د.عبد العزيز العويشق يكتب.. كيف يمكن وقف حلقة العنف والبؤس المفرغة في اليمن؟
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
قدمت زيارة اليمن الأسبوع الماضي تذكيرا صارخا بالتقلب الشديد للهدنة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين. في حين تم الحفاظ على الهدنة بشكل غير رسمي منذ أبريل/نيسان 2022، إلا أنها على أرض هشة، حيث فشل الجانب الحوثي حتى الآن في الوفاء بالالتزامات التي قطعها للأمم المتحدة العام الماضي.
ولم تُترجم الهدنة غير الرسمية إلى وقف رسمي لإطلاق النار، ناهيك عن اتفاق سلام، ومع عدم وجود إشارة إلى أن الحوثيين سيجلسون على طاولة المفاوضات في أي وقت قريب. أوفت الحكومة اليمنية بالوعود التي قطعتها في بداية الهدنة بفتح مطار صنعاء أمام الرحلات الدولية المباشرة وزيادة تدفق البضائع، بما في ذلك الوقود، عبر ميناء الحديدة. ومع ذلك، فشل الحوثيون في الوفاء بالتزاماتهم. كما دخل حصار الحوثيين لتعز الآن عامه التاسع دون أن تلوح له نهاية في الأفق، في حين يواصل المتمردون زيادة الضغط العسكري على المحافظات الأخرى.
لقد تبددت الآمال السابقة في أن يؤدي التقدم الدبلوماسي السعودي الإيراني إلى تحرك إيجابي في اليمن حتى الآن- وفقًا لليمنيين الذين التقيت بهم خلال هذه الزيارة- حيث صعد الحوثيون هجماتهم على عدة جبهات في الأسابيع الأخيرة. وفي الإحاطة التي قدمها في يوليو/تموز أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قال المبعوث الخاص هانس غروندبرغ إنه على الرغم من أن القتال العام قد انخفض منذ بداية الهدنة، إلا أن الخطوط الأمامية ليست صامتة. ووقعت اشتباكات مسلحة في محافظات الضالع وتعز والحديدة ومأرب وشبوة. وأعرب عن خشيته من أن “تؤدي شرارات العنف المستمرة هذه- إلى جانب التهديدات العامة بالعودة إلى القتال على نطاق واسع- إلى زيادة المخاوف والتوترات”.
منذ إحاطة غروندبرغ في يوليو/تموز، نفذ الحوثيون المزيد من الهجمات ضد عدة مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة. في الأسابيع القليلة الماضية، هاجم الحوثيون مرة أخرى محافظات مأرب ولحج والضالع وتعز، مستهدفين المدنيين والمنازل ومخيمات النازحين داخليًا، بما في ذلك ثلاث هجمات صاروخية متزامنة على مثل هذه المخيمات في مأرب في 30 أغسطس/آب. كما استأنف قناصة الحوثيين هجماتهم على طول خطوط فض الاشتباك.
يعد الحصار واسع النطاق الذي يخنق تعز، ثالث أكبر مدينة يمنية، أحد أكثر المخاوف الإنسانية إلحاحًا بالنسبة للحكومة اليمنية ووكالات الإغاثة. وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مؤخراً أن 3 ملايين من السكان هناك يعانون من نقص الضروريات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء، في حين أنهم في خطر دائم من التعرض للقتل أو الإصابة جراء القصف ونيران القناصة. ووصف الحصار بأنه “شكل من أشكال العقاب الجماعي ضد المدنيين والذي قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب” بموجب القانون الدولي.
وبدلاً من تنفيذ جانبهم من صفقة الهدنة، صعد الحوثيون من مطالبهم واستخدموا القوة للضغط على الحكومة لدفع رواتب الموظفين العموميين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. كما طالبوا بحصة من عائدات النفط التي تجمعها الحكومة، دون تقاسم الإيرادات التي يجمعونها في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ولا يقدم الحوثيون معلومات عن الرسوم المختلفة التي يجمعونها، بما في ذلك الضرائب الشخصية وضرائب الشركات والجمارك ورسوم الموانئ والرسوم الإضافية على المرافق العامة وشركات الاتصالات. وعرضت الحكومة تجميع الإيرادات وتحويلها إلى البنك المركزي، وهو ما رفضه الحوثيون حتى الآن.
ولإجبار الحكومة على تنفيذ مطالبهم، قصف الحوثيون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي الموانئ الخاضعة لسيطرة الحكومة، بما في ذلك محطات تصدير النفط، مما أدى إلى إغلاق قدرات تصدير النفط. وبدون عائدات النفط، لم تتمكن الحكومة من موازنة دفاتر حساباتها. ولولا التمويل الطارئ الذي أعلنت عنه السعودية الشهر الماضي بقيمة 1.2 مليار دولار، لما تمكنت الحكومة من الوفاء بالتزاماتها الأساسية. وهذا بالطبع مؤقت ولا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، مما يحتم استئناف صادرات النفط.
كما كان هناك نقص حاد في الوقود نتيجة قصف الحوثيين، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى إرسال إمدادات الوقود الطارئة إلى محطات الطاقة لإبقاء المنازل مضاءة وتشغيل المستشفيات والمدارس.
وأدى انخفاض قدرة الحكومة إلى الحد من قدرتها على تزويد اليمنيين بالضروريات الأساسية. حيث يواجه ملايين اليمنيين أزمة إنسانية متزايدة، وخاصة المجتمعات الضعيفة مثل النازحين داخلياً، الذين يقدر عددهم بما لا يقل عن 2 مليون في مأرب وحدها. وقد تفاقمت الأزمة الإنسانية بسبب تخفيض المساعدات الدولية، بما في ذلك من قبل برنامج الغذاء العالمي.
لقد وصلت التنمية الاقتصادية إلى طريق مسدود تقريبًا. لقد تقلصت قدرة الحكومة على تمويل مشاريع التنمية بشكل كبير، كما أدى عدم إحراز تقدم نحو حل سياسي إلى تثبيط العديد من المانحين، الذين قرروا الانتظار حتى انتهاء الصراع بدلاً من مواصلة المساعدات الإنمائية في مواجهة الشكوك السياسية والأمنية. معظم المانحين التقليديين لليمن إما جمدوا مساعداتهم الإنمائية أو خفضوها بشكل كبير، وركزوا بدلا من ذلك على الإغاثة الفورية أو تحويل المساعدات إلى أجزاء أخرى من العالم، وهو أمر يشعر الكثير من اليمنيين بالمرارة بشأنه.
يبدو أن الحوثيين يستخدمون بسخرية الضغط العسكري على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والأزمة الإنسانية المتفاقمة لإجبار الحكومة والمجتمع الدولي على الرضوخ.
خلال زيارة الأسبوع الماضي، أعرب عدد قليل جدًا عن أملهم في أن يتحسن الوضع في أي وقت قريب دون ممارسة ضغوط لإجبار الحوثيين على التهدئة والوفاء بالتزاماتهم والتحرك نحو تسوية تفاوضية.
يعتمد اليمنيون على الأمم المتحدة للتحرك بشكل أسرع على المسار السياسي، لكنهم يعتمدون على الجهات المانحة، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، لمساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة. إن انخفاض المساعدات الدولية يأتي في الوقت الخطأ تماماً.
سيحتاج التحرك نحو السلام في اليمن إلى بذل جهود متضافرة على أربع جبهات على الأقل. أولاً، يتعين على الأمم المتحدة أن تتقدم بسرعة على المسار السياسي وألا تتورط في مطالب الحوثيين المتزايدة. ثانياً، يحتاج اليمن وشركاؤه إلى إيجاد طريقة لاستئناف صادرات النفط للمساعدة في سد فجوة التمويل الحكومية. ثالثاً، يتعين على المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أن تكثف جهودها للمساعدة في الإصلاح وتعزيز الموارد المالية الحكومية. رابعاً، تحتاج وكالات الإغاثة إلى زيادة المساعدات المقدمة إلى اليمن لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة بسرعة من المحتاجين.
ولكن لتحقيق هذه الأهداف، يحتاج اليمن إلى الوحدة داخل الفصائل الحكومية والتنسيق الوثيق بين المانحين والأصدقاء. وبدون هذه الوحدة والتنسيق، سيستمر المتمردون الحوثيون في عرقلة أي تحرك نحو حل فعال لمعاناة اليمن.
*الدكتور عبد العزيز العويشق هو الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والتفاوض.
*نشر المقال أولا في صحيفة “عرب نيوز“.
يمن مونيتور6 سبتمبر، 2023 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام شركة هولندية تنهي خطة استحواذ على (OMV) النفطية في اليمن مقالات ذات صلة
شركة هولندية تنهي خطة استحواذ على (OMV) النفطية في اليمن 6 سبتمبر، 2023
المبعوث الأممي يعد بمستوى مختلف من التفاعل بين الحوثيين والسعودية 6 سبتمبر، 2023
مدرب أولمبي اليمن يؤكد جاهزية المنتخب لخوض تصفيات آسيا 6 سبتمبر، 2023
الرئيس اليمني يصدر قرارات جديدة في المحكمة العليا والقضاء العسكري 5 سبتمبر، 2023 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...
مقال ممتاز موقع ديفا اكسبرت الطبي...
مش مقتنع بالخبر احسه دعاية على المسلمين هناك خصوصا ان الخبر...
تحليل رائع موقع ديفا اكسبرت الطبي...
[أذلة البترول العربى] . . المملكة العربية السعودية قوة عربية...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: النفطیة فی الیمن الحکومة الیمنیة بما فی ذلک فی حین
إقرأ أيضاً:
اليونيسف: أطفال رضع بين المتعرضين للاغتصاب في السودان
الأمم المتحدة: سلطت منظمة اليونيسف الضوء على تقارير تفيد بأن رجالا مسلحين اغتصبوا أطفالا، بمن فيهم رضع لا تتجاوز أعمارهم السنة، واعتدوا عليهم جنسيا في خضم الصراع في السودان، وذكرت اليونيسف أن البيانات التي جمعها مقدمو خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان ترسم صورة مؤلمة للأزمة التي يتعرض لها الأطفال؛ حيث تم تسجيل 221 حالة اغتصاب ضد الأطفال منذ بداية عام 2024.
وأوضحت اليونيسف أن هذه الأرقام لا تمثل سوى جزء يسير من إجمالي الحالات لأن الناجين وأسرهم غالبا ما يترددون أو يعجزون عن الإبلاغ عن هذه الحالات بسبب صعوبات الوصول إلى الخدمات والعاملين في الخطوط الأمامية، والخوف من الوصم الذي قد يواجهونه أو الخوف من الرفض من أسرهم أو مجتمعهم ومن الانتقام من الجماعات المسلحة أو الخوف من الانتهاكات المتعلقة بسرية المعلومات.
انتهاك شنيع للقانون الدولي
وقالت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل: "اغتصاب رجال مسلحين لأطفال لا تتجاوز أعمارهم السنة يجب أن يصدم أي شخص في صميمه ويحفز على اتخاذ إجراء فوري. ملايين الأطفال في السودان معرضون لخطر الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي، التي تستخدم كأسلوب حرب. هذا انتهاك شنيع للقانون الدولي وقد يشكل جريمة حرب. ويجب أن يتوقف".
وذكرت اليونيسف أن من بين 221 شخصا تعرض للاغتصاب، هناك 147 طفلة – أي 66 % من الضحايا، بينما تبلغ نسبة الصبيان 33 بالمائة، وهم معرضون للوصم وتحديات فريدة في الإبلاغ وطلب المساعدة والوصول إلى الخدمات.
ومن المثير للصدمة أن هناك 16 فردا تقل أعمارهم عن 5 سنوات، بمن فيهم أربعة أطفال يبلغون من العمر سنة واحدة. تم الإبلاغ عن الحالات في تسع ولايات في السودان. وتم الإبلاغ عن 77 حالة إضافية من الاعتداء الجنسي ضد الأطفال، معظمها حالات محاولة اغتصاب.
إرث سلبي هائل ودائم
ونبهت منظمة اليونيسف إلى أن الواقع الوحشي لهذا العنف، والخوف من الوقوع ضحية له، يدفعان النساء والفتيات إلى ترك منازلهن وأسرهن والفرار إلى مدن أخرى حيث ينتهي بهن المطاف غالبا في مواقع نزوح غير رسمية أو مجتمعات تعاني من شح الموارد. كما أن خطر العنف الجنسي مرتفع داخل هذه المجتمعات، وخاصة ضد الأطفال النازحين داخليا.
وبرغم أن التأثير الهائل للعنف الجنسي على الناجين غالبا ما يكون مخفيا، إلا أنه يمكن أن يكون له إرث سلبي هائل ودائم، بما في ذلك الصدمات النفسية الكبيرة، والعزلة القسرية أو الرفض من الأسرة بسبب الوصم الاجتماعي، والحمل، والأمراض المنقولة جنسيا، والإصابات الخطيرة والمضاعفات الأخرى.
وذكرت اليونيسف أنها تعمل مع الشركاء لإنشاء مساحات آمنة توفر خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي للناجين، فضلا عن دمج هذه الخدمات في الخدمات الصحية في المراكز الطبية والعيادات المتنقلة وتوفير الإمدادات الطبية ذات الصلة.
وتعمل اليونيسف أيضا على بناء قدرات العاملين في الخطوط الأمامية، بمن فيهم الأخصائيون الاجتماعيون وعلماء النفس والمهنيون الطبيون، ونشرهم في مواقع في جميع أنحاء السودان لتقديم خدمات مجتمعية تشمل الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي وخدمات الإحالة. كما يتم العمل داخل المجتمعات لمعالجة المعايير والممارسات الاجتماعية الضارة.
وقالت مديرة اليونيسف: "لقد زرع العنف الجنسي المتفشي في السودان الرعب في الناس، وخاصة الأطفال. يجب على أطراف النزاع، ومن لهم نفوذ عليهم، بذل قصارى جهدهم لوضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة ضد الأطفال. الندوب الناجمة عن هذه الحرب لا يمكن حصرها وهي طويلة الأمد".
خطوات مطلوبة بشدة
وقالت اليونيسف إنها تواصل المطالبة بما يلي:
يجب على حكومة السودان وجميع الأطراف احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان لحماية المدنيين، وخاصة الأطفال.
يجب أن يتوقف، فورا، العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي بوصفه أسلوب حرب.
يجب حماية البنية التحتية للخدمات الأساسية ومقدمي الخدمات حتى يتمكنوا من مواصلة عملهم المنقذ للحياة.
يجب أن يتمكن العاملون في المجال الإنساني من تقديم المساعدات والخدمات المنقذة للحياة بأمان، ويجب أن تتمكن الأسر من الوصول بأمان إلى الدعم الذي تحتاجه.
يجب إعطاء الأولوية لأنظمة البيانات الآمنة والأخلاقية، سواء للمساعدة في تعزيز الاستجابة الإنسانية أو كجزء من جهود أوسع لمحاسبة الجناة.
يجب على المانحين التعامل مع برامج العنف القائم على النوع الاجتماعي على أنها منقذة للحياة.