأجندات بين السعودية والإمارات من المشاركة في هذا التحالف، ويبدو أنّ الإمارات اتخذت لنفسها مساراً مختلفاً قائماً على دعم مجموعات الانفصال لحماية مصالحها في اليمن، وكذلك لتكون هذه المجموعات قوة الإمارات الضاربة في السيطرة على الموانئ والجزر الاستراتيجية اليمنية، لتستخدمها في مشروعها الكبير الساعي لتحولها لمركز تجارة عالمي عبر السيطرة على أكبر قدر ممكن من الموانئ والمطارات حول العالم.
تعززت هذه الخلافات حول قضايا بعينها كالملف اليمني والملف السوداني، وبلغ الخلاف بين الدولتين مرحلة قال فيها عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة أن الإمارات تحاول أداء أدوار أكبر من حجمها في اليمن، كما أشار إلى أن أبو ظبي انسحبت عسكريا بطريقة غير محسوبة وأنها تحاول الدفع بعملية انفصال وتقسيم اليمن إلى يمن شمالي وجنوبي، ليرد فيما بعد الأكاديمي الإماراتي عبد الخالف عبد الله بأن وحدة اليمن لم تكن يوماً أولوية للتحالف العربي.
التوترات والخلافات بين السعودية والإمارات متجذرة وعميقة، وحاولت هاتان الدولتان إخفاء هذه الخلافات خلال السنوات الماضية، إلا أن ظهور تضارب في المصالح والاستراتيجيات ساهم في تشديد هذه الخلافات والدفع بها إلى السطح، بحيث أصبح هناك تراشق إعلامي بين مسؤولين وأكاديميين من الطرفين
إلى جانب التنافس الجيوسياسي والاقتصادي يبدو بأن الخلاف يتعمق بشكل أكبر بسبب سعي قيادة البلدين إلى رسم خارطة النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما ظهر جلياً في تصريحات نسبتها صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى الأمير محمد بن سلمان الذي قال (بحسب الصحيفة) إن "الإمارات طعنتنا في الظهر وسيرون ما يمكنني القيام به".
في الختام، إن التوترات والخلافات بين السعودية والإمارات متجذرة وعميقة، وحاولت هاتان الدولتان إخفاء هذه الخلافات خلال السنوات الماضية، إلا أن ظهور تضارب في المصالح والاستراتيجيات ساهم في تشديد هذه الخلافات والدفع بها إلى السطح، بحيث أصبح هناك تراشق إعلامي بين مسؤولين وأكاديميين من الطرفين.
ويبدو من قراءة السياسات السعودية بأن ولي العهد لن يكف عن محاولة تحجيم الدور الإماراتي ورسم حدود التدخل التي يراها تتناسب مع حجم ودور الإمارات الإقليمي والعالمي. كما أن استراتيجية المواجهة مع الإمارات هذه المرة تتخذ طابع القوة الناعمة والذهاب بعيداً في تطبيق استراتيجيات مختلفة لاحتواء الإمارات في مناطق النزاع، كالسودان واليمن وإيران وأفريقيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإمارات السعودية السعودية الإمارات تنافس ابن زايد ابن سلمان مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات رياضة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السعودیة والإمارات هذه الخلافات دول الخلیج بین الدول
إقرأ أيضاً:
القمة العربية بالقاهرة في مواجهة خطة ترامب وتعنت إسرائيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
القاهرة اليوم، هي محط أنظار العالم مع انعقاد القمة العربية الطارئة، حيث تأتي هذه القمة في ظل الأجواء المتوترة التي تعصف بالمنطقة العربية، وتحديداً في القضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب المركزية، وتنعقد بعد اجتماع مهم شهدته الرياض قيل عنه انه لقاء أخوي جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن، والحقيقة حسب ما ذكرت في مقال سابق هي أن لقاء الرياض كان هو المطبخ السياسي للقمة التي تشهدها القاهرة وأن الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة هي صلب المناقشات.
وعلى ذلك، نرى أن هذه القمة تأتي في لحظة فارقة، حيث تتصاعد التحديات التي تواجهها الأمة العربية، بدءاً من ملف تهجير الفلسطينيين، مروراً بخطة إعادة إعمار غزة، ووصولاً إلى مواجهة خطة ترامب المثيرة للجدل والتي تهدف إلى تحويل غزة إلى "ريفيرا" سياحية.. ووصولاً إلى ما أعلنته إسرائيل صباح أول أمس الأحد، بتعليق دخول البضائع والإمدادات إلى غزة وإغلاق الجيش الإسرائيلى لمعبر كرم أبو سالم، وإعادة جميع شاحنات المساعدات تنفيذاً لقرار الحكومة بإغلاق جميع معابر القطاع الفلسطيني، وبرر ذلك برفض حماس لمقترح أمريكى بهدنة طوال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودى، حيث اعتبرته تحللاً من مفاوضات إطلاق النار.
ولكن يبقى السؤال الساخن هو كيف يرد العرب على ملف التهجير؟ خاصةً وأن قضية التهجير ليست جديدة على الشعب الفلسطيني، الذي عانى لعقود من التشريد واللجوء، لكن ما يزيد من خطورة الملف اليوم هو التصعيد الإسرائيلي المتواصل، والذي يستهدف تهجير المزيد من الفلسطينيين من أراضيهم، خاصةً في القدس والضفة الغربية، هذه الحالة المركبة تجعل الدول العربية ومن خلال القمة الطارئة، مطالبة أكثر من أي وقت مضى بوضع استراتيجية موحدة لمواجهة هذا التهجير، سواء عبر الضغط الدولي أو تقديم الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين.
الموقف المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، واضح في رفضه لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين. ففي تصريحاته الأخيرة، أكد الرئيس أن "مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وسنعمل مع أشقائنا العرب على حماية حقوقهم".. هذه التصريحات المتوالية التي تعلنها مصر تعكس موقفاً عربياً موحداً في رفض أي حلول تُفرض على الفلسطينيين دون إرادتهم.
وتتبلور الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة يوماً بعد يوم بالحذف والإضافة بعد مناقشات عميقة مع الدول العربية لإنقاذ غزة التي عانت من حروب متتالية أدت إلى تدمير بنيتها التحتية وحاجتها إلى خطة إعادة إعمار شاملة. وفي مثل هذه الأزمات الكبرى نرى مصر دائماً في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، لذلك جاء إعلانها عن خطة طموحة لإعادة إعمار القطاع، وتتضمن هذه الخطة بناء آلاف الوحدات السكنية، وإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات، وتوفير فرص عمل للشباب الفلسطيني.
هذه التحركات العربية المتواصلة تأتي في جوهرها لمواجهة خطة ترامب، التي أُعلنت في يناير 2020، والتي تُعتبر واحدة من أكثر الخطط إثارة للجدل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وكما هو معروف تهدف خطة ترامب إلى تحويل غزة إلى منطقة سياحية، أو ما أُطلق عليه "ريفيرا غزة"، دون الأخذ بعين الاعتبار الحقوق التاريخية للفلسطينيين، ومن هنا وفي القمة العربية الطارئة سوف نشهد الدول العربية وهي تعيد تأكيد رفضها لهذه الخطة، وستعمل على تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لمواجهة أي محاولات لفرضها.
أدوات المواجهة العربية ستكون متعددة، بدءاً من الضغط الدبلوماسي في المحافل الدولية، ومروراً بتقديم الدعم المالي والقانوني للفلسطينيين، ووصولاً إلى تعزيز التضامن العربي في مواجهة أي محاولات لتهميش القضية الفلسطينية، مصر بوصفها دولة محورية في المنطقة، ستلعب دوراً رئيسياً في قيادة هذه الجهود، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تربطها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
ولكن علينا أن ننتبه ونفكر معاً في السؤال عن منظمة حماس وهل ستكون حجر عثرة أم شريك؟ وما هو موقف الحركة من القمة الطارئة وما قد تُقرره؟.. حماس، التي تُعتبر الفصيل الرئيسي في غزة، لديها رؤية مختلفة عن بعض الدول العربية فيما يتعلق بملف الصراع مع إسرائيل، البعض يرى أن حماس قد تكون حجر عثرة في وجه أي اتفاق عربي، خاصةً إذا شعرت أن مصالحها ستُهمش.
لكن في المقابل، فإن حماس أبدت استعدادها للتعاون مع الدول العربية في أي جهود تهدف إلى إعادة إعمار غزة وحماية الحقوق الفلسطينية، كما أن الحركة أعلنت أنها لن تقف في وجه أي اتفاق عربي يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، لكنها في الوقت نفسه ستُحافظ على حقها في مقاومة الاحتلال.
لهذا كله تعتبر القمة العربية الطارئة في القاهرة محطة مهمة في مسار القضية الفلسطينية، لتثبت الدول العربية من خلال القمة أنها قادرة على مواجهة التحديات التي تُحيط بالقضية، سواء عبر تقديم الدعم المادي أو الضغط السياسي.
القمة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة العرب على توحيد صفوفهم في مواجهة التحديات المشتركة، ولن يكون النجاح فيها مجرد قرارات تُتخذ، بل خطوات عملية تُترجم على الأرض لصالح الشعب الفلسطيني.