واشنطن في مساعٍ متواصلة لأمركة حضرموت.. تغيير الخارطة اليمنية
تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT
يمانيون – متابعات
وسطَ ارتفاعِ وتيرةِ التحَرُّكات العسكرية الأمريكية والبريطانية في المحافظات المحتلّة بشكل ملحوظ خلال شهر أغسطُس الماضي، وصل السفير الأمريكي لدى اليمن “ستيفن فاجن” إلى مدينة سيئون في زيارة هي الأولى للمدينة، والثالثة لمحافظة حضرموت، وكذلك المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، إلى محافظة مأرب كأول زيارة له منذ تعيينه مبعوثاً أممياً، بعد زيارته لمحافظة عدن ولقائه بقيادات المرتزِقة، وتتكثّـف منذ مدة المساعي الأمريكية والبريطانية للسيطرة على المحافظات النفطية وتقاسم ثرواتها وتحويلها إلى دويلات صغيرة.
يرى خبراءُ وسياسيون أن “تكثيف الزيارات واللقاءات الأمريكية والبريطانية والإقليمية مع المرتزِقة، هي في إطار الترتيبات لتقسيم المحافظات المحتلّة بالتزامن مع الإعلان عن توجّـه سعوديّ جديد في كيفية إدارة تلك المحافظات لذاتها، والذي يُوحي بوجود مشروع أمريكي غربي في المنطقة، خُصُوصاً في محافظة حضرموت والمحافظات النفطية والاستراتيجية؛ ولهذا فَــإنَّ زيارة السفير الأمريكي لحضرموت والمبعوث الأممي لمدينة مأرب، ووفقاً للمعطيات الراهنة تأتي في سياق إتمام مراسم تقاسم عائدات النفط بين دول العدوان، كما أنها تأتي لتعزيز فرضية هذا التقاسم وتنفيذ الخطط والمشاريع الأمريكية باليمن”.
وتؤكّـد المعلومات أن تلك الزياراتِ تأتي ضمن توجُّـهٍ دولي لترسيخ خارطة السيطرة الجغرافية الحالية في اليمن، خُصُوصاً في المحافظات المحتلّة وتقسيمها إلى دويلات صغيرة حسب السيطرة والنفوذ على الأرض بين فصائل المرتزِقة الموالية لدول العدوان، كما أنها تكشف حقيقة الرؤية الأمريكية التي تهدف لتقاسم الموانئ والجزر؛ بما يعزز قدرتها لقطع الطريق أمام الطموح الصيني الروسي للتوسع في المحافظات الاستراتيجية وتقليص نفوذه في خليج عدن والبحر الأحمر، كما أنها تكشفُ أن الحربَ على اليمن أمريكيةٌ بريطانيةٌ بامتيَاز.
واقعٌ جديد:
وبشأنِ تكرارِ الزيارات والتحَرُّكات واللقاءات الأمريكية والبريطانية، يؤكّـد سياسيون أن “تلك الزياراتِ تشيرُ إلى وجود مشروع أمريكي جديد في المحافظات النفطية الجنوبية المحتلّة، خُصُوصاً في محافظة حضرموت والمحافظات الشرقية الأُخرى؛ لما لها من أهميّة بالنسبة للأمن الدولي، الذي يعد الدافع والمحرُك الأَسَاسي للاهتمام الأمريكي والدول الأُورُوبية، التي تسعى لتحقيق مصالحها تحت أي ظرف”.
بالإضافة إلى أن لتلك الزيارة أبعاداً اقتصادية وسياسية تتمثل في الأمن الاقتصادي والأمن السياسي، وأمن الطاقة، وكذلك في سياسات التنافس الدولي والإقليمي على محافظة حضرموت، التي تمثل وفق امتداداتها شرقاً وغرباً إلى محافظتي شبوة والمهرة، الجائزة الكبرى في هذا التنافس الدولي والإقليمي.
ووفق المعلومات فَــإنَّ لتلك الزيارة أهدافاً وأبعاداً أُخرى منها المساعي الأمريكية المُستمرّة لتشكيل وحدات عسكرية جديدة من المرتزِقة تكون تحت إشراف القوات الأمريكية أية قيادة الأسطول الخامس، وتحمل اسم “قوات حماية السواحل”، كما أنها تهدف إلى تجنيد المئات من المرتزِقة في أمريكا؛ وهذا ما كشف عنه السفير الأمريكي ستيفن فاجن خلال زيارته مدينة سيئون، عندما تحدث عن دورات تدريبية منحتها الولايات المتحدة لمنتسبي القوات المسلحة التابعة لحكومة المرتزِقة للتدرب في أمريكا، مؤكّـداً أنه تم اختيار عدد كبير من المرتزِقة للحصول على دورات تدريبية في الولايات المتحدة.
ووفق المعلومات فَــإنَّ ظهور المارينز الأمريكي في مدارس ثانويتَي البنين والبنات بالغرفة بمدينة سيئون بمحافظة حضرموت، عمليةٌ استفزازيةٌ توحي بالاستهداف الأمريكي للعملية التعليمية، حَيثُ قدّم المسؤول الأمريكي الذي يرافقه جنود المارينز وسعوديّين خلال لقائه بإدارة المدارس والطلاب مغريات جديدة تمنح العشرات من الطلاب الالتحاق بدورات تدريبية عسكرية في الولايات المتحدة.
حول السياساتِ الأمريكية والبريطانية بشأن المحافظات النفطية المحتلّة ذات البعد الاستراتيجي، تؤكّـد الأبحاث والدراسات أن تلك المحافظاتِ ضمن أولويات أمريكا وبريطانيا، وما التحَرّكات والزيارات المتكرّرة إلى حضرموت والمحافظات الأُخرى، إلا لفرض واقع جديد يسمح لهم بالتواجد العسكري والاستخباري في هذه المحافظات، الذي يتم وفق المخطّط الأمريكي الذي يهدف إلى مواجهة النفوذ العالمي والتحكم فيه، والسيطرة المباشرة وغير المباشرة.
ولهذا فَــإنَّ التواجدَ العسكري الأمريكي البريطاني المباشر في المحافظات الشرقية والنفطية حضرموت والمهرة وشبوة” منابع النفط والغاز” يعتبر عمليةً استباقية للتموضع في المناطق الاستراتيجية على مستوى اليمن والمنطقة، وخطوة تؤكّـد أن الرغبة الأمريكية والبريطانية المشتركة في السيطرة المباشرة في هذه المرحلة المليئة بالمتغيرات الدولية المتزامنة مع الثورات الشعبيّة في القرن الأفريقي والمفاجآت التي تنتظر الاحتلال خلال الفترة المقبلة، أصبحت واضحة، وأن دور الوسيط والوكيل من المرتزِقة ودول العدوان انتهى، ورداً على ذلك حذر رئيس الجمهورية اليمنية مهدي المشاط، من التمادي الأمريكي البريطاني، مؤكّـداً أن اليمن خط أحمر.
ومع احتدام الصراع الدولي، تسارعُ أمريكا وبريطانيا إلى التواجد المباشر في أهم المحافظات النفطية الاستراتيجية المحتلّة؛ بهَدفِ قطع الطريق أمام تحقيق السلام في اليمن وإفشال كُـلّ التحَرّكات والتفاهمات؛ مِن أجلِ اختلاق ذرائعَ وعناوينَ زائفة للبقاء والتواجد المباشر؛ وهذا ما يثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن العدوان والحصار على اليمن هو أمريكي غربي بامتيَاز، وما السعوديّ والإماراتي إلا أدوات قذرة تنفذ مشاريع الاستعمار ومخطّطاتهم ومؤامراتهم الشيطانية في اليمن والمنطقة.
استثماراتٌ قادمة:
وبخصوصِ الأبعاد السياسية فقد كشفها محافظ المرتزِقة في حضرموت حين أشار إلى أن أكبرَ هدف تسعى أمريكا لتحقيقه هو أن تكون حضرموت سيدة قرارها ومستقلة في رأيها ورقماً كَبيراً لا يمكن تجاوزه، وأن تدارَ أمنيًّا وإدارياً وعسكريًّا من أبنائها، انطلاقاً من تاريخها المعروف في الإدارة.
مؤكّـداً أن حضرموت تستحقُّ الاهتمام المحلي والدولي نظرًا؛ لأَنَّها تمتلكُ أغلبَ ثروات البلد وتتمتع بالاستقرار وتصل مساحتها إلى 37 % من مساحة البلد، منوِّهًا بأن الاهتمامَ الأمريكيَّ بحضرموت مؤشرٌ لهذا الاهتمام الإقليمي والدولي، ويؤكّـد مكانةَ وقيمةَ المحافظة وتميُّزَها بالاستقرار ومساهمتها في مكافحة الإرهاب.
وبحسب المحافظ المرتزِق بن ماض فَــإنَّ هناك شراكةً مع الأمريكان في عمل استثمارات اقتصادية مشتركة في حضرموت ما دام ذلك ضمن سيادة الدولة، والاهتمام الأمريكي الأخير بالمحافظة يوحي باستثمارات قادمة من قبل أمريكا في المحافظة، والتي لها باع طويل في مكافحة الإرهاب، وأن زيارة السفير الأمريكي يأتي لتفقد المحافظة الشاسعة التي واجهت الإرهاب، وربما سلمت للإرهابيين بتواطؤ، وهي بيئة طاردة للإرهاب، وليست خصبة للإرهابيين أَو محتضنة لهم، وأن اهتمامَ أمريكا بمحافظة حضرموت كونها تطل على البحر العربي المتصل بالمحيط الهندي، وتدفق حركة التجارة البحرية وسلسة الإمدَاد، وَأَيْـضاً محاصرة إيران في بحر العرب، وهو نطاق تتواجد فيه واشنطن، وهناك استقطابٌ دولي؛ لتأمين المصالح المستقبلية لعدة أطراف دولية.
لذا فَــإنَّ الاهتمام الأمريكي بحضرموت ليس وليد الحظة بل ظهر منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي والذي بدأ ترجمته من خلال إرسال شركات للتنقيب عن النفط بتعاون مع الاحتلال البريطاني الذي كان مسيطراً على المحافظات الجنوبية.
اتّفاقياتٌ جديدة:
وبشأن زيارة المبعوث الأممي إلى مأرب، يقول الخبراء: إن “تلك الزيارة تأتي في سياق العملية السياسية الأمريكية التي عاد بها المرتزِق سلطان العرادة؛ بهَدفِ تنفيذها والمتمثلة في إيرادات النفط والغاز المنهوبة من قبل المرتزِقة”، ومؤكّـدين أن “مأرب لها التزامات تجاه عملية السلام، التي يحاول المبعوث الأممي أن يقطع فيها خطوات متقدمة، خُصُوصاً فيما يتعلق بالمرتبات، من خلال التحضير لعملية سياسية شاملة، معالجة الأولويات الاقتصادية العاجلة، لا سِـيَّـما الحاجة إلى سداد الرواتب، واستئناف تصدير النفط والغاز”.
ولهذا فَــإنَّ غروندبرغ ناقش تحضير آلية للإشراف على استئناف تصدير النفط الذي يعزز من زيادة الإيرادات وخطوات التنسيق النقدي وإدارة الموارد والإيرادات ومواجهة التحديات الاقتصادية والفجوات في توفير الخدمات.
وفي السياق ذاته، يؤكّـد خبراء أن زيارة المبعوث إلى عدن تأتي في إطار عملية التنسيق لحماية الممتلكات الثقافية في اليمن والتي تم وضعها في عام 2020 على أَسَاس طارئ، حَيثُ أشرف المبعوث الأمريكي عقب زيارته إلى عدن ومأرب، على توقيع اتّفاقية ثنائية بين مساعد وزير الخارجية للشؤون التعليمية والثقافية لي ساترفيلد، وسفير المرتزِقة لدى الولايات المتحدة محمد الحضرمي.
وفي السياق أوضحت الخارجية الأمريكية في بيانها أن “توقيع الاتّفاقية يأتي في إطار التعاون بين البلدَينِ لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية، وتشجيع التبادل القانوني للأغراض الثقافية والتعليمية والعلمية”.
وأكّـد البيان أن “الاتّفاقية تعتمد على تعاون الولايات المتحدة طويل الأمد للحفاظ على التراث الثقافي لليمن من خلال منح صندوق السفراء الأمريكيين؛ للحفاظ على التراث الثقافي للشركاء من المنظمات غير الحكومية والتي يبلغ مجموعها أكثر من 550 ألف دولار وتتراوح بين ترميم المباني التاريخية والحفاظ على المخطوطات القديمة”.
وأشَارَت إلى أنه “تم التفاوض على اتّفاقية الملكية الثقافية بين الولايات المتحدة واليمن من قبل وزارة الخارجية بموجب القانون الأمريكي الذي ينفذ اتّفاقية اليونسكو لعام 1970 بشأن وسائل حظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطريقة غير مشروعة”.
وبهذه الاتّفاقية، تنضم اليمن إلى 25 شريكًا أمريكيًّا في اتّفاقية الملكية الثقافية الثنائية، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال قيود الولايات المتحدة الطارئة على الواردات من الممتلكات الثقافية من أفغانستان والعراق وسوريا قائمة.
ومن شأن الاتّفاقية فرض قيود استيراد على أنواع من المواد الأثرية والإثنولوجية اليمنية؛ بغرضِ حماية التراث والآثار والممتلكات الثقافية اليمنية ومنع تهريبها للولايات المتحدة الأمريكية.
تحَرُّكاتٌ متشابهة:
وفي هذا التقرير نرصُدُ أبرزَ التحَرّكات العسكرية الأمريكية والبريطانية في المحافظات المحتلّة النفطية خلال شهر أغسطُس الماضي من خلال الأحداث التالية:
في 2 أغسطُس 2023: زار الملحق العسكري للسفارة البريطانية “بيتر ليجايسك” برفقة كبير مستشاري الأمن “ماكس جاندل” ووفد من الخارجية البريطانية محافظة مأرب، وعقد لقاءات مع قيادات المرتزِقة العسكرية بينهم ما يسمى رئيس هيئة الأركان، المرتزِق ابن عزيز الذي قام بتكريم الملحق العسكري البريطاني.
وفي 14 أغسطُس 2023: زار نائب السفير البريطاني لدى اليمن (تشارلز هاربر) والملحق العسكري (بيتر لي جاسيك) عدن والتقيا بمقر مصلحة خفر السواحل وكيل المصلحة، وتفقدا موقع ومنشآت من بينها الرصيف العائم وعدد من المنشآت والتي جاءت بالتزامن مع نشر قوات بريطانية محدودة في عدن، ومع التحَرّكات الأمريكية البريطانية المشتركة في خليج عدن وطول الشريط الساحلي جنوبي اليمن.
وفي 19 أغسطُس 2023: وصلت قوات بريطانية بطريقة سرية إلى غيل باوزير بمحافظة حضرموت وانتشرت في منطقة مزارع الشين وهي منطقة زراعية يمتلكها المواطنين بحماية من القوات الإماراتية، وبهدف إنشاء قاعدة عسكرية لها في غيل باوزير التي تعتبر من المناطق القريبة للساحل.
وفي 21 أغسطُس 2023: عقد محافظ حكومة المرتزِقة في شبوة، لقاء مع “تشارلز هاربر” القائم بأعمال سفير المملكة المتحدة بريطانيا عن طريق دائرة تلفزيونية مغلقة بحضور ملحق السفارة العسكري والذي نوقش فيه جوانب عسكرية وأمنية، تضمنت السماح بنشر وحدات بريطانية في شبوة بالقرب من المناطق النفطية، تحت مبرّر أن ذلك تعزيزٌ لدور الإمارات في استتاب الأمن والاستقرار.
وفي 25 أغسطُس 2023: وصلت طائرة عسكرية بريطانية تحمل تعزيزات لقوات بريطانية إلى مطار الغيضة الخاضع للقوات السعوديّة بمحافظة المهرة.
في 28 أغسطُس 2023: وصلت فرق عسكرية أمريكية على متن طائرة عسكرية سعوديّة إلى مدينة سيئون، فيما أحيطت الزيارة بسرية تامة، خَاصَّةً وأن مسؤولاً أمنياً كبيراً في السفارة الأمريكية في اليمن كان ضمن الوفد الذي لم يكشف عن سبب قدومه، وقام بزيارة مدينة تريم التاريخية ومستشفى سيئون العام.
وفي 29 أغسطُس 2023: ظهرت قواتٌ عسكرية من المارينز الأمريكي أثناء زيارة الوفد الأمريكي إلى قرية الغرفة –تبعد 8 كيلومترات– عن سيئون بوادي حضرموت.
وفي 30 أغسطُس 2023: وصل السفير الأمريكي لدى اليمن “ستيفن فاجن”، إلى سيئون ثاني كُبرى مدن محافظة حضرموت النفطية.
المسيرة/ عباس القاعدي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الأمریکیة والبریطانیة المحافظات المحتل ة المحافظات النفطیة الولایات المتحدة السفیر الأمریکی المبعوث الأممی محافظة حضرموت فی المحافظات مدینة سیئون کما أنها فی الیمن أمریکی ا من خلال ف ــإن
إقرأ أيضاً:
واشنطن بين رئيسين.. سياسة بايدن تترك الشرق الأوسط مشتعلًا.. ولا أمل في السلام الأمريكي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أثارت سياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط مقارنات بالتحديات التي واجهها أسلافه مثل جيمي كارتر وجورج دبليو بوش، على الرغم من اختلاف الظروف بشكل كبير، كما تطرح سؤالًا عن تطورات الأوضاع بالمنطقة فى ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي خوان كول: "على عكس تورط كارتر في أزمة الرهائن الإيرانيين أو صراعات بوش مع حركات المقاومة في العراق، تنبع صعوبات بايدن من تصرفات حليف رئيسي للولايات المتحدة: إسرائيل. لقد أثار دعم إدارته للحملات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك في غزة ولبنان وإيران، انتقادات واسعة النطاق، محليًا ودوليًا".
إرث معقدخلال السنوات الأولى لبايدن في منصبه، سعت إدارته إلى إعادة معايرة السياسة الأمريكية في المنطقة. وشملت الجهود البارزة رفع العقوبات المفروضة على حركة الحوثيين في اليمن من قبل الإدارة السابقة، وتسهيل المفاوضات بين الأطراف المتصارعة في اليمن، والحفاظ على الحد الأدنى من التدخل العسكري في العراق وسوريا لمحاربة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن كانت هناك فرصة ضائعة كبيرة تمثلت في الفشل في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة لعام ٢٠١٥ مع إيران. فقد فككت إدارة ترامب هذا الاتفاق النووي، الذي كان يهدف في الأصل إلى منع طهران من تطوير الأسلحة النووية في مقابل تخفيف العقوبات. وعلى الرغم من الإشارات المبكرة للاهتمام بإحياء الاتفاق، احتفظ فريق بايدن بالعديد من عقوبات ترامب، مما أعاق التقدم الهادف. ونتيجة لذلك، سعت إيران إلى إقامة علاقات أوثق مع الصين وروسيا، مع عواقب جيوسياسية كبيرة. وقد أكدت عضوية طهران في منظمة شنغهاي للتعاون وشراكتها العسكرية مع موسكو على التحالفات المتغيرة استجابة للسياسات الأمريكية.
تصاعد التوتراتكانت الأحداث التي أعقبت هجمات حماس على إسرائيل في أكتوبر ٢٠٢٣ بمثابة نقطة تحول في سياسة بايدن في الشرق الأوسط. وقد أثار دعم الولايات المتحدة للرد العسكري الإسرائيلي في غزة، والذي اتسم بغارات جوية واسعة النطاق، إدانة من العديد من البلدان، وخاصة في الجنوب العالمي. لقد أدت الأنباء عن ارتكاب جرائم حرب وإصابات غير متناسبة بين المدنيين إلى تآكل الدعم الدولي للسياسات الأمريكية في المنطقة.
واتسع نطاق الصراع مع انخراط إسرائيل في أعمال عدائية مع حزب الله في لبنان وتنفيذ ضربات على أهداف إيرانية. وأثارت التوترات المتصاعدة مخاوف بشأن حرب إقليمية أوسع نطاقا، حيث تكافح إدارة بايدن للتعامل مع الأزمة. وقد اعتُبرت الجهود المبذولة للتوسط مع إيران والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى غير كافية، حيث سلط المنتقدون الضوء على الافتقار إلى المساءلة عن الأفعال الإسرائيلية.
تداعيات متعددةوكان لعدم الاستقرار المستمر في الشرق الأوسط تداعيات عالمية كبيرة. فقد أدت الاضطرابات في طرق الشحن في البحر الأحمر وقناة السويس، والتي تفاقمت بسبب الهجمات الصاروخية الحوثية، إلى إجهاد سلاسل التوريد العالمية وساهمت في ارتفاع التضخم.
كما تؤكد الأزمات الإنسانية في غزة واليمن ولبنان على التحديات التي تواجه المنطقة. ويرى المراقبون أن سياسات بايدن، في حين كانت تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الأمريكي، أدت إلى تفاقم التوترات. لقد أصبح الاعتماد على المساعدات العسكرية والتحالفات الاستراتيجية محل تدقيق، مع دعوات إلى اتباع نهج أكثر توازنًا لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع. مع استعداد بايدن لمغادرة منصبه، تظل سياسته في الشرق الأوسط موضوع نقاش مكثف. إن الإدارة المقبلة سوف ترث منطقة تتسم بالانقسامات العميقة والتحالفات المعقدة. وسوف يتطلب التصدي لهذه التحديات إيجاد التوازن الدقيق بين المصالح الأمنية، والمخاوف الإنسانية، والسعي إلى تحقيق الاستقرار في الأمد البعيد.. فهل يمكن أن يتحقق ذلك على يد إدارة ترامب؟.. مجرد سؤال تظل إجابته موضع تساؤل كبير أيضًا.