في زمن "البوتيكس"!
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
مدرين المكتومية
من المؤسف أن الجمال الطبيعي لم يعد ذي معنى في عصر البوتيكس والفيلر وغيرها من عمليات التجميل الاصطناعي، التي تحولت إلى صرعة (موضة) تقلّدها الفتيات، وحتى الشباب، من أجل أن "يكونوا على الموضة"، فرغم أن هناك أشخاصًا كثيرين يتمتعون بجمال طبيعي، إلّا أنهم يحرصون على إجراء عمليات تجميلية، ولم تعد هذه العمليات متقصرة على الفنانات والمشاهير؛ بل صار الكثيرون من الفئات المجتمعية العادية يقومون بها!
الذي دفعني للكتابة عن هذه المسألة، أنني كنتُ أتنقل بين قنوات التلفاز فشاهدتُ فيلمًا مصريًا قديمًا على قناة متخصصة في عرض كلاسيكيات السينما العربية، وأدهشني بشدة جمال الفنانات اللائي كان يظهرن في صورة بديعة بأقل قدر من مساحيق التجميل "الميكاب"، حتى تصفيف الشعر لم يكن مبالغًا فيه كما هو الحال الآن، ولا لون الشعر، لأن التصوير وقتها كان بالأسود والأبيض.
بعدما انتهيتُ من مشاهدة هذين الفيلمين، تفكّرتُ في أمر عمليات التجميل، وتساءلت لماذا تلجأ فتاة على قدر معقول وربما جيد وحتى ممتاز من الجمال، لإجراء عملية تجميل اصطناعي، ولماذا هذا الإقبال الكبير من الفتيات في سن صغيرة (عادة يكن دون 26 سنة) لخوض مثل هذه التجارب. وقد بحثت في الأمر وتأكدت أن المسألة لا تعدو كونها انسياق أعمى وراء الموضة، بزعم مواكبة العصر والسير على خطى المشاهير، وكأن هؤلاء المشاهير هم القدوة والمثل!
الغريب في الأمر أن المسألة انتقلت إلى الشباب الذكور، فتجد شابًا يُجري عملية نحت للفك في الوجه، كي يبدو أكثر وسامة، وأكبر مثال على ذلك الفنان المصري أحمد سعد، الذي أجرى جراحة في عظام الفك كي يظهر بمظهر مختلف. وأيضًا الفنان تامر حسني وأحمد عز وغيرهم كُثُر.
في السابق، لم تكن الفنانات تحتاج حتى إلى عمليات تقويم الأسنان، ولا لنحت الجسم، ولا لاستخدام الفيلر والبوتكس لتكبير حجم مناطق معينة في الجسم، خاصة الشفايف والخاصرة؛ لأن الجمال لم يكن ماديًا بهذه الصورة الشنيعة التي نجدها الآن، والتي للأسف تقلل من شأن المرأة ولا ترفع من مكانتها.
إن الجمال الحقيقي هو ذلك القائم على التعامل اللطيف والمُهذّب مع الآخرين، الجمال جمال الروح والعقل، يتجلى في الشخصيات التي تنعم بسلام تام مع النفس ومن حولها، إنه جمال يعكس نقاء القلب من أي شائبة، لأنه قلب خالٍ من الغيرة السلبية والحقد والحسد وكل أمراض النفس وعللها.
ودائمًا أقول.. كونوا أنفسكم ولا تحاولوا اصطناع شخصية هي ليست لكم، لا تبخلوا على ذواتكم بالحب الصادق للنفس، وليس ذلك الخداع القائم على النفاق الاجتماعي والرياء، ابتعدوا عن مصادر الضغط النفسي كي تظل بشرتكم تنعم بالنضارة والجمال. لون البشرة لا علاقة له بالجمال، فكم من ملكة جمال على مستوى العالم كانت من صاحبات البشرة الداكنة، وكم من جميلات صاحبات بشرة فاتحة يحملن سوادًا في نفوسهم أشد حلكة من الليل البهيم. وأخيرًا.. الجمال أن تُبصر الدنيا بعين راضية، وتخالط الناس بأخلاق رفيعة، وأن تسعى في مساعدة الآخرين دون انتظار مقابل، وكما قال الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي " كُن جَميلًا تَرَ الوُجودَ جَميلًا".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
من روائع شهر رمضان بمصر «جمال ابتهالات الشيخ سيد النقشبندي»
منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي ارتبط قدوم شهر رمضان بمظاهر احتفالية كثيرة كان من أهمها سماع الابتهالات والأدعية الدينية من خلال البرنامج العام بالإذاعة المصرية بعد آذان المغرب مباشرة، وفي ذلك يقول الحاج سليم إبراهيم رخا وهو من عشاق الشيخ سيد النقشبندي بأنه كان قد سمعه من خلال الراديو الفيلبس الوحيد بالقرية داخل محل البقالة الخاص به، وكان من عادة الفلاحين وأهل القرية أن يقفون ويجلسون بجوار محل البقالة وسط مفارق القرية وكانوا يسمعون قرآن المغرب للشيخ محمد رفعت وبعد مدفع الإفطار كان الشيخ سيد النقشبندي يعلن عن نفسه بالابتهالات الدينية الخاصة بشهر رمضان مما كان يدخل السرور والبهجة والجو الرباني على الصائمين، وقد بدأ لعدة سنوات بعرض ابتهال سبحانك ربي سبحانك لشهر رمضان ثم عاد للإذاعة بابتهال آخر جميل ارتبط بشهر رمضان هو "الله يا الله" وظل هذا الابتهال الديني مرتبط بالإذاعة وشهر رمضان إلى وقتنا هذا ولا يمكن لنا ولكل الأجيال إلا أن ترتبط بهذا المبتهل الجليل الذي يندر أن يجود الزمان بمثله.
ولد الشيخ سيد النقشبندي بقرية ديميرة بمحافظة الدقهلية عام 1920م ثم انتقل مع أسرته إلى طهطا بالصعيد وفيها حفظ القرآن صغيرا وتعلم الإنشاد الديني من خلال حلقات الذكر للطريقة النقشبندية التي ينتمي نسب جده محمد بهاء الدين النقشبندي إليها وهو الذي قد نزح من بخاره بولاية أذربيجان إلى مصر للالتحاق بالأزهر، وكذلك يعتبر والد الشيخ سيد من علماء الدين ومشايخ الطريقة النقشبندية الصوفية، يذكر أن الشيخ سيد النقشبندي كان محبا للموالد الدينية وحفظ أشعار البوصيري وابن الفارض، وفي عام 1955 عاد إلى مدينة طنطا واستقر بها طوال حياته حتى ذاعت شهرته في مصر والدول العربية والأفريقية والأسيوية وغيرها، وفي عام 1966 التقى بمسجد الحسين بالإذاعي الكبير أحمد فراج الذي قام بتسجيل بعض البرامج له بموافقة رئيس الإذاعة محمد محمود شعبان في هذا الوقت ومنها برنامج في رحاب الله عام 1967وبرنامج دعاء الذي كان يذاع يوميا عقب آذان المغرب، ثم البرنامج الإذاعي الباحث عن الحقيقة سليمان الفارسي، ثم بدأ بالاشتراك في العديد من الأدعية والابتهالات الدينية بالإذاعة والتليفزيون وأهمها كان بشهر رمضان وقد لحن له العديد من أشهر الملحنين في مصر في حينه ومنهم محمود الشريف وسيد مكاوي وأحمد صدقي وحلمي أمين ثم بليغ حمدي الذي لحن له ابتهال مولاي يا مولاي وهو من أشهر الألحان، ويعتبر أستاذ المداحين وسيد المبتهلين وكبار المنشدين بمصر بسبب صوته الأخاذ وتجلياته العلية ونغمات مقامات صوته التي ترق لها القلوب فتصبح عامرة بالحب الإلهي والإيمان، وقد ارتبط اسمه بالشهر الكريم عندما كان يصافح قلوب الصائمين لحظة الإفطار وما تبثه الإذاعة المصرية من ابتهالاته التي كانت تنبع من قلبه قبل حنجرته فتدخل الخير والبهجة والبركة على الكبار والصغار وكأن صوته نفحة بربانية تهل على أسر الصائمين فتسعدهم فتنشأ الرحمة والمودة بينهم عند لحظات الإفطار. بدأ الشيخ سيد الابتهال والإنشاد الديني وقراءة القرآن في سن مبكرة فبرع في الابتهالات وكأنها خلقت له وخلق لها حتى صار صاحب مدرسة تميزت بالصوت الجميل الموسيقي الخاشع فلقب بالكروان، وقد أجمع خبراء الأصوات على أن صوته من أعزب الأصوات التي قدمت الدعاء الديني ومن أهم أعماله الكثيرة وأشهرها "جل الإله، أقول أمتي، يا رب دموعنا، حشودنا تدعوك، ربنا، ليلة القدر، مولاي يا مولاي، إن عظمت ذنوبي، يا رب كرمك علينا، رمضان أهلا، ماشي في نور الله، الله يا الله، ربي هب لي هدى، ثم سبحانك ربي سبحانك"، وكانت من آخر ابتهالاته، وهناك عشرة من الأدعية مرتبطة له بشهر رمضان وهي المتعلقة بالصيام ورجاء تقبله من الله ثم الهدى واللطف من الله بحال المسلمين، وكذلك أدعية متعلقة بالاستغفار والسعي على الرزق، والدعاء بالنصر على الأعداء والحث على زكاة الفطر واستقبال عيد الفطر ومن أشهرها على الإطلاق الأدعية المرتبطة بابتهال الله يا الله بشهر رمضان.
يذكر أن هذا المبتهل الجليل الذي لن تنساه ذاكرة المصريين وبخاصة في هذا الشهر الكريم بأن الرئيس السادات قد كرمه بعد وفاته ومنحه وسام الدولة من الدرجة عام 1979 وكذلك الرئيس مبارك، وكذلك محافظة الغربية التي كرمته وتم دفنه حسب وصيته بها عام 1976، وأطلق اسمه على أكبر شوارع طنطا الممتد من ميدان المحطة وحتى ميدان الساعة ليظل هذا الشيخ الجليل بإرثه الديني التراثي الكبير الذي تركه من ابتهالات وأدعية وتلاوة وآذان من أجمل وأعرق ما خلد لأمتنا المصرية والإسلامية لهذا الصرح الكبير النقشبندي.