صحيفة البلاد:
2024-09-18@15:56:50 GMT

عبد الوهاب المسيري «7»

تاريخ النشر: 6th, September 2023 GMT

عبد الوهاب المسيري «7»

في أحد صباحات محاضرات مقرر الترجمة الذي كان يدرّسه عبدالوهاب المسيري، طلب منّا أن نخرج من القاعة حيث ستكون المحاضرة لهذا اليوم في مكان آخر. انطلق بنا من قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب نحو المكتبة المركزية التي تبعد مسافة خمس دقائق مشياً على الأقدام من القاعة. كان أستاذنا القدير يمشي ومعه أكثر من 30 طالباً في الممر الطويل الذي يربط بين الكليات في جامعة الملك سعود والتي وصفها في أحد كتبه بأنها جامعة عربية بمعنى الكلمة.

اتجه بنا نحو الدور الثاني في المكتبة الضخمة التي يمكن الجزم بعدم وجود ما يماثلها في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، وربما في عصرنا الحالي. كانت المكتبة من القوة بحيث أنه يمكنك في ذلك الوقت أن تقرأ أرشيفاً متكاملاً من الصحف الورقية الصادرة باللغة الإنجليزية بدءاً من التايمز وانتهاء بجريدة الصن البريطانيتين. هذا فضلاً عن آلاف العناوين من الكتب والدوريات الأجنبية والعربية والمصادر المتعددة.

كان أحد المتخصصين الباكستانيين في المكتبة ينتظرنا لبدء محاضرتنا هذا اليوم عن نظام ديوي المتّبع في المكتبات العالمية وكيفية البحث عن المواضيع والمعلومات في مكتبة ضخمة مثل مكتبة جامعة الملك سعود التي أصبحت الآن تحت تحمل اسم مكتبة الملك سلمان. ترك أستاذنا القدير المجال للمتخصص بالمكتبة أن يوضّح لنا أول الأمر طبيعة هذا النظام والإمكانات الضخمة التي تتمتع بها المكتبة وطرق البحث عن الكم الهائل من المعلومات والمصادر المتاحة في ذلك الوقت قبل أن يعرف العالم الثورة المعلوماتية التي نعيشها اليوم. لكن أستاذنا المسيري يتدخّل أحياناً ويتناوب الحديث مع هذا الخبير في شؤون المكتبات الذي يبدو أنه على علاقة وطيدة بالدكتور عبد الوهاب المسيري؛ إذ اتضح أن المسيري كان يقضي معظم وقته في هذه المكتبة الضخمة المزوّدة بكل ما يحتاجه من كتب حديثة ودوريات عالمية وصحف أجنبية، وقد صرّح بذلك في أحد كتبه وذكر أن جامعة الملك سعود قد خصصت له غرفة خاصة في المكتبة يحتفظ بها بكل ما يحتاجه من مصادر.

ويمكن القول أيضاً أن مكتبة الملك سلمان في جامعة الملك سعود كانت مصدراً مهماً للمعلومات التي يحتاجها مفكر عبقري مثل عبد الوهاب المسيري حيث كان أستاذنا القدير في قمة عطائه الفكري أثناء وجوده في جامعة الملك سعود وكان يتمتع بصحة جيدة ولم يكن سرطان الدم قد عرفه بعد. وقد ذكر المسيري لاحقاً في أحد كتبه أن الأيام التي قضاها في السعودية هي عن حق من أسعد أيام حياته وأكثرها ثراءً من الناحية الفكرية.
كانت المكتبة هي المكان الأثير عند عبد الوهاب المسيري ولهذا السبب أخذ طلاّبه لها وقدّم محاضرته فيها، لعلّهم يدركون أهميتها ولو بعد حين. لم يعرف الطلاب وقتها أن أستاذهم القدير كان يعمل على تأليف مشروعه الأسطوري الضخم الذي صدر لاحقاً بعد مغادرته لهم بسنوات.

khaledalawadh@

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: جامعة الملک سعود فی أحد

إقرأ أيضاً:

عتمة صادفت مولدين

 

غازي البحر الروَّاس

 

ركودٌ وفقرٌ ومظلمة... كانت عُمانَ تغوصُ وتختنق، وحبال مشنقة تلف وطنًا بأكمله، كان لا شيء ما عدا رقبته.. ظلمات قتلت سوادها ولم يعد للون سمة أو حتى متعصبين للون الصباح.

كان الراحل عبدالعزيز الروَّاس مستشار جلالة السُّلطان للشؤون الثقافية سابقًا، يُكنّى بـ"أبو سعود" تيمنًا منه بسعة كُنى ذلك العصر. لم يأت سعود لكن ظل يُراوِدُهُ اسمه فقط وصنع منه حقبةً ولدت زمنًا.. كان حادًا في حضوره، حدة تنفر كل شائبة ويبقى حضوره ومشقة مستمعيه.

صادف هدفه المغروس في كيمياء عقله دون سابق عِلة، عنقاء من سليل وطن خرجت على تمام عادتها من تراب الوطن لا الرماد، جاء "قابوس" ومعه ثورة وبرنامج وهدف. وكان عبدالعزيز آنذاك قد استوى، فصادفتْ اللحظةُ مرادَهَا. رجلُ دولةٍ تماهى مع صاحبِ دولةٍ، وكان لقاءً غير مجدولٍ، لكنه فُصِّلَ بحتميةِ القدرِ.

تعرفتُ على عبدالعزيز الروَّاس بحكم أواصر الدم، وكان أوَّل اتصال غير مُباشر وأنا ابن الثامنة، مع أمسيات شاطئ مطرح نهايات صيف 1970، وكنتُ بجوار أبي وبعض الأعمام، وكان حديثهم عن عُمان وقابوس وقبيلة الروَّاس ودورها في ترسيخ مُهمة السلطان. لا أدرك شيئًا وكان لا يهمني أن أفهم، فقد كنتُ مهمومًا بقطعة سلاح "مسدس" وضعه عبدالعزيز بجانبه، وفي خلسةٍ وهو مُنشغِلٌ بحديث الوطن، بدأتُ ألاعبُ القطعة في غفلةٍ منه، لكنَّ عبدالعزيز لا يغفل، فنهرني، وقال لي السلاح ليس مُتعة!

ومن يومها وأنا أشعر كلما قابلته رغم لطفه المتقطع، أني مسكون بهذا التوتر غير المُبرَّر منذ تلك اللحظة.

كنتُ التقي به على مدى عقودٍ بشكل غير مبرمج وحضور رسمي خارج الدولة، وينظرُ إليَّ دون تركيز، ويُعيرني اهتمام دون مهام، وإذا أبدى اهتمامًا بي يربطه بوالدي ومناقبه.

وفي عام 1989 زار السلطان قابوس- رحمه الله- الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران في العاصمة باريس، وكانت زيارة دولة، وحينها كنتُ دبلوماسيًا أعملُ في هذه المدينة الساحرة رغم كثرة فئرانها! وكان عبدالعزيز مُرافقًا للسلطان كالعادة، وفي ليلة انتهاء الزيارة، همس لي عبدالعزيز وقال: "مُرْ عليّ بمقر الإقامة لنذهب إلى مكان تختاره لتناول العشاء". صُدمتُ بهذه المَهمَّة المُباغتة، وطِرتُ بأفكاري، كيف سأتحدث عن هذه الحظوة مع كل أبناء عمومتي في صلالة؟! طبعًا لاقيته على الموعد في مقهى ومطعم "لو فوكيتس" العريق، على تقاطع جادة جورج الخامس والشانزليزيه، في قلب عاصمة النور. ودار بيننا حديثٌ صارم، علّمني فيه الفارق الذي يفصل بين من يستحق أن يكون ذا أهمية من عدمه. ورغم أنَّ الحديث لا يُشبه رومانسية باريس، لكنه على الأقل يتوافق مع توجهات ماكسميليان روبسبيار وجان دارك وثورتيهما!

استمر هذا التواصل المُتقطِّع حتى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، حينها تماسكت العلاقة واقتربت منه واكتشفني عندما كنت أُحادَّه بلطفٍ وأدبٍ في مواضيع الفكر الإسلامي والفِرَق والنِحَل والمِلَل، نتجاذبُ الحديث وأشعُرُ من رده على شططي، أحيانًا، أنه يوافقني بردة فعله الحادّة، ويعتريني شعور أني وافقته دون اعتراف منه. وبقيْنا هكذا على هذا المنوال، ولاحظتُ نزوله عن الشجرة نحوي، وفي بعض الأوقات النادرة يفضض معي، وتماسكتْ العلاقة لتصبح صداقة من نوع فاخر. وذات مرة اعترف لي دون سابق إنذار بأنَّ هناك مشتركات بيننا، وأنه يُكِن لي محبة خاصة، وبدأ يُفككني وانطلقت معه، وفتح لي صفحاته المُغلقة والمكتوم من الحديث، وكان يعاتبني بودٍ إذا طالت غيبتي وتأخرت عن زيارته، وأُردِّدُ له بيتًا من أشعار علي ابن الجهم، "أبلغ أخانا تولى الله صحبته.. أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه".

أبو سعود كيان مُتفرِّد صاغ نفسه بخياطة دقيقة، عصاميٌّ منذ طفولته، يملك فراسة وذهنًا متوقدًا وحادًا، اختطَّ لنفسه مشروعًا آمنَ به ولم يحِد عنه طوال حياته.. آمنَ بالسلطان قابوس وكان من صحابته والمؤمنين الأوائل بهذه الشخصية الفذة المُتقدة، وتوافقت الأهداف والمسيرة.. صحبةٌ لم تنقطع وإيمان لم تعترهِ شكوك.

زُرتُهُ في منزله برابية القرم بمسقط، قبل وفاته بأسابيع قليلة، وكان المرض قد نال منه، لكن حضوره وصلابة عقله والمودة منقطعة النظير لم تتغير. وعندما استأذنته بالخروج وقف وأخذني بيدي مُودِّعًا ومُصِرًّا على مُرافقتي إلى سيارتي، رغم تعبه، وكأنَّ حاله يقول هذا هو الوداع الأخير!

عندما علمتُ بنبأ نقله إلى المستشفى السلطاني في آخر لحظات حياته، استقليتُ الطائرة من صلالة إلى مسقط، ولم أُصدِّقُ أنَّها النظرة الأخيرة، وعندما قابلته ضغط على يدي، ثم قبَّلتَ جبينه، وكان ينظرُ إليَّ بعيونٍ مُودِّعة، ولسان حاله يقول "لا تحزن.. إنِّها الخاتمة"!

بعدها بيومين انتقل عبدالعزيز الروَّاس إلى جوار ربه.

رحم الله أبا سعود، فقد عاش شامخًا ومات واقِفًا.

مقالات مشابهة

  • في ظل أزمات روتانا.. حفل غنائي جديد لـ شيرين عبد الوهاب
  • بعد نجاح ألبومها.. شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات
  • بعد تصدره التريند.. كل ما تريد معرفته عن جامعة الملك فيصل
  • عتمة صادفت مولدين
  • الملك يصدر أمرا ملكيا بترقية 233 عضوا بالنيابة العامة
  • الملك سلمان يصدر عدة أوامر ملكية خاصة بالنيابة القضائية
  • سعود الصرامي: النصر يمر بمرحلة عناد
  • مستشفى الملك عبدالله الجامعي ينظِّم حفل تخريج الدفعة الأولى من برنامج مساعد طبيب أسنان
  • مدير مكتب الملك الذي صار رئيسا لوزراء الأردن.. من هو جعفر حسان؟
  • مدير مكتب الملك الذي صار رئيسا للوزراء بالأردن.. من هو جعفر حسان؟